molay مدير مراقب
البلد : المغرب الجنس : عدد المساهمات : 11945 تاريخ التسجيل : 17/12/2009 الموقع : STARMUST2
بطاقة الشخصية الدرجة: (1365/1365)
| موضوع: ليس منا من لم يوقر كبيرنا - عبد العزيز بن محمد السدحان / الرياض الأحد 5 فبراير - 4:50:57 | |
|
ليس منا من لم يوقر كبيرنا
عبد العزيز بن محمد السدحان / الرياض
الخطبة الأولى
معاشر المسلمين، إن من المعلوم أن دين الإسلام أعظم الأديان السماوية وأكملها، فأحكامه وتشريعاته صالحة لكل زمان ومكان، مهما تبدلت أحوال الناس، واختلفت أمكنتهم وألسنتهم، مع هذا كله فهو دين شامل لمصالح الناس جميعا. فشريعة الإسلام أعظم الشرائع وأيسرها وأبلغها، جلت القلوب، وسمت بالنفوس، وهذبت الجوارح، فتحت أبواب المصالح ورغبت فيها، وغلقت أبواب المفاسد ورهبت منها. وجماع القول: أن تعاليم الإسلام وأحكامه قد أعطت كل ذي حق حقه ومستحقه، بل وحتى مع غير المكلفين، بل وغير العقلاء من الحيوان والطير، بل وما هو أدنى من ذلك كله كحق الكافر المعاهد أو الذمي ونحوهم.
معاشر المسلمين، وممن عظم الإسلام حقهم واهتم بشأنهم وتكاثرت النصوص في العناية بهم أولئك الذين شابت رؤوسهم ولحاهم في الإسلام.
معاشر المسلمين، إن للمسنين عند الله تعالى منزلة رفيعة ومكانة عظيمة، فقد خصهم الله تعالى بأحكام دون غيرهم، وتلك الأحكام فيها حفظ لمكانتهم وتوقير لكبر سنهم ومنزلتهم. فعن عبادة بن الصامت قال: قال رسول الله : ((ليس منا من لم يجلّ كبيرنا)) أخرجه الإمام أحمد والحاكم، وعن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال: قال رسول الله : ((ليس منا من لم يعرف شرف كبيرنا)) أخرجه أحمد والترمذي، وعن أنس بن مالك قال: جاء شيخ يريد النبي فأبطأ القوم أن يوسعوا له فقال رسول الله : ((ليس منا من لم يوقر كبيرنا)) أخرجه الإمام الترمذي والطبراني، وقال : ((إن من إجلال الله إكرامَ ذي الشيبة المسلم)) أخرجه أبو داود عن أبي موسى رضي الله تعالى عنه، وقال : ((يسلم الصغير على الكبير)) أخرجه البخاري عن أبي هريرة ، وجاء إلى النبي رجلان في قضية خصومة لهما مع غيرهما فأراد أن يتكلم الأصغر منهما فقال : ((كبّر كبّر)) وفي لفظ: ((كبر الكبُر))، قال الراوي: ليلِ الكلام الأكبر منكما. وأخرج أبو داود عن عائشة رضي الله تعالى عنها قالت: كان يتسوك وعنده رجلان فأراد أن يعطي السواك أحدهما، فأوحي إليه أن أعط السواك الأكبر. ومن إكرام النبي للكبير ما أخرجه الإمام أحمد وغيره عن أنس قال: جاء أبو بكر بأبيه أبي قحافة رضي الله تعالى عنهما يوم فتح مكة يحمله حتى وضعه بين يدي رسول الله فقال : ((لو أقررت الشيخ حتى نأتيه)) تكرمة لأبي بكر.
معاشر المسلمين، ومن تعظيم الإسلام لشأن الكبير وحفظ مكانته قوله : ((البركة مع أكابركم)) أخرجه ابن حبان والحاكم والبيهقي عن ابن عباس رضي الله عنهما.
معاشر المسلمين، ولهذه النصوص وغيرها في بيان معرفة مكانة المسنين كثر كلام أهل العلم، وذكروا الشواهد والآثار في ذلك، فمن ذلك ما جاء عن مالك بن مغول رحمه الله تعالى أنه قال: كنت أمشي مع طلحة رحمه الله تعالى فصرنا إلى مضيق فتقدمني ثم قال: لو كنت أعلم أنك أكبر مني بيوم ما تقدمتك. ورأى إبراهيم بن سعد شبابا قد تقدموا على مشايخ فقال مخاطبا أولئك الشباب: ما أسوأ أدبكم لا أحدثكم سنة. الآداب الشرعية (3/268269).
معاشر المسلمين، ومن تعظيم الإسلام لشأن المسنين وحفظه لمكانتهم أنه راعى ظروفهم وعجزهم البدني في شأن العبادات، ففي شأن الصلاة أمر بمراعاة أهل الأعذار ومنهم الكبير فقال: ((إذا صلى أحدكم للناس فليخفف؛ فإن فيهم الضعيف والسقيم والكبير، وإذا صلى لنفسه فليطل ما شاء)) أخرجه الشيخان عن أبي هريرة . وفيما يتعلق بالصلاة أيضا أن الجماعة إذا تساووا فإن المقدم هو الكبير سنا لقوله : ((يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله، فإن كانوا في القراءة سواء فأعلمهم بالسنة، فإن كانوا في السنة سواء فأقدمهم هجرة، فإن كانوا في الهجرة سواء فأقدمهم سنا)) الحديث أخرجه مسلم. وكذا ما جاء في حديث مالك بن الحويرث عندما أوصاهم النبي فقال: ((إذا حضرت الصلاة فليؤذن لكم أحدكم وليؤمكم أكبركم)) أخرجه البخاري.
معاشر المسلمين، ومن مراعاة الإسلام للمسنين في شأن الصيام قوله تعالى: وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ، قال ابن عباس رضي الله تعالى عنهما: (نزلت هذه الآية في الشيخ الكبير الذي يطيق الصوم ثم ضعف فرخص له أن يطعم كل يوم مسكينا).
معاشر المسلمين، ومن مراعاة الإسلام للمسنين في شأن الحج ما جاء عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما قال: جاءت امرأة من خثعم عام حجة الوداع قالت: يا رسول الله، إن فريضة الله على عباده في الحج أدركت أبي شيخا كبيرا لا يستطيع أن يستوي على الراحلة فهل يُقضى عنه أن أحج عنه؟ قال: ((نعم)) أخرجه البخاري.
معاشر المسلمين، وإن من شديد الأسف وبالغ الأسى أن بعض الناس يترفع عن الجلوس مع المسنين بل يضيق ذرعا إذا كان بجانبه أحد المسنين في بعض مجالس الولائم والمناسبات، يشعر ذلك الشاب بتضايق من مجاورته لذلك المسن، وقد يتعمد أن يكلم جليسه من الجانب الآخر حتى ينصرف عن الحديث مع ذلك المسن، بل إن بعض الأبناء يتضايق من دخول أبيه على أصحابه إذا كانوا ضيوفا عنده، ويتحرج من هيئة أبيه ويشعر بالحرج عند زملائه.
يا سبحان الله! إذا كان هذا الشاب زاهدا في الأجر والثواب من الله تعالى في الأخذ بمشاعر ذلك المسن، فإن المروءة ومكارم الأخلاق والشهامة تحث على أن يُحترم الكبير ويعطى ما يليق به من المكانة والتقدير، وليعلم ذلك المترفع عن تقدير المسنين أن ترفعه ذاك يدل على ضعف في ديانته ونقص في مروءته وكرامته، ثم هو مع هذا آثم في فعله لترفعه وأنفته أيضا لأن صنيعه ذلك يتنافى مع توقير الكبير ومراعاة مشاعره، وقد يبتلى هذا الشاب في حال شيبته. قال يحيى بن سعيد: بلغنا أنه من أهان ذا شيبة لم يمت حتى يبعث الله عليه من يهين شيبه إذا شاب. أخرجه ابن أبي الدنيا في كتاب العمر والشيب (ص53).
معاشر المسلمين، احرصوا على توقير المسنين لعلكم تحظون بدعوة منهم، فهم من أكثر الناس طاعة لله تعالى ولهم حق البر والأخذ بخاطرهم ومراعاة مشاعرهم، قبلوا رؤوسهم، بُشّوا في وجوههم إذا قابلتموهم، قدموهم في مراكبكم ومكاتبكم، وإذا جمعتكم بهم مجالس فأظهروا لهم التقدير في الاحترام والتقديم في الكلام.
معاشر المسلمين، لقد كان هؤلاء المسنون لله تعالى يوحدون، وله يركعون ويسجدون، قبل أن يخلق أولادهم وأحفادهم وكثير من معارفهم، ألا يشفع هذا لهم بأن يُقَدّروا ويُحْترموا وأن تعرف لهم مكانتهم؟! ألا يشفع لأولئك المسنين ما أصابهم في أول حياتهم من تعب وكد ونصب ومرض في سعيهم لطلب الرزق لأهليهم وأولادهم؟!
اللهم إنا نعوذ بك أن نَزِل أو نُزَل أو نضل أو نضل أو نظلم أو نظلم أو نجهل أو يجهل علينا.
أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم...
الخطبة الثانية
اعلم -يا من كان عنده مسن أو قريب مسن- أن تلك من نعم الله تعالى عليك، وذلك أن برَّهم والترفق بحالهم والأخذ بخاطرهم ومراعاة مشاعرهم من أبواب الخير لك في دينك ودنياك وبرزخك وآخرتك، فاحمد الله تعالى على أن شرفك بخدمتهم وسل الله أن يوفقك لمرضاته ثم مرضاتهم، فهؤلاء المسنون الذين شابت رؤوسهم ولحاهم من أبواب الخير لغيرهم وبخاصة إذا كانوا من آبائك أو أجدادك ثم من غيرهم، فأولئك المسنون قد عركتهم الحياة وذاق كثير منهم مصاعب متنوعة، فصبروا واحتسبوا وكدوا واجتهدوا ولم يسترح بعضهم إلا بعد ذهاب كثير من سنين عمره. فالله الله في توقيرهم وتقديرهم، فكم من دعوة والد أو مسن بفضل الله تعالى قربت بعيدا ويسرت عسيرا وجمعت متفرقا وردت حقا ودفعت مظلمة، كم من دعوة مسن بفضل الله تعالى غيّرت أحوال وجعلت مكان الآلام آمالا، ومكان الهم والحزن فرحا وسرورا، وفي المقابل كم من دعوة مسن مظلوم مقهور قد فرقت جمعا وأبدلت بدل الغنى فقرا وبدل الصحة مرضا، وما ربك بظلام للعبيد.
معاشر المسلمين، والوالدان أحق المسنين بالتوقير والتقدير وإدخال السرور عليهما، وذلك لما أوجب الله تعالى من البر بهما وعدم أذيتهما، فاحرص -أيها المصلي- على والديك وبخاصة إذا تقدم العمر بهما، وتحمل مطالبهما، وتقرب إلى الله بطاعتهما في المعروف، واعلم أنهما من أبواب الجنة لك إن أحسنت إليهما، وإن كانت الأخرى أعاذك الله فلا يجني جان إلا على نفسه.
ومن لطيف القول في هذا المقام ما قاله أحد أدباء العصر في شأن الأم ويصلح كلامه أن يساق للوالدين جميعا، قال ما معناه: "من كان له والدان فليتدارك ما بقي من أيامهما لئلا يصبح يوما فلا يجدهما أو لا يجد أحدهما ثم لا يجد ما يعوضه عنهما، فعليك ببرهما وإن كانا كبيرين في السن أو مريضين أو كانا يكثران من الطلبات، فاذكر -أيها المسلم أنهما- إن احتاجا إليك في يوم فلقد كنت في يوم أحوج إليهما، ولئن طلبا منك أن تقدم لهما شيئا من مالك فلقد قدما لك من نفسيهما وقدمت لك الأم جسدها" انتهى كلام الشيخ الطنطاوي رحمه الله تعالى.
معاشر المسلمين، ومع كثرة النصوص والآثار الدالة على عظم شأن الوالدين ورفيع مكانهما إلا أن بعض الناس قد وجد الشيطان إلى قلبه طريقا معبدا. فيا عجبا من شأن الوالدين! ويا عجبا لشأن ولدهما! عجبا لشأن أم كان بطنها لولدها وعاء وثديها سقاء، تمرض لمرضه وتفرح لفرحه، وعجبا لشأن والد يكدح ليله ونهاره طلبا للرزق والمأوى، يبكي أولاده إذا احتاجوا شيئا فلا يقر له قرار، ولا يهدأ له بال حتى يقضي حاجتهم ما استطاع إلى ذلك سبيلا. يا سبحان الله! ما أعجب أمر الوالدين في رحمتهما وشفقتهما، فكأنهما ظل لولدهما، يتحركان بحركته ويسكنان لسكونه. وأما الأعجب من هذا كله، بل العجب الذي لا ينقضي نكران جميلهما وكفران معروفهما ومعاملتهما بالتي هي أشد وأسوأ!
معاشر المسلمين، كم سمع الناس وقرؤوا وشاهدوا من مظاهر العقوق القولية والعملية ما يندى له الجبين ويتفطر له القلب: أم تُهان، ووالد يُضرب، وآخر يلقى في دور العجزة والمسنين، فنعوذ بالله من الخزي والعار في الدنيا والآخرة.
اللهم اكفنا شر أنفسنا والشيطان، اللهم أوزعنا شكر نعمتك، وأن نعمل صالحا ترضاه وأصلح لنا ذرياتنا، اللهم اجعلنا لوالدينا بررة، اللهم اجعلنا سببا في انشراح صدورهم وفي إدخال السرور عليهم، اللهم كما حسنت خَلقنا فحسن أخلاقنا، اللهم اهدنا لأحسن الأخلاق لا يهدي لأحسنها إلا أنت، اللهم اصرف عنا سيئ الأخلاق لا يصرف عنا سيئها إلا أنت.
| |
|