molay مدير مراقب
البلد : المغرب الجنس : عدد المساهمات : 11945 تاريخ التسجيل : 17/12/2009 الموقع : STARMUST2
بطاقة الشخصية الدرجة: (1365/1365)
| موضوع: الوسطية - عبد العزيز بن محمد السدحان / الرياض الأحد 5 فبراير - 4:59:44 | |
|
الوسطية
عبد العزيز بن محمد السدحان / الرياض
الخطبة الأولى
أما بعد: فمعاشر المسلمين، لما كانت المصطلحات اللفظية تخضع في اعتبارها بحسب واضعها تنوعت مشارب الناس في تلك المصطلحات لفظا وتفسيرا، وإذا كان المعتبر عند العلماء بأنه لا مشاحة في الاصطلاح فمرادهم رحمهم الله تعالى أن وضع المصطلح وتفسيره أمر موسّع فيه شريطة أن لا يكون المصطلح يحمل اسما شرعيا وضعه المصطلحون على غير معناه، ولذا كان من سديد كلام شيخ الإسلام قوله: "ويجوز مخاطبة كل أهل اصطلاح باصطلاحهم إذا دعت الحاجة إلى ذلك وكانت المعاني صحيحة".
معاشر المسلمين، ومثال توظيف الألفاظ الشرعية في مصطلحات يخالف ظاهرها باطنها مصطلح "التوحيد" عند المعتزلة، فمرادهم بالتوحيد نفي صفات الله تعالى.
ومن المصطلحات المعاصرة التي أراد واضعوها دس السم في العسل اصطلاحهم على تسمية الربا بالفوائد، والخمر بالمشروب الروحي، وإلغاء قوامة الرجل عن المرأة بمصطلح الحرية إلى غير ذلك. وإنما سموا تلك الأسماء بتلك المصطلحات لأنهم يعلمون أن المسلم تشمئز نفسه ويحذر إذا سمع أسماء حذر الشارع من مسمياتها كالربا والخمر، ولذا عدل أولئك المخادعون عن المصطلحات الشرعية إلى مصطلحات أخرى لتغييب المصطلح الشرعي الذي بغياب اسمه عند بعضهم يترتب عليه ضعف الوازع الشرعي في نفوسهم؛ مما يُجرّئهم على التلوث في أوحال الحرام قولا وفعلا.
معاشر المسلمين، ومن المصطلحات التي كثر طرقها في وسائل الإعلام بجميع أنواعها من مرئي ومسموع ومقروء مصطلح "الوسطية"، فهذا المصطلح أصبح ثوبا يقبل التغير عند كثيرين، إن شاءوا وسّعوه وإن شاءوا ضيّقوه، يلبسونه من شاءوا متى شاءوا كيف شاءوا، ويُصَدّرُ هؤلاء كلامهم ومقالاتهم بالآية التي نصت على ذكر الوسط وهي قوله تعالى: وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا.
معاشر المسلمين، وقبل بيان مرادهم بالوسطية يحسن الوقوف عند تلك الآية التي تشبث بها أولئك فيقال:
لقد خص الله تعالى أمة محمد بخصائص عظيمة، يجمع تلك الخصائص ويميزها بين الأمم وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا، فهي أمة وسط، ووصفها بالوسط يجمع معاني كثيرة، فمن معاني الوسط رفع الحرج عن الناس والتيسير لهم في جميع أمورهم مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ. ومن أمثلة رفع الحرج والتيسير: التيمم عند العجز عن استعمال الماء، والصلاة في أي مكان طاهر في الأرض، بخلاف من قبلنا فقد كانوا لا يصلون إلا في أماكن مخصوصة. ومن ذلك أيضا تخيير ولي الدم بين الدية أو القصاص أو العفو، بخلاف من قبلنا فقد كان بعضهم ملزما بأخذ الدية، وكان بعضهم ملزما بعدم التنازل عن القصاص. ومن أمثلة التيسير أيضا: قصر الرباعية في السفر، وكذا الفطر للصائم المسافر إذا أراد ذلك، والمسح على الجوربين للمسافر ثلاثة أيام بلياليها... إلى غير ذلك.
معاشر المسلمين، ومن معاني الوسط الخير والعدل، كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنْ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ.
معاشر المسلمين، وجماع الخير والعدل في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والإيمان بالله.
ومن معاني الوسط: وضع الآصار والأغلال عنهم، وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالأَغْلالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ.
ومن معاني الوسط: أنها تجانب التفريط والإفراط في الأمور، فلا غلو ولا إهمال بل إحكام بحكمة.
ومن معاني الوسط: إعطاء كل ذي حق حقه، وَلا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ، وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى، وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا، وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا.
أقول قولي هذا وأستغفر الله...
الخطبة الثانية
معاشر المسلمين، وعودا على بدء يقال: إذا تقرر مفهوم المصطلح الشرعي للوسط وأن أمة الإسلام هي أمة وسط في أحكامها وآدابها فإن أولئك يريدون بالوسط أو الوسطية أمورا أخرى فيها تعطيل ومخالفة لنصوص شرعية تتضمن أحكاما عقدية أو فقهية، فبعضهم يفسر الوسطية بأنها غض الطرف وعدم التثريب على كل المخالفين إذا كان الجميع يستظلون بمظلة الإسلام أو حتى يتسمون باسم الإسلام، ومن لازم مذهبهم كما صرح به بعضهم من طرف خفي بل من طرف جلي أن لا إنكار على من نفى صفات الله تعالى، لا داعي لإثارة الخلاف فيمن سب الصحابة وأمهات المؤمنين، لا ينكر إلى من أداه اجتهاده إلى القول بتحليل أمر حرمه الشرع بدعوى المصلحة التي ظهرت لذلك المفتي. وهلم جرا من هذه الآراء التي ستلغي أحكام الشريعة ومقاصدها بدعوى طي بساط الشقاق والخلاف.
يا سبحان الله! يا لله العجب! ما أحلم الله! أين عقول أولئك؟! يحرصون على طي بساط الخلاف والشقاق مع المخلوقين ويفرشون بساط الشقاق مع الخالق في أحكامه! ويسعون لإرضاء المخلوقين المخالفين في سعيهم لإسخاط الخالق! عجبا من تن+ الفطر! عجبا من تناقض الأفهام! عجبا ممن يجمع البعر ويترك الدر ويعاف ماء النهر ويشرب ماء البحر!
معاشر المسلمين، لقد أوضح علماء الشريعة الراسخون أن إنكار المنكر من أعظم خصائص وسطية الأمة، وأعظم الإنكار هو الإنكار على من خالف أو هوّن من التمسك بمسلمات من ثوابت العقيدة وما علم حكمه بالضرورة، فالخلاف في مثل هذا لا قيمة له، بل هو مردود على صاحبه، وليس لذلك الخلاف وزن معتبر، وما أجمل قول القائل:
وليس كل خلاف جاء معتبرا إلا خلاف له حظ من النظر
اللهم حبب إلينا الإيمان وزينه في قلوبنا...
| |
|