molay مدير مراقب
البلد : المغرب الجنس : عدد المساهمات : 11945 تاريخ التسجيل : 17/12/2009 الموقع : STARMUST2
بطاقة الشخصية الدرجة: (1365/1365)
| موضوع: إذا وعد أخلف - عبد العزيز بن محمد السدحان / الرياض الأحد 5 فبراير - 4:52:11 | |
|
إذا وعد أخلف
عبد العزيز بن محمد السدحان / الرياض
الخطبة الأولى
معاشر المسلمين، لقد كان من شمولية دين الإسلام عنايته التامة بما يصلح الفرد والمجتمع، كان من ضمن ذلك بل ولوازمه ما بين الفرد مع غيره من بيع أو شراء وجوار، ومن تلك المتعلقات بين الفرد وغيره أيضا ما يتعلق بمسألة الوعد والوفاء به أو التخلف عنه، ولعظيم شأن المواعيد وما يترتب عليها من مصالح الفرد والمجتمع خصها الإسلام بمزيد عناية، بل جاء الترهيب الشديد لمن هون أمرها وشأنها: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لا تَفْعَلُونَ كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لا تَفْعَلُونَ، وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْئُولاً، يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ، الَّذِينَ يُوفُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَلا يَنقُضُونَ الْمِيثَاقَ.
معاشر المسلمين، وإذا كان الله تعالى قد أمر بالوفاء بالعهود والعقود وهي من أنواع الوعود فالإخلال بذلك من منكرات الأخلاق بل من لازم ذلك أن المخلف للوعد قد جمع بين سوأتين: بين ارتكاب النهي الإلهي ووصف ذلك المخلف بما لا يليق بأهل الإيمان، ومن لازم ذلك أن الوفاء بالعهد من خصال أهل الإيمان بل أثنى الله تعالى على أنبيائه عليهم السلام بتلك الخصلة الحميدة وخصها لعظيم أثرها على صاحبها وتأثيرها على الناس، فقال عن إسماعيل عليه السلام: إِنَّهُ كَانَ صَادِقَ الْوَعْدِ، ولو لم يكن في الوفاء بالوعد إلا التشبه بأخلاق الأنبياء عليهم السلام لكفى ذلك في الحرص على التخلق به ولزوم ذلك الأمر مع كل أحد، فكيف إذا ضم إلى ذلك ذم الشرع لمن أخلف وعده ونكث عهده؟! عن أبي هريرة قال: قال رسول الله : ((آية المنافق ثلاث: إذا حدث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا اؤتمن خان)) متفق عليه، وعن عبد الله بن عمرو رضي الله تعالى عنهما أن النبي قال: ((أربع من كن فيه كان منافقا خالصا، ومن كانت فيه خصلة منهن كانت فيه خصلة من النفاق حتى يدعها: إذا اؤتمن خان، وإذا حدث كذب، وإذا عاهد غدر، وإذا خاصم فجر)) متفق عليه.
معاشر المسلمين، وللوعيد الشديد في هذه النصوص أدرجها العلماء في مصنفاتهم في كبائر الذنوب والترهيب منها، فقد ذكرها الإمام المنذري في كتابه الترغيب والترهيب وقال: "الترغيب في إنجاز الموعد والأمانة، والترهيب من إخلافه ومن الخيانة والغدر"، وأوردها الإمام الذهبي في كتابه الكبائر.
معاشر المسلمين، ولقد كان العرب في جاهليتهم يعظمون شأن الوفاء بالوعد، ويعدون ذلك من كمال المروءات، بل وصل الحد بهم في حذرهم من إخلاف مواعيدهم ما ذكره الصحابي عوف بن النعمان ، وكان قد أدرك زمان الجاهلية، قال : (في الجاهلية الجهلاء لأن يموت الرجل عطشا خير له من أن يكون مخلافا لموعد) أخرجه السمعاني في أدب الإملاء والاستملاء.
معاشر المسلمين، وإذا كان الوفاء بالوعد معظَّما عند الجاهلية من باب المروءات، فكيف يقال في شأن من أخلف وعده ونكث عهده وهو من أهل الإسلام، مع أن الوفاء بالوعد في الإسلام من باب القربات الواجبة والمروءات الفاضلة. فيا لله العجب! جاهليون يعظمون شأن الوعد ويحذرون إخلافه حتى يتمنى أحدهم الموت عطشا ولا يعرف بإخلاف وعده، وموحدون لله تعالى يعرفون الترهيب من إخلاف الوعد ومع هذا كله لا يقيم بعضهم للوعد وزنا!
معاشر المسلمين، إن إخلاف الوعد من القرائن الدالة على سوء أخلاق من اتصف بها، وكيف لا يكون ذلك وقد كذب في قوله وفعله فلم يصدق فيما قال ولم يف بما وعد؟! قيل للإمام أحمد رحمه الله تعالى: كيف تعرف الكذابين؟ قال: بمواعيدهم.
معاشر المسلمين، وإن مما يزيد المسلم ألما أن يشتهر غير المسلمين بضبط مواعيدهم وحرصهم على الوفاء بها حتى أصبح بعض المسلمين يَضرِب المثل بدقة عنايتهم بالمواعيد. إن هذا الشيء عجاب؛ جاهليون قبل الإسلام وكفار بعد الإسلام يعظمون شأن المواعيد، وكثير من المسلمين على النقيض من ذلك، إي والله إن هذا لشيء عجاب!
ألا فليتق الله تعالى أولئك المخلفون لوعدهم، وليعلموا أنهم آثمون في فعلهم ذلك، وإذا تضرر بسبب إخلافهم واحد أو آحاد أو جماعة من الناس فإن دائرة الإثم تتسع بحسب عظم الضرر، وَمَا ظَلَمَهُمْ اللَّهُ وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ.
اللهم اكفنا شر أنفسنا والشيطان.
أقول قولي هذا، وأستغفر الله...
الخطبة الثانية
معاشر المسلمين، ومما ينبغي أن يعلم في أمر الوفاء بالوعد أن مخلف الوعد إما أن يكون متعمدا أو غير متعمد، فلو قدّر أنه نسي وعده أو عجز عن وفاء ما وعد به وما يتبع ذلك من الأمور التي يعذر الشرع بها صاحبها فلا حرج عليه، ومن باب أولى إذا كان الشرع يمنع منه كمن وعد صاحبه بمحرم قولي أو فعلي فلا يجب الوفاء هنا وهو مأجور على ذلك، لكن عليه أن يبادر ببيان عذره لمن وعده حتى لا يكون للشيطان نصيب، فإن رضي صاحبه فذاك، وإن سخط صاحبه على عدم وفائه بوعده فلا يضر إلا نفسه.
معاشر المسلمين، ومما لا يدخل تحت إخلاف الوعد لو أخبر من تحت يده بعقابه ثم لم يف بما قال مراعاة للمصلحة، فإن ذلك لا يدخل في إخلاف الوعد لأنه من العفو الذي حث عليه الشرع ورغب فيه. والعرب تفرق بين الوفاء بالخير والوفاء بالشر، ففي الخير تقول: وعدته، وفي الشر والعقاب يقال: أوعدته. قال الحافظ ابن حجر في الفتح (1/112): "والمراد بالوعد في الحديث الوعد بالخير، وأما الشر فيستحب إخلافه، وقد يجب ما لم يترتب على ترك إنفاذه مفسدة" انتهى كلامه رحمه الله تعالى.
معاشر المسلمين، أما إذا تعمد الواعد إخلاف وعده دون مانع شرعي وترتب الضرر على صاحبه مع قدرته وتذكره لوعده فهنا الحرج والإثم لانطباق نصوص الوعيد عليه.
اللهم اهدنا لأحسن الأخلاق لا يهدي لأحسنها إلا أنت، واصرف عنا سيئها لا يصرف عنا سيئها إلا أنت، اللهم إنا نعوذ بك من منكرات الأخلاق والأهواء والأدواء، اللهم كما حسنت خلقنا فحسّن أخلاقنا...
| |
|