molay مدير مراقب
البلد : المغرب الجنس : عدد المساهمات : 11945 تاريخ التسجيل : 17/12/2009 الموقع : STARMUST2
بطاقة الشخصية الدرجة: (1365/1365)
| موضوع: لا يسخر قوم من قوم - عبد العزيز بن محمد السدحان / الرياض الأحد 5 فبراير - 4:58:27 | |
|
لا يسخر قوم من قوم
عبد العزيز بن محمد السدحان / الرياض
الخطبة الأولى
أما بعد: فمعاشر المسلمين، لما كانت شريعة الإسلام أكمل الشرائع السماوية وأتمها كان من لازم ذلك التمام والكمال وشموليتها لجميع ما يحتاجه الخلق في أمور دينهم ودنياهم وآخرتهم، وهكذا كانت أحكام وآداب تلك الشريعة أصلحت عقائد الناس وعباداتهم ومعاملاتهم وسلوكهم.
معاشر المسلمين، ولما كانت أواصر الأخوة ودوام الترابط بين المسلم وأخيه مما تقتضيه الفطر وتشهد لحسنه العقول عنيت الشريعة بذلك وجعلته من مقاصدها وتكاثرت النصوص المؤكدة على هذا القصد العظيم: إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ، وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى، ((حق المسلم على المسلم خمس: رد السلام وعيادة المريض واتباع الجنائز وإجابة الدعوة وتشميت العاطس)) أخرجه الشيخان عن أبي هريرة .
معاشر المسلمين، ولما كانت تلك النصوص وغيرها تدل على العناية بدوام أواصر المحبة والترابط والتكاتف بين المسلم وأخيه جاء في مقابلها بل من لازمها ما ينهى ويحذر مما يوهن أو يوهي دوام الإخوة والمحبة: وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ، وَلا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا، وَلا تَنَابَزُوا بِالأَلْقَابِ، إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ، وقال : ((من غشنا فليس منا)) أخرجه مسلم، وقال : ((لا يأخذن أحدكم متاع أخيه لاعبًا أو جادًا))، ونهى عن ترويع المسلم.
معاشر المسلمين، ولما كان من حكمة الله تعالى تفاضل الناس فيما بينهم من اختلاف مراتبهم في النسب والحسب والجاه والخلْق والخلُق كان ظهور أثر الترابط في تفاوت مراتبهم ومنازلهم أشد وأقوى؛ فالغني يشفق على الضعيف ويخصه بنصيب من +اته وصدقته، والسليم يعود المريض ويواسيه ويفتح له باب التفاؤل، والعالم ينشر علمه حتى يستفيد الجاهل ويتذكر الناس ويزداد المتذكر.
معاشر المسلمين، وعودًا على بدء، إن من الأمور التي توهن رابطة الأخوة ما تهاون به بعض الناس من أمر السخرية بالآخرين وتنقصهم وازدرائهم، وهذا دليل على ضعف الإيمان ومطاوعة الشيطان، قال الشيخ السعدي رحمه الله تعالى: "فإن السخرية لا تقع إلا من قلبٍ ممتلئ من مساوئ الأخلاق متحلٍ خُلق ذميم، متخلٍ من كل خلق كريم، ولهذا قال الرسول : ((بحسب امرئ من الشر أن يحقر أخاه المسلم))" انتهى كلامه رحمه الله.
فهذا الأمر المشين فيه مفاسد كثيرة:
- منها أنه ارتكاب لما حرمه الله تعالى وحذر منه: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا يَسْخَرْ قَومٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْرًا مِنْهُمْ وَلا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ عَسَى أَنْ يَكُنَّ خَيْرًا مِنْهُنَّ.
- ومن مفاسد السخرية أن صاحبها متوعّد بالويل والثبور كما قال تعالى: وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ.
- ومن مفاسد السخرية أيضًا أنها دليل على أن صاحبها متكبر مغرور، كما جاء في الصحيح عنه : ((الكِبْرُ بَطَرُ الحق وغمط الناس)) والمراد بغمط الناس انتقاصهم وازدراءهم وهذا حرام.
- ومن مفاسد السخرية أيضًا أنها تورث القطيعة والشحناء وتزيل المحبة والإخاء وهذا جناية على مقاصد الشريعة.
- ومن مفاسد السخرية أيضًا أن الساخر الذي بدأ بالسخرية يتحمل أوزار من تبعه لا ينقص من أوزارهم شيئًا، فمن سنّ سنة سيئة فعليه وزرها ووزر من عمل بها إلى يوم القيامة.
- ومن مفاسد السخرية أنها تنبه بطابع الجاهليين، قد عيّر رجل مولى له بأمه فقال النبي : ((إنك امرؤ فيك جاهلية)) مخرج في الصحيح، ذلك لأن الطعن في الأنساب من خصال الجاهلية.
- ومن مفاسد السخرية أيضًا أنه قد يكون فيها اعتراض على قضاء الله تعالى وقدره وحكمته؛ فمن سخر بنسب أحد أو بخَلْقه أو خُلُقه فإنما يعترض على الله تعالى، وهذا مزلق خطير ومحذور عقدي يوبق بصاحبه.
- ومن مفاسد السخرية أيضًا أنها أذية للمؤمنين وهذا من الخطورة بمكان، وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا، فبأي حق يؤذى الإنسان بالطعن في نسبه أو بالطعن في خلقه؟!
- ومن مفاسد السخرية أيضًا أن عقوبتها قد ترجع على صاحبها الساخر أحيانًا، وَمَا ظَلَمَهُمْ اللَّهُ وَلَكِنْ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ، قال : ((وإن امرؤ شتمك وعيّرك بما يعلم فيك فلا تعيّره بما تعلم فإنما فيه فإنما وبال ذلك عليه)) أخرجه أبو داود، فكم تحدث الناس عن رجل سخر بخَلْق رجل أو خُلُقه فما لبث أن بلي بمثل ما سخر منه، وكم من رجل ازدرى رجلًا فجعل الله للمسخور منه علوًا وسلطة على الساخر، إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ، وكم من امرأة سخرت من غيرها فعوقبت بمثلها أو سخرت من ولد غيرها فبليت بذلك في ولدها أو أولادها. قال بعض السلف: (لو أن رجلًا عير رجلًا برضاع كلبة لرضعها) وروي مرفوعًا ولا يصح، وقال ابن سيرين رحمه الله تعالى عندما ركبه الدَيْن وحُبِسَ به: "إني أعرف الذنب الذي أصابني هذا، عيّرت رجلًا منذ أربعين سنة، فقلت له: يا مفلس". ذكر ذلك كله الإمام ابن رجب في (الفرق بين النصيحة والتعيير).
معاشر المسلمين، ومما يشهد لرجوع عاقبة السخرية على صاحبها قوله تعالى: إِنْ تَسْخَرُوا مِنَّا فَإِنَّا نَسْخَرُ مِنْكُمْ كَمَا تَسْخَرُونَ، وقوله : ((من تتبع عورة امرئ مسلم تتبع الله عورته حتى يفضحه ولو في جوف بيته)) أخرجه أحمد وأبو داود.
فيا عبد الله، الساخر اتق الله تعالى في نفسك، واخش عاجل أو آجل عقوبته.
وأنت -يا عبد الله المسخور منه- احتسب أجرك على الله، ولا تعص الله فيمن عصاه فيك، واعلم أن الساخر لا يضر إلا نفسه.
اللهم اهدنا لأحسن الأخلاق لا يهدي لأحسنها إلا أنت، واصرف عنا سيئها لا يصرف عنا سيئها إلا أنت.
الخطبة الثانية
معاشر المسلمين، وإن من السخرية التي يقع فيها بعض أهل الطاعة والجمعة والجماعة السخريةَ والتهكم بأهل المعاصي والتندر بهم في المجالس على سبيل التفكه بأخبارهم، وهذا من المحاذير الشرعية التي تدل على كبرٍ في نفس صاحبها بل قد يدفع الشيطان ذاك الساخرَ إلى نسيان فضل الله تعالى عليه.
ولتعلم -أيها الساخر- أن من كان طبعه السخرية بأهل المعاصي فإن ذلك دليل على أن الساخر من أبعد الناس نصحًا لهم؛ ذلك لأن السخرية تورث العُجْبَ، والعجبُ من أعظم أسباب غياب النصح لا لغيره فحسب بل لنفسه بخاصة.
فعليك -يا عبد الله- إذا رأيت من عصى الله تعالى وجاهر بمعصيته أن تحمد الله تعالى على معاملته لك وأن تسأله المزيد من فضله، وتأدب بما أدبك به نبيك في قوله: ((من رأى مبتلى فقال: الحمد لله الذي عافاني مما ابتلاك به وفضلني على كثير ممن خلق تفضيلا لم يصبه ذلك البلاء)) أخرجه الترمذي عن أبي هريرة . وعليك أن تسعى حسب الوسائل الشرعية إلى الإنكار والإصلاح ما استطعت إلى ذلك سبيلا.
اللهم اجعلنا ممن إذا أعطي شكر وإذا ابتلي صبر وإذا أذنب استغفر...
| |
|