molay مدير مراقب
البلد : المغرب الجنس : عدد المساهمات : 11945 تاريخ التسجيل : 17/12/2009 الموقع : STARMUST2
بطاقة الشخصية الدرجة: (1365/1365)
| موضوع: وصايا للشباب وطلبة العلم- عبد العزيز بن محمد السدحان / الرياض الأحد 5 فبراير - 4:48:05 | |
|
وصايا للشباب وطلبة العلم
عبد العزيز بن محمد السدحان / الرياض
الخطبة الأولى
أما بعد: فمعاشر المسلمين، إن من أعظم أسباب نهوض أمة الإسلام صلاح شبابها واستقامة أمورهم، فإذا رأيت شباب المجتمع بخير فأمّل بالمجتمع خيرًا، قال : ((سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله)) الحديث أخرجه البخاري، وذكر منهم شابًا نشأ في طاعة الله. وأما إذا رأيت شباب المجتمع قد أضاعوا فرائض الله وركنوا إلى فتن الشبهات والشهوات وجانبوا طريق الخير وهجروا مجالس العلم والخير فذاك نذير شر وفتنة، يقول الشاعر:
إذا رأيت شبـــاب الحـــي قد نشـــؤوا لا ينقلــــــون قــــــــلال الحبر والورقــا
ولا تراهم لـدى الأشيـــاخ في حلــــق يعون من صالح الأخبار ما اتسقا
فدعــهــــم عنـــك واعلـــم أنهـــم همــج قد بدلــــــوا بعلـــــو الهمـــــة الحمقـــــا
معاشر المسلمين، وإذا كان ذلك كذلك فخيار شباب المجتمعات أولئك الثلة المباركة الذين سلكوا طريق الاستقامة وجانبوا طريق الضلالة.
فيا معاشر شباب الإسلام، يا معشر طلبة العلم، يا غرة المجتمعات، يا بهجة الناظرين، يا من تعقد عليهم مجتمعاتهم بعد الله الآمال، يا من يؤمّل أن تكونوا أئمة في العلم ترتقون المنابر وتتصدرون المحاريب وتجلسون لتعليم الناس، الناس إلى مجالسكم يردون، وعن توجيهكم وأدبكم يصدرون.
شباب الإسلام، طلبة العلم، شمروا عن سواعد الجد وأخلصوا لله في جميع شأنكم، واعلموا أنكم مرآة يرى فيها الناس فضائل الأقوال والأعمال، فاستشعروا مسؤوليتكم ودوركم.
معاشر شباب الإسلام، معاشر طلبة العلم، لتكن دعوتكم على علم وبصيرة، ففي ذلك سلامة لدعوتكم من الخلل والزلل. احرصوا على تحصيل العلم الشرعي، جالسوا أهل العلم، سلوهم عما أشكل عليكم، واعلموا أن داعية الخير إذا كان على بصيرة من أمره أقبل الله بقلوب الناس إليه، وعظم تأثيره عليهم، ذلك لأن الداعية بعلم يرى منارات الطريق ويجتنب عثراتها، فالله الله -معاشر شباب الإسلام- في تربية النفس وتقويمها بالعلم، قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنْ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنْ الْمُشْرِكِينَ. علموا الناس العلم، وأشيعوه بينهم، وإياكم والقول بلا علم. ليتقرب الواحد منكم إلى ربه بقوله: (لا أدري) إذا كان لا يدري، فإن ذلك من توفيق العبد. اجتهدوا في طلب العلم والتبصر في الأمر يزدكم الله علمًا وعملًا وتوفيقًا وسدادًا.
معاشر شباب الإسلام، معاشر طلبة العلم، كونوا قدوة للناس في تعاملكم، فأنتم موضع التقدير والتبجيل عند الناس، لا لأنسابكم ولا لأحسابكم، وإنما لما حباكم الله تعالى به من الالتزام وسلوك سبيل الاستقامة وطلب العلم، فحافظوا على سمعتكم وتقدير الناس لكم، وإياكم والتفريط في هذه النعمة.
احذروا نفرة القلوب منكم وعنكم، قال بعض السلف: إياكم ونفرة القلوب عنكم، قالوا: وما نفرة القلوب عنا؟ قال: يلقي الله بغضكم في قلوب من رآكم وسمع عنكم.
تذكروا -شباب الإسلام وطلبة العلم- ما أوصى وأكثر به نبيكم من التمسك بحسن الخلق كما في قوله : ((إن أحبكم إلي وأقربكم مني في الآخرة مجالس أحاسنكم أخلاقًا)) أخرجه الإمام أحمد، وقال : ((إن الرجل ليدرك بحسن خلقه درجة القائم بالليل الظامئ بالهواجر)) أخرجه الطبراني.
فيا معاشر شباب الإسلام، يا معشر طلبة العلم، لينوا في أيدي الناس، أنزلوا الناس منازلهم، وقروا الكبير وارحموا الصغير، وتحببوا إلى الناس تروا من الله تعالى ما يسركم. ولا يظننّ أحدكم أن التحبب إلى الناس من التنازل عن بعض الشرعيات؛ كلا فلا تلازم بين هذا وذاك، بل إن من أعظم أساليب التحبب إلى الناس أن يكون المسلم باذلًا للنصح شريطة أن يكون عالمًا بما يأمر عالمًا بما ينهى، رفيقًا بما يأمر رفيقًا بما ينهى، كما قرر ذلك أهل العلم.
معاشر شباب الإسلام، معاشر طلبة العلم، أين القدوة في التبكير إلى الجماعة؟! لا يأتي بعضكم إلا بعد شروع الإمام في الصلاة، بل قد يفوته من الصلاة ركعة أو ركعتان، بل قد يبلغ التفريط من بعضكم حتى تفوته الصلاة كلها، والأدهى والأمرّ أن ذلك قد يكون عادة لبعضهم، وهذا فضلًا عن تلبسه بالإثم والخطيئة فإن ضرره يتعدى إلى من كان على شاكلته، بل يزيد ضرره في حق من رآه أو سمع عنه، فماذا يقول الناس في مثل هذا؟! وكيف يكون أثر علمه أو نصحه عند من يعرفه؟! فالحذر معاشر شباب الإسلام، الحذر معاشر طلبة العلم، الحذر أن تكونوا بتأخر حضوركم عن الجماعة قدوة سوء لغيركم، فيجعلكم الناس مضغة للنقد وفاكهة للشماتة في المجالس، وقبل هذا ما يترتب من الإثم عند الله تعالى.
معاشر شباب الإسلام، معاشر طلبة العلم، تذكروا ما كان عليه سلفكم الصالح من الحرص على التبكير إلى الصلاة حتى إن الناظر في دواوين التراجم يعظم عجبُه ودهشتُه من بالغ حرصهم وعظيم شأنهم في تعظيم قدر الصلاة والتبكير إليها؛ فمن ذلك ما جاء في ترجمة الإمام الأعمش رحمه الله تعالى أنه لم تفته تكبيرة الإحرام منذ سبعين سنة، وأما القاضي تقي الدين أبو سليمان فقد ذكر عن نفسه: لم أصل الفريضة منفردًا إلا مرتين وكأني لم أصلها قط. وقال محمد بن سماعة: مكثت أربعين لم تفتني التكبيرة الأولى إلا يومًا واحدًا. وجاء في ترجمة سعيد بن المسيب أنه ما نودي للصلاة من أربعين سنة إلا وهو في المسجد قبل الأذان. وفي ترجمة إبراهيم بن ميمون الصائغ أنه كان إذا رفع المطرقة ثم سمع النداء لم يرد المطرقة مرة أخرى بل رماها وذهب إلى المسجد.
فيا شباب الإسلام، يا طلبة العلم، الزموا -رعاكم الله- هدي سلفكم، واقرؤوا سيرهم، واعلموا أن تبكيركم في الذهاب إلى المسجد من القدوة الفعلية للناس التي قد يكون أثرها في نفوسهم أبلغ وأشد من القدوة القولية.
معاشر شباب الإسلام، معاشر طلبة العلم، ومما يتعلق بالتبكير إلى الصلاة التبكير إلى صلاة الجمعة، فماذا يقال فيمن لا يحضر إلى الجمعة إلا قبيل دخول الخطيب؟! أم ماذا يقال فيمن لا يحضر إلا بعد شروع الخطيب؟! بل أدهى من ذلك ماذا يقال فيمن ذلك عادة وطبع له؟!
ألا فليتق الله تعالى من كان هذا شأنه، وليعلم أن الشيطان قد يستجره حتى يفوته الجمعة كلها، وهذا من الخطورة بمكان على المسلم عمومًا، فكيف بطالب العلم الذي جعله الناس قدوة لهم ومثالًا يحتذى به؟!
معاشر شباب الإسلام، ذكر عن حال السلف أنهم كانوا يذهبون إلى الجمعة بعد صلاة الفجر طمعًا في فضل التبكير وإدراك فضل الصف الأول.
الخطبة الثانية
معاشر شباب الإسلام، معاشر طلبة العلم، كونوا قدوة في صلة الرحم، إياكم أن تقعوا في أمر قد وقع فيه وفرط فيه الكثيرون من قطع ما أمر الله تعالى بوصله وتوعد من قطعه بقوله: فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا، وتذكروا قول نبيكم : ((لا يدخل الجنة قاطع)).
معاشر شباب الإسلام، معاشر طلبة العلم، إن من أعظم الأمور وصلًا وآكدها منزلة ما يتعلق بشأن الوالدين، ومن عجيب أمر بعضهم التناقض في هذا، فماذا يقال فيمن عرف بحسن الخلق مع الناس ولين جانبه وطيب معشره مع الناس بينما تراه جافيًا مع والديه أو أحدهما؟! كيف يريد توفيق الله تعالى وقد منع نفسه منه بعقوقه لوالديه؟! أين أنت من قول ربك: وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُوا إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا؟!
فيا شباب الإسلام، يا طلبة العلم، الزموا بر والديكم واحفظوا حقهما أحياء ببرهما والتلطف لهما، واحفظوا حقهما أمواتًا بالدعاء لهما وبوصل أصحابهما. تذكروا -شباب الإسلام وطلبة العلم- ما كان عليه أنبياء الله ورسله من البر بوالديهم فنوح عليه السلام قال: رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ، وقال الله تعالى عن يحيى عليه السلام: وَبَرًّا بِوَالِدَيْهِ، وقال عيسى عليه السلام: وَبَرًّا بِوَالِدَتِي.
تذكروا -شباب الإسلام- ما كان عليه علماء الإسلام من سلف الأمة من البر بوالديهم وعظيم القيام بشؤونهما. قال أبو يوسف: رأيت أبا حنيفة رحمه الله تعالى يحمل أمه على حمار إلى مجلس عمر بن ذر، وكان منصور بن المعتمر من أئمة الإسلام، وكان يفلي رأس أمه، وكان حيوة بن شريح يجلس للناس للعلم فتأتيه أمه فتقول: يا حيوة قم فألق الشعير للدجاج، فيقوم طوعًا لأمر أمه. وكان حُجْر بن الأدبر يلمس فراش أمه ويتقلب بظهره عليه ليتأكد من لينه وراحته ثم يضجعها عليه. فالله الله في بر الوالدين والإحسان إليهما فذلك من أعظم القربات ومن أسباب حلول البركات.
معاشر شباب الإسلام، معاشر طلبة العلم، تواصوا بالحق بينكم خاصة، واجعلوا نصب أعينكم قوله : ((الدين النصيحة))، تبادلوا النصح بينكم، وليكن مبدؤكم مبدأ الصحابة رضي الله تعالى عنهم في قول بعضهم لبعض: (اجلس بنا نؤمن ساعة)، ليفتح كل منكم صدره لنصح أخيه، بل وليفرح به فذلك من زيادة أواصر الأخوة والمحبة إذا صدق الناصح والمنصوح.
معاشر شباب الإسلام، معاشر طلبة العلم، إياكم والإغراق في كثرة المباحات من كثرة المجالس وكثرة القيل والقال وكثرة الذهاب والإياب فيما لا يعود عليكم بنفع يذكر، بل أوقات تهدر وعمر يتصرم. كان الأولى والأوجب في أمثالكم أن يحرصوا على أوقاتهم أكثر من حرصهم على أموالهم.
معاشر شباب الإسلام، معاشر طلبة العلم، عليكم بحفظ مروءتكم وبخاصة في جلوسكم مع عامة الناس، إياكم وما يخرم مروءتكم مما لا تتقبله نفوس العقلاء ويُنتَقدُ صدورُه من أمثالكم ككثرة ضحكٍ وكثرة مزاح وتمسخر، فذلك وغيره من أسباب سقوط هيبتكم وتجرّؤ الناس عليكم.
معاشر شباب الإسلام، معاشر طلبة العلم، كونوا قدوة في أمر قد فرط فيه الكثيرون، ذلكم هو أداء العمل الوظيفي على أحسن وجه، ففي ذلك براءة للذمة أمام الله تعالى أولًا ثم أمام المسؤول، وذلك من أسباب صدق دعوتكم ومن أسباب حصول بركة المال. إياكم والتفريط في أداء عملكم فيحسب ذلك على جميع أمثالكم، فيعظم الضرر ويفرح الشامت بكم.
معاشر شباب الإسلام، معاشر طلبة العلم، اعرفوا حق علمائكم، تذكروا قول نبيكم : ((ليس منا من لم يعرف لعالمنا حقه)) عظموا شأن علمائكم، ذبوا عن أعراضهم واسعوا في نشر علمهم، فذلك من أوجب الواجبات عليكم، فأنتم دعاة الخير ومبلغة العلم. احذروا وحذروا من الطعن فيهم فذلك من الموبقات المهلكات لدين المرء؛ قال الإمام ابن عساكر رحمه الله تعالى: "اعلم أن لحوم العلماء مسمومة، وأن عاقبة الله فيمن انتقصهم معلومة، ولم يتكلم أحد في العلماء بالثلب إلا ابتلاه الله قبل موته بموت القلب".
فيا شباب الإسلام، ويا طلبة العلم، أنتم اليوم طلبة علم وغدًا بإذن الله تعالى علماء يطلب العلمُ عليكم، فاحفظوا حق علمائكم يحفظ الله لكم حقكم، وإن كانت الأخرى -أعاذكم الله منها- فلا يجني جان إلا على نفسه ولا يظلم ربك أحدًا.
| |
|