molay مدير مراقب
البلد : المغرب الجنس : عدد المساهمات : 11945 تاريخ التسجيل : 17/12/2009 الموقع : STARMUST2
بطاقة الشخصية الدرجة: (1365/1365)
| موضوع: التفكر في الإنسان وخلقه (2) - سعد بن عبد الله العجمة الغامدي الثلاثاء 8 نوفمبر - 7:32:30 | |
|
علامات الساعة (1)التفكر في الإنسان وخلقه (2)
سعد بن عبد الله العجمة الغامدي
الخطبة الأولى
أما بعد: فلا زال الحديث موصولاً بسابقه حول التفكر والنظر والتأمل في خلق الإنسان والآيات العجيبة العظيمة الدالة على وحدانية الله وقدرته وعظيم خلقه ودقته وإحكامه وإحاطة علمه بكل شيء وعظيم لطفه وبره وإحسانه وإكرامه لهذا المخلوق الضعيف العاجز، هذا الإنسان المتكبر المتغطرس أمام نفسه وأقرانه وشيطانه وشهواته ونزواته، فمتى أَنْعَمَ هذا المخلوقُ الضعيفُ النظرَ وَأَمْعَنَهُ وتأمل وتفكر في كثير من المخلوقات ومنها نفسه فإنه يدرك حقائق وأشياء لا يدركها مع غفلته وسهوه ولهوه ومرحه وفرحه وتقلباته المعيشية الدنيوية.
أيها المسلمون، وأتجاوز مرحلة التخليق الأولى والثانية لظروف المتكلم والسامع والموقف، وأنتقل إلى المرحلة والطور الذي يليها، قال تعالى: مَا لَكُمْ لا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَارًا وَقَدْ خَلَقَكُمْ أَطْوَارًا [نوح: 13، 14]، وأقف عند الآية الأولى لأنها الهدف المقصود والمنشود في النهاية من وراء هذه السلسلة من الخطب والمواعظ، ولذلك يدور الكلام حولها وما في معناها بأي أسلوب يوصل إلى المطلوب، وضَعُوا خطوطًا تحتها واستفهامات وعلامات كثيرة حولها إلى حين الوصول إليها وإلى غيرها من النصوص القرآنية المؤدية للغرض المطلوب بإذن الله تعالى، والآية هي قول الله تعالى: مَا لَكُمْ لا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَارًا، أما الآية التي تليها فنمرُّ ببعض معانيها من خلال هذه الخطب، وهي قول الله تعالى: وَقَدْ خَلَقَكُمْ أَطْوَارًا أي: طورًا بعد آخر ومرحلة بعد مرحلة من النطفة إلى العلقة إلى المضغة إلى العظام واللحم والهيكل المتكامل ثم الخلق الكامل ومنها الظلمات الثلاث التي وردت في القرآن الكريم في قوله تعالى: يَخْلُقُكُمْ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ خَلْقًا مِنْ بَعْدِ خَلْقٍ فِي ظُلُمَاتٍ ثَلاثٍ ذَلِكُمْ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ فَأَنَّى تُصْرَفُونَ [الزمر: 6]. ثم تأتي الآيات الأخرى بعد هذه الآية مباشرة، وأرجو أن تتأملوها جيدًا وتقفوا عندها كثيرًا حتى نصل إليها إن شاء الله تعالى إذا كان لنا في الحياة بقية وفي الوصول إليها مقدّر، قال تعالى: إِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنْكُمْ وَلا يَرْضَى لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ وَإِنْ تَشْكُرُوا يَرْضَهُ لَكُمْ وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ مَرْجِعُكُمْ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ وَإِذَا مَسَّ الإِنْسَانَ ضُرٌّ دَعَا رَبَّهُ مُنِيبًا إِلَيْهِ ثُمَّ إِذَا خَوَّلَهُ نِعْمَةً مِنْهُ نَسِيَ مَا كَانَ يَدْعُو إِلَيْهِ مِنْ قَبْلُ وَجَعَلَ لِلَّهِ أَنْدَادًا لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِهِ قُلْ تَمَتَّعْ بِكُفْرِكَ قَلِيلاً إِنَّكَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا يَحْذَرُ الآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُوْلُوا الأَلْبَابِ قُلْ يَا عِبَادِ الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا رَبَّكُمْ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةٌ وَأَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةٌ إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ [الزمر: 7-10].
أذكِّر بهذه الآيات الكريمة التي تحمل المواعظ البليغة، وأعود إلى القرار المكين وإلى الظلمات الثلاث للتذكير ببعض ما ورد فيها لوضع النقاط على الحروف كما يقال، ولفتح الأبواب، وليتفكرَ ذَوُو الألباب ويَقِفُوا على ما ورد في القرآن الكريم والأحاديث الصحيحة والأقوال المأثورة والتفسيرات الموثوقة والعلم الصحيح من الحقائق الواضحة، قال تعالى: وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإِنسَانَ مِنْ سُلالَةٍ مِنْ طِينٍ ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَكِينٍ ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا ثُمَّ أَنشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ [المؤمنون: 12-14]، وقال تعالى: أَلَمْ نَخْلُقْكُمْ مِنْ مَاءٍ مَهِينٍ فَجَعَلْنَاهُ فِي قَرَارٍ مَكِينٍ إِلَى قَدَرٍ مَعْلُومٍ فَقَدَرْنَا فَنِعْمَ الْقَادِرُونَ وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ [المرسلات: 20-24].
لقد هَيَّأَ اللهُ عَزَّ وجَلَّ أرحامَ الأمهات لتكون قرارًا مكينًا مزوَّدًا بما تحتاجه النفس البشرية منذ دخولها وهي نطفة إلى مرورها بمراحلها المختلفة وأطوارها المتعددة حتى خروجها من تلك الأرحام، ففي تلك الظلمات الثلاث ظلمة البطن الذي تستقر فيه الرحم، وظلمة الرحم الذي يغَلِّفُ ويغطي المشِيمَةَ وما بداخلها من أغشية محيطة بالجنين داخل الرحم وهي غشاء السّلى والغشاء المشيمي والغشاء الساقط، أما غشاء السلى الغشاء الباطن فهو يحيط بالجنين من كل جانب إحاطة تامة، وهو كيس غشائي رقيق مقفل، به سائل يزداد مع نمو الجنين، يسبح فيه الجنين ويتقلب يَمْنةً ويَسْرَةً ويمسك بالحبل السُّرِّيِّ في أمانٍ تامٍّ بإذن الله عز وجل كما ورد ذلك في القرآن الكريم عن القرار المكين، ولهذا السائل الموجود في القرار المكين ـ وهو جزء منه ـ فوائدُ عظيمةٌ لا يمكن الاستغناء عنها في تكوين الجنين ونموه في الرحم ومنها:
1- تغذية الجنين لاحتواء السائل على مواد زلالية وسكرية وأملاح غير عضوية.
2- حماية الجنين ووقايته من الصدمات المفاجئة والسقوط الذي قد تتعرض له الأم.
3- يسمح للجنين بالحركة الكاملة داخل الرحم.
4- يحتفظ للجنين درجة حرارة ثابتة تقريبًا.
5- يمنع هذا السائل الغشاء المحيط به من الالتصاق بالجنين، فلو التصق الغشاء بالجنين لكان أحد العوامل الهامة في حدوث التشوهات الخلقية.
هذه أهم وظائفه أثناء الحمل، أما وظائفه أثناء الولادة فهي مهمّة للوليد ولأمه أيضًا؛ حيث يكوّن ذلك السائل جَيْبَ المياه الذي يوسِّع عنقَ الرحم لكي يخرج المولود بإذن الله، وهو مع ذلك يقي الجنين من أن ينحشر وينضغط بين جدران الرحم، ولولا لطف الله وعنايته وقدرته وتسخيره لجيب المياه هذا لتهَشَّمَ رأسُ الجنين وقت الولادة، ومع ذلك فهو يقوم بتمهيد وتعقيم الطريق للجنين عندما ينفجر فيقتل الميكروبات الموجودة في المهبل قبيل الولادة مباشرة حتى يخرج الجنين في ذلك المجرى الممهد المعقّم. فمن الذي خلق وأوجد وأبدع وأحكم ذلك وغيره؟! إنه اللهُ الذي لا إله إلا هو العزيزُ الحكيمُ أحكمُ الحاكمينَ وأرحمُ الراحمينَ، سبحانه لا إله إلا هو القادرُ على كلِّ شيءٍ، العليم ُالخبيرُ الذي أعطى كلَّ شيءٍ خلقَه ثُمَّ هَدَى.
وغشاء السّلى السابق ذكره ما هو إلا جزء من ثلاثة أجزاء وأغشية محيطة بالجنين داخل الرحم، فالغشاء الثاني هو غشاء المشيمة الذي يكون بين الغشاء الساقط من الخارج وبين غشاء السّلى من الداخل، وغشاء المشيمة هذا فيه آيات عجيبة وعظيمة، فهو يتركب من طبقتين أو ورقتين: خارجية والتي بها الزّغابات والخملات الكثيرة التي يُنقل بواسطتها الغذاء والأكسجين من الأم إلى الجنين، كما يُنقل بواسطتها غاز ثاني أكسيد الكربون والبولينا من الجنين إلى دم الأم، أما الطبقة الداخلية فتغطي كيس المحّ أو الصفار، وتشمل مبدأ ظهور الأوعية الخارجية في الجنين، ويتكوَّن ذلك الغشاء عند تكوّن النطفة الأمشاج في المراحل الأولى من التلقيح، وهذا الغشاء ينمو مع نمو الجنين ولا يكتفي بامتصاص الغذاء من البحيرة الدموية المحيطة به، وخاصة أن النساء إلا فيما ندر تنقطع عندهن العادة الشهرية ونزول دم الحيض إلى الخارج لتتحول بإذن الله عز وجل إلى ما يفيد الجنين ويفيد أمه؛ لأن في خروجه إنهاكًا لها وضعفًا خاصة إذا زاد عن حده، وليس الامتصاص المفيد من دم الحيض والعادة عن طريق تلك الخملات والزغابات فقط، بل هناك دورتان دمويتان متقاربتان قربًا شديدًا من بعضهما في الغشاء المشيمي، لا يفصل بينهما إلا جدارٌ رقيقٌ من خلايا الخملات، ومع أنهما لا تتصلان ببعضهما لكيلا يندفع الدم من واحدة إلى أخرى إلا أن اتصالهما وثيق من حيث قيام كل دورة بعملها ووظيفتها أَتَمَّ قيام وأحسنه وأكمله بقدرة الله ومشيئته، حيث ينتقل الغذاء المنتقى والمختار للجنين بعناية فائقة من دماء الأم في الرحم ودورة الأم الدموية إلى الأوعية الدموية للجنين، وينتقل معها أيضًا الأوكسجين ومواد المناعة للأمراض والأوبئة، كما تنقل الأخرى من الجنين إلى الأم كل المواد السامة التي تنتج عن عملية البناء والهدم المستمرة في خلايا الجنين مثل البولينا وثاني أ+يد الكربون لتحملها إلى أجهزة إفراز وإخراج الأم، ويمنع ذلك الغشاء المشيمي عن الجنين بإذن الله ما هو ضار وموجود في دماء الأم الموجودة في الرحم، ويتم تزويد الجنين عن طريقه وعن طريق الحبل السري بما يحتاجه ويفيده ويخرج عنه ما يضره من الغذاء والهواء إدخالاً وإخراجًا، كل ذلك داخل الرحم الذي لم نتعرض له ولا لبطن الأم ولا للحوض الذي يختلف بعض الشيء عن حوض الرجل من حيث التركيب في الاتساع والعرض والقصر والخشونة والليونة والبروز والعمق؛ لكي يساعد على حياة الجنين أولاً ثم الخروج ثانيًا، ولذلك وقف الناس في القديم والحديث مندهشين، وقليل منهم من يهتدي إلى الجواب الصحيح.
فسبحان من خلق فسوى! وسبحان من قدر فهدى! خلق الأجنة وسوّاها، وقدَّر ظهور أعضائها وهداها لوظائفها، وخلق المشيمة وسوّاها، وقدر محتوياتها وتركيبها، وأوجد غشاءها العجيب وهداه لوظائفه العديدة المعجزة بحيث كان من أسباب حياة ذلك الجنين وهو في رحم أمه بحيث لا يضرها وجودُه طيلة بقائه في رحمها مع أنه لو رجع إلى رحمها مع رجوع الرحم عند الولادة وبقي فيها لماتت هي ولفظت أنفاسها، فسبحان من أوجد القرار المكين للأجنة ورعاها وحفظها! فسبحانه من إله عظيم حليم، لا إله إلا هو الحي القيوم الذي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى [طه: 50]، سَبِّحْ اسْمَ رَبِّكَ الأَعْلَى الَّذِي خَلَقَ فَسَوَّى وَالَّذِي قَدَّرَ فَهَدَى [الأعلى: 1-3]، وحفظها في مراحلها المختلفة، وأبعد عنها ما يضرها ويؤذيها، وهَيَّأَ لها ذلك كله، وأمدها بما تحتاجه من الغذاء والهواء، وأوصله إليها بإحكام وإتقان وإبداع لا مثيل له ولا نظير.
سبحانك ربنا وبحمدك، خضعت لك رقابنا، وذلَّت وخشعت لك جميع جوارحنا وأعضائنا، وسجدت لك وجوهنا وجباهنا على الأرض، واقشعرت جلودنا ولانت خوفًا منك ومن عقابك وتقربًا ورجاءً في رحمتك وطمعًا في ثوابك وحبًا لك وطاعة وامتثالاً.
الخطبة الثانية
الحمد لله حمدًا كثيرًا طيبًا مباركًا فيه كما يحب ربنا ويرضى وكما ينبغي لجلال وجهه وعظيم سلطانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، اللهم صلِّ وسلم وبارك على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وصحبه.
أما بعد: فإن الغشاء الثالث الذي هو أحد الأغشية الثلاثة التي هي في مجموعها تكوّن غشاء المشيمة كما هو في الاصطلاح بين العلماء يسمى بالغشاء الساقط، وهو غشاء مخاطي رقيق مبطِّن للرحم، ينمو نموًا هائلاً أثناء الحمل حتى يصبح إسفنجيًا بحيث يغطي الجنين ويحميه بإذن الله عز وجل، ثم يسقط ويخرج أخيرًا مع دم النفاس.
وهذه العلوم والمعارف ليست جديدة على العلماء المسلمين المتقدمين الأفذاذ، فقد فتح الله عليهم من العلوم ما يعجز عنه ملايين البشر اليوم ممن لديهم وتحت تصرفهم واستعمالاتهم الكثير من الأجهزة الحديثة، ولكنهم لم يُوَفَّقُوا لتسخير تلك المخترعات والاستفادة منها في زيادة الإيمان بالله وترسيخ العقيدة، بل انْبَهَرُوا منها ووقفوا منها مواقف متباينة، وإلا لو قاموا بما أمر الله به لأنجز لهم وعده، قال الله تعالى: وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمْ اللَّهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ [البقرة: 282].
فمن أولئك العلماء الأفذاذ ابن القيم رحمه الله المعروف بابن قيم الجوزية الذي توفي قبل أكثر من سبعمائة سنة، وألَّفَ كتبًا عظيمة النفع للمسلمين تصل إلى شغاف القلوب وتزيدها إيمانًا ويقينًا رحمه الله رحمة واسعة وأسكنه فسيح جناته، وعلى كل طالب علم أن يَضُمَّ إلى مكتبته الفقهية تلك الكتب الثمينة، ومنها مفتاح دار السعادة ومنشور ولاية أهل العلم والإرادة، والتبيان في أقسام القرآن، وطريق الهجرتين.
يصف ذلك الإمامُ العالِمُ الفقيهُ المحدِّثُ الإنسانَ وصفًا دقيقًا بارعًا في مختلف المراحل التي يمر بها، ولننظر إلى وصفه الدقيق لخروج الجنين لحظة الولادة، يصفه وصفًا كأنه طبيب معاصر لديه أعلى الشهادات العالمية والخبرات الميدانية، وكأن لديه من الأجهزة الحديثة الموضحة لذلك ما يبهر العقول، علمًا بأنه عاش قبل سبعة قرون، ولكنه نور البصيرة الذي أعطاه الله إياه، وقد ثبت حاليًا الذي قاله.
ومما قال رحمه الله عن الجنين حال الولادة: "وهو ـ أي: الجنين ـ معتمد بوجهه على رجليه وبراحتيه على ركبتيه، ورجلاه مضمومتان إلى قدميه ووجهه إلى ظهر أمه، وهذا من العناية الإلهية أن أجلسه هذه الجلسة في المكان الضيق في الرحم على هذا الشكل، وأول ما يخرج منه رأسه، لأن الرأس إذا خرج أولاً كان خروج سائر أعضائه سهلاً ميسورًا بإذن الله، ولو خرج على غير هذا الوجه لكان فيه تَعْوِيقٌ وعُسْرٌ، فلو خرجت الرجلان أولاً لانْعَاقَ خروجُ الباقي، ولو خرجت رجل واحدة لانعاق المولود عند الثانية، وإن خرجتا معًا انعاق عند اليدين، وإن خرجت الرجلان واليدان انعاق عند الرأس والْتَوَى إلى الخلف وتلتوي معه السُّرَّةُ وتلْتَفُّ إلى العنق، فَيَأْلمَ الرَّحِمُ ويصعب الخروج ويؤدي إلى مرضه وتَلَفِهِ". ثم تعرَّض رحمه الله للولادات المختلفة من نزول المقعدة أو دوران الوجه إلى الأمام والتواء السُّرَّة وآلام الطلق وتسهيله وتيسيره بإذن الله عز وجل إلى آخر ما ذكره رحمه الله.
وقد استنتج علماء المسلمين من القرآن الكريم والسنة النبوية ما يفيد البشرية وهو واضح غاية الوضوح، ومنها أكل الرطب مع شرب الماء عليه قبل الولادة لفوائدها العظيمة المتعددة، وأهمها انقباض الرحم بعد الولادة والمساعدة على تقليص كميات الدم النازل من الأوعية الدموية، إلى جانب تسهيل الولادة ومنع المضاعفات لحمى النفاس، مع تنظيف الأمعاء لئلا تعيق حركة الرحم، مع البعد عن القلق والخوف ولزوم الرضا والاطمئنان، وكل ذلك قد ورد في القرآن الكريم في قصة مريم العذراء بعد حملها الخفيف السريع ومجيء المخاض إليها، قال تعالى: فَحَمَلَتْهُ فَانتَبَذَتْ بِهِ مَكَانًا قَصِيًّا فَأَجَاءَهَا الْمَخَاضُ إِلَى جِذْعِ النَّخْلَةِ قَالَتْ يَا لَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هَذَا وَكُنتُ نَسْيًا مَنْسِيًّا فَنَادَاهَا مِنْ تَحْتِهَا أَلاَّ تَحْزَنِي قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِيًّا وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَبًا جَنِيًّا فَكُلِي وَاشْرَبِي وَقَرِّي عَيْنًا فَإِمَّا تَرَيْنَ مِنْ الْبَشَرِ أَحَدًا فَقُولِي إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ صَوْمًا فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنسِيًّا [مريم: 22-26]، ومكان الشاهد قوله تعالى: وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَبًا جَنِيًّا فَكُلِي وَاشْرَبِي وَقَرِّي عَيْنًا [مريم: 25، 26]، قال تعالى: قُتِلَ الإِنْسَانُ مَا أَكْفَرَهُ مِنْ أَيِّ شَيْءٍ خَلَقَهُ مِنْ نُطْفَةٍ خَلَقَهُ فَقَدَّرَهُ ثُمَّ السَّبِيلَ يَسَّرَهُ [عبس: 17-20]، ومكان الشاهد: ثُمَّ السَّبِيلَ يَسَّرَهُ [عبس: 20]، قال عز وجل: اللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَحْمِلُ كُلُّ أُنثَى وَمَا تَغِيضُ الأَرْحَامُ وَمَا تَزْدَادُ وَكُلُّ شَيْءٍ عِنْدَهُ بِمِقْدَارٍ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ الْكَبِيرُ الْمُتَعَالِ [الرعد: 8، 9]، وقال عز وجل: وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ جَعَلَكُمْ أَزْوَاجًا وَمَا تَحْمِلُ مِنْ أُنْثَى وَلا تَضَعُ إِلاَّ بِعِلْمِهِ وَمَا يُعَمَّرُ مِنْ مُعَمَّرٍ وَلا يُنْقَصُ مِنْ عُمُرِهِ إِلاَّ فِي كِتَابٍ إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ [فاطر: 11]، وقال تعالى: وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لا تَعْلَمُونَ شَيْئًا وَجَعَلَ لَكُمْ السَّمْعَ وَالأَبْصَارَ وَالأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ [النحل: 78]. فهل تدبرنا وتأملنا وتفكرنا ووعينا بعض هذه الأطوار من حياتنا؟!
اللهمَّ صلِّ وسِلِّم وبارك على عبدك ورسولك محمد وآله وصحبه.
| |
|