molay مدير مراقب
البلد : المغرب الجنس : عدد المساهمات : 11945 تاريخ التسجيل : 17/12/2009 الموقع : STARMUST2
بطاقة الشخصية الدرجة: (1365/1365)
| موضوع: أصحاب الفيل وحماية الله للبيت الحرام- سعد بن عبد الله العجمة الغامدي الأربعاء 9 نوفمبر - 5:01:37 | |
|
أصحاب الفيل وحماية الله للبيت الحرام
سعد بن عبد الله العجمة الغامدي
الخطبة الأولى
أما بعد: فلقد امْتَنَّ الله بنعم كثيرة على المؤمنين عامة وعلى قريش وأهل مكة خاصة، ومن أهمها نعمةُ الأمن لبيت الله الحرام ومَنْ جَاوَرَهُ، هذا البلد الأمين الذي أقسم الله به في آيات من القرآن الكريم، مثل قوله تعالى: لا أُقْسِمُ بِهَذَا الْبَلَدِ وَأَنْتَ حِلٌّ بِهَذَا الْبَلَدِ [البلد: 1، 2]، وقوله تعالى: وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ وَطُورِ سِينِينَ وَهَذَا الْبَلَدِ الأَمِينِ [التين: 1-3]. فالبلد هو مكة المكرمة، وفيها بيت الله الحرام أول بيت وضع للناس في الأرض ليكون مثابة لهم وأمنًا، يضعون عنده سلاحهم وخصوماتهم وعداواتهم، ويلتقون فيه مسالمين، حرامًا بعضهم على بعض، كما أنَّ البيتَ وشجرَه وطيرَه وكلَّ حَيٍّ فيه حرامٌ إِيذَاؤُهُمْ، ثم هو بيت إبراهيم والد إسماعيل أبي العرب وقدوة المسلمين أجمعين، كما قال تعالى: قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآءُ مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَدًا حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ إِلاَّ قَوْلَ إِبْرَاهِيمَ لأَبِيهِ لأَسْتَغْفِرَنَّ لَكَ وَمَا أَمْلِكُ لَكَ مِنْ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ رَبَّنَا عَلَيْكَ تَوَكَّلْنَا وَإِلَيْكَ أَنَبْنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ [الممتحنة: 4]، وقال سبحانه وبحمده: مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمْ الْمُسْلِمينَ مِنْ قَبْلُ [الحج: 78]، وقال عز وجل: وَمَنْ يَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ إِبْرَاهِيمَ إِلاَّ مَنْ سَفِهَ نَفْسَهُ وَلَقَدْ اصْطَفَيْنَاهُ فِي الدُّنْيَا وَإِنَّهُ فِي الآخِرَةِ لَمِنْ الصَّالِحِينَ [البقرة: 130].
والآن مع استعراضٍ سريعٍ لسورة الفيل، ومن أراد التوضيح والاستزادة فعليه بكتب السيرة وكتب التفسير عن هذه الآيات وغيرها، ففي سورة الفيل إشارة إلى حادث مستفيض الشهرة في حياة الجزيرة العربية قبل البعثة عظيم الدلالة على رعاية الله وحمايته لهذه البقعة المقدسة التي اختارها الله لتكون ملتقى النور ومَحْضِنَ العقيدة الجديد.
وخلاصة قصة أصحاب الفيل أن الحاكم الحبشي لليمن ـ في الفترة التي خضعت فيها اليمن لحكم الحبشة بعد طرد الحكم الفارسي منها ـ الحاكم المسمى: أَبْرَهَة كان قد بنى كنيسة في اليمن باسم ملك الحبشة وجمع لها كل أسباب الفخامة والفخر والخيلاء؛ من أجل أن يصرف بها العرب عن البيت الحرام في مكة. وكانت في العرب نَخْوَةٌ وشَهَامَةٌ ولا زالت في بعضهم، فلما سمع العرب ومنهم قريش ببناء الكنيسة في اليمن غضبوا غضبًا شديدًا، فذهب رجل قرشي إليها فدخلها وتَغَوَّطَ فيها غضبًا منه لفعل أبرهة من إرادته صرف العرب عن الكعبة في مكة إلى الكنيسة في اليمن، فلما رأى السَّدَنَةُ ذلك الْحَدَثَ من هذا القرشي رفعوا أمره إلى أبرهة فعزم عندها أبرهة على هدم الكعبة، وقاد جيشًا جرّارًا من الأحباش تصاحبه الفِيَلَة، وفي مقدمتها فيل عظيم ذو شهرة خاصة عندهم، فتسامع العرب به وبقصده، وعَزَّ عليهم أن يتوجه لهدم كعبتهم، فوقف في طريقه رجل من أشراف أهل اليمن وملوكهم يُقَالُ له: ذُو نَفْر، فدعا قومه إلى حرب أبرهة وجهاده وصَدِّهِ عن البيت الحرام، فأجابه إلى ذلك من أجابه، ثم عرض له فقاتله، ولكنه هُزِمَ وأخذه أبرهة أسيرًا. ثم وقف له في الطريق كذلك نُفَيْلُ بن حبيب الخثعمي في قبيلتين من العرب ومعهم عرب كثير أيضًا، فهزمهم أبرهة، وأَسَرَ نفيلَ بن حبيب وأخذه معه، حتى إذا مَرَّ بالطائف خرج إليه مسعود بن معتّب في رجال من ثقيف فقالوا له: أيها الملك، إنما نحن عبيدك، سامعون لك مطيعون، ليس عندنا لك خلاف، وليس بيتنا هذا البيت الذي تريد ـ يعنون اللات الذي كان في الطائف يعبدونه ويعظمونه تعظيم الكعبة ـ إنما تريد البيت الذي بمكة، ونحن نبعث معك مَنْ يَدُلُّكَ عليه، فتجاوز عنهم، وبعثوا معه أَبَا رِغَالٍ حتى أنزله الْمُغَمَّس قرب مكة، فلما أنزله به مات أبو رغال هناك، فَرَجَمَتِ العربُ قبرَه بعد ذلك بسبب ما أقدم عليه من الدلالة لأبرهة على الكعبة، وأغار جيش أبرهة على سرح أهل مكة من الإبل وغيرها فأصابوا فيها مائتي بعير لعبد المطلب بن هاشم وهو يومئذٍ كبير قريش وسيدها، ثم حضر إلى أبرهة فَأَجَلَّهُ وأعظمه وأكرمه من أن يجلس تحته كما ورد في الروايات، وكره أن تراه الحبشة يجلس معه على سرير مُلْكِهِ فنزل أبرهة عن سريره فجلس على بساطه وأجلسه معه إلى جانبه، ثم قال لترجمانه: قل له: ما حاجتك؟ فقال: حاجتي أنْ يَرُدَّ عليَّ مائتي بعير أصابها لي، فلما قال ذلك قال أبرهة لترجمانه: قل له: أتكلمني في مائتي بعير أصبتها لك وتترك بيتًا هو دينك ودين آبائك قد جئت لهدمه لا تكلمني فيه؟! قال له عبد المطلب: إني أنا رب الإبل، وإن للبيت ربًا سيمنعه، قال أبرهة: ما كان ليمتنع مني، قال عبد المطلب: أنت وذاك، فردّ عليه إبله، ثم انصرف عبد المطلب إلى قريش فأخبرهم الخبر وأمرهم بالخروج من مكة والتحرز في رؤوس الجبال، ثم قام عبد المطلب وأخذ بحلقة باب الكعبة ومعه نفر من قريش يدعون الله ويستنصرونه على أبرهة وجنده وخرجوا إلى رؤوس الجبال.
أما أبرهة فَوَجَّهَ جيشَه وأَفْيَالَهُ لما جاء له، وفيهم الفيل المسمى: محمود قائدها، فَبَرَكَ دون مكة لا يدخلها وتَعِبُوا في ضَرْبِهِ على أن يتّجه لمكة ولم يفلحوا في ذلك حتى روي أنهم إذا وجهوه إلى أي جهة ينصرف ويقوم إلا جهة مكة فإنه يبرك ولا يتحرك مهما قهروه وعملوا فيه، وهذه الحادثة ثابتة بقول رسول الله يوم الحديبية حين بركت ناقته القصواء دون مكة، فقالوا: خَلأَتِ الْقَصْوَاءُ، أي: حَرَنَتْ، فقال رسول الله : ((ما خَلأَتِ الْقَصْوَاءُ، وما ذاك لها بِخُلُقٍ، ولكن حبسها حابس الفيل))، وقال رسول الله يوم فتح مكة: ((إن الله حبس عن مكة الفيل، وسلط عليها رسوله والمؤمنين، وإنه قد عادت حرمتها اليوم كحرمتها بالأمس، ألا فَلْيُبَلِّغِ الشاهدُ الغائبَ)).
ثم كان ما أراد الله من إهلاك الجيش وقائده، فأرسل الله عليهم جماعات من الطير الأبابيل ترميهم بحجارة صغيرة فيما بين العدس والحمص حتى أهلكتهم وتركتهم كورق الزرع المأكول وتساقطت لحومهم أنملة أنملة وجعلهم الله عبرة للمعتبرين.
وليتذكر المؤمنون نعمة الله عليهم وحمايته لبيته الحرام مهما كاد الأعداء له ودبروا وخططوا على مر السنين والأعوام، وأنزل الله في ذلك قرآنًا يُتلى إلى يوم القيامة وسورة سميت بسورة الفيل وغيرها من الآيات التي تذكّر بنعمة الأمن في هذا البلد الحرام وأن الله سيمنعه بمنّه وقدرته سبحانه وتعالى، فهو يعطي المهلة والإمهال لمن تسوّل له نفسه بإلحاد في بيته الحرام حتى يعتقدَ كلُّ مُخَرِّبٍ بأنه بلغ مقصوده أو قارب، ولكن الله له بالمرصاد يأخذه سبحانه أَخْذَ عزيزٍ مُقْتَدِرٍ لِيُنَكِّلَ به ويجعله آية تبلغ العالم أجمع ليرتدعَ كلُّ مفسد يريد الإخلال بأمن هذا البلد الحرام أو إلحاق الضرر به وبأهله، وليعلمَ البشرُ بأن الله سيحمي بيته ويمنعه مهما تعالت قوة البشر أو تخاذلت وتقاعست الدول الإسلامية عن حماية البيت الحرام، فهو سبحانه الذي تكفل بأمنه وحمايته، وجعل من عباده المؤمنين على مَرِّ السنين من يقوم بحمايته في الظاهر ولكن عناية الله فوق ذلك.
وهذه بعض آيات القرآن الكريم الذي لا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ تَنزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ:
قال تعالى: أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا حَرَمًا آمِنًا وَيُتَخَطَّفُ النَّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ أَفَبِالْبَاطِلِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَةِ اللَّهِ يَكْفُرُونَ [العنكبوت: 67]، وقال تعالى عن دعاء إبراهيم عليه السلام: وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا بَلَدًا آمِنًا وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَرَاتِ مَنْ آمَنَ مِنْهُمْ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ قَالَ وَمَنْ كَفَرَ فَأُمَتِّعُهُ قَلِيلاً ثُمَّ أَضْطَرُّهُ إِلَى عَذَابِ النَّارِ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ [البقرة: 126]، وقال عز وجل: وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِنًا وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الأَصْنَامَ [إبراهيم: 35]، وقال سبحانه: أَوَلَمْ نُمَكِّنْ لَهُمْ حَرَمًا آمِنًا يُجْبَى إِلَيْهِ ثَمَرَاتُ كُلِّ شَيْءٍ رِزْقًا مِنْ لَدُنَّا وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ [القصص: 57]، وقال تعالى: لا أُقْسِمُ بِهَذَا الْبَلَدِ وَأَنْتَ حِلٌّ بِهَذَا الْبَلَدِ [البلد: 1، 2]، وقال سبحانه: وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ وَطُورِ سِينِينَ وَهَذَا الْبَلَدِ الأَمِينِ [التين: 1-3]، وقال عز وجل: فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ [ قريش: 3، 4]. وينبغي لكل مسلم التدبر والتأمل في معاني وتفسير آيات سورة قريش وسورة الفيل خاصة وغيرها بصفة عامة.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ أَلَمْ يَجْعَلْ كَيْدَهُمْ فِي تَضْلِيلٍ وَأَرْسَلَ عَلَيْهِمْ طَيْرًا أَبَابِيلَ تَرْمِيهِمْ بِحِجَارَةٍ مِنْ سِجِّيلٍ فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَأْكُولٍ [سورة الفيل].
الخطبة الثانية
الحمد لله حمدًا كثيرًا طيبًا مباركًا فيه كما ينبغي لجلال وجهه وعظيم سلطانه، أحمده سبحانه وأشكره وأثني عليه الخير كله، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، وأشهد أن سيدنا وحبيبنا ونبينا محمدًا عبد الله ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وسلم تسليمًا.
أما بعد: فمعلوم لدى كل مؤمن بالله أنّ أقدس بقعة على وجه الأرض هي مكة المكرمة البيت الحرام وما جاوره من الحرم، ويجب على كل مسلم ومسلمة تقديسه واحترام حرمته ومعرفة مكانته وعدم انتهاك المحرمات فيه وفي غيره، والسيئات فيه أعظم من غيره، وأقول: أعظم وليس أكثر في العدد، كما أن الحسنات تضاعف فيه بفضل الله ورحمته. ويجب على كل مسلم حمايته، ومن حمايته أن يكون هو رجل أمن يخبر عن أي مَكْرٍ وفساد يريد أهل الشر والفساد أن يفعلوه حول بيت الله الحرام وغيره، وليعلم بأن الله سيحمي بيته سواءٌ قام المسلم بواجبه نحو ذلك أَمْ لم يقم بذلك فهو تحصيل حاصل.
وهذا ما نجده في آيات القرآن الكريم من حماية الله لبيته الحرام وسَوْق الرزق له من أرجاء المعمورة، وهذه مِنَّةٌ عظيمةٌ يَمْتَنُّ اللهُ تعالى بها على أهل بيته حتى الكفار منهم، فهو يمتعهم في هذه الحياة الدنيا وهو المتاع القليل بالنسبة لمتاع الآخرة ولكنه يضطرهم إلى عذاب النار وبئس المصير.
وخطبة الجمعة عادة لا تكفي لإعطاء الموضوع حقه من البيان والتوضيح لِنُفْرَةِ الناس من ذلك ومَلَلِهِمْ من عشرين دقيقة في الخطبتين، مع أنهم يقضون الساعات الطويلة في اللهو واللعب والسهر ولا يَمَلُّونَ، نعوذ بالله من زيغ القلوب وفسادها، ولو لم يكن في القرآن الكريم إلا هذه الآية عن هذا البلد الآمن بإذن الله لكفت كل مسلمٍ وَاثِقٍ بنصر الله وعدله وحكمته وقضائه وقدره, ولكن الآيات المؤكدة بالقسم وغيره وردت بهذا، قال تعالى: أَوَلَمْ نُمَكِّنْ لَهُمْ حَرَمًا آمِنًا يُجْبَى إِلَيْهِ ثَمَرَاتُ كُلِّ شَيْءٍ رِزْقًا مِنْ لَدُنَّا وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ [القصص: 57].
نعم، إن أكثر الناس لا يعلمون ذلك، فالعبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب، إن أكثر الناس لا يعلم ذلك التمكين للحرم الآمن ولا لجلب الرزق لهذا الوادي الذي ليس فيه زرع، وعدم العلم لأغلب الناس من عهد النبي محمد إلى أن تقوم الساعة، فالناس من حول هذه البقعة الطاهرة في خوف وقلق وهو يعيش هذا الأمن المحسود عليه من جميع الأمم على مر السنين، يقول الله تعالى عن ذلك: أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا حَرَمًا آمِنًا وَيُتَخَطَّفُ النَّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ أَفَبِالْبَاطِلِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَةِ اللَّهِ يَكْفُرُونَ [العنكبوت: 67]، فنعمة الأمن من أكبر النعم وأعظمها بعد نعمة الإسلام التي يجب الإيمان والتصديق بها وعدم جحودها وكفرانها. وقد مَرَّ بنا ذكر آيات من القرآن الكريم، ومنها قوله تعالى: وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا بَلَدًا آمِنًا وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَرَاتِ مَنْ آمَنَ مِنْهُمْ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ قَالَ وَمَنْ كَفَرَ فَأُمَتِّعُهُ قَلِيلاً ثُمَّ أَضْطَرُّهُ إِلَى عَذَابِ النَّارِ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ [البقرة: 126].
وعلى المسلم أن يستفيد دروسًا وعظات وعبرًا مما يَمُرُّ من الأحداث سواء حول الحرم أو غيره، وعليه أن يثق ويعتقد بأن الله سيحمي بيته ويفضح من يريد به سوءًا على مرأى ومسمع من العالم ليكون عبرة لغيره، وسواءٌ كان هذا الحاقد ممن يتسمّى بالإسلام والإسلام منه بريء، أو من غيره من الأعداء، فالله له بالمرصاد ويمهله حتى آخر لحظة يفرح فيها بأنه بلغ هدفه ثم يفضحه سبحانه ويُمَكِّنَ منه للقصاص والجزاء العادل الذي هو من جنس العمل. وعلى كل شابٍ مسلم في أي بقعة من الأرض أن يستفيد درسًا من أولئك الشباب المتهورين الذين لم يمروا بتجارب الحياة ولم تكن لديهم الخلفية والتفكير في عواقب الأمور وعن مقاصد وأهداف أولئك الشرذمة ومَنْ وراءَهم حيث أغروهم بالأموال والمناصب الزائلة التي اندفعوا لطلبها، وخسروها وخسروا دينهم، مع أن عقيدتهم الفاسدة عقيدة الرافضة والخوارج من أخطر ما يكون على الإسلام والمسلمين. وهكذا على مر السنين يستخدم أصحابُ الأهداف والتنظيمات السياسية والانتقامية والانقلابية والفوضوية يستخدمون الشبابَ لأغراض ينبغي أن لا تخفى على كل مسلمٍ فطنٍ يخاف من الله ومن أليم عقابه ويرجو من الله حسن الثواب.
قال تعالى: مُنِيبِينَ إِلَيْهِ وَاتَّقُوهُ وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَلا تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ [الروم: 31، 32]، وقال عز وجل: إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ إِنَّمَا أَمْرُهُمْ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِمَا كَانُوا يَفْعَلُونَ [الأنعام: 159].
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله...
| |
|