molay
مدير مراقب
البلد : المغرب
الجنس : 
عدد المساهمات : 11945
تاريخ التسجيل : 17/12/2009
الموقع : STARMUST2
بطاقة الشخصية
الدرجة:
   (1365/1365)
 | موضوع: من السنن المهجورة (1) - عبد العزيز بن محمد السدحان / الرياض  الأحد 5 فبراير - 5:01:41 | |
|
من السنن المهجورة (1)
عبد العزيز بن محمد السدحان / الرياض
الخطبة الأولى
معاشر المسلمين، لقد أمر الله تعالى العباد بطاعته ورتب على أعمالهم أجورًا وثوابًا، ولما كانت الأعمال لا بد لقبولها من شرطين: صدق في النية واتباع في العمل؛ تفاوت تحصيل العاملين للأجر بحسب بواطنهم وظواهرهم، إلا أنه مع ذلك كله فإن بعض الأعمال يزيد أجر العامل فيها بحسب ما يصاحبها، ولذا نص أهل العلم على أن ثواب العامل يضاعف كثيرًا إذا احتفت بالعمل قرائن تميزه عن غيره.
معاشر المسلمين، فمن أسباب مضاعفة أجر العامل أن يأتي المسلم بعمل عبادة يغلب على الناس الغفلة عنها بسبب العوارض والطوارق، ويشهد لذلك قوله : ((العبادة في الهرج كهجرة إلي)) أخرجه مسلم، والمراد بالهرج زمن الفتن والقتل، وإنما جاءت مشابهة ثواب العامل بثواب المهاجر لأن زمن الفتن والخوف قد يذهل الإنسان فيه عن العبادة وبخاصة ما أوجب الله تعالى عليه وتكثّر من غير ذلك، كان ذلك والله تعالى أعلم دليلًا واضحًا على تعلق العبد بربه في أحلك الظروف، ومن هذا الباب زاد أجره وثوابه.
ومثل ذلك ما ورد في دعاء دخول السوق عند من أثبت الحديث؛ فقد ورد أن ((من دخل السوق فقال: لا إله إلا الله وحده لا شريك له الملك وله الحمد يحيي ويميت وهو حي لا يموت بيده الخير وهو على كل شيء قديرح كتب الله له ألف ألف حسنة، ومحا عنه ألف ألف سيئة، ورفع له ألف ألف درجة)) أخرجه الترمذي. فكثرة الأجر على ذكر الله تعالى في مواطن الأسواق سببها أن تلك المواطن تعمر بالقيل والقال، وكثرة الأيمان واللغو في الكلام، فتغفل قلوب كثير من المتسوقين عن ذكر الله، فإذا فطن العبد لربه في ذلك الموطن، ورطب لسانه به فذلك دليل على تعلق قلبه بربه، فيضاعف له كثير من الأجر ويحط عنه كثير من الوزر.
معاشر المسلمين، ومن أسباب مضاعفة الأجر أن تكون مصلحته متعدية؛ فمن حفر بئرًا في صحراء ليس كمثل من حفر بئرًا بجانب نهر، ومن بنى مسجدًا يكن الناس من الحر ويقيهم من البرد ليس كمثل من بنى مسجدًا يخلو من تلك المنافع.
معاشر المسلمين، ومن أسباب مضاعفة ثواب العامل إظهار شعيرة من الدين عند من ينكرها أو يتجاهلها ففي ذلك مصلحة من جهتين؛ الأولى: تحقيق إظهار تلك الشعيرة ورفع لوائها إعلانًا بظهورها وإمعانًا في رد كيد من أنكرها أو تجاهلها، والمصلحة الثانية: تمثله بالسنة ذاتها في نفسه وتطبيقه لها؛ فمن مسح على الخفين عند من ينكر المسح ليس كمن مسح عند من يرى المسح.
معاشر المسلمين، ومن أسباب مضاعفة أجر العامل إظهار شعيرة قل العمل بها أو كاد، نظرًا لجهل كثير من الناس بها أو زهدهم فيها حتى يصل الأمر ببعضهم إلى إنكارها والإنكار على من يفعلها، فإظهار تلك السنن وبيانها للناس مما ترفع به الدرجات ويزيل أثر الجهل والشقاق. قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى: "ومن تمام السنة أن يفعل هذا تارة وهذا تارة وهذا في مكان وهذا في مكان لأن هجر ما وردت به السنة وملازمة غيره قد يفضي إلى التفرق والاختلاف" [المجموع (22/67)].
معاشر المسلمين، فمن السنن التي قل العمل بها فيما يتعلق بالصلاة الصلاة في النعال، ويستثنى من ذلك الصلاة فيها في المساجد المفروشة درءًا للمفسدة ومراعاة لحال الناس، ومن أعجب ما ذكر من حصول المفسدة في هذا الأمر ما ذكره الونشريسي في كتابه "المعيار المعرب" من أن هداج وهو كبير أعراب إفريقية دخل المسجد بنعليه فثارت عليه العامة فقتلوه. فعلى المسلم أن يتمثل هذه السنة إذا صلى في مساجد غير مفروشة أو صلى في بيته أو صلى في صحراء ليحظى بأجر تمثله لهذه السنة التي زهد فيها الكثير.
أخرج البخاري في الصحيح عن أبي مسلمة سعيد بن يزيد الأزدي قال: سألت أنس بن مالك: أكان النبي يصلي في نعليه؟ قال: نعم. وعن عبد الله الشخير قال: رأيت رسول الله يصلي في نعليه. أخرجه عبد الرزاق في المصنف.
فعليك -عبد الله- إذا أردت عمل هذه السنة أن تتحقق من نظافتهما لقوله : ((إذا جاء أحدكم إلى المسجد فلينظر فإن رأى في نعليه قذرًا أو أذى فليمسحه وليصل فيهما)). وبكل حال فالصلاة في النعال أحيانًا مما يضاعف به الأجر للعامل لقلة العاملين بتلك السنة. قال مسلم بن يسار: "إني لأصلي في نعلي ووضعهما أهون علي ما أبتغي بذلك إلا السنة" [طبقات بن سعد (7/187)].
معاشر المسلمين، ومن السنن التي يجهلها كثير من الناس في أمر الصلاة قراءة آيات بعد الفاتحة في الركعة الثالثة والرابعة من صلاة الظهر؛ فبعضٌ من المأمومين يسكت بعد الفاتحة في تلك الركعتين حتى يركع الإمام ويظن أن القراءة غير مشروعة وهذا خلاف السنة، بل السنة في ذلك أن يقرأ ما تيسر له حتى يركع الإمام؛ فقد ثبت أنه كان يقرأ في الأخيرتين من صلاة الظهر قدر خمس عشرة آية، فإذا كانت الفاتحة سبع آيات فمعنى ذلك أنه يقرأ بعدها آيات أخر.
معاشر المسلمين، ومن السنن التي يجهلها كثير من الناس مشروعية رد السلام في الصلاة بالإشارة؛ فلو قدر أن رجلًا كان في الصلاة فسلم عليه داخل فإن السنة في حقه أن يرد السلام عليه إشارة، وبيان ذلك من السنة أن رد السلام لفظًا من المصلي كان مشروعًا في أول الأمر ثم نسخ الرد باللفظ إلى الرد بالإشارة، وبرهان ذلك ما رواه عبد الله بن مسعود قال: كنا نسلم على رسول الله وهو في الصلاة فيرد علينا، فلما رجعنا من عند النجاشي سلمنا عليه فلم يرد علينا، فقلنا: يا رسول الله، كنا نسلم عليك في الصلاة فترد علينا! فقال : ((إن في الصلاة لشغلا)) أخرجه مسلم. ففي هذا الحديث نص على أن رد السلام كان مشروعًا قبل الهجرة ثم نسخ بعد ذلك.
وأما دليل رد السلام من المصلي إشارة فما رواه عبد الله بن عمر قال: سألت صهيبًا كيف كان النبي يصنع إذا سلم عليه؟ فقال: يشير إشارة. أخرجه الإمام أحمد.
وقد تمثل ابن عمر رضي الله تعالى عنهما ذلك علمًا وعملًا وتعليمًا؛ فعن نافع أن ابن عمر مر على رجل وهو يصلي فسلم عليه فرد الرجل كلامًا، فخرج إليه عبد الله ابن عمر فقال: (إذا سلِّم على أحدكم وهو يصلي فلا يتكلم ويشير بيده) أخرجه مالك في الموطأ.
معاشر المسلمين، وأما كيفية الإشارة برد السلام فقد أخرج أبو داود والترمذي عن ابن عمر أنه سأل بلالا عن كيفية رد النبي السلام في الصلاة، فقال بلال: يقول هكذا، وبسط كفه، وبسط جعفر بن عون أحد رجال الإسناد كفه، وجعل بطنه أسفل، وجعل ظهره إلى فوق.
الخطبة الثانية
معاشر المسلمين، ومن السنن التي قد تخفى على كثير من الناس التفل عن يسار المصلي والاستعاذة بالله من شيطان يقال له: خنزب، وذلك عند وسوسة الشيطان على المصلي في صلاته؛ فعن عثمان بن أبي العاص أنه أتى النبي فقال: يا رسول الله، إن الشيطان قد حال بيني وبين صلاتي وقراءتي يلبسها علي، فقال رسول الله : ((ذاك شيطان يقال له: خن+، فإذا أحسسته فتعوذ بالله منه واتفل على يسارك ثلاثًا))، فقال : ففعلت ذلك فأذهبه الله عني. أخرجه مسلم. قال الإمام النووي رحمه الله تعالى: "وفي هذا الحديث استحباب التعوذ من الشيطان عند وسوسته مع التفل عن اليسار ثلاثًا".
معاشر المسلمين، ومن السنن التي قل العمل بها صلاة ركعتين عند القدوم من السفر، وبيان ذلك ما أخرجه البخاري ومسلم عن كعب بن مالك قال: كان رسول الله إذا قدم من سفر بدأ بالمسجد فيركع فيه ركعتين.
معاشر المسلمين، ومن السنن المتعلقة بأئمة المساجد وقد أهملها كثير من الأئمة الحرص على تسوية الصف أو الصفوف، فبعض الأئمة قد يكبر بعد الإقامة مباشرة، وبعضهم قد اعتاد أن يقول: تراصوا ووجهه إلى الأمام ثم يكبر مباشرة دون تأكيد الأمر بالاستواء والحرص على ذلك قولًا أو فعلًا، وبكل حال فعلى الإمام أن يحرص على أمر المصلين بالتراص والنظر إلى جهتي الصف والحرص على إقامة الصف فعلًا وقولًا، والتمثل بالعبادات النبوية في مثل هذه المقامات كقوله : ((سووا صفوفكم؛ فإن تسوية الصفوف من تمام الصلاة)) أخرجه البخاري ومسلم، وقوله : ((أقيموا صفوفكم)) أخرجه البخاري، وقوله: ((تراصوا))، وقوله: ((حاذوا بين المناكب)) أخرجه أحمد والنسائي، إلى غير ذلك مما ثبت في هذا المقام.
| |
|
