molay مدير مراقب
البلد : المغرب الجنس : عدد المساهمات : 11945 تاريخ التسجيل : 17/12/2009 الموقع : STARMUST2
بطاقة الشخصية الدرجة: (1365/1365)
| موضوع: كمال التوحيد - عبد العزيز بن عبد الفتاح قاري /المدينة المنورة الأربعاء 21 ديسمبر - 5:31:50 | |
|
كمال التوحيد
عبد العزيز بن عبد الفتاح قاري /المدينة المنورة
الخطبة الأولى
أما بعد: فمن عرف الله تعالى أحبه ومن أحب الله لم يلتفت إلى غيره وأصبح قلبه مشغولاً به سبحانه عن غيره وفؤاده مملوءًا بحبه سبحانه وتعالى فلا مكان فيه لغيره.
إن العبد إذا بلغ هذه الدرجة من التوحيد استغنى عن المخلوقين وأقبل بكل قلبه وجميع جوارحه على الله تعالى، فعبادته كلها لله واستعانته كلها لله تعالى، العبد إذا بلغ هذه الدرجة الرفيعة من التوحيد استغنى عن المخلوقين وأقبل بكلّه على الله تعالى فعبادته كلها لله واستعانته كلها بالله تعالى لا يقصد غير باب الكريم لا يقصد إلا باب الرحيم الكريم فهو عند أعتاب بابه مقيم وكل من وقف على باب الرحيم الكريم لقي التنعيم والتكريم، لذلك فإن عباد الله المخلصين الذين حظوا بمقام التوحيد وذاقوا لذة التوحيد هم في شغل شاغل عن الخلائق أجمعين لما هم فيه من لذة النعيم المقيم فقد ذاقوا لذة التوحيد، فلا والله لا يبالون بالمخلوقين ولو اجتمع كل من في الأرض على حربهم والإضرار بهم ما التفتوا إليهم ولا خافوهم وما زادهم ذلك إلا إيمانًا: الذين قال لهم الناس إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم فزادهم إيمانًا وقالوا حسبنا الله ونعم الوكيل فانقلبوا بنعمة من الله وفضل لم يمسسهم سوء واتبعوا رضوان الله والله ذو فضل عظيم [آل عمران:173-174].
لما أجمع قوم إبراهيم الخليل عليه الصلاة والسلام لما أجمعوا على إحراقه وأوقدوا لذلك نارًا عظيمة ثم ألقوه فيها كان آخر ما قال إبراهيم الخليل عليه الصلاة والسلام قبل إلقائه في تلك النار كان آخر ما قال: حسبي الله ونعم الوكيل[1]، واستجاب الحكيم الكريم الغفور الودود الحنان المنان فقال: يا نار كوني بردًا وسلامًا على إبراهيم [الأنبياء:69].
يا لبلاغة القرآن العظيم انظر كيف صور القرآن هذا الأمر الكوني لو قال: يا نار كوني بردًا فقط قال المفسرون: لمات إبراهيم من شدة بردها ولكنه قال: "بردًا وسلامًا" ولو لم يقل على إبراهيم لأصبحت النار كلها بردًا إلى يوم القيامة لكنه قيد ذلك الأمر بعبده وخليله إبراهيم عليه الصلاة والسلام.
إن عبد الله وخليله إبراهيم لما لجأ إلى باب ربه الكريم سبحانه وتعالى وقلبه منشغل بحبه سبحانه وتعالى ليس في قلبه غير حب الله والتعلق بالله فإبراهيم وهو في أشد الحالات وهو يلقى في النار ولسانه منشغل بذكر محبوبه ومعبوده "حسبي الله ونعم الوكيل" والمحبوب سبحانه أشد حبًا لعبده وأعظم جودًا وكرمًا فهو لا يترك عبده المحب هذا، غير قانون الكون من أجله فإذا بتلك النار المحرقة المهلكة تنقلب بردًا وسلامًا على عبده وخليله.
وهذا سيد المرسلين وأكرم الخلق أجمعين سيدنا ونبينا محمد أعظم الموحدين درجة وأكمل الموحدين مقامًا من حبه لمعبوده وخالقه وسيده مولاه سبحانه وتعالى لم يبال من شدة بأس المكذبين وسطوتهم عليه مستعذبًا ذلك في جناب الرب الكريم فقد رموه بالحجارة حتى أدموا قدميه الشريفتين طاردوه ساخرين مكذبين في جبال الطائف ومهادها، طاردوه ساخرين مكذبين وهو يدعوهم طارده أولئك الأشقياء البائسون وهو يدعوهم إلى النجاة ويحثهم على السلامة وهم مصممون على الهلاك مصرون على النار، لكنه ظل منشغلاً بسيده ومولاه وخالقه ومعبوده سبحانه وتعالى، سيد الخلق وهو في أحلك الأوقات يطارده أعداؤه ودماؤه تسيل على قدميه ومع ذلك هو منشغل بمناجاة الإله والمعبود، لجأ إلى حما ربه وجنابه ووقف على بابه مناديًا ربه راجيًا وداعيًا إلهه بقوله: ((اللهم إني أشكو إليك ضعف قوتي وقلة حيلتي وهواني على الناس، يا أرحم الراحمين، أنت رب المستضعفين إلى من تكلني إلى بعيد يتجهمني، أو إلى عدو ملكته أمري، إن لم يكن بك علي غضب فلا أبالي، ولكن عافيتك أوسع لي، أعوذ بنور وجهك الذي أشرقت له الظلمات وصلح عليه أمر الدنيا والآخرة من أن يحل بي غضبك أو أن ينزل علي سخطك لك العتبى حتى ترضى ولا حول ولا قوة إلا بك))[2].
إن حب العبد للإله المعبود سبحانه وتعالى مقام عظيم لكنه مقام فيه مقامات ودرجة رفيعة فيها درجات يرفع الله فيها من يشاء من عباده، وقد رفع عبده ونبيه وحبيبه محمدًا إلى أعلى تلك المقامات وأعظم تلك الدرجات تأمل رقة نفسه الكريمة الشريفة وشفافية إيمانه وعظمة حبه لسيده ومولاه، سيد الخلق وهو في أحلك محنة يطارده أعداؤه ودماؤه تسيل على قدميه ومع ذلك هو منشغل بمناجاة سيده ومعبوده ومولاه سبحانه وتعالى: ((إن لم يكن بك علي سخط فلا أبالي)).
لجأ سيد الخلق إلى جناب رب كريم رحيم وفتح الكريم الرحيم أبواب رحمته لعبده وخليله وحبيبه محمد ، يروي ذلك بنفسه لزوجه أم المؤمنين عائشة يحدثها عما لقي بعد تلك المحنة فيقول: ((فرفعت رأسي فإذا بسحابة قد أظلتني فنظرت فإذا فيها جبريل فناداني فقال: إن الله قد سمع قول قومك لك وما ردوا عليك وقد بعث معي ملك الجبال إليك لتأمره بما شئت فيهم)). قال : ((فناداني ملك الجبال فسلم علي فقال: يا محمد إن الله قد سمع قول قومك لك وقد بعثني الله عز وجل إليك أنا ملك الجبال لتأمرني بما شئت فإن شئت أطبقت عليهم الأخشبين)) والأخشبان جبلان عظيمان لكنه قال: ((إني أرجو أن يخرج الله من أصلابهم من يعبد الله ولا يشرك به شيئًا))[3]، صدق من وصفه فقال: عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم بالمؤمنين رؤوف رحيم [التوبة:128].
أيها المؤمنون: إن ربكم وإلهكم ومعبودكم وسيدكم ومولاكم سبحانه وتعالى يحبّ أن تعبدوه وأن تذكروه وأن تناجوه وأن تثنوا عليه وأن تحمدوه بالمحامد كلها، يحب سبحانه وتعالى أن تلجأوا إلى جنابه وتقفوا ببابه فلا يشغلنكم عنه غيره لا تشغلنكم الأبواب عن بابه لا تشغلنكم أبواب المخلوقين عن باب الإله الخالق المعبود سبحانه وتعالى فإنه يغضب على من صرف عنه إلى غيره ويحب من أقبل عليه وفر إليه، من تقرب إليه ذراعًا تقرب الله إليه باعًا ومن أتاه ماشيًا أتاه الله سبحانه وتعالى هرولة.
فيا أيها المؤمن: أخلص قلبك لله تعالى بالعبادة والاستعانة تذق لذة التوحيد وترتق في مقاماته فذلك هو سر التوحيد أن تخلص قلبك لله تعالى بالعبادة والاستعانة ذلك هو سر التوحيد.
فإذا ملأ حب الله تعالى قلبك ذقت لذة التوحيد وارتقيت في مقاماته ودرجاته الرفيعة، وكلما نقص حب الله في قلبك نزلت عن درجات التوحيد حتى إذا تساوى حب الله تعالى وحب غيره في قلبك أمسيت مترديًا في حفرة الشرك، وكلما طغى حب غيره على قلبك ترديت في دركات الشرك إلى أسفل سافلين والعياذ بالله تعالى.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: ومن الناس من يتخذ من دون الله أندادًا يحبونهم كحب الله والذين آمنوا أشد حبًا لله ولو يرى الذين ظلموا إذ يرون العذاب أن القوة لله جميعًا وأن الله شديد العذاب [البقرة:165].
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
[1] أخرجه البخاري في صحيحه (68).
[2] أخرجه الطبراني في الكبير [(7/395) برقم (5308) كما في جامع المسانيد لابن كثير)].
[3] أخرجه البخاري في صحيحه (63).
الخطبة الثانية
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.
من يطع الله ورسوله فقد رشد ومن يعص الله ورسوله فقد غوى ومن يعص الله ورسوله فإنه لا يضر إلا نفسه ولا يضر الله شيئًا.
أما بعد: فإن خير الكلام كلام الله وخير الهدي هدي محمد وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار.
وعليكم أيها المسلمون بالجماعة، فإن يد الله على الجماعة ومن شذ شذ في النار.
يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون [آل عمران: 102]. يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولاً سديدًا يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزًا عظيمًا [الأحزاب: 70-71].
وصلوا على خاتم النبيين وإمام المرسلين فقد أمركم الله بذلك في كتابه المبين فقال جل من قائل: إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليمًا [الأحزاب:56]. اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد.
عباد الله إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكرون، فاذكروا الله العظيم الجليل يذكركم واشكروه على نعمه يزدكم ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون.
| |
|