molay مدير مراقب
البلد : المغرب الجنس : عدد المساهمات : 11945 تاريخ التسجيل : 17/12/2009 الموقع : STARMUST2
بطاقة الشخصية الدرجة: (1365/1365)
| موضوع: التوحيد - عبد العزيز بن عبد الفتاح قاري /المدينة المنورة الإثنين 12 ديسمبر - 5:02:42 | |
|
التوحيد
عبد العزيز بن عبد الفتاح قاري /المدينة المنورة
الخطبة الأولى
أما بعد:
فإن الله تعالى لما ذكر الإيمان في كتابه في سورة البقرة قدم عليه الكفر بالطاغوت قال تعالى: لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي فمن يكفر بالطاغوت ويؤمن بالله فقد استمسك بالعروة الوثقى لا انفصام لها والله سميع عليم [البقرة:255].
ولذلك قال العلماء التخلية قبل التحلية فتخلية القلب وتنقيته من سائر التعلقات بغير الله قبل تحليته بالإيمان بالله إذ لا يجتمع الإيمان بالله والتعلق بالطاغوت في قلب واحد أبدا فكما انه يجب على كل إنسان الإيمان بالله تعالى يجب عليه الكفر بالطاغوت والطاغوت هو كل راس في الضلالة سمي ذلك لطغيانه أي مجاوزته حده في العصيان وذلك مثل الكاهن والساحر والشيطان ومثل من حكم بغير ما أنزل الله قال تعالى : يريدون أن يتحاكموا إلى الطاغوت وقد أمروا أن يكفروا به ويريد الشيطان أن يضلهم ضلالا بعيدا [النساء:60].لا يتحقق الإيمان إلا بالتوحيد والتوحيد سره أن تكون متعلقات القلب كلها بالله وحده فحبه لله وحده ورجاؤه في الله وحده وخوفه من الله وحده وهذه كما بينا سابقا هي محركات القلوب الحب والرجاء والخوف وإنما يقع الإنسان في الشرك إذا تعلق شئ من هذه المحركات بغير الله تعالى وقع الإنسان في الشرك والله سبحانه وتعالى يحب من عبده أن يقبل عليه بلا واسطة وأن يكون تعلق القلب به وحده سبحانه وتعالى بلا شفيع فإذا انصرف العبد عن ربه إلى غيره وتعلق قلبه بالشفعاء والوسطاء فقد وقع في الشرك لأنه علق الرجاء الذي كان يجب أن يعلقه بالله وحده سبحانه وتعالى إلى الوسطاء والشفعاء وأول ما وقع الشرك في بني آدم كان بسبب تعلق الرجاء بغير الله تعالى فوقع بني آدم في الشرك فأجيال البشر من عهد آدم إلى عهد نوح عليهما السلام كانوا على التوحيد الخالص وكان ود وسواع ويغوث ويعوق ونسر رجالاً صالحين من قوم نوح فلما ماتوا قال بعضهم: لو اتخذنا لهم صورا تذكرنا بهم لنتأسى بهم فصوروا لهم صورا تذكرهم بهم ليتأسوا بهم ثم جاء جيل منهم بعد ذلك اندرس فيه العلم فعبدوا تلك الصور هكذا ورد الخبر عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما مرفوعا إلى النبي صلى الله عليه وسلم في صحيح البخاري[1] وفي غير الصحيح رواية أخرى أنهم عبدوا تلك الصور وعكفوا على قبور أولئك الصالحين ففي هذا الخبر ليسوا هؤلاء المشركين من قوم نوح ما عبدوا تلك الصور صور الصالحين ما عبدوها لاعتقادهم أنها أرباب من دون الله تعالى ولكن مقصدهم كان في البداية التذكر ثم تحول الرجاء في صور أولئك الصالحين إلى عبادة فوقعوا في الشرك لما صرفوا الرجاء الذي كان ينبغي أن يعلقوه بالله وحده صرفوه إلى أولئك المعبودين صرفوه إلى أولئك الصالحين الذين اتخذوا لهم تماثيل اتخذوها في البداية بقصد التذكر والأسوة ثم تحولت للجيل الذي بعدهم إلى تعلق الرجاء بغير الله حتى غلب ذلك الرجاء بغير الله إلى حد العبادة فوقع قوم نوح في الشرك لأول مرة من ذرية آدم عليه السلام وذرية نوح عليه السلام وهكذا مشركو هذه الأمة أمة محمد الذين بعث فيهم ليدعوهم إلى التوحيد ما اتخذوا الآلهة التي اتخذوها لاعتقادهم أنها أرباب من دون الله أو أنها آلهة مساوية لله في الألوهية إنما اتخذوها شفعاء ووسطاء يتقربون بها يتقربون بجاهها عند الله تعالى فمشركو قوم نوح ومشركو قريش ومشركو العرب الذي بعث فيهم سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم لم يكن منهم أحد يعتقد أن تلك الآلهة تخلق مع الله أو ترزق مع الله أو تحيي وتميت قال الله تعالى: ولئن سألتهم من خلقهم ليقولن الله [الزخرف:87]. وقال تعالى: ولئن سألتهم من خلق السماوات والأرض وسخر الشمس والقمر ليقولن الله [العنكبوت:61]. وقال سبحانه: ولئن سألتهم من نزل من السماء ماء فأحيا به الأرض بعد موتها ليقولن الله [العنكبوت:63]. إنهم لم يشركوا بالربوبية وإنما أشركوا بالألوهية وتلك الآلهة التي اتخذوها لم يتخذوها لاعتقادهم أنها مساوية لله تعالى في الألوهية ولكنهم اتخذوها كما أشرنا وسطاء وشفعاء ليتقربوا بها إلى الله تعالى اتخذوها زلفى وقربى: ألا لله الدين الخالص والذين اتخذوا من دونه أولياء ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى [الزمر:3]. لما سأل سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم حصينا فقال له: ((كم إلها تعبد؟)) سأله وهو مشرك كم إلهاً تعبد فقال: ستة واحدا في السماء وخمسة في الأرض فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: ((فمن الذي تعز منهم برهبتك ورغبتك ؟)) فقال حصين : الذي في السماء[2]
فحصين وهو مشرك ومثله باقي المشركين من العرب لم يتخذوا تلك الآلهة لاعتقادهم أنها أرباب من دون الله تخلق أو ترزق أو تحيي وتميت أو تنفع أو تضر في وقت الشدة أو تقضي الحاجة في وقت الرهبة والحاجة كلا وإنما اتخذوها يتوسطون بها ويستشفعون بها ويتزلفون بها ويتقربون بها إلى الله تعالى ولذلك كان التوحيد الذي عليه المدار هو توحيد العبادة أما توحيد الربوبية فيجب أن ننتبه ونلتفت إلى أنه لا يكفي لأن يدخل الإنسان في حظيرة الإيمان فهؤلاء المشركون مشركو العرب ومشركو قريش ومن قبلهم مشركو قوم نوح كانوا موحدين له تعالى بالربوبية ومع ذلك فهم مشركون لأنهم أشركوا بالألوهية أشركوا بالعبادة فالمدار على العبادة، العبادة التي جوامعها الحب والرجاء والخوف فالحب والرجاء والخوف عليها مدار العبادة وعليها مدار الإيمان فإذا تحققت هذه الثلاثة تم بها الإيمان لا يتم الإيمان إلا بها ولا يصح الإسلام إلا بها وهي سر التوحيد، وإذا ضم العبد إليها توحيد الله تعالى بالاستعانة والتوكل الذين هما متعلقات الربوبية فقد كمل إيمانه وكمل إسلامه وهذا هو السر المدفون في قوله تعالى في أول سورة في المصحف إياك نعبد وإياك نستعين [الفاتحة:5]. العبادة والاستعانة عليها مدار الأمر كله وقدم بالذكر العبادة على الاستعانة لأن على العبادة المدار في إرسال الرسل وإنزال الكتب ولأن الشرك الذي وقع في بني آدم إنما وقع لأول وهلة وآخر وهلة في العبادة أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: قال نوح رب إنهم عصوني واتبعوا من لم يزده ماله وولده إلا خسارا ومكروا مكرا كبارا وقالوا لا تذرن آلهتكم ولا تذرن ودا ولا سواعا ولا يغوث ويعوق ونسرا وقد أضلوا كثيرا ولا تزد الظالمين إلا ضلالا [نوح:21-24].
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم ونفعني وإياكم بما فيه من الذكر الحكيم أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
[1] أخرجه البخاري (4636)بنحوه.
[2] أخرجه الترمذي رقم (3483).
الخطبة الثانية
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله من يطع الله ورسوله فقد رشد ومن يعصهما فإنه لا يضر إلا نفسه ولا يضر الله شيئا.
أما بعد: فإن خير الكلام كلام الله وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون [سورة آل عمران:102].
يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالا كثيرا ونساء واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيبا [سورة النساء:1].
يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولا سديدا يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزا عظيما [سورة الأحزاب :70].
وصلوا على خاتم النبيين وإمام المرسلين فقد أمركم الله بذلك في كتابه المبين فقال جل من قائل: إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما [سورة الأحزاب:56]. وقال صلى الله عليه وسلم: ((من صلى علي واحدة صلى الله عليه بها عشرا))[1] اللهم صل وبارك على محمد وعلى آل محمد كما صليت وباركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم في العالمين إنك حميد مجيد وارض اللهم عن الأربعة الخلفاء الأئمة أبى بكر الصديق وعمر الفاروق وذي النورين عثمان وأبي السبطين علي وعن آل بيت نبيك الطيبين الطاهرين وعن أزواجه أمهات المؤمنين وعن الصحابة أجمعين وعن التابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين وعنا معهم بمنك وكرمك وعفوك وإحسانك يا أرحم الراحمين.
[1] صحيح مسلم (408) عن أبي هريره ري لله عنه .
| |
|