molay مدير مراقب
البلد : المغرب الجنس : عدد المساهمات : 11945 تاريخ التسجيل : 17/12/2009 الموقع : STARMUST2
بطاقة الشخصية الدرجة: (1365/1365)
| موضوع: التوحيد - عبد العزيز بن عبد الفتاح قاري /المدينة المنورة الإثنين 12 ديسمبر - 4:59:54 | |
|
التوحيد
عبد العزيز بن عبد الفتاح قاري /المدينة المنورة
الخطبة الأولى
أما بعد: فإن حقيقة التوحيد تكمن في ثلاث كلمات في الحب والرجاء والخوف فإذا ما كان حبك لله تعالى أشد من حبك لغيره وكان رجاؤك في الله تعالى أكبر من رجائك في غيره وكان خوفك من الله تعالى أعظم من خوفك من غيره فقد وصلت إلى حقيقة التوحيد.
ويتبين ذلك عند التعارض هناك الامتحان العسير هناك يتميز الصادق من الكاذب فإذا تعارض حبك لله مع حبك لشيء من المخلوقين، أو تعارض رجاؤك في الله تعالى مع رجائك في بعض المخلوقين، أو تعارض خوفك من الله تعالى مع خوفك من بعض المخلوقين، فأيهما تقدم؟
إذا وجدت حب الله تعالى في قلبك أشد من حبك لغيره فقدمت حبه على حب غيره، ووجدت رجاءك في الله تعالى أكبر من رجائك في غيره فقطعت أملك ورجاءك على المخلوقين وعلقتهما على الله سبحانه وتعالى وإذا وجدت خوفك من الله تعالى في قلبك أعظم من خوفك من المخلوقين فحرصت على رضا الخالق مهما غضب المخلوق فقد وصلت إلى حقيقة التوحيد فالزم.
إن سر ذلك يكمن في هيمنة الألوهية المتضمنة لهيمنة الربوبية، يكمن في هيمنة ألوهية الله تعالى، المتضمنة لهيمنة ربوبيته سبحانه وتعالى على خلقه، فالله هو الإله الحق الذي لا إله إلا هو القابض على كل شيء فكل شيء ملكه، الكون وما فيه خاضع لحكمه وقدره وإرادته ومشيئته خاضع لحكمته وتدبيره وأمره، فسبحانه وتعالى له الخلق والأمر.
ومن كان هذا شأنه فكيف ترجو غيره، من كان هذا شأنه فكيف تخاف من غيره؟ ثم إن الله سبحانه كريم رحيم رحمته سبقت غضبه، ورحمته وسعت كل شيء ونعيم كرمه لا ينضب يحب أن يسأله السائلون ويدعوه المحتاجون ويلجأ إليه المضطرون، ينادي كل ليلة ليستغفره المستغفرون فيستغفر لهم وليسأله السائلون فيعطيهم من كان هذا شأنه كيف لا يكون حبك له أشد من حبك لغيره.
إنها حكمة ألوهيته سبحانه وتعالى على خلقه ثابت بقوة الفطرة في كل نفس بشرية مهما حاول شياطين الإنس والجن إخفاءها أو تكديرها فهيمنة ألوهيته سبحانه وتعالى كامنة بقوة الفطرة في النفس البشرية وأكثر ما يتكشف سر ذلك عند اشتداد الحاجات وتفاقم الضرورات فهذا الإنسان إذا اشتدت حاجته لجأ إلى الإله الحق سبحانه وتعالى وانصرف عن سائر المعبودات الأخرى لأنه في قلبه ينظر بعين الفطرة لا بعين الغفلة.
سأل رسول الله رجلاً من المشركين فقال: كم تعبد؟
قال ستة في الأرض وواحدًا في السماء.
قال: فمن الذي تعد لنصرتك ورغبتك؟
قال: الذي في السماء.
قال له : ألا تسلم فأعلمك كلمات.
وجده النبي بفطرته أقرب ما يكون إلى التوحيد إنه يعد لرغبته ورهبته يعد لحاجته الذي في السماء، أما الستة الذين في الأرض فلا يحتاج إليهم في حاجة ولا في كربة.
لذلك بادر النبي فقال له: ((ألا تسلم فأعلمك كلمات. فأسلم الرجل، فعلمه النبي أن يقول: اللهم ألهمني رشدي وقني شر نفسي))[1].
نعم إن سر هيمنة ألوهية الله تعالى على خلقه هي التي تدفع فطرة الإنسان فيرفع يده إلى الذي في السماء ليقضي له حاجته أو يكشف عنه كربته، هذا هو حال الناس جميعًا هذا هو حال الخلق جميعًا فما بالك بالمؤمنين، المؤمن إذا وقع في كربة أو حلت عليه مصيبة لجأ إلى سر الألوهية متسلحًا بالتوحيد، وقف على أعتاب مقام الألوهية متلفعًا برداء التوحيد فحينئذ تتكشف له أسرار ذلك المقام الإلهي فتنهمر عليه سحائب (كن فيكون).
هذا هو نبي الله يونس بن متى، هذا نبي الله وعبده الصالح يونس بن متى لما ذهب مغاضبًا ربه، وظن أنه لن يقدر عليه أن لن يقدر عليه أي لن يعاقبه، يُقال في لغة العرب "قدر عليه" أي عاقبه وآخذه. ومنه قوله: وقُدر عليه رزقه أي "ضُيق عليه رزقه".
فظن يونس عليه السلام أن الله تعالى لن يؤاخذه وتلك كانت خطيئته فعاقبه ربه فحبسه في بطن الحوت حتى إذا أمسى يونس في تلك الظلمة ظلمة بطن الحوت، في داخل ظلمة البحر في جوف ظلمة الليل نادى وهو في تلك الظلمات: لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين [الأنبياء:87].
هنا يلجأ يونس عليه السلام إلى ألوهية الله تعالى متسلحًا بالتوحيد. "لا إله إلا أنت" لسان يونس ولسان حاله يهتف يا الله أنت الإله الحق إن لم تكشف كربتي فمن يكشف كربتي، لا يكشف كربتي إلا أنت ثم يقول: سبحانك أي: أنت المنزه عن الملك وعن كل عيب لا تظلم أحدًا ولا تعاقب إلا بذنب، فما أخذتني ولا عاقبتني، ولا أدخلتني في هذه الظلمات إلا بذنبي.
وينطق عليه السلام بلسان ربوبيته فيهتف: إني كنت من الظالمين أنا عبدك المذنب أذنبتُ وأخطأت فصرتُ مستحقًا للعقوبة، وانظر إلى كمال أدبه عليه السلام، وانظر إلى إظهاره لضعفه وعبوديته لله الإله المعبود، لم يجاهر ربه بالطلب والسؤال، لكنه اكتفى بالثناء على مقام ألوهية الله تعالى واكتفى بتصديقه وتنزيهه وبذكر حاله وضعفه وشدة كربه، ثم سكت عن السؤال وفيما قال تضمنًا للسؤال وعلام الغيوب أعلم بما في نفسه، ومثل ذلك قول نبي الله أيوب عليه السلام: أني مسني الضر وأنت أرحم الراحمين [الأنبياء:83].
في دعاء يونس عليه السلام يكمن سر التوحيد فقد لجأ يونس إلى مقام ألوهية ربه سبحانه وتعالى فتوسل بالتوحيد بتوحيده ربه، لما توسل بتوحيده ربه انهمرت عليه بركات كن فيكون وتفتحت عليه رحمات قوله سبحانه: ((إن رحمتي سبقت غضبي))[2].
فإذا بالحوت ذلك الحيوان الأصم الأعجم الأبكم يلقي يونس بكل رفق ولين، فيخرج إلى البر سالمًا، يخرج إلى الأرض من بطن ذلك الحوت ضعيفًا منهكًا كأنه جنين خرج من بطن أمه، وإذا بالأرض الصماء الجماد تحنو على يونس فتنشق عن شجرة من يقطين تظلله وتحميه عليه السلام، فتحت عليه بركات "رحمتي سبقت غضبي"، "وكن فيكون" كل ذلك بسر التوحيد ببركة التوحيد ببركة تأليه يونس وتسبيحه لربه.
قال تعالى: فلولا أنه كان من المسبحين للبث في بطنه إلى يوم يُبعثون [الصافات:143-144]. لولا سر التوحيد الذي توسل به عبدنا ونبينا يونس لكتبنا عليه أن يبقى في بطن هذا الحيوان إلى يوم القيامة لكننا نجيناه ببركة توحيده وتكبيره وتسبيحه لهذا قال سيدنا رسول الله : فيما صح عنه في سنن الترمذي: ((دعوة أخي ذي النون: لا إله إلا أنت سبحانك إني كنتُ من الظالمين ما دعا به مكروب إلا فرج الله كربته))[3].
ولكن عجبًا للإنسان المشرك حتى في كربته، عجبًا من إنسان أصبح في بطن الكربة والمصيبة فدعا المخلوق ونسى الخالق، دعا المخلوق وهو في بطن مصيبته وفي بطن كربته ونسى الخالق، فما أحرى هذا المشرك المسكين أن يمسي في بطن كربته وبطن مصيبته إلى يوم يُبعثون.
الإنسان بفطرته إذا وقع في كربة لجأ إلى الإله الحق وطرح ما سواه من الآلهة المزعومة، ولكن مع هذا الإنسان وهو في بطن المصيبة يدعو المخلوق وينسى الخالق، فهذا يستحق أن يبقى على مصيبته في بطن كربته في بطن حوته إلى يوم يبعثون، هذا شك عجيب في الربوبية والألوهية.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: فلا تدعوا مع الله إلهًا آخر فتكون من المعذبين [الشعراء: 213].
بارك الله لي ولكم في القرآن ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم. أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
[1] أخرجه الترمذي (3483) والبيهقي في الأسماء والصفات (2/329) وغيرهما وضعفه الترمذي بقوله غريب (12/368).
[2] أخرجه البخاري في صحيحه في كتاب بدء الخلق (3/1166-1167) رقم (3194).
[3] أخرجه أحمد (1/170) والترمذي (3505) والنسائي (655و656) وغيرهم وسنده جيد.
الخطبة الثانية
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا من يهد الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله من يطع الله ورسوله فقد رشد ومن يعص الله ورسوله فقد غوى ومن يعصهما فإنه لا يضر إلا نفسه.
أما بعد: فإن خير الكلام كلام الله وخير الهدي هدي محمد وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار.
وعليكم أيها المسلمون بالجماعة فإن يد الله على الجماعة ومن شذ شذ في النار.
يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون [آل عمران:102] يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولاً سديدًا يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزًا عظيمًا [الأحزاب:70-71].
ثم صلوا على خاتم النبيين وإمام المرسلين فقد أمركم الله بذلك في كتابه المبين فقال جل من قائل: إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليمًا [الأحزاب:56].
وقال : ((من صلى علىّ واحدة صلى الله عليه بها عشرًاْ)).
اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد.
وارض اللهم عن الأربعة الخلفاء الأئمة الحنفاء أبي بكر الصديق وعمر الفاروق وذي النورين عثمان وأبي السبطين علىَّ وعن آل بيت نبيك الطيبين الطاهرين وعن أزواجه أمهات المؤمنين، وعن الصحابة أجمعين والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين وعنا معهم بمنك وكرمك وعفوك وإحسانك يا أرحم الراحمين.
| |
|