molay مدير مراقب
البلد : المغرب الجنس : عدد المساهمات : 11945 تاريخ التسجيل : 17/12/2009 الموقع : STARMUST2
بطاقة الشخصية الدرجة: (1365/1365)
| موضوع: سر التوحيد وحقيقته (2) - عبد العزيز بن عبد الفتاح قاري /المدينة المنورة الثلاثاء 13 ديسمبر - 7:14:57 | |
|
سر التوحيد وحقيقته (2)
عبد العزيز بن عبد الفتاح قاري /المدينة المنورة
الخطبة الأولى
أما بعد: فحقيقة التوحيد أن تعرف الألوهية فتقوم بحقها، ألوهية الله جل جلاله وتقدست أسماؤه هذه الألوهية التي افتتح بها قرآنه وبها اختتمه.
افتتحه بقوله: الحمد لله واختتمه بقول: أعوذ برب الناس
فالقرآن أوله توحيد الألوهية وآخره توحيد الألوهية وما بينهما كله في توحيد الألوهية وبيان ذلك أنه عز من قائل لما افتتح كتابه بقوله: الحمد لله رب العالمين أخبرنا بأن الحمد كله لله والله معناه المعبود فهو المعبود بحق دون سواه فوجب أن يكون الحمد كله له أي أن تكون العبادة كلها له لأن الحمد هنا عنوان على العبادة.
ولماذا يجب أن تكون العبادة كلها له؟ وأن يكون الحمد كله له؟ لأنه سبحانه رب العالمين أي خالقهم وموجدهم ومربيهم بنعمه الظاهرة والباطنة، فجعل سبحانه في مفتتح كتابه جعل الربوبية دليلاً على الألوهية، الحمد لله رب العالمين لمّا كانت الربوبية كلها له سبحانه وجب أن تكون الألوهية كلها له سبحانه على حد قوله عز وجل: ألا له الخلق والأمر [الأعراف:54]. له الخلق أي له الربوبية كلها لأنه الرب الذي خلق دون سواه، وله الأمر أي له الألوهية كلها فهو الإله الذي يأمر وينهي ويقضي ويحكم دون سواه، ومن كانت هذه صفاته وجب أن تكون العبادة كلها له، وجب أن يكون الحمد كله له، وجب أن يُعبد دون سواه لأنه ذو الألوهية المنفرد بها وهذا هو سر قوله عز وجل: إياك نعبد أي لا نعبد إلا إياك لأنك المنفرد بالألوهية، ووجب أيضًا أن يُستعان به دون سواه لأنه المنفرد بالربوبية، هو الرب الذي خلق دون سواه، هو الرب الخالق الرازق دون سواه وهذا هو سر قوله عز وجل: وإياك نستعين أي لا نستعين إلا بك لأنك المتفرد بالربوبية، وفي أثناء ذلك وقبله عرفنا سبحانه بنفسه فوصف نفسه بثلاث صفات الرحمن الرحيم مالك يوم الدين.
يتحبب إلى خلقه سبحانه بهاتين الصفتين الرحمن والرحيم، فمعنى الرحمن ذو الرحمة الواسعة التي وسعت كل شيء، وسعت كل خلقه وسعت الجن والإنس والمسلم والكافر وسعت سائر المخلوقات كلهم يعيشون في ظل رحمته الواسعة هذه ولولاها لهلكوا، وهو الرحيم بعباده المؤمنين اختصهم بخصوصية من رحمته ميزهم بها على غيرهم لأن الكافر وإن كان مشمولاً برحمة الله الواسعة في الدنيا إلا أنه محروم منها في الآخرة بخلاف المؤمن فقد حظي بالرحمة في الدنيا والآخرة، المسلم حظي برحمة الله المخصوصة في الدنيا والآخرة.
وبعد أن فتح الرب عز وجل لخلقه باب الرجاء يذكر هاتين الصفتين من صفاته العلى وقبل ذلك ذكر نفسه في معرض الألوهية باسمه الأعظم الذي هو الله، بعد أن ذكر صفة الرحمة عقب على ذلك بقوله: مالك يوم الدين، يشرع بذلك لخلقه مع باب الرجاء، باب الخوف، الخوف من الجزاء والحساب فيوم الدين هو يوم الجزاء والحساب يوم القيامة، فعليك أيها المسلم، عليك أن تزن نفسك بين هذين البابين باب الرجاء في رحمة الله الواسعة المخصوصة، وباب الخوف من حسابه وجزائه يوم الدين.
وبعد فاتحة القرآن سائر القرآن إما بيان للتوحيد وذكره لأهله الذين عرفوا الألوهية فقاموا بحقها وذكر لما أعد لهم من النعيم المقيم.
أو بيان للشرك وذكر أهله الذين تمردوا على الألوهية ولم يقوموا بها كما يجب فأشركوا أو جحدوا.
وإما أمثال ضربها الله عز وجل لكل من الفريقين.
وإما أمر ونهي يبينان ما يجب أن يفعله الإنسان من مقتضيات التوحيد، توحيد الألوهية، أو ما يجب أن يجتنبه الإنسان من نواقض التوحيد ومنغصاته والموحدون الذين عرفوا الإلهية فقاموا بحقها وتعلموا التوحيد وسلكوا طريقه هم عباد الله المنعم عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وعليك أيها الإنسان أن تسأل ربك الهداية إلى طريقهم وأن تسأله الإعانة على سلوكها فإنها الطريق المستقيمة الموصلة إلى الجنة، وهذا هو ما دل عليه قوله عز وجل: اهدنا الصراط المستقيم صراط الذين أنعمت عليهم [الفاتحة: 5-6].
كما أن عليك أيها الإنسان أن تحذر كل الحذر من طريق المغضوب عليهم الذين مع معرفتهم للتوحيد لم يسلكوا طريقه تكبرًا وعنادًا وعتواً، كاليهود أو كطريق الضالين الحيارى الذين ضلوا عن طريق التوحيد وضيعوها كالنصارى وعلى ذلك دل قوله عز وجل: غير المغضوب عليهم ولا الضالين [الفاتحة: 7] فقد ثبت عن النبي أنه قال: ((المغضوب عليهم هم اليهود والضالون هم النصارى))[1].
وأما بعد: ذلك الإنسان إذا سلك طريق التوحيد وعرف الألوهية وقام بحقها إذا عرف حقيقة التوحيد و+دته وسلك طريقه فلا يغرنه ما يشاهد من عناد الناس وتمردهم على الإلهية وطغيانهم وأذيتهم، عليه أن يلجأ إلى ربه عليه أن يفوض أمره إلى ربه، فإنه الذي خلقه وهو الذي يحميه ويرعاه، ولذلك عليه أن يعوذ بالله ويلوذ به من شرور الخلق أجمعين من جنهم وإنسهم، ولهذا السر ختم سبحانه وتعالى كتابه: قل أعوذ برب الناس ملك الناس إله الناس من شر الوسواس الخناس الذي يوسوس في صدور الناس من الجنة والناس [الناس:1-6].
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
[1] مسند أحمد (4/378-379) عن عدي بن حاتم رضي الله عنه.
الخطبة الثانية
الحمد لله رب العالمين والعاقبة للمتقين وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه أجمعين.
أما بعد: يا مسلم علِّم أولادك كيف يعبدون الله عز وجل. مرهم بالصلاة وهم صغار لم يبلغوا سن التكليف بعد ولكن لا تقهرهم على ذلك، اغرس في نفوسهم معرفة الله عز وجل وحب الله ورسوله وعلمهم كيف يعبدون الله وحده لا شريك له، علمهم عبادة الله وحده لا شريك له، علمهم توحيد الله وحده لا شريك له.
ولكن عليك أن تعلم أنهم وهم في مثل هذه السن نفوسهم طرية رقيقة فلا تستخدم معهم الخشونة والعنف فتنفرهم وتخرب نفوسهم، ولكن علمهم واغرس في نفوسهم عبادة الله عز وجل بأسلوب رقيق كرقة الطفولة.
إذا علمت ولدك الصلاة فإنه سيعرف الله عز وجل وسيتعلم كيف يعبده لأن الصلاة هي العبادة، فيها من سائر أنواع العبادة فيها تكبير وتحميد وتهليل وتسبيح وتعظيم وفيها دعاء واستغفار وقراءة للقرآن وركوع وسجود وقيام وغير ذلك من أنواع العبادة.
فعليك أن تأمر ولدك الصغير الذي لم يبلغ بعد سن التكليف فأمره بهذه الصلاة بأسلوب رقيق يناسب رقة الطفولة وشفافيتها وصفاءها ونقاءها وضعفها حتى إذا بلغ مرحلة أكبر العاشرة من عمره فأكثر حينئذ عليك أن تغرس في نفسه روح المسئولية وروح التكليف وأن تعلمه الانضباط مع قاعدة الجزاء والحساب تعاقبه إذا تمرد أو أساء ولو وصلت العقوبة إلى حد الضرب ،الضرب الذي لا يلحق به أذى جسمانيًا.ولكنه يحقق الهدف النفساني التربوي فيتربى ولدك على روح المسئولية والتكليف ويتعلم كيف ينضبط مع قاعدة الجزاء والحساب.
هذا هو مجمل وأبعاد قول سيدنا محمد : ((مروا أبناءكم بالصلاة لسبع واضربوهم عليها لعشر))[1].
يا مسلم لا تترك أولادك هملاً، وهم في هذه السن سن التكوين، لا يعرفون ربًا ولا خالقًا ولا مسئولية ولا يتعلمون روح التكليف.
لا تترك أولادك ضحايا للشاشات الفضية أو المخربات الورقية أو الملهيات الرياضية إنك إن فعلت ذلك فإنك ضيعتهم وأي ضياع تركتهم مزلزلين مُدَمَّرين مُخَرَّبين في هذه الشباك التي نُصبت لهم في هذا العصر.
وتكون بذلك أيضًا قد ضيعت على نفسك بابًا من أبواب الجنة، فإن المسلم الذي أنعم الله عز وجل بشيء من هذه الذرية وخاصة الإناث منهم وقام على ذلك أحسن قيام حتى عرفوا الله وعبدوه ووحدوه فإنهن يدخلونه الجنة.
أما بعد: فإن خير الكلام كلام الله وخير الهدي هدي محمد وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة.
وعليكم أيها المسلمون بالجماعة فإن يد الله على الجماعة ومن شذ شذ في النار.
يا ابن آدم أحبب ما شئت فإنك مفارقه واعمل ما شئت فإنك ملاقيه وكن كما شئت فكما تدين تُدان، ثم صلوا على خاتم النبيين وإمام المرسلين فقد أمركم الله بذلك في كتابه المبين فقال جل من قائل: إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها النبي صلوا عليه وسلموا تسليمًا [الأحزاب:56].
اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد.
وارض اللهم عن الأربعة الخلفاء الأئمة الحنفاء أبي بكر الصديق وعمر الفاروق وذي النورين عثمان وأبي السبطين علىَّ وعن آل بيت نبيك الطيبين الطاهرين وعن أزواجه أمهات المؤمنين، وعن الصحابة أجمعين والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين وعنا معهم بمنك وكرمك وعفوك وإحسانك يا أرحم الراحمين.
[1] مسند أحمد (2/187) ، سنن أبي داود (495) عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما.
| |
|