molay مدير مراقب
البلد : المغرب الجنس : عدد المساهمات : 11945 تاريخ التسجيل : 17/12/2009 الموقع : STARMUST2
بطاقة الشخصية الدرجة: (1365/1365)
| موضوع: قصة يونس عليه السلام - عبد الرحمن بن الصادق القايدي الخميس 1 ديسمبر - 8:24:09 | |
|
قصة يونس عليه السلام
عبد الرحمن بن الصادق القايدي
الخطبة الأولى
أيها الإخوة المؤمنون، تحدثنا في خطبة ماضية عن قوم سبأ وكيف أن الله أبادهم ومزقهم شر ممزق بعدما كفروا النعمة وجحدوها. وحديثنا اليوم أيضا عن أمة من الأمم السابقة التي ذكرها ربنا في كتابه الكريم لنعتبر ونأخذ الحذر، وهذه الأمة هي الأمة الوحيدة التي آمنت ورجعت إلى الله بعدما رأت العذاب مقبلا عليها.
معاشر المسلمين، هذه الأمة كانت في العراق، وفي مدينة نينوى من أرض الموصل، وقد دعاهم نبيهم يونس إلى توحيد الله، فكذبوه وتمردوا عليه، وأصروا على كفرهم وعنادهم، فلما طال عليه ذلك ولم ينفع فيهم أي أسلوب دعوي خرج يونس بين أظهرهم ووعدهم حلول العذاب بهم بعد ثلاث، ولقد قال ابن مسعود ومجاهد وكثير من السلف والخلف أنه بعدما خرج يونس عليه السلام من بين أظهرهم وتحققوا من نزول العذاب بهم في غضون الثلاثة أيام قذف الله في قلوبهم التوبة والإنابة، وندموا على ما كان منهم لنبيهم، فلبسوا المسوح، وفرقوا بين كل بهيمة وولدها، ثم عجوا إلى الله تعالى وخرجوا وتضرعوا إليه وتمسكنوا لديه، وبكى الرجال والنساء والبنون والبنات والأمهات، وجأرت الأنعام والدواب والمواشي، فراغت الإبل، وخارت البقر وأولادها، وثغت الغنم وحملانها، وكانت ساعة عظيمة هائلة ورهيبة، وجبار السماوات والأرض كان يرى ويشاهد ذلك منهم، فسبحانه أرحم الراحمين كشف بحوله وقوته ورأفته ورحمته التي وسعت كل شيء، كشف عنهم العذاب الذي كان قد تغشاهم ودار على رؤوسهم كقطع الليل المظلم، ولهذا قال تعالى: فَلَوْلا كَانَتْ قَرْيَةٌ آمَنَتْ فَنَفَعَهَا إِيمَانُهَا إِلاَّ قَوْمَ يُونُسَ لَمَّا آمَنُوا كَشَفْنَا عَنْهُمْ عَذَابَ الْخِزْيِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَتَّعْنَاهُمْ إِلَى حِينٍ أي: هلا وجدت فيما سلف من القرون قرية آمنت بكاملها، فدل ذلك على أنه لم يقع أن قرية آمنت بكاملها لأن معظم القرى يكفرون بأنبيائهم، كما يؤكد ذلك قوله تعالى: وَمَا أَرْسَلْنَا فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَذِيرٍ إِلاَّ قَالَ مُتْرَفُوهَا إِنَّا بِمَا أُرْسِلْتُمْ بِهِ كَافِرُونَ.
معاشر المؤمنين، نعود ليونس حينما ذهب غضبان من قومه وركب سفينة في البحر، فلجّت بهم واضطربت وماجت بهم وثقلت بما فيها وكادوا يغرقون على ما ذكره المفسرون، وقال بعضهم: هناك عبد آبق عن سيده، فاشتوروا فيما بينهم على أن يقترعوا، فمن وقعت عليه القرعة ألقوه من السفينة ليتخففوا منه، فلما اقترعوا وقعت القرعة على نبي الله يونس، فلم يسمحوا به، فأعادوها ثانية فوقعت عليه أيضا، فشمر ليخلع ثيابه ويلقي بنفسه، فأبوا عليه ذلك، ثم أعادوا القرعة ثالثة فوقعت عليه أيضا لما يريده الله به من الأمر العظيم، قال تعالى: وَإِنَّ يُونُسَ لَمِنْ الْمُرْسَلِينَ إِذْ أَبَقَ إِلَى الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ فَسَاهَمَ فَكَانَ مِنْ الْمُدْحَضِينَ فَالْتَقَمَهُ الْحُوتُ وَهُوَ مُلِيمٌ.
يثني الله تعالى على عبده يونس، وذكر أنه عاقبه عقوبة دنيوية، وأنجاه منها بسبب إيمانه وأعماله الصالحة حينما أبق عن مولاه إلى السفينة، ومن ثم ألقى بنفسه إلى البحر، وبعث الله تعالى حوتا عظيما من البحر الأخضر، فالتقمه وأمره الله تعالى أن لا يأكل له لحما ولا يهشم له عظما، فليس لك برزق، فأخذه وطاف به البحار كلها، وقيل: إنه ابتلع ذلك الحوت حوت آخر أكبر منه، قالوا: ولما استقر في جوف الحوت حسب أنه مات، فحرك جوارحه فتحركت، فإذا هم حي، فخر لله ساجدا وقال: يا رب اتخذت لك مسجدا في موضع لم يعبدك أحد في مثله. وقد اختلف في مقدار لبثه في بطنه، فقيل: التقمه ضحى ولفظه عشيا، وقيل: مكث ثلاثا، وقيل: سبعة أيام، والله أعلم كم لبث.
والمقصود أنه لما جعل الحوت يطوف به في قرار البحار اللجية سمع تسبيح الحيتان للرحمن، حتى سمع تسبيح الحصى لفالق الحب والنوى، فقال في نفسه: ما هذا؟ فأوحى الله إليه وهو في بطن الحوت: إن هذا تسبيح دواب البحر، فسبح وهو في بطن الحوت، فسمعت الملائكة تسبيحه فقالوا: يا ربنا إنا نسمع صوتا ضعيفا بأرض غريبة، قال: ذلك عبدي يونس، عصاني فحبسته في بطن الحوت في البحر، قالوا: العبد الصالح الذي كان يصعد إليك منه كل يوم وليلة عمل صالح؟ قال: نعم، فشفعوا له عند ذلك، فأمر الحوت فقذفه في الساحل كما قال الله: فَنَبَذْنَاهُ بِالْعَرَاءِ وَهُوَ سَقِيمٌ. وهذا لفظ ابن جرير.
أما قوله: فَنَبَذْنَاهُ بِالْعَرَاءِ أي: ألقيناه في العراء حيث لا أشجار ولا شيء يتظلل به وهو عار وسقيم ضعيف البدن، قال ابن مسعود: كهيئة الفرخ ليس عليه ريش. وَأَنْبَتْنَا عَلَيْهِ شَجَرَةً مِنْ يَقْطِينٍ، وهو الدباء أو القرع، وللقرع مميزات كثيرة، فورقه في غاية النعومة وكثير وظليل، ولا يقربه الذباب، ويؤكل ثمره من أول طلوعه إلى آخره نيا ومطبوخا، وبقشره وبذره، وفيه نفع كثير وتقوية للدماغ وغير ذلك. فتأملوا عناية الله بعبده يونس.
نفعني الله وإياكم بالقرآن...
الخطبة الثانية
فهكذا أيها المسلمون، بعد أن استقر يونس في بطن الحوت وأصبح في ظلمات كثيرة وسمع تسبيح دواب البحر سبح الله وذكره تائبا منيبا كما قال تعالى: فَلَوْلا أَنَّهُ كَانَ مِنْ الْمُسَبِّحِينَ لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ، قيل: معناه: فلولا أنه سبح الله هناك وقال ما قال من التهليل والتسبيح والاعتراف لله بالخضوع والتوبة إليه والرجوع إليه للبث في بطن الحوت إلى قيام الساعة، ولبعث من جوف ذلك الحوت. وقيل: معناه: فلولا أنه كان المسبحين قبل أن يبلعه الحوت وكان من المطيعين المصلين الذاكرين الله كثيرا، من أجل ذلك عرفت الملائكة صوته، ويشهد لذلك حديث النبي لابن عباس حينما قال له: ((يا غلام، إني أعلمك كلمات: احفظ الله يحفظك، احفظ الله تجده أمامك، تعرف إليه في الرخاء يعرفك في الشدة)) رواه الإمام أحمد وبعض أهل السنن، فكان عليه السلام عارفا لله في الرخاء، فعرفه الله في الشدة وألهمه الدعاء، فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَنْ لا إِلَهَ إِلاَّ أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنْ الظَّالِمِينَ فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنْ الْغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ، كما قال : ((اسم الله الذي إذا دعي به أجاب وإذا سئل به أعطى دعوة يونس بن متى)) فقال قائل: يا رسول الله، هي ليونس خاصة أم لجماعة المسلمين؟ قال: ((ليونس خاصة، وللمؤمنين عامة إذا دعوا بها))، حيث إن الله تعالى ختمها بقوله: وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ. وفي حديث آخر رواه الترمذي والنسائي قال : ((دعوة ذي النون إذ وهو في بطن الحوت: لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين، فإنه لم يدع بها مسلم ربه في شيء قط إلا استجاب له)).
فنسأل الله بأسمائه الحسنى وصفاته العلى أن يستجيب دعواتنا ويرحمنا برحمته، ولا يكلنا إلى أنفسنا طرفة عين.
ثم صلوا وسلموا على صفوة خلق الله...
| |
|