molay مدير مراقب
البلد : المغرب الجنس : عدد المساهمات : 11945 تاريخ التسجيل : 17/12/2009 الموقع : STARMUST2
بطاقة الشخصية الدرجة: (1365/1365)
| موضوع: قصة يوسف عليه السلام (1) - عبد الرحمن بن الصادق القايدي الخميس 1 ديسمبر - 8:20:34 | |
|
قصة يوسف عليه السلام (1)
عبد الرحمن بن الصادق القايدي
الخطبة الأولى
أيها الإخوة المؤمنون، لا زلنا نتحدث عن منن الله علينا بأن جعلنا مسلمين، ونتدبر كتاب ربنا الذي أنزله على قلب رسوله ليخرج الناس من الظلمات إلى النور، وليبني أمة وينشئ حضارة تتربى فيها الأجيال على مائدة القرآن، لتكون أهلا لحمل أمانة هذا الدين العظيم والدعوة إليه والفخر والتشرف بالانتماء إليه. هذا القرآن يخاطب العقل ليصل إلى الإقناع، ويخاطب الفطرة ويحرك الشعور والوجدان، ويوجه النظر إلى التاريخ، ويقص القصص، ففي قصص القرآن عبر وعظات يتجلى فيها عظم وشدة البلاء والعاقبة الحسنة لمن صبر واحتسب، ويتبين من خلال هذا القصص سنة الله في الصراع بين الحق والباطل، والنزاع بين الخير والشر، ومعرفة مصير الصراعات مهما تنوعت في الدنيا، وعاقبتها في الآخرة، ويدرك المسلم المتدبر من هذا طريق أهل الجنة فيسلكه، وطريق أهل النار فيجتنبه.
عباد الله، هذه قصة من قصص كتاب ربنا للاعتبار والسير على منهجها، هذه القصة حوت التوحيد للواحد الديان والتسيير والسياسة وتدبير ظروف الحياة المعيشية اليومية وعلاقات الناس بعضهم ببعض، وفيها دروس يصلح بها الدين والدنيا لمن تدبرها واستوعبها.
تلكم هي قصة الكريم بن الكريم بن الكريم بن الكريم: يوسف بن إسحاق بن يعقوب بن إبراهيم، على رسولنا وعليهم الصلاة والسلام. إن فيها آيات للسائلين والمتفكرين في قدرة الله وحكمته ولطفه وحسن توفيقه لمن اصطفى من عباده، فيها أن نهاية الحسد الخذلان والفشل، وأن جزاء الصبر الفرج والتوفيق، وأن من يسلك طريق الحسد ليفتك بالآخرين ويضع العراقيل في طريقهم فإن عمله هذا يصبح وبالا عليه. في هذه القصة نعلم علم اليقين أن لا راد لقضاء الله، ولا مانع لقدره، ولو اجتمع العالم كله ليمنعوا شيئا قدره الله فلن يجدوا إلى ذلك سبيلا.
إخوة الإسلام، لقد جرى على يوسف عليه السلام محن ومكر ومكائد ابتداء من طفولته، قال الله تعالى: إِذْ قَالَ يُوسُفُ لأَبِيهِ يَا أَبَتِ إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَبًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي سَاجِدِينَ، فأدرك الأب وعلم بأن هذه رؤيا حق، ورؤيا الأنبياء تتحقق، فرد على ابنه: يَا بُنَيَّ لا تَقْصُصْ رُؤْيَاكَ عَلَى إِخْوَتِكَ فَيَكِيدُوا لَكَ كَيْدًا إِنَّ الشَّيْطَانَ لِلإِنسَانِ عَدُوٌّ مُبِينٌ.
وهذا ما حدث من إخوانه، فحسدوه على هذا الاصطفاء والاختيار، وكادوا له، وهذا طبيعي في كل البشر إلا من هذبه الله بالإيمان. وهكذا نما الحسد في قلوب إخوانه، لا سيما بعد الرؤيا، بالإضافة إلى حب أبيه له ولأخيه بنيامين، فاجتمعوا وخططوا للفتك به وقتله، قَالَ قَائِلٌ مِنْهُمْ لا تَقْتُلُوا يُوسُفَ وَأَلْقُوهُ فِي غَيَابَةِ الْجُبِّ يَلْتَقِطْهُ بَعْضُ السَّيَّارَةِ إِنْ كُنتُمْ فَاعِلِينَ، رحمه بعضهم وقال: لا تقتلوه ولكن ألقوه في أحد الآبار فيأخذه السقاة الذين يمرون على البئر، فيصبح عبدا رقيقا أو يموت في البئر. فطلبوا من أبيهم أن يأخذوه للعب معهم ليتفسح وأنهم سوف يحافظون عليه ويهتمون به، فقال الأب: إني أخاف أن يأكله الذئب لصغر سنه وعدم استطاعته الدفاع عن نفسه وأنتم عنه غافلون، فردوا على أبيهم بما ذكر الله تعالى: لَئِنْ أَكَلَهُ الذِّئْبُ وَنَحْنُ عُصْبَةٌ إِنَّا إِذًا لَخَاسِرُونَ.
وهذا ما حدث، فقد رموه في أعماق البئر، ورجعوا، قال تعالى: وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِ لَتُنَبِّئَنَّهُمْ بِأَمْرِهِمْ هَذَا وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ أي: أن الله تعالى أوحى إلى يوسف في هذا الموقف العصيب ليطمئنه بأنك يا يوسف سوف تنبئهم وتذكرهم بهذا الموقف وما فعلوا فيك وهو لا يشعرون بأنك أنت يوسف. ولقد تحقق هذا في الفصول الأخيرة من القصة.
وبعد أن ألقوه في الجب جاؤوا إلى أبيهم يتباكون، وادعوا بأنهم ذهبوا يتسابقون وتركوا يوسف عند ملابسهم وأغراضهم، فجاء الذئب فأكله، إلا أن الأب لقوة إيمانه وتصديقه بما أخبر الله عنه لم يصدقهم وقال: بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنفُسُكُمْ أَمْرًا فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ.
بعد ذلك قيض الله له من أخرجه من البئر، وباعه بسعر بخس، وَقَالَ الَّذِي اشْتَرَاهُ مِنْ مِصْرَ لامْرَأَتِهِ أَكْرِمِي مَثْوَاهُ عَسَى أَنْ يَنفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا، فكبر ونما وترعرع وعلمه الله تأويل الأحاديث وآته حكما وعلما، فأصبح له شأن كبير.
إلا أن الله تعالى يريد أن يرفع من شأنه إلى درجات لا يدركها إلا من اصطفى الله من البشر، فأدخله في محنة جديدة، وهي أن امرأة العزيز التي هو في بيتها ويخدمها أحبته وراودته عن نفسه، وغلقت الأبواب، وكادت له بشتى أنواع الإغراءات والفتنة، ولكن ظهرت نزاهة الشاب وعفته وطهره، والتجأ إلى الله، قَالَ مَعَاذَ اللَّهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ.
نفعني الله وإياكم بالقرآن والسنة...
الخطبة الثانية
أيها الناس، حاول يوسف عليه السلام الفرار من المرأة خارج الدار، فمسكت قميصه من الخلف ومزقته، وكانت في ثورة جنسية أعمت بصيرتها، وفي هذه اللحظات الحرجة دخل سيدها وشاهدهما، وفورا اتهمت يوسف بأنه حاول الاعتداء عليها وولولت وبكت كعادة النساء، وأنكر يوسف هذه التهمة وقال: بل هي التي راودتني، وشهد شاهد من أهلها -قيل: صبي في المهد- بأنها هي التي مزقت قميصه من الخلف وهو هارب كما ذكر ذلك في قوله تعالى: وَقَدَّتْ قَمِيصَهُ مِنْ دُبُرٍ، فعرف سيدها القصة، وكعادة الأغنياء المبتعدين عن الله لم يبال بما أحدثت زوجته من فسوق ومحالة الخيانة، ولم يزد على أن قال كما ذكر ربنا ذلك: يُوسُفُ أَعْرِضْ عَنْ هَذَا وَاسْتَغْفِرِي لِذَنْبِكِ إِنَّكِ كُنتِ مِنْ الْخَاطِئِينَ، يعني: أعرض -يا يوسف- عن هذا الموضوع وانسه، وأنت -يا امرأة- توبي إلى ربك واستغفريه.
ويزيد الأمر سوءا بأن المجتمع الذي تعيش فيه امرأة العزيز كان على نفس الشاكلة من الفسوق والخنا؛ لأن نساء المدينة سمعن بما حدث لامرأة العزيز مع مولاها يوسف، واستغربن كيف تشغف به حبا لهذه الدرجة التي هو يتهرب منها وهي تجري خلفه لتمسك به وقصرها مليء بالعبيد والخدم، فلما سمعت بما قالوا عنها عملت لهن وليمة كبيرة على مائدة فخمة وضعت فيها السكاكين، وَقَالَتْ اخْرُجْ عَلَيْهِنَّ فَلَمَّا رَأَيْنَهُ أَكْبَرْنَهُ وَقَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ وَقُلْنَ حَاشَ لِلَّهِ مَا هَذَا بَشَرًا إِنْ هَذَا إِلاَّ مَلَكٌ كَرِيمٌ، فتباهت عند ذلك امرأة العزيز وقالت بكل وقاحة وفسوق علني: هذا الذي لمتنني في حبه وقلتن عني كذا وكذا... ولقد حاولت معه أن يفعل فأبى، وإن لم يفعل ليدخلن السجن.
ومن هذا نستنتج أن الدعوة إلى الخنا والرذيلة والفاحشة شيء مألوف بين المجتمعات الغنية المبتعدة عن منهج الله ولا يستغرب. فقال يوسف مبتهلا وملتجئا إلى الله: رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ وَإِلاَّ تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُنْ مِنْ الْجَاهِلِينَ.
وللحديث بقية، ومما يستفاد من هذه السورة أمور كثيرة، من أهمها أنه لا يقرؤها محزون إلا سرّي عنه وذهب حزنه، كما قال ذلك الصحابي عبد الله بن مسعود . ومما يؤكد ذلك أن السورة نزلت على نبينا في عام الحزن حينما توفي عمه أبو طالب وزوجته الحبيبة خديجة، وأكثر الأذى جاء للنبي من أقربائه كما حدث ليوسف، فاطمأن وسري عنه كثيرا.
فاللهم صل وسلم على عبدك ورسولك سيدنا محمد...
| |
|