molay مدير مراقب
البلد : المغرب الجنس : عدد المساهمات : 11945 تاريخ التسجيل : 17/12/2009 الموقع : STARMUST2
بطاقة الشخصية الدرجة: (1365/1365)
| موضوع: دين أهل مكة بعد إسماعيل عليه السلام - عبد الرحمن بن الصادق القايدي الخميس 1 ديسمبر - 8:07:14 | |
|
دين أهل مكة بعد إسماعيل عليه السلام
عبد الرحمن بن الصادق القايدي
الخطبة الأولى
تحدثنا في الجمعة الماضية عن انتهاء إبراهيم الخليل وابنه إسماعيل عليهما السلام من بناء الكعبة المشرفة أول بيت لله سبحانه وتعالى في الأرض، ورجع إبراهيم إلى موطنه، وأصبح حكم مكة والسيطرة على زمزم لإسماعيل لفترة زمنية، وكان السكان يعبدون الله على ملة إبراهيم، وبعد إسماعيل ورث أبناؤه الهيمنة على الحرم إلى أن تغلبت عليهم قبيلة جرهم وأخذت منهم السيطرة لمدة طويلة، وأخيرًا انتزعت قبيلة خزاعة الحكم من جرهم وأجلتهم عن الحرم، واستمرت خزاعة على ولاية البيت نحوًا من ثلاثمائة سنة، وقيل: خمسمائة سنة، وفي زمانهم كانت أول عبادة للأوثان في الحجاز، وذلك بسبب رئيسهم عمرو بن لحي الخزاعي لعنه الله، الذي ذهب إلى بلاد النصارى في الشام وأتى بصنم سماه هُبَل، وعُبِدَ من دون الله، ووضعه في الكعبة، وهو أول من ابتدع لهم أشياء في الدين غَيَّر بها دين إبراهيم الخليل، فاتّبَعَهُ العرب في ذلك. وقد كانت قبيلة قريش يومئذ بيوتات متفرقين من بني كنانة، وأخيرًا تزوج قصي بن كلاب ابنة خليل الخزاعي، وأنجب كثيرًا من الأولاد حتى صار أمر البيت الحرام إليه، واستمر حتى بَعَث الله رسوله . وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله يقول لأكثم الخزاعي: ((يا أكثم، رأيت عمرو بن لحي الخزاعي يجر قصبه في النار، فما رأيت رجلاً أشبه برجل منك به ولا بك منه))، فقال أكثم: عسى أن يضرني شَبَهَهُ يا رسول الله، قال: ((لا؛ أنت مؤمن وهو كافر، إنه أول من غير دين إسماعيل)) رواه ابن جرير.
أيها المسلمون، كلنا يعلم كيف عانى رسول الله حينما دعا قومه لعبادة الله ونبذ الأصنام، وكيف حاربوه وآذوه كثيرًا وشوهوا سمعته، حتى إن أبا لهب كان يمشي خلفه ويقول للناس: لا تسمعوا لهذا إنه صابئ وكذاب ومجنون. واستمر الحال حتى أرغموه على الهجرة من مكة إلى المدينة، وهناك أراد الله بالأنصار خيرًا؛ حيث إنهم آمنوا به ونصروه وكون بهم دولة الإسلام أول دولة موَحّدة على وجه الأرض.
ثم حان وقت تطهير البيت الحرام من الشرك والوثنية وإعادته إلى ملة إبراهيم الحنيفية، وجاء رسول الله ومعه عشرة آلاف من أصحابه قاصدًا فتح مكة، فدخل الكعبة وحطم الأصنام التي كانت داخلها، فوجد صورا لإبراهيم وإسماعيل عليهما السلام وهما يستقسمان بالأزلام، فقال : ((قاتلهم الله، والله ما استقسما بها قط)).
وهكذا تم هذا الفتح الأعظم الذي أعز الله به دينه ورسوله وجنده، واستنقذ به بلده وبيته الذي جعله هدى للعالمين من أيدي الكفار والمشركين والوثنيين، وهو الفتح الذي استبشر به أهل السماء، ودخل الناس به في دين الله أفواجًا، وأشرق به وجه الأرض ضياءً وابتهاجا. وبعد أن حطم الأصنام صلى في داخل الكعبة ووحد الله، ثم خرج من الكعبة وقريش قد ملأت المسجد صفوفًا ينتظرون ما يصنع ، فأحذ بعضادتي الباب ـ أي: بدفتي الباب ـ وهم تحته فقال: ((لا إله إلا الله وحده لا شريك له، صدق وعده، ونصر عبده، وهزم الأحزاب وحده، ألا كل مأثرة أو مال أو دم فهو تحت قدمي هاتين إلا سدانة البيت وسقاية الحاج))، واستمر يشرع ويؤسس لهم ثم قال: ((يا معشر قريش، ما ترون أني فاعل بكم؟)) قالوا: خيرا، أخ كريم وابن أخ كريم، قال: ((فإني أقول لكم كما قال يوسف لإخوته: لا تثريب عليكم اليوم، اذهبوا فأنتم الطلقاء)).
الله أكبر! صلى عليك الله يا رسول الله، كم أنت رؤوف رحيم كما سَمَّاك المولى سبحانه وتعالى، نسيت أذيتهم لك وشتمهم إياك ووضعهم سلا الجزور على ظهرك الشريف وأنت ساجد أمام هذه الكعبة التي فتحتها وطهرتها ولا يستطيع أحد أن يمنعك من الطواف بها، ونسي الحصار في شعب أبي طالب لمدة ثلاث سنوات حتى أكلوا الجلود هو وأهل بيته ، نسيت ـ بأبي أنت وأمي ـ كل شيء، وردد: ((لا إله إلا الله وحده لا شريك له، صدق وعده، ونصر عبده، وهزم الأحزاب وحده)). نعم، صدق رسول الله، لقد صدق الله وعده لرسوله بأنه سوف يدخل مكة منتصرًا، ونصره على المشركين، وهزم كل الأحزاب التي تح+ت ضده.
لا إله إلا أنت سبحانك من إلهٍ عظيم قاهر قادر، لا يعجزه شيء في الأرض ولا في السماء، حليم كريم، فاللهم أعنا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك، يا من بيده ملكوت السماوات والأرض.
وهكذا ـ أيها الناس ـ عاقبة من يتوكل على الله ويعمل بأوامره، ربنا سبحانه قادر أن يقهر الأعداء في لمحة عين كما فعل بأصحاب الفيل، ولكنه سبحانه يعلمنا كيف العمل بسنته وكيف نصبر على أقداره، وإلا من كان يظن بأن هذا النبي الذي خرج متخفيًا مهاجرًا من بلده وسبقه أصحابه الذين كانوا قد عُذبوا وقتلوا كيف يعود اليوم منتصرًا معززًا رافعًا رأسه شاكرًا لربه، ولقد كان الحبيب المصطفى مستشعرًا هذا الفضل والمن من الله، حتى إنه حينما دخل مكة من منطقة ذي طوى ـ أو ما يسمى اليوم بجرول ـ كان يضع رأسه تواضعًا لله حتى أن شعر لحيته ليمس واسطة الرحل.
أيها الإخوة المؤمنون، بعد أن تم الفتح وعاد الرسول الله إلى بلدته وموطنه ومكان مولده قال الأنصار فيما بينهم: أترون رسول الله إذ فتح الله عليه مكة أن يقيم بها؟ وفي هذه الأثناء كان رسول الله يدعو على الصفا رافعًا يديه، فلما فَرَغ من دعائه التفت إليهم وقال: ((ماذا قلتم؟)) قالوا: لا شيء يا رسول الله، فلم يزل بهم حتى أخبروه، فقال رسول الله : ((معاذ الله! المحيا محياكم والممات مماتكم)). الله أكبر! إنه الوفاء، وفاء حبيب الله ، ترك مسقط رأسه ومرتع شبابه، واستقر معهم في طيبة الطيبة حيث نصره أهلها من الأنصار.
نفعني الله وإياكم بالقرآن العظيم، أقول قولي هذا، وأستغفر الله العلي العظيم لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية
الحمد لله عليه يتوكل المؤمنون، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله الصادق المأمون، اللهم صل وسلم على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وصحبه.
إخوة الإسلام، وهكذا بعد أن مَنَّ رسول الله على القرشيين وعفا عنهم جلس في المسجد، فقام إليه علي بن أبي طالب رضي الله عنه ومفتاح الكعبة في يده، فقال: يا رسول الله، اجمع لنا الحجابة مع السقاية صلى الله عليك، فقال رسول الله : ((أين عثمان بن طلحة؟)) فدعي له، فقال له حين دفع إليه المفتاح: ((خذوها خالدة تالدة، لا ينزعها منكم إلا ظالم، يا عثمان إن الله استأمنكم على بيته، فكلوا مما يصل إليكم من هذا البيت بالمعروف)) رواه ابن سعد في الطبقات.
وحانت الصلاة، فأمر رسول الله بلالاً أن يصعد فيؤذن على الكعبة، والقرشيون وكبارهم ينظرون، وفيهم سفيان بن حرب وعتاب بن أسيد والحارث بن هشام، وهم جلوس بفناء الكعبة، فكان منظر بلال العبد الحبشي وهو يصعد بقدميه إلى الكعبة محزنًا لأناس لم يؤمنوا بعد ويعرفوا عدالة الإسلام وأنه لا فرق بين أسود وأبيض ولا سيد ولا عبد وأن الكل سواسية، جعلهم يتكلمون فيما بينهم، فقال عتَّابك لقد أكرم الله أسيدا أن لا يكون سمع هذا ـ يعني: أذان بلال من فوق الكعبة ـ فيسمع ما يغيظه، فقال الحارث: أما والله لو أعلم أنه حَقّ لاتبعته، فقال أبو سفيان: أما والله لا أقول شيئًا لو تكلمت لأخبرتْ عني هذه الحصْبَاء، فخرج عليهم النبي فقال لهم: ((لقد علمت الذي قلتم))، فذكر كلام كل واحدٍ منهم، فقال الحارث وعتَّاب: نشهد أنك رسول الله، والله ما اطلع على هذا أحد كان معنا فنقول أخبرك. الله أكبر.
عباد الله، هكذا تمت أعمال الدعوة وإبلاغ الرسالة وبناء مجتمع جديد على أساس إثبات الألوهية لله ونفيها عن غيره، وعلى أساس رسالة محمد ، وشاء الله أن يرى النبي ثمار دعوته وتعبه الذي عانى في سبيلها ألوانًا من المتاعب بضعًا وعشرين سنة، واجتمع بأفراد القبائل وممثليها يعلمهم بشرائع الدين وأحكامه، وأخذ منهم الشهادة على أنه أدى الأمانة ونصح الأمة وبلغ رسالة ربه.
واعلموا أن الله صلى وسلم على نبيه قديمًا، فقال تعالى ولم يزل قائلاً عليما وآمرًا حكيمًا تنبيهًا لكم وتعليمًا وتشريفًا لقدر نبيه وتعظيمًا: إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا.
لبيك اللهم صل وسلم على عبدك ورسولك سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
اللهم أعز الإسلام والمسلمين...
| |
|