molay مدير مراقب
البلد : المغرب الجنس : عدد المساهمات : 11945 تاريخ التسجيل : 17/12/2009 الموقع : STARMUST2
بطاقة الشخصية الدرجة: (1365/1365)
| موضوع: قصة يوسف عليه السلام (2) - عبد الرحمن بن الصادق القايدي الخميس 1 ديسمبر - 8:19:39 | |
|
قصة يوسف عليه السلام (2)
عبد الرحمن بن الصادق القايدي
الخطبة الأولى
أيها الإخوة المؤمنون، توقفنا في الجمعة الماضية في قصة يوسف عند قوله تعالى: قَالَ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ. وهكذا دخل يوسف السجن مظلوما لرفضه فعل الفاحشة، ومع أنه في كرب وهم وغمّ لم يشغله هذا الوضع النفسي عن وظيفة الأنبياء والرسل، وهي الدعوة إلى الله تعالى بين المساجين، يعلمهم التوحيد: أَأَرْبَابٌ مُتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمْ اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ. كما أوتي علما وفقها في تأويل الرؤى، فقد دخل معه السجن فتيان، فقال أحدهما: إنه رأى أنه يعصر خمرا، وقال الآخر: إنه رأى أنه يحمل فوق رأسه خبزا تأكل الطير منه، فأول لهما الرؤيا وقال: إن أحدهما سوف ينادم سيده ويسقيه خمرا، وأما الآخر فسوف يصلب وتأكل الطير من رأسه. فانتشر خبر علمه وتأويله الرؤى، وعرفه الملك، واستخلصه لنفسه، وجعله من المقربين، وعينه أمينا على خزائن الأرض. وحين تبوأ هذه المكانة وحكم في الناس وأصبحت مقاليد البلاد في يديه وهو الآمر الناهي لا سيما بعد أن أول رؤيا الملك عن السبعة البقرات السمان والعجاف، وأنه ستأتي سبع سنين عجاف، مقبلة عليهم، تصيبهم فيها مجاعة، ويحتاج الأمر إلى اقتصاد في المأكل حتى تمر بسلام.
ولقد سأله الملك عن النسوة اللاتي قطعن أيديهن: ما قصتهن؟ هل هن راودن يوسف عن نفسه؟ فقلن: حاشا لله ما علمنا عليه من سوء، عند ذلك تحركت النفس الأمارة بالسوء عند امرأة العزيز وقالت: الآنَ حَصْحَصَ الْحَقُّ أَنَا رَاوَدتُّهُ عَنْ نَفْسِهِ وَإِنَّهُ لَمِنْ الصَّادِقِينَ.
وبعد أن اشتدت السنوات العجاف على المنطقة جميعها وأصبح هناك مجاعة وجفاف في كل مكان إلا حيث يوجد يوسف؛ حيث إنه أخبر الملك وطلب منه أن يبقى القمح في سنبله: فَمَا حَصَدْتُمْ فَذَرُوهُ فِي سُنْبُلِهِ إِلاَّ قَلِيلاً مِمَّا تَأْكُلُونَ، فأصبح لديه فائض من القمح، وهو الذي يوزع الطعام على الناس، والذين يأتون من كل مكان ببضائعهم التقليدية ليستبدلوها بطعام. وهنا تتجلى قدرة الله العلي العظيم، فيأتي إخوانه الذين ألقوه في البئر، فَدَخَلُوا عَلَيْهِ فَعَرَفَهُمْ وَهُمْ لَهُ مُنكِرُونَ، فبدأ يناقشهم كالمنكر عليهم مجيئهم إلى دياره، فقالوا: جئنا للميرة والطعام، فقال: لعلكم جواسيس وعيون، فقالوا: معاذ الله، فقال: من أنتم؟ ومن أين أتيتم؟ فقالوا: من بلاد كنعان وأبونا يعقوب النبي، فقال لهم: وهل له أولاد غيركم؟ قالوا: كنا اثني عشر فذهب أصغرنا وهلك في البرية وكان أحبنا إلى أبيه، فبقي شقيقه فاحتبسه أبوه ليتسلى به عن أخيه المفقود. فأمر يوسف بإنزالهم وإكرامهم، وجهزهم بجهازهم، ثم قال: ائتوني بأخيكم الذي ذكرتم لأعلم صدقكم من عدمه. وقال يوسف لغلمانه: أعيدوا بضاعتهم التي قدموا بها ليأخذوا بدلا عنها الطعام، أعيدوها لهم بدون أن يشعروا لعلهم يرجعون؛ لأن يوسف خشي أن لا يكون عندهم بضاعة أخرى لكي يستبدلوها إذا رجعوا، وهذا شفقة منه وإحسانا بإخوته وأهله.
أيها المسلمون، وهكذا وصل إخوة يوسف إلى أبيهم، وأخبروه أن الملك أكرمهم جدا، وأن الكيل منع منهم إن رجعوا دون إحضار أخيهم بنيامين شقيق يوسف معهم، فرفض الأب إعطاءهم ابنه، فقالوا: إنا له لحافظون، فقال يعقوب: لقد قلتم هذا عن يوسف ولم توفوا بما قلتم. وحينما فتحوا متاعهم وجدوا بضاعتهم ردت إليهم، فقالوا: يا أبانا ما نبغي هذه بضاعتنا ردت إلينا! فماذا نريد بعد هذا وقد أوفى لنا الكيل؟! فما زالوا يلحون عليه ليقنعوه؛ لأن وضعهم المعيشي صعب، لا يستطيعون البقاء دون الميرة، فلا بد لهم من الذهاب إلى العزيز لأخذها مرة أخرى، قال لهم: لن أرسله معكم حتى تؤتوني موثقا من الله، أي: تحلفون بالعهود والمواثيق لتأتنني به إلا أن يحاط بكم، أي: تغلبون فلا تستطيعون تخليصه، فلما آتوه موثقهم أكد عليهم بقوله: اللَّهُ عَلَى مَا نَقُولُ وَكِيلٌ. ثم نصحهم إذا دخلوا على العزيز أن لا يدخلوا من باب واحد حتى لا تصيبهم عين الحساد؛ لأن أجسامهم طويلة وجميلة.
فلما دخلوا عليه كاشف شقيقه بنيامين بأنه هو يوسف، وأمره بأن لا يحزن، وعمل خطة لأخذ شقيقه عنده، وهي أنه أمر الغلمان بأن يضعوا صواع الملك الذي يقسم فيه في عفش شقيقه، ثُمَّ أَذَّنَ مُؤَذِّنٌ أَيَّتُهَا الْعِيرُ إِنَّكُمْ لَسَارِقُونَ، فأقبلوا عليه وقالوا: أنتم تعلمون بأننا لسنا سارقين، وما جئنا إلا لنوفي مع الملك، وأحضرنا أخانا ليعرف صدقنا وأننا أبناء نبي الله يعقوب، فرد عليهم الغلمان: ما جزاء من وجد الصواع في رحله، فقالوا: من وجد في رحله فهو جزاؤه، أي: أن في شريعة يعقوب الذي يسرق يستعبد، فحكموا بشريعتهم على أخيهم. فحين فتشوا متاعهم وجدوه في رحل بنيامين، قال تعالى: كَذَلِكَ كِدْنَا لِيُوسُفَ مَا كَانَ لِيَأْخُذَ أَخَاهُ فِي دِينِ الْمَلِكِ أي: لو لم يحكموا هم على شريعتهم ما استطاع يوسف أخذ أخيه على دين الملك؛ لأن دين الملك لا يعاقب السارق بالعبودية.
نفعني الله وإياكم بالقرآن والسنة...
الخطبة الثانية
أحبتي في الله، يقول المولى تعالى: وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ. فأبقى يوسف أخاه عنده، وحاولوا أن يقنعوه لأخذ أخ آخر غير بنيامين؛ لأن أباهم أخذ عليهم مواثيق بأن يعيدوه، فأبى عليهم وقال: مَعَاذَ اللَّهِ أَنْ نَأْخُذَ إِلاَّ مَنْ وَجَدْنَا مَتَاعَنَا عِنْدَهُ. ورجعوا إلى أبيهم، وأخبروه بأن ابنه سرق، وأخذ بسرقته، فبكى عليهما حتى عمي من شدة البكاء، وَقَالَ يَا أَسَفَى عَلَى يُوسُفَ وَابْيَضَّتْ عَيْنَاهُ مِنَ الْحُزْنِ فَهُوَ كَظِيمٌ. ثم أصبح يشجعهم على البحث عن يوسف وأخيه: يَا بَنِي اذْهَبُوا فَتَحَسَّسُوا مِنْ يُوسُفَ وَأَخِيهِ وَلا تَيْئَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِنَّهُ لا يَيْئَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الكَافِرُونَ.
فلما دخلوا على العزيز يريدون أن يستعطفوه ويرققوا قلبه وشكوا إليه حالتهم وما حل بهم فقال لهم: ما أعظم ما فعلتم بيوسف وأخيه من قبل! قالوا: هل أنت يوسف؟! قال: نعم، أنا يوسف الذي ظلمتموه غاية الظلم، وقد نصرني الله وأكرمني وأوصلني إلى أسمى المراتب متذكرا ما أوحاه الله إليه حينما ألقي في البئر: وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِ لَتُنَبِّئَنَّهُمْ بِأَمْرِهِمْ هَذَا وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ، واستمر يذكرهم بأعمالهم، وسأل عن حال أبيه، فقيل له بأنه عمي، فقال: اذْهَبُوا بِقَمِيصِي هَذَا فَأَلْقُوهُ عَلَى وَجْهِ أَبِي يَأْتِ بَصِيرًا.
وقبل أن يصل البشير إليه استأذنت الريح لتوصل له رائحته، ولقد ذكر ابن عباس رضي الله عنهما أنه لما خرجت العير هاجت ريح فجاءت يعقوب برائحة قميص يوسف، فوجد ريحه من مسافة ثمانية أيام، وكان البشير ابنه يهوذا، هو الذي جاء بالقميص من يوسف، وهو أيضا الذي حمل إليه قميصه الملطخ بالدم الكذب؛ ليمحو السيئة بالحسنة، فألقوه على وجهه فارتد بصيرا.
فَلَمَّا دَخَلُوا عَلَى يُوسُفَ آوَى إِلَيْهِ أَبَوَيْهِ وَقَالَ ادْخُلُوا مِصْرَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ وَخَرُّوا لَهُ سُجَّدًا وَقَالَ يَا أَبَتِ هَذَا تَأْوِيلُ رُؤْيَاي مِنْ قَبْلُ قَدْ جَعَلَهَا رَبِّي حَقًّا. وهكذا انتهت هذه القصة نهاية سعيدة لجميع عناصرها، وهي القصة الوحيدة التي نزلت كاملة بتفاصيلها في سورة واحدة من البداية إلى النهاية، بينما بقية قصص القرآن القصة منها موزعة في عدة سور، كقصة موسى وفرعون ولوط. وأبطال القصة انتهت أدوارهم جميعا إلى سعادة، وقد بدأت القصة في فلسطين وانتهت في مصر.
إخوة الإسلام، تأملوا دعاء يوسف في آخر السورة، فهو بعد أن أثنى على الله تعالى بأنه قد آتاه من الملك وعلمه تأويل الأحاديث لم يطلب من الله أكثر مما يطلب كل مسلم صادق بأن يموت على الإسلام ويلحق بالركب الصالح: تَوَفَّنِي مُسْلِمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ.
ففي هذه القصة العظيمة درس في التسامح والعفو عند المقدرة، وأكبر فائدة يحصل عليها الإنسان من سورة يوسف هو تعلم الصبر على الطاعات والصبر عن المعاصي، وهو أفضلها لأنه صبر اختياري وبإرادتك، وليس جبريا، فهو أحب إلى الله.
فاللهم صل وسلم على خليل الله الذي صبر على أذى قريش والمشركين حتى مكنه الله، ثم عفا عنهم وصفح.
اللهم أعز الإسلام والمسلمين...
| |
|