molay مدير مراقب
البلد : المغرب الجنس : عدد المساهمات : 11945 تاريخ التسجيل : 17/12/2009 الموقع : STARMUST2
بطاقة الشخصية الدرجة: (1365/1365)
| موضوع: تصفيد الشيطان في رمضان - عبد الرحمن بن الصادق القايدي الخميس 1 ديسمبر - 5:54:23 | |
|
تصفيد الشيطان في رمضان
عبد الرحمن بن الصادق القايدي
الخطبة الأولى
أيها الإخوة المؤمنون، هناك سؤال يتردد دائمًا: لماذا يزداد المصلون في رمضان عنهم في أي شهر آخر؟! هل السبب أن شهر رمضان شهر الخيرات والبركات وفيه ليلة القدر أم أن هناك أسبابا أخرى؟!
في الحقيقة هناك سبب رئيس آخر ومهم، فبالإضافة إلى ما تفضّل به ربنا علينا من بركات الشهر، إلا أنه سبحانه أعرف بخلقه وبما يبعدهم عنه وهم الشياطين، فأعاننا ووفقنا بحبسه لمردة الشياطين وسلسلتهم بالأغلال والحديد في بداية شهر رمضان، فلا يصلون بسهولة لإضلال البشر والوسوسة بهم والتلبيس عليهم وتحسين المنكرات، وهذا السجن للمردة أدى إلى أن الشيطان أو المارد المصفد ضَعُفَ أثره، وقد يُؤذي لكن أذيته أقل وأضعف بكثير مما قد يكون عليه في غير رمضان، وذلك حسب كمال الصوم ونقصه، فمن كان صومه كاملاً قد حافظ على شروط الصوم وآدابه من صلاة وقراءة للقرآن وذكر وغض البصر... إلخ الآداب فهو بفعله هذا يدفع الشيطان دفعًا قويًا أكثر من الشخص الذي صيامه ناقص ومختل وتشوبه بعض السيئات، هذا ربما ليس له من صيامه إلا الجوع والعطش، كما أنه لا يعني تصفيد الشياطين بأن لا يقع شر ومعصية؛ لأن هناك أسبابًا أخرى للشر غير الشياطين كالنفوس الخبيثة والعادات القبيحة وشياطين الإنس الذين يصعب دفعهم بسهوله.
أيها الأحبة في الله، إن الله سبحانه هو الذي خلق هذا الشيطان وابتلانا به، وقال لنا محذرًا كما قال لأبينا آدم من قبل: إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا، فبعد أن خلق الله آدم عليه السلام ونفخ فيه الروح أسكنه الجنة، وقال جل من قائل للملائكة بمن فيهم إبليس: اسْجُدُوا لآدَمَ فَسَجَدُوا إِلاَّ إِبْلِيسَ أَبَى وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنْ الْكَافِرِينَ، ويسأل الله سبحانه الشيطان عن عدم سجوده: مَا مَنَعَكَ أَلاَّ تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ، فظهر الحقد والكبر في نفس إبليس، فرد على خالقه بكل جراءة ووقاحة: أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ، عند ذلك قال له سبحانه وتعالى: فَاهْبِطْ مِنْهَا فَمَا يَكُونُ لَكَ أَنْ تَتَكَبَّرَ فِيهَا فَاخْرُجْ إِنَّكَ مِنْ الصَّاغِرِينَ.
فهل صمت عَدو الله أمام هذا الموقف وترك آدم يتمتع وزوجته في الجنة؟ فلا بد من الانتقام من ذلك المخلوق الذي كان السبب في طرده من الجنة، ومن هنا بدأ الصراع الأزلي بين الشيطان وآدم، وراح يوسوس لهما لكي يخرجهما مما كان فيه من خير في الجنة، إلى أن عصيا أمر ربهما وأكلا من الشجرة، وَنَادَاهُمَا رَبُّهُمَا أَلَمْ أَنْهَكُمَا عَنْ تِلْكُمَا الشَّجَرَةِ وَأَقُلْ لَكُمَا إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمَا عَدُوٌّ مُبِينٌ.
فماذا يفعلان بعد أن عصيا ربهما؟ وما المصير الذي ينتظرهما؟ فما كان منهما إلا أن اعترفا بذنبهما وطلبا من مولاهما العفو والسماح، قَالا رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنْ الْخَاسِرِينَ. وهكذا على كل مسلم اقترف ذنبًا أن يبادر إلى التوبة والاستغفار فورًا، ويسأل الله العفو والصفح؛ لأن نبينا قال في حديث صحيح: ((والله، لو ما تذنبون وتستغفرون الله لأتى الله بأناس يُذنبون ويستغفرون الله)) أو كما قال. وإلا أصبحنا كالملائكة لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون، فهناك فرق بيننا وبين ملائكة الرحمن.
وهكذا بعد أن اعترف آدم وزوجته بالعصيان أمرهم ربهم بالهبوط إلى الأرض، قال تعالى: قَالَ اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ قَالَ فِيهَا تَحْيَوْنَ وَفِيهَا تَمُوتُونَ وَمِنْهَا تُخْرَجُونَ.
إذًا فالصراع بين الإنسان والشيطان في الأرض شيء قدره الله على بني آدم، فلا بد من المعاناة منه ومن مواجهته، ولا بد من التيقظ والانتباه إلى ألاعيب الشيطان وحيله، فإنه تعهد لربه وصمّم بأن يغوي أكبر قدر من البشر حينما قال: فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي لأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ ثُمَّ لآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَنْ شَمَائِلِهِمْ وَلا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ. هذا ما يقوله الشيطان ويقرره ويتمشى به في إفساد البشر ويقول: لأنهم يطيعون الشيطان وعاقبتهم دخول النار مع الشيطان، والذي لا يطيعه بل يطيع الله ورسوله فإن عاقبته أن يرجع إلى الجنة التي طرد منها آدم بعد عصيانه لله.
وبما أن ربنا سبحانه وتعالى رحيم بنا وأرحم بنا من آبائنا وأمهاتنا بل أرحم بنا من أنفسنا ويعلم ضعفنا فلقد هيأ لنا كثيرًا من مواسم الخير، وتفضل علينا بكثير من الأجور، حتى قال متفضلاً: ((الصوم لي، وأنا أجزي به)). فجعل الصوم بينه وبين عبده، كلما صدق العبد وأخلص في صيامه وقيامه ضاعف المولى له الأجور بدون حساب.
وتفضل سبحانه وتعالى لأمة حبيبه وخليله محمد بأمور لم تعط لأمة من قبل، ففي الحديث الذي رواه أبو هريرة رضي الله عنه أن النبي قال: ((أعطيت أمتي خمس خصال لم تعطهن أمة من الأمم من قبلها: خلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك، وتستغفر لهم الملائكة حتى يفطروا، ويزين الله كل يوم جنته ويقول: يوشك عبادي الصالحون أن يلقوا عنهن المؤونة والأذى ويصيروا إليك، وتصفدُ فيه مردةُ الشياطين فلا يخلصون إلى ما كانوا يخلصون إليه في غيره، ويغفر لهم في آخر ليلة))، قيل: يا رسول الله، أهي ليلة القدر؟ قال: ((لا، ولكن العامل إنما يوفى أجره إذا قضى عمله)) رواه أحمد والبزار والبهيقي.
فهذا الحديث فيه خير كثير لنا، يكفي منه استغفار ملائكة الرحمن وهم عباد مكرمون عند الله، فهم جديرون بأن يستجيب الله دعاءهم للصائمين حيث أذن لهم به، وإنما أذن الله لهم بالاستغفار للصائمين من هذه الأمة تنويهًا بشأنهم ورفعة لذكرهم وبيانًا لفضيلة صومهم، واستغفار الملائكة هو طلب المغفرة، وهي ستر الذنوب في الدنيا والآخرة والتجاوز عنها، وهي من أغلى المطالب وأسمى الغايات.
فاحمدوا الله على هذه النعم والخيرات من الله لنا في هذا الشهر العظيم، وانتبهوا للشيطان وخطواته الخبيثة، واستفيدوا من هذه الفرصة.
نفعني الله وإياكم بالقرآن والسنة، وأقول قولي هذا، وأستغفر الله العلي العظيم لي ولكم ولسائر المسلمين من ذنب فاستغفروه، إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية
الحمد لله رب العالمين، ولا عدوان إلا على الظالمين، والصلاة والسلام على سيد الأولين والآخرين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد: فيا أيها المسلمون، إن كل ذنوبنا من الشيطان ووسوسته، فالشيطان يجري في ابن آدم مجرى الدم، فهو الذي يغويه ويجعله يذنب ويُلبِّس عليه في صلاته ولا يتركه في أي شأن من شؤونه، وهذا شيء قدره الله علينا للامتحان والابتلاء، ولكنه سبحانه يبين لنا كيف نقاومه، فإذا نجحنا في مقاومته أعادنا الله إلى جنة الخلد التي طُرد منها أبونا آدم عليه السلام، وإن كانت الأخرى حشرنا عياذًا بالله مع الشيطان وح+ه.
وأول طرق مقاومة الشيطان التوبة إلى الله والاستغفار من الذنوب، لا سيما في هذا الشهر، فإن توبة العبد تُفرح مولانا كثيرًا، فقد أخبرنا الصادق المصدوق بأن الله يفرح بتوبة عبده فرحًا عظيمًا بشكل لا يوصف، حتى شبه النبي فرحة ربنا ـ ولله المثل الأعلى ـ بشخص كان في الصحراء ومعه دابة وعليها جميع ما يملك من قوت ومتاع، وفجأة هربت هذه الدابة واختفت عن صاحبها، وبحث عنها في كل اتجاه ولم يفلح في الحصول عليها في هذه الصحراء المترامية الأطراف، فكَلَّ وتعب، ثم جلس تحت ظل شجرة ونام من شدة التعب، وحينما استيقظ وجدها بجواره، فأخذ بخطامها فرحًا وقال من شدة الفرح: اللهم أنت عبدي وأنا ربك، بدلاً من أن يقول: اللهم أنت ربي وأنا عبدك.
فتصوروا أيها الإخوة، فالله سبحانه وتعالى بعظمته وعزته وجلالة قدره يفرح بتوبة عبده أكثر من فرح هذا الرجل بالحصول على دابته. ألا نتفكر في هذه العظمة وهذه الرحمة من مولانا ونتوب إليه في كل لحظة وفي كل حين ونشكره ليلاً ونهارًا على نعمائه وفضله علينا؟! فاللهم لك الحمد كما ينبغي لجلال وجهك وعظيم سلطانك.
ثم صلوا على الرحمة المهداة من ربنا محمد ، كما أمرنا بذلك رب العالمين حيث قال: إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا...
| |
|