molay مدير مراقب
البلد : المغرب الجنس : عدد المساهمات : 11945 تاريخ التسجيل : 17/12/2009 الموقع : STARMUST2
بطاقة الشخصية الدرجة: (1365/1365)
| موضوع: وسوسة الشيطان - عبد الرحمن بن الصادق القايدي الخميس 1 ديسمبر - 5:19:49 | |
|
وسوسة الشيطان
عبد الرحمن بن الصادق القايدي
الخطبة الأولى
أيها الإخوة المسلمون، تحدثنا في جمعةٍ ماضيةٍ عن السحر وأثره، واليوم سوف يكون حديثنا عن أن صلاح الأجساد من الأمراض العضوية أو النفسية مرتبط بصحة العقيدة وقوة الإيمان.
إن الله ربنا لا إله إلا هو من اعتصم به هدي إلى صراط مستقيم، ومن استعان به واستعاذ أوى إلى ركن شديد، نزّل من القرآن ما هو شفاء ورحمة للمؤمنين، خلق الأجساد وأمراضها والأرواح وأسقامها والقلوب وأدواءها والصدور ووساوسها، فإن صلاح الأجسام من الأمراض مرتبط بصحة العقيدة، فمن فسدت عقيدته لا يصلح جسده وإن بدا صحيحًا، فحينما يضعف الإيمان ويختلّ ميزان الاعتقاد تختلط الحقائق بالخرافة، وتنتشر الأوهام والشعوذة، وتجد في قلب ضعيف الإيمان مكانًا للتفكّر والتأمل، ومن هنا يبدأ الانحراف والبعد عن الصراط المستقيم ويضيع الحق بين فريقين:
ماديون ينكرون الغيب وعالمه ويكفرون بما جاءت به رسل الله من الحق، والمادة عندهم هي كل شيء وما عدا ذلك فهو خرافات وأوهام المجتمعات البدائية، والإيمان بالغيب عندهم يعتبر انتكاسة حضارية إلى العصور المظلمة، هذا فريق.
والفريق الآخر ملأ الشيطان رؤوسهم وقلوبهم بالخرافات والرؤى ومحاولة تأويلها والبحث عند الكهان والمنجمين عن الحلول النافعة.
وكلا الفريقين على ضلالة، والأول المنكرون للغيب وما جاءت به الرسل يعتبرون زنادقة وملاحدة، والآخرون اعتمدوا على الأوهام الفاسدة، وبنوا حياتهم على الظنون والتوقعات، وتعلقوا بأهل الكهانة والتنجيم، فهم في جاهلية جهلاء، وَمَنْ لَمْ يَجْعَلْ اللَّهُ لَهُ نُورًا فَمَا لَهُ مِنْ نُورٍ [النور: 40].
وإن مما يلاحظ على كثير من الناس في أيامنا هذه عدم الالتزام بالمنهج الصحيح فيما يتعلق بعلم الغيب؛ ناسين أو متناسين أن علم الغيب لا مصدر له سوى كتاب الله وسنة نبيه ، أما أخبار البشر فليست مصدر علم غيبي، بل إنها عبارة عن أساطير وأوهام وخليط كلام يأتي به مسترقو السمع من السماء، فالإسلام ـ أيها الإخوة ـ دين يزيل الخرافة من الفكر والرذيلة من القلب، فالإنسان جسد وروح، فكما يتأثر من المواد من طعام وشراب وحرّ وبرد وغذاء ودواء فإنه أيضًا يتأثر بالمؤثرات الروحية بإذن الله تعالى، فلقد جعل الله للشيطان وجنوده تسلطًا على بني آدم وابتلاء لهم، يزداد هذا التسلط كلما بعد الإنسان عن ربه، ويضعف ويتلاشى كلما تقوّى بالإيمان واليقين قلبه، إذًا الأمر بيدك أيها المؤمن، تستطيع أن تقوّي إيمانك بالله وتهزم الشيطان، وإن ضعف إيمانك انهزمت أمامه وخذلك، قال تعالى عن الشيطان: وَاسْتَفْزِزْ مَنْ اسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ بِصَوْتِكَ وَأَجْلِبْ عَلَيْهِمْ بِخَيْلِكَ وَرَجِلِكَ وَشَارِكْهُمْ فِي الأَمْوَالِ وَالأَولادِ وَعِدْهُمْ وَمَا يَعِدُهُمْ الشَّيْطَانُ إِلاَّ غُرُورًا [الإسراء: 64]، وقال أيضًا: ثُمَّ لآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَنْ شَمَائِلِهِمْ وَلا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ [الأعراف: 17]، وقد أخبر نبيكم محمد فقال: ((ما من أحد من بني آدم إلا وقد وكل إليه قرين من الجن))، قالوا: وإياك يا رسول؟ قال: ((وإياي، إلا أن الله أعانني عليه فأسلم، فلا يأمرني إلا بخير)) رواه مسلم، وفي حديث آخر: ((إن الشيطان يحضر أحدكم عند كل شيء من شأنه)). إذًا ما دام هذا حال الشيطان مع كل إنسان فلا بد من الاستعداد لمقارعته ومراغمته للتقليل من تأثيره أو محاولة هزيمته، ولقد قال النبي عن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب مدللاً على قوة إيمانه ويقينه على الله: ((يا عمر، لو سلكت فجًا لسلك الشيطان فجًا غيره)) أو كما قال .
هذا التأثير ـ أيها الإخوة ـ من الشيطان لا بد من المعاناة منه، وهو عام لجميع البشر، وينقسم إلى عدة أقسام، منه ما هو وسوسة، ومنه ما هو إيماء، ومنه ما هو محسوس وملموس. وتظهر هذه الوساوس والأحاسيس حسب انفعالات الإنسان وتفاعله مع هذه الأحاسيس، فمثلاً من فكر في موضوع كالفقر والحاجة وحب المال والبحث عن المتاع الحرام تدخل الشيطان فورًا وسحب الإنسان بعيدًا عن الهدى ولبس عليه ومناه وفرحه وجعله في جو آخر ممتعًا ولكنه خيالي، قال تعالى: الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمْ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشَاءِ وَاللَّهُ يَعِدُكُمْ مَغْفِرَةً مِنْهُ وَفَضْلاً وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ [البقرة: 286]، وإن تفكر الإنسان أيضًا في حب الأولاد والعواطف واسترسل وأطلق لخياله العنان تدخل إبليس اللعين وصرفه عن الحق، قال تعالى: وَشَارِكْهُمْ فِي الأَمْوَالِ وَالأَولادِ وَعِدْهُمْ وَمَا يَعِدُهُمْ الشَّيْطَانُ إِلاَّ غُرُورًا [الإسراء: 64]. وتأملوا في النظر المحرم والنظرة سهم من سهام إبليس، وهو الذي يحرف الإنسان عن مسلك الرشاد ويطور هذه النظرة إلى أحاسيس وأفعال ومصائب، وكذلك في انفعالات الغضب يتدخل الشيطان ويتغلغل ليخرج المرء عن طوره فيسب ويشتم ويقطع الرحم ويطلق من أجل ذلك، قال النبي : ((ليس الشديد بالصرعة، ولكن الشديد من يملك نفسه عند الغضب)) ويسيطر على أعصابه وانفعالاته، كذلك فلا يفعل عملاً يأسف عليه فيما بعد.
إن الشيطان قد يبث المخاوف في النفس والرعب في القلب ويملؤه بالقلق والحزن، قال تعالى: إِنَّمَا ذَلِكُمْ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ فَلا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِي إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ [آل عمران: 175]، وقال: إِنَّمَا النَّجْوَى مِنْ الشَّيْطَانِ لِيَحْزُنَ الَّذِينَ آمَنُوا [المجادلة: 10]، وكل هذه التأثيرات التي ذكرناها تتم بالوسوسة والإيحاءات، أما التأثير الشيطاني المحسوس الملموس فقد أخبر عليه الصلاة والسلام: ((إن كل بني آدم يطعن في جنبه بإصبعه حين يولد)) أي: كل إنسان حين ولادته يطعنه الشيطان بإصبعه، وقال أيضًا في حديث آخر: ((إن عدو الله إبليس جاء بشهاب من نار ليجعله في وجهي)) رواه مسلم. وهذه الآثار سواءً كانت وسوسة أو محسوسة لها علاجها ووقايتها، وهي سهلة ميسرة إذا رزق العبد إرادة قوية متعلقة بربها واثقة به، يقول تعالى: إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطَانٌ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ إِنَّمَا سُلْطَانُهُ عَلَى الَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَهُ وَالَّذِينَ هُمْ بِهِ مُشْرِكُونَ [النحل: 99، 100] أي: ليس له سلطة وتأثير على المؤمنين المتوكلين، إنما تأثيره وسلطته على الذين يتولونه ويشركون به ويفتحون له الأبواب والطرق لكي يوسوس عليهم بمحاولتهم تحليل ومحاولة فهم بعض الأمور الغيبية التي أمرنا أن نؤمن بها دون نقاش، فمثلاً حديث النبي : ((إذا تثاءب أحدكم فليمسك بيده على فمه؛ فإن الشيطان يدخل)) متفق عليه، يجب أن لا نحاول معرفة كيفية دخول الشيطان وبأي صورة ونبدأ نتساءل ونسأل أنفسنا: كيف ومتى ولماذا؟! ونستمر في محاولة معرفة كيفية دخول الشيطان، وكذلك الحديث الآخر: ((إذا استيقظ أحدكم من منامه فليستنثر؛ فإن الشيطان يبيت على خيشومه)) متفق عليه، فالواجب عدم السؤال أو الاستفسار: كيف يبيت الشيطان على الخيشوم من الداخل أو من الخارج؟! وهل يبقى منه أثر لكي نستنثر؟! والمقصود بالاستنثار هو إدخال الماء إلى داخل الأنف ثم إخراجه، كل هذه الاستفسارات لا تفيد، وهي أولى خطوات الشيطان لإبعاد المؤمن عن منهج الله وسنة رسوله ، قال تعالى: وَمَنْ يَتَّبِعْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ فَإِنَّهُ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ [النور: 21]، لا تفتح للشيطان مجالا للمساءلة والاستفسار، بل اتبع أوامر الله ورسوله بكل ثقة.
نفعني الله وإياكم بالقرآن العظيم...
الخطبة الثانية
الحمد لله عالم السر والخفيات، أحمده سبحانه قسم العباد بعدله بين الناس إلى سعيد وشقي، سعيد اتقى الشبهات، وشقي تعدى حدود الله وارتكب المحرمات، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا محمدا عبده ورسوله صاحب المعجزات، اللهم صل وسلم على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وصحبه.
أيها الإخوة المؤمنون، من المعلوم أن الناس يتفاوتون في قوة إيمانهم وقوة إرادتهم وصدق تعلقهم بربهم، فكلما تقوّى الإيمان واليقين بالله ضعف الوسواس، والعكس بالع+؛ كلما ضعف الإيمان واليقين بالله ازداد الوسواس وتدخل الشيطان لإبعاد الإنسان عن ربه، فأهل الإيمان والتقوى دائمًا متيقظون لخطوات الشيطان، ولا يستطيع أن يغويهم أو يبعدهم عن الصراط المستقيم كما قال الله عنهم: إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنْ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ [الأعراف: 201]، إذا شعروا بأي شيء من تلبيس إبليس لا ينجرفون وينقادون معه، بل فورًا يتذكرون ويرجعون إلى ربهم، عند ذلك يهديهم ربهم بإيمانهم، فيبصرون ويدركون أن ذلك من الشيطان، فيعتدل حالهم ويستقيم مزاجهم، وبسبب إيمانهم وتقواهم وعودتهم إلى الله جعل الله لهم نورًا يمشون به، وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا. إن أمثال هؤلاء المؤمنين إيمانهم قوي وراسخ، لا تؤثر فيهم الضغوط أو الظروف الصعبة ولا تستفزهم، شيطانهم دائمًا خناس ضعيف، لا يقوى على التأثير فيهم، نفوسهم طيبة بذكر الله، مطمئنة ترضى بربها وتؤمن بما جاء من عنده، متطهرة من الغل والحسد، صادقة في التعامل مع الآخرين وباشة في وجوههم، أما النفوس الأخرى فهي نفوس ذات تردّد وتعجّل وقلة صبر وقلق، متسّرعة في مواقفها ومتقلّبة في مزاجها، تعرض نفسها للإزعاج والقلق بالجري وراء الأوهام أو الانحرافات والمعاصي، فيكثر وسواسها وتتعلّق بغير الله قلوبها ويزداد اهتماماتها فيما تسمع وفيما تعطي وفيما ترى، فيزداد حالها بؤسًا وشقاء يتتبعها لكل صغيرة وكبيرة.
فيا أيها الناس، من تعلق بشيء وكل إليه، فمن تعلق بربه ومولاه كفاه وحفظه وتولاه، فهو نعم المولى ونعم النصير، ومن تعلّق بغير الله وكله الله إلى ما تعلق به. والتعلق يكون بالقلب وبالفعل ويكون بهما معًا، فالمتعلقون بربهم المنزلون حوائجهم به والمفوضون أمورهم إليه يكفيهم ويحميهم ويقرب لهم البعيد وييسر لهم العسير، ومن تعلق بغير ربه وسكن إلى رأيه وعقله واعتمد على غيره وكله إلى ما تعلق به، ومن ثمّ يخذله ويذله ويهينه.
فاتقوا الله ربكم، وأحسنوا الظن به، وأحسنوا العمل، فربكم سبحانه هو رب الأرباب ومسبب الأسباب.
ثم اعلموا أن الله صلى وسلم على نبيه قديما، فقال تعالى ولم يزل قائلاً عليمًا وآمرا حكيما تنبيهًا لكم وتعليمًا وتشريفًا لقدر نبيه وتعظيمًا: إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا [الأحزاب: 56].
لبيك اللهم صلِّ على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم في العالمين إنك حميد مجيد.
اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وانصر من نصر الدين، اللهم أذل الشرك والمشركين، واخذل الكفرة والملحدين، ودمر أعداء الدين، اللهم أصلح أحوال المسلمين وبارك لهم في أرزاقهم وذرياتهم، اللهم انصر إخواننا المجاهدين في سبيلك في كل مكان...
| |
|