molay مدير مراقب
البلد : المغرب الجنس : عدد المساهمات : 11945 تاريخ التسجيل : 17/12/2009 الموقع : STARMUST2
بطاقة الشخصية الدرجة: (1365/1365)
| موضوع: الشيطان وألاعيبه - عبد الرحمن بن الصادق القايدي الخميس 1 ديسمبر - 5:24:13 | |
|
الشيطان وألاعيبه
عبد الرحمن بن الصادق القايدي
الخطبة الأولى
أيها الإخوة المسلمون، يقول المولى سبحانه وتعالى: كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُوْلُوا الأَلْبَابِ [ص: 29]، ويقول: أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا [محمد: 24].
هذا نداء من المولى لعباده بضرورة تدبر هذا الكتاب العظيم الذي بين الله فيه كل شيء مما مضى وما هو حاضر وما هو مستقبل وقادم إلينا، والسؤال الذي يحيرنا جميعًا: لماذا كثيرٌ من الناس لا يتدبر القرآن مهما حاول؟ وما السبب الرئيس في هذا الإعراض وعدم التدبر؟ والجواب: الأسباب متعددة، ولكن أهمها وأكثرها تأثيرًا هو الشيطان، قال تعالى: إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ [فاطر: 6].
إنه إبليس اللعين، هو الذي يوسوس للإنسان ليبعده عن كل خير، وهذه حقيقة يجب أن ننتبه إليها جيدًا ولا نغفل عنها، فلقد أعلن إبليس الحرب على الإنسان منذ الولادة، نعم منذ الولادة، فحين يولد المولود فأول ما يبدأ به الصراخ، وذلك هو أول نخزة من نخزات إبليس كما ثبت في الحديث الصحيح.
إننا ـ أيها الإخوة ـ لا نخشى على النفوس الكافرة من الشيطان، فتلكم نفوس قد سيطر عليها حتى ألِفََتْهُ، ولكن الخوف والخشية كل الخشية على أنفس مسلمة لم تحسب للشيطان حسابًا في حياتها، وباتت غافلة عنه وعن ألاعيبه ومكره، ومن أمكر حيل الشيطان أن يقنعنا بعدم وجوده، ليس عدم وجوده في علم الواقع، بل عدم وجوده داخل أنفسنا، وهذا هو العمى عمى البصيرة المخالف لكتاب الله وسنة رسوله ، ومن هنا يبدأ دخوله، قال تعالى مبينًا وسوسته وألاعيبه: ثُمَّ لآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَنْ شَمَائِلِهِمْ الآية [الأعراف: 17]. فتأمل ـ أخي المسلم ـ كيف يحاول، إنه لم يترك طريقًا ووجهةً إلا سلكها لكي يصرف الإنسان عن اتباع الهدى، أما شاهدنا من السنة فقول النبي : ((إن الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم)) رواه البخاري ومسلم.
إذًا، هو معنا بشكل دائم، وهذا ابتلاء من الله سبحانه وتعالى، ولقد مارس الشيطان كيده وفتنته مبتدئًا بالأبوين الكريمين: آدم وحواء، وكان بلاءً عظيمًا ابتلينا به، وكان الدافع وراء هذا في أول الأمر هو الحسد من الشيطان لآدم وحواء، قال تعالى عنه: أَرَأَيْتَكَ هَذَا الَّذِي كَرَّمْتَ عَلَيَّ لَئِنْ أَخَّرْتَنِي إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ إِلاَّ قَلِيلاً [الإسراء: 62]، صمّم اللعين على إغواء كل البشرية حسدًا وحقدًا وتكبرًا، وعصى الله وامتنع عن السجود لآدم، قال تعالى: إِلاَّ إِبْلِيسَ أَبَى وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنْ الْكَافِرِينَ [البقرة: 34]، وقال له تعالى بعد ذلك: فَاهْبِطْ مِنْهَا أي: من الجنة، فَمَا يَكُونُ لَكَ أَنْ تَتَكَبَّرَ فِيهَا فَاخْرُجْ إِنَّكَ مِنْ الصَّاغِرِينَ [الأعراف: 13]، فبعد طرده وخروجه من رحمة الله طلب من ربه أن يبقيه ويطيل في عمره حتى يوم البعث، قال تعالى: قَالَ رَبِّ فَأَنْظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ قَالَ فَإِنَّكَ مِنْ الْمُنْظَرِينَ [الحجر: 36، 37]، بعد ذلك شمر الشيطان وتصدى للإضلال وللإغواء بكل قوة، قَالَ فَبِعِزَّتِكَ لأغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ إِلاَّ عِبَادَكَ مِنْهُمْ الْمُخْلَصِينَ [ص: 82، 83]، فاستثنى المخلصين الذاكرين الله المنتبهين لخطواته والمتيقظين لوسوسته، ثم أردف قائلاً: ثُمَّ لآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَنْ شَمَائِلِهِمْ وَلا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ [الأعراف: 17]، فاللعين معنا في معركة وملحمة لا تنتهي إلى يوم القيامة.
أيها الإخوة الأحبة، إن إدراك ومعرفة هذا الكيد الشيطاني الإبليسي أمرٌ مهمٌ جدًا من أجل معرفة طريق الخلاص والنجاة منه ومن شروره، وقد بين لنا الله في القرآن الكريم كل شيء عنه، وبين لنا الطريق الصحيح، قال تعالى: يَا بَنِي آدَمَ لا يَفْتِنَنَّكُمْ الشَّيْطَانُ كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُمْ مِنْ الْجَنَّةِ يَنزِعُ عَنْهُمَا لِبَاسَهُمَا لِيُرِيَهُمَا سَوْآتِهِمَا إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لا تَرَوْنَهُمْ إِنَّا جَعَلْنَا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاءَ لِلَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ [الأعراف: 27]، فيبين الله لنا أن الشياطين هم الذين يفتنون بني آدم، وأنهم يغرونهم وأزواجهم وذرياتهم في هذه الدنيا، ونحن لا نراهم، ويقع الإنسان في أحابيل ومكر الشيطان حينما يستسلم له ويتفلت من الأوامر والنواهي الشرعية، فلا يذكر الله في دخوله وخروجه وركوبه سيارته ودخوله إلى المسجد وخروجه منه إلى آخر الأوامر والنواهي المبينة في كتب الأذكار والتحصينات، قال تعالى: كُتِبَ عَلَيْهِ أَنَّهُ مَنْ تَوَلاَّهُ فَأَنَّهُ يُضِلُّهُ وَيَهْدِيهِ إِلَى عَذَابِ السَّعِيرِ [الحج: 4]، وقال تعالى: وَلا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ [البقرة: 168]، فاتباع خطوات الشيطان والانقياد لكل خاطرة أو فكرة تأتي إلى ذهنك دون تدبر وتفكر فيها هي أول مراحل السقوط في حبائله ويجر الإنسان إلى الإفك والإثم والكذب، هَلْ أُنَبِّئُكُمْ عَلَى مَنْ تَنَزَّلُ الشَّيَاطِينُ تَنَزَّلُ عَلَى كُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ [الأعراف: 221، 222]، فحينما تتنزل الشياطين على هؤلاء الكذابين الأفاكين فإنهم يدعونهم إلى الطيش وحب الانفلات والتفلت من التعاليم الدينية والأنظمة الدنيوية والعجلة كما في حديث أنس بن مالك عن النبي قال: ((التأنِّي من الله والعجلة من الشيطان)). انظروا إلى أمثلة حية نعيشها كل يوم بل كل ساعة من بعض الشباب نسأل الله أن يهديهم سواء السبيل، تجد الشاب يقود سيارة فارهة وشريط الأغاني يصم آذان من هم في الطريق، ويقود سيارته بسرعة جنونية تؤدّي في النهاية إلى القضاء على حياته وحياة الآخرين في غمضة عين، كل ذلك بسبب العجلة والطيش والاستماع إلى مزامير الشيطان والشعور بضيق الصدر وعدم الطمأنينة، ولا حول ولا قوة إلا بالله.
نفعني الله وإياكم بالقرآن والسنة، أقول قولي هذا، وأستغفر الله العلي العظيم لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب فاستغفروه، إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية
الحمد لله المتعالي في مجده وملكه، أحمده سبحانه وأشكره وأتوب إليه وأستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا ومن شر الشيطان وشِرْكه وشَرَكِه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، بعثه بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحبه وأزواجه وذريته والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد: فاتقوا الله ـ أيها المؤمنون ـ حق التقوى، فإن أجسامكم على النار لا تقوى، وراقبوه في السر والنجوى.
وإن مما يحفظ العبد ويحصنه من الشيطان الالتزام بالكتاب والسنة علمًا وعملاً، قال تعالى: وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ [الأنعام: 153]. إذًا هذه وصية من الله وفي كتابه، فمن لا يتبعها ويأخذ بها فلا يلومن إلا نفسه؛ لأن الشيطان أخذ الميثاق على نفسه وتعهد بأن يقعد لابن آدم كل طريق يتوفر له ليصرف الإنسان عن الهدى: لأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ [الأعراف: 16]، ومع أنه هدَّد وتوعد فإن كيده ضعيف، متى؟ ولمن؟ إذا تسلح العبد بسلاح الإيمان وحسنت عبادته لله وتوكله عليه، قال تعالى: إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطَانٌ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ [النحل: 99]، ليس له سلطان على أهل التوحيد والإخلاص، ولكنه يتسلط على من تولاه واتبعه واستمع إلى أحابيله وخطواته، فأمثال هؤلاء يستذلهم ويوجههم، أما عباد الله وح+ الرحمن فلا سلطان له عليهم.
أيها الإخوة، وعلى الرغم من وضوح هذا الطريق في كتاب الله وسنة رسوله فقد يزل المؤمن أو يخطئ، وقد يصيبه نزغٌ من الشيطان أو يمسُّهُ طائف منه، وقد يُران على قلبه، لكنه سرعان ما يلوذُ بربه ويلجأُ إلى ذكره ويتوب إليه، فينخنس الشيطان، قال تعالى مبينًا بأن هذا الإنسان يختلف عن الملائكة الذين لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون وأنه خطاء وتواب إلى ربه: إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنْ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ [الأعراف: 201]، إنهم مؤمنون، بمجرد أن يمسهم طائف من الشيطان ينتبهون؛ لأن قلوبهم حية بذكر الله، وصلتهم به وثيقة ومستمرة، فلا ينساقون من أولى خطوات الشيطان، بل فورًا يتخلّصون من هذه النزوات والأفكار الخبيثة بسرعة ويلجؤون إلى ربهم يستعينون به ويستعيذون من الشيطان الرجيم كما أمرهم بذلك رب العالمين حيث قال: وَإِمَّا يَنزَغَنَّكَ مِنْ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ [الأعراف: 200]، إذًا الحلّ موجود، كلما جاءت فكرة شيطانية أو خاطرة فلا تتمادَ فيها واطردها فورًا واستعذ بالله.
واعلموا أن الله صلى وسلم على نبيه قديما، فقال تعالى ولم يزل قائمًا عليمًا وآمرًا حكيمًا تنبيهًا لكم وتعليمًا وتشريفًا لقدر وتعظيمًا: إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا [الأحزاب: 56].
لبيك اللهم صل وسلم على عبدك ورسولك سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وانصر من نصر الدين...
| |
|