molay مدير مراقب
البلد : المغرب الجنس : عدد المساهمات : 11945 تاريخ التسجيل : 17/12/2009 الموقع : STARMUST2
بطاقة الشخصية الدرجة: (1365/1365)
| موضوع: قدوم رمضان وتحسين العبادة - عبد الرحمن بن الصادق القايدي الخميس 1 ديسمبر - 8:12:19 | |
|
قدوم رمضان وتحسين العبادة
عبد الرحمن بن الصادق القايدي
الخطبة الأولى
أيها المؤمنون، قال النبي : ((إن لربكم في أيام الدهر نفحات، فتعرضوا لها؛ لعل أحدكم أن تصيبه نفحة فلا يشقى بعدها أبدا))، أي: أن لله نفحات ورحمات في بعض أيام وأشهر السنة لعباده، فتعرضوا لها وابحثوا عنها في مواسم الخير؛ فلعل أحدكم أن تصيبه نفحة ورحمة من الله، فيصبح من السعداء ولا يشقى بعد ذلك.
وسوف يدخل علينا بعد أيام شهر فضيل، فيه هذه النفحات، وكان نبينا يتمنى أن يطول به العمر حتى يصل لهذا الشهر، وكان يقول: ((اللهم بارك لنا في رجب وشعبان، وبلغنا رمضان)).
إن بلوغ شهر رمضان نعمة كبرى وميزة عظمى من الله، لا يعرفها ويقدرها إلا الصالحون المشمرون عن ساق الجد، والذين يستشعرون هذه النعمة ويغتنمون هذه الفرصة. وإن بلوغ شهر رمضان فرصة لمن ضعف إيمانه لكي يقويه ويحسن صلاته وأن يصلي بخشوع وسكينة بدلا من الصلاة العجلة التي يطاردنا فيها الشيطان. وأيضا بلوغ رمضان يعتبر فرصة لتغيير العادات السيئة وتركها؛ لأن كل من حولك صائم مما يساعد الإنسان على الطاعة؛ لأن الشياطين مسلسلون ومقيدون، فيضعف وسواسهم.
إخوة الإسلام، استمعوا إلى ما يقوله في الترحيب برمضان مخاطبا أصحابه وأمته من بعدهم: ((أتاكم رمضان، شهر بركة، فيه خير، يغشاكم الله فيه، فتنزل الرحمة، وتحط الخطايا، ويستجاب فيه الدعاء، فينظر الله إلى تنافسكم، ويباهي بكم ملائكته، فأروا الله من أنفسكم خيرا، فإن الشقي من حرم فيه رحمة الله عز وجل)) رواه الطبراني.
نعم والله، فإن الشقي -عياذا بالله- هو الذي يحرم من هذه الرحمة المهداة من المولى سبحانه أمة حبيبه وخليله محمد ، وكيف يحرم منها؟ يحرم منها بتسويفه وعدم إقباله على الله بقلب مخلص ونية صادقة، هو يصوم تقليدا للناس، واعتاد كل عام أن يصوم، لكنه لا يتأثر ولا يحس بحلاوة الصيام ولذة المناجاة مع الله والبكاء، قلبه أصبح مغلقا كما قال تعالى: بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ، بسبب ما يفعلون من منكرات شكّل طبقة من الران على قلوبهم، فلا يتفاعلون مع القرآن، ولا يتدبرونه بسبب هذه الغشاوة.
أيها الناس، ماذا يفعل من لا يتلذذ بشهر رمضان ولا يشعر فيه بحلاوة الصيام؟! ماذا يفعل؟ أول عمل يعمله قبل دخول رمضان هو أن ينوي تقوية إيمانه وتكون لديه رغبة صادقة لكي يعينه الله على تحقيق هذه الرغبة إذا عم الله صدق نيته، يقول تعالى مبينا هذه الحقيقة: وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدًى وَآتَاهُمْ تَقْواهُمْ، ويقول أيضا: إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدًى. إذًا البداية تأتي منك أنت أخي المسلم، أما تحقيق الرغبة فتأتي من الله، قال تعالى: ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ، وقال تعالى: فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ، فأصل القدرة على فعل أي شيء من الله، والعمل بدايته من العبد، فأنت يجب أن تتحرك وتقبل على الله وتتعرف على مواسم الخير ونفحات الله بمطالعة ما ورد فيها من فضل، وبما يحصل للعبد فيها من جزاء إذا اجتهد في هذه المواسم، عند ذلك تبدأ تشعر بنفحات الله وفضله عليك، وتبحث عن المزيد، يقول تعالى في الحديث القدسي: ((أنا عند ظن عبدي بي، وأنا معه إذا ذكرني، فإن ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي، وإن ذكرني في ملأ ذكرته في ملأ خير منهم، وإن تقرب إلي شبرا تقربت إليه ذراعا، وإن تقرب إلي ذراعا تقربت إليه باعا، وإن أتاني يمشي أتيته هرولة)) رواه البخاري.
فهكذا كل شيء ترغب في الحصول عليه يجب أن تبدأ فيه أنت أيها العبد، وتكون صادقا فيه، عند ذلك يتولاك المولى، ويحقق لك ما تريد وأكثر.
ديننا دين عمل، وليس دين +الى، تريد أن تشعر بحلاوة الصيام ابدأ أنت بالتوجه إلى الله وسؤاله بكل صدق وإخلاص، ثم بعد ذلك سوف ترى النتائج السريعة، يقول تعالى: وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِي إِذَا دَعَانِي فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ.
أيها الإخوة المؤمنون، على المؤمن أن يكثر من دعاء الله تعالى، والإكثار من الإلحاح عليه، وأن يسأله أن يلين قلبه، ويتفكر في نعم الله الكثيرة عليه، والتي لم يشكرها حق شكرها، ويقارن بينه وبين الآخرين ممن هم دونه حتى يدرك ويستشعر نعم الله؛ لأنه كلما ازداد علما وإدراكا بنعم الله عليه ازداد شوقا لشكر الله على هذه النعم؛ لأن القلوب مجبولة على حب من أحسن إليها، فكلما استمر الإنسان على هذا التفكر وأنه قد قضى كثيرا من عمره في غير طاعة فإنه سوف يجد حلاوة الصيام والطاعة ولذة العبادة، والدليل على ذلك أن الصائمين يقوى إيمانهم، فيتركون ما يشتهون، وينقادون لأوامر الله، ويهجرون رغباتهم ومشتهياتهم الحاضرة الفورية إلى موعد آخر غيبي لا يرونه، ولكنهم صدقوا الله ورسوله بما أخبر، وبذلك يتدرب الإنسان على كبح جماح رغباته وشهواته، وكيف يقودها بدلا من أن تقوده ويصبح عبدا منقادا لها دون تفكر.
عباد الله، إن الذي ينهزم بينه وبين نفسه فلم يتحمل الصبر عن الأكل والمتاع ساعات من نهار فإنه سوف يكون أشد انهزاما أمام مصائب الدنيا الكثيرة المتعددة في عصرنا هذا إن أطال الله به العمر.
نفعني الله وإياكم بالقرآن والسنة...
الخطبة الثانية
أيها الإخوة الأحبة، يقول الحبيب المصطفى في الحديث الصحيح الذي رواه البخاري: ((وما أعطي أحد عطاء خيرا وأوسع من الصبر)). وها قد أقبل الشهر الفضيل شهر الصبر، في موعد معلوم ليستعد الصالحون والمدركون لمواسم الخير، ويشمروا عن ساعد الجد، ويا باغي الخير أقبل، ويا باغي الشر أقصر.
إن المنهزمين في هذا الميدان مع أنفسهم ليسوا أهلا لإحراز النصر لأمتهم الإسلامية، من أعلن استسلامه في معركة مع شهوة محدودة فأين منه الرجولة؟! وأين منه الجد والصرامة؟!
إن غاية الصيام وهدفه بعد الانقياد لأوامر الله ورسوله هو تأديب النفس وترويضها لتكتسب إرادة صارمة وعزيمة قوية، فلا تنهار أمام الشهوات والمغريات، بل تتحدى الغرائز والأهواء، وهذا من أعظم أسباب السعادة ودليل على علو الهمة لأن الإنسان إذا نجح في كبح سمعه وبصره وبقية جوارحه في رمضان يستطيع أن يفعل ذلك في غير رمضان، وبالتالي يتعود الطاعة لأوامر الله ورسوله، يقول تعالى: إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُوْلَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولاً، كل شيء محسوب بدقة متناهية، إما لك وإما عليك، فلا تظن -أيها الغافل- أنك تستطيع أن تفر أو تهرب، فتنبه أخي المسلم، ولا تكن من الغافلين، واعقد النية على التوبة والاستفادة من شهر رمضان.
ثم صلوا وسلموا على إمام الأنبياء وسيد المرسلين...
| |
|