molay مدير مراقب
البلد : المغرب الجنس : عدد المساهمات : 11945 تاريخ التسجيل : 17/12/2009 الموقع : STARMUST2
بطاقة الشخصية الدرجة: (1365/1365)
| موضوع: الرياء - عادل بن عدنان النجار الثلاثاء 22 نوفمبر - 7:29:05 | |
|
الرياء
عادل بن عدنان النجار
الخطبة الأولى
عباد الله، إن إخلاص العمل لله وحده من أوجب الواجبات، ومن أبر الطاعات، وهو أساس لكل عمل صالح، إذا خلا العمل من الإخلاص، فلا قيمة له ولا ثواب له في الدنيا والآخرة.
والإخلاص هو تجريد قصد التقرب إلى الله. وقيل هو تجريد إفراد الله بالقصد في الطاعات. وهو شرط لقبول العمل الصالح الموافق لسنة رسول الله ، وقد أمرنا الله به قال تعالى: وَمَا أُمِرُواْ إِلاَّ لِيَعْبُدُواْ ٱللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ ٱلدّينَ حُنَفَاء [البينة:5].
ولما جاء رجل إلى عبادة بن الصامت فقال: أنبئني عما أسألك عنه، أرأيت رجلاً يصلي يبتغي وجه الله، ويحب أن يحمد، ويصوم يبتغي وجه الله، ويحب أن يحمد، ويتصدق يبتغي وجه الله ويحب أن يحمد، ويحج يبتغي وجه الله ويحب أن يحمد، فقال له عبادة : ليس له شيء، إن الله تعالى يقول: أنا خير شريك فمن كان له معي شريك فهو له كله لا حاجة لي فيه. وجاء في الحديث القدسي قال الله تعالى: ((أَنَا أَغْنَى الشُّرَكَاءِ عَنْ الشِّرْكِ مَنْ عَمِلَ عَمَلًا أَشْرَكَ فِيهِ مَعِي غَيْرِي تَرَكْتُهُ وَشِرْكَهُ))، عَنْ أَبِي ذَرٍّ قَالَ قِيلَ لِرَسُولِ اللَّهِ : أَرَأَيْتَ الرَّجُلَ يَعْمَلُ الْعَمَلَ مِنْ الْخَيْرِ وَيَحْمَدُهُ النَّاسُ عَلَيْهِ قَالَ: ((تِلْكَ عَاجِلُ بُشْرَى الْمُؤْمِنِ)).
عباد الله، إن فقد الإخلاص في العمل هو الشرك الذي حذر الله منه، وحذر منه رسول الله ، وأخبر الله سبحانه وتعالى أنه لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء.
وذلك لأن الشرك على نوعين: شرك أكبر مخرج من الملة، وهو أن يصرف العبد لغير الله نوعاً من أنواع العبادة الواجبة لله وحده. وهناك نوع آخر من الشرك، وهو الشرك الخفي الذي هو أخطر ما يكون على الأمة، وهو الرياء، كما قال النبي في الحديث الذي رواه الإمام أحمد: ((أَلَا أُخْبِرُكُمْ بِمَا هُوَ أَخْوَفُ عَلَيْكُمْ عِنْدِي مِنْ الْمَسِيحِ الدَّجَّالِ قَالَ قُلْنَا بَلَى فَقَالَ: الشِّرْكُ الْخَفِيُّ أَنْ يَقُومَ الرَّجُلُ يُصَلِّي فَيُزَيِّنُ صَلَاتَهُ لِمَا يَرَى مِنْ نَظَرِ رَجُلٍ)).
نعم إن الله يحاسب عباده يوم لقيامة على قدر نواياهم وإخلاصهم في أعمالهم، فهو سبحانه الذي يعلم السر وأخفى، فقد جاء في الحديث الصحيح عن أبي هريرة قال: قال رسول الله : ((إِنَّ أَوَّلَ النَّاسِ يُقْضَى يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَيْهِ رَجُلٌ اسْتُشْهِدَ فَأُتِيَ بِهِ فَعَرَّفَهُ نِعَمَهُ فَعَرَفَهَا قَالَ: فَمَا عَمِلْتَ فِيهَا؟ قَالَ: قَاتَلْتُ فِيكَ حَتَّى اسْتُشْهِدْتُ قَالَ: كَذَبْتَ وَلَكِنَّكَ قَاتَلْتَ لِأَنْ يُقَالَ: جَرِيءٌ فَقَدْ قِيلَ، ثُمَّ أُمِرَ بِهِ فَسُحِبَ عَلَى وَجْهِهِ حَتَّى أُلْقِيَ فِي النَّارِ.
وَرَجُلٌ تَعَلَّمَ الْعِلْمَ وَعَلَّمَهُ وَقَرَأَ الْقُرْآنَ، فَأُتِيَ بِهِ فَعَرَّفَهُ نِعَمَهُ فَعَرَفَهَا، قَالَ: فَمَا عَمِلْتَ فِيهَا؟ قَالَ: تَعَلَّمْتُ الْعِلْمَ وَعَلَّمْتُهُ وَقَرَأْتُ فِيكَ الْقُرْآنَ قَالَ: كَذَبْتَ، وَلَكِنَّكَ تَعَلَّمْتَ الْعِلْمَ لِيُقَالَ: عَالِمٌ وَقَرَأْتَ الْقُرْآنَ لِيُقَالَ: هُوَ قَارِئٌ فَقَدْ قِيلَ، ثُمَّ أُمِرَ بِهِ فَسُحِبَ عَلَى وَجْهِهِ حَتَّى أُلْقِيَ فِي النَّارِ.
وَرَجُلٌ وَسَّعَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَأَعْطَاهُ مِنْ أَصْنَافِ الْمَالِ كُلِّهِ فَأُتِيَ بِهِ فَعَرَّفَهُ نِعَمَهُ فَعَرَفَهَا قَالَ: فَمَا عَمِلْتَ فِيهَا؟ قَالَ: مَا تَرَكْتُ مِنْ سَبِيلٍ تُحِبُّ أَنْ يُنْفَقَ فِيهَا إِلَّا أَنْفَقْتُ فِيهَا لَكَ. قَالَ: كَذَبْتَ وَلَكِنَّكَ فَعَلْتَ لِيُقَالَ: هُوَ جَوَادٌ فَقَدْ قِيلَ، ثُمَّ أُمِرَ بِهِ فَسُحِبَ عَلَى وَجْهِهِ ثُمَّ أُلْقِيَ فِي النَّارِ)). وفي رواية: ثُمَّ ضَرَبَ رَسُولُ اللَّهِ عَلَى رُكْبَتِي فَقَالَ: ((يَا أَبَا هُرَيْرَةَ أُولَئِكَ الثَّلَاثَةُ أَوَّلُ خَلْقِ اللَّهِ تُسَعَّرُ بِهِمْ النَّارُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ)).
عباد الله، كل حظ من حظوظ الدنيا تستريح إليه النفس، ويميل إليه القلب، قل أم كثر، إذا تطرق إلى العمل، تكدر به صفوه، وزال به إخلاصه، والإنسان مرتبط في حظوظه، منغمس في شهواته، قلما ينفك فعل من أفعاله، وعبادة من عباداته عن حظوظ وأغراض عاجلة من هذه الأجناس، فلذلك قيل من سلم له من عمره لحظة واحدة خالصة لوجه الله نجا، وذلك لعزة الإخلاص، وعسر تنقية القلب من الشوائب كلها، قليلها وكثيرها، حتى يتجرد فيه قصد التقرب فلا يكون فيه باعث سواه، وهذا لا يتصور إلا من محب لله ومستغرق الهم بالآخرة، بحيث لم يبق لحب الدنيا في قلبه قرار، فمثل هذا لو أكل، أو شرب، كان خالص العمل، صحيح النية، وهو القلب السليم، السالم يوم القيامة، الذي سلم من أن يكون لغير الله فيه شرك بوجه من الوجوه، بل خلصت عبوديته لله وحده إرادة ومحبة، فإن أحب أحب في الله، وإن أبغض أبغض في الله، وإن أعطى أعطى لله، وإن منع منع لله. قال بعض السلف: "ما من فعلة ـ وإن صغرت ـ إلا ينشر لها ديوانان: لم؟ وكيف؟ لم فعلت هذا الفعل؟ أهو لمولاك أم لحظك وهواك؟ وكيف فعلت؟ هل كان العمل مما شرعه الله لك على لسان رسوله ؟ أم كان عملاً لم يشرعه ولم يرضه؟. فالأول سؤال عن الإخلاص والثاني عن المتابعة. فالله لا يقبل العمل إلا بهما.
عباد الله، إن الإخلاص سر عظيم يقذفه الله في قلوب من اصطفى من عباده، ليقودهم به إلى أعظم الأعمال، ويحببهم إلى أحسن الأفعال. يبعث فيهم الهمم العالية، والعزيمة الصادقة، والإرادة القوية، ويربي فيهم روحاً طيبة طاهرة، وضميراً سليماً حياً، فهو الذي يبرئ العمل من العيوب، يخلصه من المساوئ والذنوب، ولا نجاة للعبد من الشيطان إلا بالإخلاص لقول الله عز وجل: إِلاَّ عِبَادَكَ مِنْهُمُ ٱلْمُخْلَصِينَ [الحجر:40]، وروي أن أحد الصالحين قال: يا نفس أخلصي تتخلصي.
أما عدم الإخلاص والاتصاف بالرياء فهو سبب لحرمان أصحابه من الفوز بنعمة الله في الدنيا والآخرة، لأنه مبني على الخداع والمراوغة، ومخالفة الظاهر لباطنه، فهو كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ ٱلظَّمْانُ مَاء حَتَّىٰ إِذَا جَاءهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئاً وَوَجَدَ ٱللَّهَ عِندَهُ فَوَفَّـٰهُ حِسَابَهُ وَٱللَّهُ سَرِيعُ ٱلْحِسَابِ [النور:29].
أعاذنا الله وإياكم من الرياء ومن سيء الأعمال والأخلاق، ونفعني وإياكم بالذكر الحكيم وبهدي سيد المرسلين أقول قولي هذا..
الخطبة الثانية
عباد الله، إن الموفق هو الذي يعمل العمل خالصاً لوجه الله، لا لأجل الخلق ولا لأجل النفس، إنما يعمل ابتغاء وجه الله، فإن النبي قد حذر من الرياء غاية التحذير قال : ((مَنْ سَمَّعَ سَمَّعَ اللَّهُ بِهِ، وَمَنْ يُرَائِي يُرَائِي اللَّهُ بِهِ)).
قال الخطابي: أي من عمل عملاً على غير إخلاص، إنما يريد أن يراه الناس ويسمعونه، جوزي على ذلك بأن يشهره الله ويفضحه، فيبدو عليه ما كان يبطنه ويسره من ذلك. وقال علي بن أبي طالب : للمرائي ثلاث علامات: ي+ل إذا كان وحده، وينشط إذا كان في الناس، ويزيد في العمل إذا أثني عليه، وينقص إذا ذم به.
عباد الله، إن من غلب عليه حب الله وكان الآخرة نصب عينيه كان الإخلاص نصيبه، أما من غلب على نفسه حب الدنيا والعلو والرياسة فلا تسلم له عبادة، وذلك لأن علاج الإخلاص +ر حظوظ النفس، وقطع الطمع عن الدنيا، والتجرد للآخرة، حتى يغلب ذلك على القلب، فإذا تيسر ذلك تيسر الإخلاص، أعاننا الله وإياكم على ذلك وغفر للمؤمنين والمؤمنات...
| |
|