molay مدير مراقب
البلد : المغرب الجنس : عدد المساهمات : 11945 تاريخ التسجيل : 17/12/2009 الموقع : STARMUST2
بطاقة الشخصية الدرجة: (1365/1365)
| موضوع: كف الأذى - صلاح بن محمد البدير الإثنين 21 نوفمبر - 4:45:29 | |
|
كف الأذى
صلاح بن محمد البدير
الخطبة الأولى
أمّا بعد: فيا أيّها المسلِمون، اتّقوا الله؛ فإنّ تقواه أفضلُ مكتَسَب وطاعتَه أعلى نسب، يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ [آل عمران: 102].
أيّها المسلمون، المؤمِن سَهلُ العَرِيكة جميلُ العِشرة حَسَن التّعامُل لَيِّنُ الجانب، يبذُل النّدى، ويكفّ الأذى، وكفُّ الأذى أفضلُ خِصال الإسلام، فعن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال: قلنا: يا رسول الله، أي الإسلام أفضل؟ قال: ((من سلم المسلمون من لسانه ويده)) متفق عليه. قال الإمام البغويّ رحمه الله تعالى: "أفضل المسلمين من جمَع إلى أداءِ حقوق الله تعالى أداءَ حقوق المسلمين والكفَّ عن أعراضهم".
أيها المسلمون، دلَّتِ النصوص الشرعيةُ على تحريم إيذاء المسلِم بأيّ وجهٍ منَ الوجوه؛ مِن قولٍ أو فعل بغيرِ حقّ، ووجوبِ رفع الأذى عن المسلمين، قال تعالى: وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُّبِينًا [الأحزاب: 58]، وعن عبدِ الله بنِ مسعودٍ رضي الله عنه أنَّ النبيَّ قال: ((لا يتناجَ اثنان دونَ واحد؛ فإنّ ذلك يؤذِي المؤمن، والله عز وجل يكرَه أذى المؤمن)) أخرجه الترمذي، وعن أبي سعيد الخدريّ رضي الله عنه قال: قال رسول الله : ((إيّاكم والجلوسَ في الطرقات))، فقالوا: يا رسول الله، ما لنا بدٌّ من مجالسِنا نتحدَّث فيها، فقال: ((فإذا أبيتم إلاّ المجلس فأعطوا الطريق حقَّه))، قالوا: وما حقُّه؟ قال: ((غضُّ البصر، وكفّ الأذى، وردُّ السلام، والأمرُ بالمعروف، والنهيُ عن المنكر)) متفق عليه.
أيّها المسلمون، إيذاءُ المسلِمِ ومكايدتُه وإلحاقُ الشرِّ به واتهامُه بالباطلِ ورميُه بالزورِ والبهتانِ وتحقيرُه وتصغيرُه وتعييرُه وتنقُّصُه وثَلمُ عرضِه وغيبَته وسَبُّه وشتمُه وطعنُه ولعنُه وتهديدُه وترويعُه وابتزازه وتتبُّع عورتِه ونشرُ هفوتِه وإرادةُ إسقاطهِ وفضيحتِه وتكفيرُه وتبديعُه وتفسيقُه وقتالُه وحمل السلاح عليه وسلبُه ونهبُه وسرقتُه وغِشُّه وخداعُه والمكر به ومماطلتُه في حقِّه وإيصالُ الأذى إليه بأيّ وجه أو طريق ظلمٌ وجرمٌ وعدوانٌ، لا يفعلُه إلا دَنيء مَهين لئيمٌ وضيعٌ ذّميم، قد شُحِن جوفه بالبغضاء والضَّغناء، وأُفعم صدره بالكراهية والعداء؛ فتنفّشَ للمجابهة، وتشَمَّر للمشاحَنَة، ينصِب الشَّرَك، ويبرِي سِهام الحتف، دأبُه أن يحزِن أخاه ويؤذيه، وهَمُّه أن يهلكَه ويُردِيَه، وكفى بذلك إثمًا وحوبًا وفُسوقًا، فعن نافعٍ عن ابنِ عمر رضي الله عنهما قال: صَعد رسول الله المنبر فنادى بصوتٍ رفيع فقال: ((يا معشرَ من أسلم بِلِسانه ولم يُفضِ الإيمانُ إلى قلبه، لا تُؤذوا المسلمين، ولا تعيِّروهم، ولا تتَّبعوا عَوراتهم؛ فإنّه من تتبَّع عَورةَ أخيه المسلِم تتبَّع الله عَورتَه، ومن تتبَّع الله عَورَته يَفضَحه ولو في جوفِ رحلِه))، قال: ونظَر ابنُ عمر يومًا إلى البيت أو إلى الكعبة فقال: (ما أعظمَك وأعظم حرمتك! والمؤمنُ أعظم حرمة عند الله منك) أخرجه الترمذي. وعن سهل بنِ معاذ عن أبيه عن النبيِّ قال: ((مَن رمى مسلمًا بشيءٍ يريد شينَه به حبَسه الله على جِسر جهنّم حتى يخرُجَ ممّا قال)) أخرجه أبو داود. وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رجل: يا رسول الله، إنّ فلانة يُذكر من كثرةِ صلاتها وصيامِها وصدَقتها غيرَ أنها تؤذي جيرانها بلِسانها، قال: ((هي في النار))، قال: يا رسول الله، فإنّ فلانة يُذكر من قلّة صيامها وصدقتها وصلاتها، وإنها تَصدَّق بالأثوار من الأقِط ولا تؤذي جيرانها بلسانها، قال: ((هي في الجنة)) أخرجه أحمد. وعن أبي أمامة رضي الله عنه قال: قال رسول الله : ((مَن جرَّد ظهرَ مسلمٍ بغير حقّ لقيَ الله وهو عليه غضبان)) أخرجه الطبراني في الكبير وقال الهيثمي: "إسناده جيد". وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله : ((المسلم أخو المسلم؛ لا يظلمه ولا يخذله ولا يحقِره، بحسب امرئٍ من الشرّ أن يحقر أخاه المسلم، كلّ المسلم على المسلم حرام دمُه ومالُه وعِرضه)) أخرجه مسلم. وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله : ((سِباب المسلم فُسوق وقِتاله كُفر)) أخرجه مسلم. وعن أبي ذرّ رضي الله عنه أنّه سمع رسول الله يقول: ((من دَعا رَجلا بالكفر أو قال: عدوّ الله وليس كذلك إلاّ حار عليه)) أخرجه مسلم.
فيا أيّها المؤذِي المعتدي العيَّابُ المغتاب، يا من ديدنُه الهمز واللَّمز والنّبز والغَمز والتجسُّس والتحسّس والتلصّص، كُفَّ أذاك عن المسلِمين، واشتغل بعَيبِك عن عيوبِ الآخرين، وتذكَّر يومًا توقَف فيه بين يدي ربَّ العالمين. يقول يحيى بن معاذ: "لِيَكن حظُّ المؤمن منك ثلاثة: إن لم تَنفعه فلا تضرَّه، وإن لم تُفرحه فلا تغمَّه، وإن لم تمدَحه فلا تذمَّه"، وقال رجل لعمرَ بنِ عبد العزيز: "اجعَل كبيرَ المسلمين عندَك أبًا، وصغيرَهم ابنا، وأوسَطَهم أخًا، فأيّ أولئك تحبّ أن تسيء إليه؟!"، وعن أبي ذر رضي الله عنه قال: قلت: يا رسول الله، أيّ الأعمال أفضل؟ قال: ((الإيمان بالله والجهاد في سبيله))، قال: قلت: أيّ الرّقاب أفضل؟ قال: ((أنفَسُها عند أهلها وأكثرُها ثمنًا))، قال: قلتُ: فإن لم أفعَل؟ قال: ((تعينُ صانعًا أو تَصنَع لأخرَق))، قال: قلتُ: يا رسول الله، أرأيتَ إن ضعفتُ عن بعض العمَل؟ قال: ((تكفُّ شرَّك عن الناس؛ فإنها صدقةٌ منك على نفسِك)) متفق عليه.
بارك الله لي ولكم في القرآنِ والسنّة، ونفعني وإيّاكم بما فيهما من البيّنات والحكمة. أقول ما تسمعون، وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كلّ ذنب وخطيئة، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية
الحمد لله على إحسانه، والشّكر له على توفيقه وامتنانِه، وأشهد أن لا إلهَ إلا الله وحدَه لا شريكَ له تعظيمًا لشأنه، وأشهَد أنَّ نبيَّنا وسيِّدنا محمَّدًا عبده ورسوله الداعِي إلى رضوانِه، صلّى الله عليه وعلى آله وأصحابِه وإخوانِه، وسلَّم تسليمًا كثيرًا.
أمّا بعد: فيا أيّها المسلمون، اتقوا الله وراقبوه، وأطيعوه ولا تعصوه، يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ وَكُونُواْ مَعَ الصَّادِقِينَ [التوبة: 119].
أيها المسلمون، ومن صوَر الإيذاء التشويشُ على المصلّين في المساجد برفعِ الأصواتِ والمزاحمةِ والمدافَعَة وتخطّي الرقاب والصّلاة في الطرُق والممرّات وعلى الأبواب، وإيذاءُ المسلمين بالروائحِ الكريهة الم+ِمة المنتنة، فعن عبد الله بنِ بسر رضي الله عنه قال: جاء رجل يتخطَّى رقابَ الناس يومَ الجمعة والنبيُّ يخطُب، فقال: ((اجلِس فقد آذَيت)) أخرجه أبو داود وابن ماجه، وعن أبي سعيدٍ الخدريّ رضي الله عنه قال: اعتَكف رسول الله في المسجِدِ، فسمعهم يجهَرون بالقراءة، فكشفَ السترَ وقال: ((ألا إنَّ كلَّكم مناجٍ ربَّه، فلا يُؤذينَّ بعضُكم بعضًا، ولا يرفع بعضكم على بعضٍ في القراءة)) أخرجه أبو داود، وعن أبي هريرةَ رضي الله عنه قال: قال رسول الله : ((مَن أكلَ مِن هذه الشجرةِ فلا يَقربنَّ مسجِدنا ولا يؤذينَّا بريح الثوم)) أخرجه مسلم، وفي لفظ: ((فإنَّ الملائكة تتأذَى مما يتأذَّى منه بنو آدم))، وعن عائشةَ رضي الله عنها قالت: كان الناسُ يسكنون العاليةَ، فيحضرون الجمعةَ وبهم وَسخ، فإذا أصابهم الرّوح سطَعَت أرواحُهم فيتأذَّى بها الناس، فذُكِرَ ذلك لرسول الله فقال: ((أوَلا يغتسلون؟!)) أخرجه النسائي.
ومِن صُوَر الأذى التخلِّي في طريق الناسِ وأفنيَتِهم وقضاءُ الحاجة في أماكِن تنزُّهِهم وجُلوسِهم وتُنجيسُها وتقذيرها بالأوساخ والمهمَلات، فعن أبي هريرةَ رضي الله عنه أنّ رسول الله قال: ((اتَّقوا اللعانَين))، قالوا: وما اللَّعَّانان يا رسول الله؟ قال: ((الذي يتخلَّى في طريق الناس وظلِّهم)) أخرجه مسلم، وعن أبي برزةَ الأسلميّ رضي الله عنه قال: قلت: يا رسول الله، دُلَّني على عمَلٍ يدخلني الجنة، قال: ((اعزِلِ الأذى عن طريق المسلمين)) أخرجه أحمد.
أيها المسلمون، ومن صُوَر الإيذاء والاعتداءِ إيذاءُ الرجل زوجتَه بالجَور والظلمِ والقَهر والقسوَة والغِلظة والبخلِ والحِرمان والتُّهمة والظنّ والتّخوين والشكِّ في غير رِيبة، ومعاملتها بالخلُق الدنيّ واللّسان البذيّ الذي لا تبقَى معه عِشرة ولا يدوم معه استقرارٌ ولا سُكون ولا راحة، ومنَ الرجال من يترُك زوجتَه معلَّقة لا ذات زوجٍ ولا مطلَّقة؛ ليحمِلَها على الافتِدا ودفع عوَضِ المخالَعَة ظلمًا وعدوانًا، ومن الرجال من يحرِم المرأةَ أولادَها بعد تطليقِها إمعانًا في الإساءةِ والأذى.
ومن صوَر الأذى إيذاء المرأة زوجَها بالمعانَدَة والمعارَضَة والمكايدة والاستفزاز وعدَمِ رعاية حقِّه في المغيب والمشهَد، إلى غير ذلك من صوَر الأذى التي يرفضُها الشرع الحكيم ويأبَاها الطبع السليم والعقلُ المستقيم.
فاتقوا الله أيّها المسلمون، وكُفُّوا الأذَى، وابذلوا الندى؛ تنالوا الحسنى وطيبَ الذكرى، وتسعَدوا وتسلَموا في الدنيا والأخرى.
وصلّوا وسلِّموا على خير البرِية وأ+ى البشرية؛ فقد أمركم الله تعالى بذلك فقال: إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا [الأحزاب: 56].
اللهم صلِّ وسلّم على عبدك ورسولك محمد، وارضَ اللّهمّ عن خلفائه الراشدين الأئمّة المهديّين: أبي بكر وعمر وعثمان وعليّ، وعن سائر الصحابة أجمعين، ومَن تبِعهم بإحسانٍ إلى يومِ الدّين، وعنّا معهم بمنّك وفضلك وجودك وإحسانك وكرمِك يا أرحم الراحمين.
اللّهمّ أعزَّ الإسلام والمسلمين. وأذلَّ الشركَ والمشركين، ودمِّر أعداءَ الدين، واجعَل هذا البلدَ آمنًا مطمئنًّا سخاءًً رخاءً وسائر بلاد المسلمين...
| |
|