molay مدير مراقب
البلد : المغرب الجنس : عدد المساهمات : 11945 تاريخ التسجيل : 17/12/2009 الموقع : STARMUST2
بطاقة الشخصية الدرجة: (1365/1365)
| موضوع: الوسطية مع الولاة - صلاح بن محمد آل الشيخ الجمعة 18 نوفمبر - 4:31:12 | |
|
الوسطية مع الولاة
صلاح بن محمد آل الشيخ
الخطبة الأولى
أما بعد: قال الله تعالى: وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا أمةً وسطا أي: عدولًا، على الطريق المستقيم، الهادي لجنة النعيم ومرضاة رب العالمين، أي: أمةً خيارا، لها أكمل الشرائع وأقوم المناهج وأوضح المسالك، أمةً وسطًا بين الأمم، ووسطًا بين الفرق والمذاهب والنحل، وسطًا بين من شبهوا الخالق بالمخلوق، ومن عطلوه عن أسمائه الحسنى وصفاته العلى، ووسطًا بين من نفوا قدرة الله وتقديره وخلقه لأفعال عباده، وبين من نفوا للعباد مشيئةً وإرادةً وفعلا فكلٌ مجبورٌ مقهورٌ على فعله، ووسطًا بين من غلوا في محبة أهل بيت رسول الله والأولياء والصالحين، حتى ألّهوهم وعبدوهم مع الله، وجعلوا لهم عصمة وتشريعا، وبين من ناصبوهم العداء واستخفوا بهم ولم يعرفوا لهم حقهم، ووسطًا بين أهل التصوف والرهبانية والاعتزال، وبين أهل اللهو والفسق والمجون، ووسطًا مع العلماء بين من اتخذوهم أربابًا يحلون لهم الحرام ويحرمون عليهم الحلال، وبين من هجروهم واستهزؤوا بهم ولم يرجعوا إليهم ويسألوهم، ووسطًا مع ولاة أمرهم وأمرائهم بين أهل الفتنة والخروج والشقاق، وأهل المداهنة والكذب والنفاق.
هم وسطٌ مع ولاة أمرهم، فلهم السمع والطاعة في المعروف، قال الله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنْكُمْ، لهم السمع والطاعة في اليسر والعسر، والمنشط والمكره، وفيما أحبوه وكرهوه، قال : ((السمع والطاعة على المرء المسلم فيما أحب وما كره ما لم يؤمر بمعصية))، وقال عبادة بن الصامت : (بايعنا رسولَ الله في اليسر والعسر، والمنشط والمكره، وأن لا ننازع الأمر أهله).
وسطٌ فيصبرون على مظالمهم ومساوئهم، فلا يثيرون الناس عليهم، بإشاعة أخطائهم وفسادهم، وكتم حسناتهم ومحاسنهم، يصبرون وإن رأوا أثرة عليهم، ففي صحيح مسلم: ((يكون بعدي أئمة لا يهتدون بهداي، ولا يستنون بسنتي، وسيقوم فيهم رجالٌ قلوبهم قلوب الشياطين في جثمان أنس))، قال حذيفة: كيف أصنع يا رسول الله إن أدركت ذلك؟ قال: ((تسمع وتطيع للأمير وإن ضرب ظهرك وأخذ مالك)).
أمةٌ وسطٌ يرون طاعتهم في غير معصية من طاعة الله تعالى، ومفارقتهم فتنة وضلال، قال : ((من أطاعني فقد أطاع الله، ومن عصاني فقد عصى الله، ومن يطع الأمير فقد أطاعني، ومن يعص الأمير فقد عصاني))، وقال: ((من فارق الجماعة قيد شبرٍ فقد خلع ربقة الإسلام من عنقه)).
قال حنبل: اجتمع فقهاء بغداد في ولاية الواثق إلى أحمد بن حنبل رحمه الله، وقالوا له: إن الأمر قد تفاقم وفشا، ولا نرضى بإمارته ولا سلطانه، فناظرهم، وقال: عليكم بالإنكار في قلوبكم، ولا تخلعوا يدًا من طاعة، ولا تشقوا عصا المسلمين، ولا تسفكوا دماءكم ودماء المسلمين معكم، وانظروا في عاقبة أمركم، واصبروا حتى يستريح برٌّ ويُستراح من فاجر.
وهم أيضًا وسطٌ مع ولاة أمرهم، فلا يطيعونهم في معصية، ولا يمدحونهم عليها، ولا يتابعونهم فيها، بعث رسول الله سرية وأمَّرَ عليهم رجلًا من الأنصار فأغضبوه، فقال: أليس أمركم النبيُ أن تطيعوني؟! قالوا: بلى، قال: فاجمعوا حطبًا، فجمعوا، فقال: أوقدوا نارًا، فأوقدوها، ثم قال: ادخلوها، فهموا وجعل بعضهم يمسك بعضا، ويقولون: فررنا إلى النبي من النار، فما زالوا حتى خمدت النار، وسكن غضبهُ، فبلغ النبيَّ ذلك فقال: ((لو دخلوها ما خرجوا منها إلى يوم القيامة، إنما الطاعة في المعروف)).
وهم وسطٌ لا يرتضون ظلمهم وعدوانهم وفسادهم، ولا يتابعونهم عليه، ولا يمدحونهم بما ليس فيهم، بل يتبرؤون وينكرون ويناصحون بالمعروف، قال : ((ستكون أمراء، فتعرفون وتنكرون، فمن عرف برئ، ومن أنكر سلِم، ولكن من رضي وتابع))، وفي رواية: ((من أنكر بلسانه فقد برئ، ومن كره بقلبه فقد سلم)).
وهم أيضًا يقولون الحق، ولا يسكتون على باطل، ويناصحون بالوجه الشرعي الصحيح الذي لا فتنة معه ولا تحريض فيه، ففي حديث عبادة: (وأن نقول أو نقوم بالحق حيث ما كُنا لا نخاف في الله لومة لائم). سأل رجلٌ النبي : أيُ الجهاد أفضل؟ قال: ((كلمة حقٍ عند سلطان جائر)).
وهم أيضا قد حدَّ لهم نبيُهم حدًا، فلا يرتضون الفتنة بالكفر وإظهاره وتزيينه والدعايةِ له، فمتى ظهر الكفرُ البواحُ البين الظاهر الذي لا شبهة فيه وجب حينا وجاز حينا الخروج عليهم، وخلعهم بالسلم إن أمكن، أو بالسيف والقتال إن أصروا على الكفر وعاندوا، ففتنة الكفر التي يظهرون وفتنة الكفر التي يزينون وفتنة الكفر التي إليها يسوقون أعظم خطرا وأقبح أثرا من فتنة القتل وذهابِ الأمن، ألا ترى الله يأمر بالجهاد وبذل الأنفُس والأموال لتحقيق الدين وزوال الفتنة بالكفر؟! قال تعالى: وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ.
اللهم أصلح ولاة أمورنا، ووفقهم لكل خير، وولِّ على المسلمين خيارهم، ولا تول عليهم شرارهم...
الخطبة الثانية
لم ترد.
| |
|