molay مدير مراقب
البلد : المغرب الجنس : عدد المساهمات : 11945 تاريخ التسجيل : 17/12/2009 الموقع : STARMUST2
بطاقة الشخصية الدرجة: (1365/1365)
| موضوع: القلق والاكتئاب - صلاح بن محمد آل الشيخ الجمعة 18 نوفمبر - 4:31:42 | |
|
القلق والاكتئاب
صلاح بن محمد آل الشيخ
الخطبة الأولى
أما بعد: قال تعالى: الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ.
القلق والاكتئاب خوف وحرص وترقب لما سيكون في الغد والمستقبل يولّد القلق، وحسرةٌ وتوجعٌ وأسفٌ على ما فات ومضى من الأيام يولّد الاكتئاب. أمراض نفسية ملأت حياة الكثير من الناس تعاسة وهما وحزنا، وسلبتهم السعادة والطمأنينة والرضا. صاحبها في دوامة لا يدري كيف المخرج، ومتى الفرج، يصبح مهموما قلقا، ويمسي كئيبا حزينا، ليس لشيء في دنياه طعم ولا لذة، ولا له مع أحد أنس ولا راحة. بين أهله وأحبابه بجسده ولسانه، وبعيد عنهم بفكره وقلبه، ومتى خلا بنفسه جاءته الوساوس من فوقه ومن تحته. أمراض نفسية تصيب الكافر فلا عجب، فالذي ما عرف إلا الدنيا، ولم يوقن بالآخرة، ثم فاتته الدنيا، فلم يحصل فيها صحة وقوة، ولا جمالا وبهاء، ولا مالا وجاها، ولا أهلا وأنيسا، فجدير به أن يحزن ويقلق، ولا غرابة في قتله لنفسه هربا من جحيم وعذاب يعيشه ويحياه ويكابده ويشقاه، إلى جحيم وعذاب لا يعلمه ويعرفه ولا يؤمن به ويتيقنه.
والمؤمن يصيبه الهم والحزن، قال تعالى عن نبيه يعقوب عليه السلام: وَتَوَلَّى عَنْهُمْ وَقَالَ يَا أَسَفَى عَلَى يُوسُفَ وَابْيَضَّتْ عَيْنَاهُ مِنَ الْحُزْنِ فَهُوَ كَظِيمٌ، وقال تعالى عن المؤمنين: وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ إِنَّ رَبَّنَا لَغَفُورٌ شَكُورٌ، وقال : ((ما يصيب المسلمَ من نصب ولا وصب، ولا هم ولا حزن، ولا أذى ولا غم، حتى الشوكة يشاكها، إلا كفر الله بها من خطاياه)). هذا الهم والحزن يصيب المؤمن ويصاحبه صبره الواجب عليه، ويصاحبه عند كمال الإيمان الرضا والطمأنينة بما قدره الله عليه. ولا يصل أبدًا بصاحبه حدَّ التشاؤم والتسخط والغضب إلا عند من قل علمه بربه وحكمته، وضعف إيمانه ويقينه بوعد ربه. فمن أصابته هذه الوساوس والأوهام بشكل مرضي مستمر فليتهم نفسه، فإنما أوتي من قبل ضعف إيمانه، وحرصه وتعظيمه للدنيا، حرصا وتعظيما يدفعه للقلق والاكتئاب عند فقدها وعدم تحصيله لمراداته فيها.
ذلك أن المؤمن بالله والمؤمن بوعد الله -الجنة لعباده المتقين- يعلم أن الدنيا مرحلة قصيرة جدًا من مراحل حياته، كلمح البصر أو أقصر، وأنها دار أرادها الله للعمل والابتلاء والامتحان، لا تساوي عند الله شيئا، ولا جناح بعوضة، وأن فوزه وخسارته، وسعادته وشقاءه، وفرحه وحزنه، على مقدار حظه ونصيبه في الآخرة، لا على حظه من الدنيا، قال تعالى: وَمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلاَّ لَهْوٌ وَلَعِبٌ وَإِنَّ الدَّارَ الآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوَانُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ. ولأن المؤمن موقن أن ما أصابه ما كان ليخطئه، وما أخطأه لم يكن ليصيبه، ولو احتال لذلك بكل حيلة، وتسبب له بكل سبب، ولو اجتمع الجن والإنس لينفعوه أو يضروه بشيء لم يكتبه الله له أو عليه، لم يستطيعوا لذلك سبيلا. كلُ أمره قد كتبه الله عليه وقدره، كتبه ابتلاء وامتحانا، وكتبه موعظة وتذكيرا، وكتبه تمحيصا وتطهيرا. زيادة له في الدرجات وعلو منزلة في الجنات. فلا أسى ولا حسرة على ما فات، لأنه لو قدر له لكان وصار.
ولأن المؤمن قلبه مطمئن بالله تعالى ربه ومولاه، يأنس بذكره وبالقرآن العظيم، ويفزع عند كربته إلى العبادة والصلاة، وإلى التضرع والدعاء، والشكوى لمن يسمع الشكوى، والسؤال لمن يملك الجواب، فقلبه معلق بالرحمن، وليس بفلان وعلان، ولا يرجو إلا الله، ولا يخاف إلا من خالقه ومالكه، فإذا أبٌ ضيع وقسا، وابن جحد وعصا، وزوج هجر وقلا، وصاحب خذل وبغى، وقريب خان وعلا، ومدير ظلم وتسلط، احتسب أجره عند الله، وبادل السيئة بالإحسان، والغدر بالوفاء، والجحد بالعطاء، لعلمه أن أكثر الناس لا يعلمون، وأن أكثرهم يجهلون، كيف لا وهم يؤذون الله تعالى، وليسوا بضارِّيه شيئا، ويبغون ويخطئون؟! قال الله عز وجل: ((يؤذيني ابن آدم؛ يسب الدهر وأنا الدهر، أقلب الليل والنهار))، وقال تعالى: وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ.
ولأن المؤمن متوكل على مالك الملك، من بيده الأمر والنهي، من يرفع ويخفض، ويعز ويذل، ويبسط رزقه لمن شاء، ويقبضه عن من يشاء، فالمؤمن يعمل بالأسباب، ولا يطمئن بالأسباب، ولا يكلف نفسه ما لا تستطيعه وتقواه، فليس بيده فلاح الأولاد، وصحة الأحباب، وهداية الأصحاب، فالله هو العليم الخبير، اللطيف بالعباد، وهو أرحم به وبهم منه لنفسه ولهم. أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا.
والمؤمن لا يدري أين الخيرة له، يعلم أن الخير له ربما كان في فقره، فالمال والغنى فتنة تسوقه للحرام، صرفه الله عنه صيانة له، والصحة والقوة تسوقه للغفلة والقسوة، صرفها الله عنه حفظا له. قال تعالى: وَعَسى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ.
والمؤمن يعرف نعمة الله عليه، نعم لا يحصيها إلا هو، وينظر إلى من هو دونه، من هو دونه في الصحة والقوة، من هو دونه في المال والجاه، من هو دونه في الأهل والأولاد، ولا يمدّ عينه لما حصله غيره من الشهوات واللذات، قال تعالى: وَلا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَيَاةِ الدُّنيَا، وقال : ((انظروا إلى من هو أسفل منكم، ولا تنظروا إلى من هو فوقكم؛ فإنه أجدر أن لا تزدروا نعمة ربكم عليكم)).
بارك الله لي ولكم بالقرآن العظيم، ونفعنا بما جاء فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول ما تسمعون، وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية
لم ترد.
| |
|