molay مدير مراقب
البلد : المغرب الجنس : عدد المساهمات : 11945 تاريخ التسجيل : 17/12/2009 الموقع : STARMUST2
بطاقة الشخصية الدرجة: (1365/1365)
| موضوع: صفات المنافقين- سعد بن عبد الله العجمة الغامدي الأربعاء 9 نوفمبر - 5:16:38 | |
|
صفات المنافقين
سعد بن عبد الله العجمة الغامدي
الخطبة الأولى
أما بعد: فإن أصدقَ الحديث كلامُ الله، وخَيْرَ الْهَدْيِ هَدْيُ نبينا محمد ، وشرَّ الأمور محدثاتُها، وكلَّ محدثة بدعةٌ، وكلَّ بدعة ضلالةٌ.
إن خطرًا عظيمًا وسُمًّا قاتلاً يَسْرِي في كيان المجتمع المسلم من عهد رسول الله إلى قيام الساعة يهدد الإسلام والمسلمين من الداخل، ألا وهو خطر المنافقين، حيث لا يوجد خطر أعظم من خطرهم؛ لأنه يأتي من داخل الصفوف ويغفل عنه المؤمنون وهو خَطَرٌ خَفِيٌّ، أما خطر الشيوعيين واليهود والنصارى وغيرهم من الكفار فهو شيء واضح أمام العيان، وبديهي الحذر منه.
لقد ذكر الله عز وجل من صفات المنافقين شيئًا كثيرًا، وكذلك عَدَّدَ رسولُ الله بعضَ صفاتهم، وهنا نتتبع شيئًا من علاماتهم كما وردت في القرآن الكريم وفي السنة المطهرة؛ لكي نحذر الوقوع فيها، ولنعلم أيضًا المنافقين بصفاتهم سواء كانت مجتمعة كلها أو معظمها، ولنحذِّر غيرنا من الوقوع فيها فهي سبب للانحراف عن منهج الله والبعد عن الإسلام وتعاليمه من حيث يشعر مرتكبها أو لا يشعر، نسأل الله السلامة والعافية والعصمة من الوقوع فيها وفي غيرها من الآثام.
ومن أبرز صفاتهم ما ورد في الحديث الذي رواه البخاري ومسلم رحمهما الله تعالى عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما أن النبي قال: ((أربع من كن فيه كان منافقًا خالصًا، ومن كانت فيه خصلة منهن كانت فيه خصلة من النفاق حتى يدعها: إذا ائتمن خان، وإذا حدث كذب، وإذا عاهد غدر، وإذا خاصم فجر))، وفي رواية أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله قال: ((آية المنافق ثلاث: إذا حدث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا ائتمن خان)).
وفي الحديث الأول إِخْبَارٌ من الذي لا ينطق عن الهوى من رسولنا محمد بأنه متى اجتمعت تلك الخصال الأربع في شخصٍ ما ذَكَرًا كان أو أنثى كان منافقًا خالصًا، ومن كانت فيه خصلة من هذه الخصال كانت فيه خصلة من النفاق حتى يتركها ويبتعد عنها ويرجع إلى إيمانه النَّقِيِّ الصافي الخالص من علامات النفاق. وفي الحديث الثاني بين آية المنافق وهي علامته التي يمكن أنْ يُعْرَفَ بها، وفيها زيادة على الحديث الأول أنه إذا وعد أخلف الوعد ولم يَفِ به. ولا أستطرد في شرح وبيان تلك الصفات لأن الكلامَ عَرَبِيٌّ ومفهومٌ للجميع، ويفهمه طالب العلم والأمي والصغير والكبير، وأكتفي بإيراد الصفات مدعمة بالأدلة، فالذي ورد من صفاتهم سابقًا:
1- الخيانة في الأمانة أيًا كانت الأمانة، وليست مقصورة على أمانة المال بل الأمانة عامة.
2- الكذب في الحديث.
3- الغدر وعدم الوفاء بالعهد.
4- الفجور والخروج عن الطريق المستقيم عند الخصومة مع أي إنسان.
5- عدم الوفاء بالوعد، وهذه سبق دليلها.
6- الخداع ومرض القلوب وعدم صفائها والسعي بالفساد في الأرض، قال الله تعالى مخبرًا عنهم: يُخَـٰدِعُونَ ٱللَّهَ وَٱلَّذِينَ ءامَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إلاَّ أَنفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ فِى قُلُوبِهِم مَّرَضٌ فَزَادَهُمُ ٱللَّهُ مَرَضًا وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُواْ يَكْذِبُونَ وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لاَ تُفْسِدُواْ فِى ٱلأرْضِ قَالُواْ إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ أَلا إِنَّهُمْ هُمُ ٱلْمُفْسِدُونَ وَلَـٰكِن لاَّ يَشْعُرُونَ [البقرة: 9-12].
7- الخوف من افتضاح أمرهم والاستهزاء بالمؤمنين وكذبهم عندما يسألون عن خوضهم في أعراض المؤمنين، قال تعالى: يَحْذَرُ ٱلْمُنَـٰفِقُونَ أَن تُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ سُورَةٌ تُنَبّئُهُمْ بِمَا فِي قُلُوبِهِم قُلِ ٱسْتَهْزِئواْ إِنَّ ٱللَّهَ مُخْرِجٌ مَّا تَحْذَرُونَ وَلَئِن سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِٱللَّهِ وَءايَـٰتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْتَهْزِئونَ لاَ تَعْتَذِرُواْ قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَـٰنِكُمْ إِن نَّعْفُ عَن طَائِفَةٍ مّنْكُمْ نُعَذّبْ طَائِفَةً بِأَنَّهُمْ كَانُواْ مُجْرِمِينَ [التوبة: 64-66].
وهذه الآيات وإن كان لها سببُ نزولٍ فإنَّ النَّصَّ عَامٌّ، والعبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب ما لم يرد نص من القرآن أو السنة تُخَصِّصُ وتُقَيِّدُ هذا العمومَ، لذلك فهو عام في المنافقين في أي زمان ومكان. عن ابن عمر ومحمد بن كعب وزيد بن أسلم وقتادة ـ قال: دخل حديث بعضهم في بعض ـ أنه قال رجل في غزوة تبوك: ما رأينا مِثْلَ قُرَّائِنَا هؤلاء أَرْغَبَ بطونًا، ولا أكْذَبَ ألسنًا، ولا أجْبَنَ عند اللقاء، يعني رسول الله وأصحابه القراء، فقال له عوف بن مالك: كذبت ولكنك منافق، لأخبرنَّ رسول الله ، فذهب عوف إلى رسول الله ليخبره فوجد القرآن قد سبقه، فجاء ذلك الرجل إلى رسول الله وقد ارتحل وركب ناقته، فقال: يا رسول الله، إنما كنا نخوض ونلعب ونتحدث حديث الركب نقطع به عنا الطريق، قال ابن عمر: كأني أنظر إليه متعلقًا بِنِسْعَةِ نَاقَةِ رسولِ اللهِ وإن الحجارة لَتَنْكُبُ رِجْلَيْهِ وهو يقول: إنما كنا نخوض ونلعب، فيقول له رسول الله : أَبِٱللَّهِ وَءايَـٰتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْتَهْزِءونَ [التوبة: 65] ما يلتفت إليه وما يزيد عليه.
8- ومن صفات المنافقين أيضًا أنهم متكاتفون مع بعضهم ويُعِينُ بعضُهم بعضًا على الشر ويأمرون بالمنكر وينهون عن المعروف ويقبضون أيديهم عن الإنفاق في سبيل الله، فالبخل صفة ملازمة لهم، قال تعالى: ٱلْمُنَـٰفِقُونَ وَٱلْمُنَـٰفِقَاتُ بَعْضُهُمْ مّن بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِٱلْمُنكَرِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ ٱلْمَعْرُوفِ وَيَقْبِضُونَ أَيْدِيَهُمْ نَسُواْ ٱللَّهَ فَنَسِيَهُمْ إِنَّ ٱلْمُنَـٰفِقِينَ هُمُ الْفَـٰسِقُونَ [التوبة: 67].
9- ومن علاماتهم أنهم يتخذون الكافرين أولياء من دون المؤمنين للضعف الحاصل في نفوسهم وانهزامهم وعدم ثقتهم بالله عزَّ وجلَّ وبنصره تبارك وتعالى؛ لذلك فهم يركنون إلى الكافرين ويسعون إليهم مع التَّرَبُّصِ بالمؤمنين وتَحَيُّنِ الْفُرَصِ والمخادعة والخداع بشتى صوره والذبذبة وعدم الثبات وال+ل عند قيامهم للصلاة والرياء وعدم ذكر الله إلا قليلاً، ولنستمع إلى هذه الآيات المحكمة التالية التي تدل على ما ذُكِرَ من صفاتهم، قال تعالى: بَشّرِ ٱلْمُنَـٰفِقِينَ بِأَنَّ لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا ٱلَّذِينَ يَتَّخِذُونَ ٱلْكَـٰفِرِينَ أَوْلِيَاء مِن دُونِ ٱلْمُؤْمِنِينَ أَيَبْتَغُونَ عِندَهُمُ ٱلْعِزَّةَ فَإِنَّ ٱلعِزَّةَ للَّهِ جَمِيعًا وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِى ٱلْكِتَـٰبِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ ءايَـٰتِ ٱللَّهِ يُكَفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلاَ تَقْعُدُواْ مَعَهُمْ حَتَّىٰ يَخُوضُواْ فِى حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذًا مّثْلُهُمْ إِنَّ ٱللَّهَ جَامِعُ ٱلْمُنَـٰفِقِينَ وَٱلْكَـٰفِرِينَ فِى جَهَنَّمَ جَمِيعًا ٱلَّذِينَ يَتَرَبَّصُونَ بِكُمْ فَإِن كَانَ لَكُمْ فَتْحٌ مّنَ ٱللَّهِ قَالُواْ أَلَمْ نَكُنْ مَّعَكُمْ وَإِن كَانَ لِلْكَـٰفِرِينَ نَصِيبٌ قَالُواْ أَلَمْ نَسْتَحْوِذْ عَلَيْكُمْ وَنَمْنَعْكُمْ مّنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ فَٱللَّهُ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ يَوْمَ ٱلْقِيَـٰمَةِ وَلَن يَجْعَلَ ٱللَّهُ لِلْكَـٰفِرِينَ عَلَى ٱلْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً إِنَّ ٱلْمُنَـٰفِقِينَ يُخَـٰدِعُونَ ٱللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ وَإِذَا قَامُواْ إِلَى ٱلصَّلَوٰةِ قَامُواْ كُسَالَىٰ يُرَاءونَ ٱلنَّاسَ وَلاَ يَذْكُرُونَ ٱللَّهَ إِلاَّ قَلِيلاً مُّذَبْذَبِينَ بَيْنَ ذٰلِكَ لاَ إِلَىٰ هَـؤُلاء وَلاَ إِلَى هَـؤُلاء وَمَن يُضْلِلِ ٱللَّهُ فَلَن تَجِدَ لَهُ سَبِيلاً [النساء: 138-143]، وقال تعالى: وَإِذَا لَقُواْ ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ قَالُوا ءامَنَّا وَإِذَا خَلَوْاْ إِلَىٰ شَيَـٰطِينِهِمْ قَالُواْ إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئونَ ٱللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ وَيَمُدُّهُمْ فِي طُغْيَـٰنِهِمْ يَعْمَهُونَ أُوْلَـٰئِكَ ٱلَّذِينَ ٱشْتَرَوُاْ ٱلضَّلَـٰلَةَ بِٱلْهُدَىٰ فَمَا رَبِحَت تِّجَـٰرَتُهُمْ وَمَا كَانُواْ مُهْتَدِينَ [البقرة: 14-16]، وقال تعالى: يَـٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ ٱلْيَهُودَ وَٱلنَّصَـٰرَىٰ أَوْلِيَاء بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ وَمَن يَتَوَلَّهُمْ مّنكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يَهْدِى ٱلْقَوْمَ ٱلظَّـٰلِمِينَ فَتَرَى ٱلَّذِينَ فِى قُلُوبِهِم مَّرَضٌ يُسَـٰرِعُونَ فِيهِمْ يَقُولُونَ نَخْشَىٰ أَن تُصِيبَنَا دَائِرَةٌ فَعَسَى ٱللَّهُ أَن يَأْتِىَ بِٱلْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مّنْ عِندِهِ فَيُصْبِحُواْ عَلَىٰ مَا أَسَرُّواْ فِى أَنفُسِهِمْ نَـٰدِمِينَ [المائدة: 51، 52].
10- البخل والشح وعدم الوفاء بالنذر واللمز والسخرية من المؤمنين، قال تعالى: وَمِنْهُمْ مَّنْ عَـٰهَدَ ٱللَّهَ لَئِنْ ءاتَـٰنَا مِن فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ وَلَنَكُونَنَّ مِنَ ٱلصَّـٰلِحِينَ فَلَمَّا ءاتَاهُمْ مّن فَضْلِهِ بَخِلُواْ بِهِ وَتَوَلَّواْ وَّهُمْ مُّعْرِضُونَ فَأَعْقَبَهُمْ نِفَاقًا فِى قُلُوبِهِمْ إِلَىٰ يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ بِمَا أَخْلَفُواْ ٱللَّهَ مَا وَعَدُوهُ وَبِمَا كَانُواْ يَكْذِبُونَ أَلَمْ يَعْلَمُواْ أَنَّ ٱللَّهَ يَعْلَمُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُمْ وَأَنَّ ٱللَّهَ عَلَّـٰمُ ٱلْغُيُوبِ ٱلَّذِينَ يَلْمِزُونَ ٱلْمُطَّوّعِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فِي الصَّدَقَـٰتِ وَالَّذِينَ لاَ يَجِدُونَ إِلاَّ جُهْدَهُمْ فَيَسْخَرُونَ مِنْهُمْ سَخِرَ ٱللَّهُ مِنْهُمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ [التوبة: 75-80].
11- ومن صفاتهم وعلاماتهم نقلُ الأخبار الكاذبة وحبُّهم إشاعة الفاحشة والسوء في الذين آمنوا كما في حادثة الإفك على أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها، وقد توعدهم الله بالعذاب الأليم في الدنيا والآخرة، قال تعالى: إِنَّ ٱلَّذِينَ جَاءوا بِٱلإفْكِ عُصْبَةٌ مّنْكُمْ لاَ تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَّكُمْ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ لِكُلّ ٱمْرِئٍ مّنْهُمْ مَّا ٱكْتَسَبَ مِنَ ٱلإثْمِ وَٱلَّذِى تَوَلَّىٰ كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ [النور: 11]، وقال تعالى إِنَّ ٱلَّذِينَ يُحِبُّونَ أَن تَشِيعَ ٱلْفَـٰحِشَةُ فِى ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِى ٱلدُّنْيَا وَٱلآخِرَةِ وَٱللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ [النور: 19].
12- ومنها أيضًا أنَّ أجسامَهم تُعْجِبُ من ينظر إليها، وعندما يتكلمون ينخدع السامعُ بكلامهم ويستمع لقولهم، ولكنهم كما وصفهم الله تعالى وشبههم بالخشب المسندة، وكذلك هم دائمًا على خوف ووجل من سوء صنيعهم ويحسبون أن كل صيحة عليهم، قال تعالى: وَإِذَا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسَـٰمُهُمْ وَإِن يَقُولُواْ تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُّسَنَّدَةٌ يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ [المنافقون: 4].
وجزاء المنافقين من جنس فعلهم، فالله سبحانه وتعالى أعد لهم العذاب الأليم في الدنيا والآخرة كما في الآية السابقة وكما ورد في قوله تعالى: إِنَّ ٱللَّهَ جَامِعُ ٱلْمُنَـٰفِقِينَ وَٱلْكَـٰفِرِينَ فِى جَهَنَّمَ جَمِيعًا [النساء: 140]، وقال سبحانه: إِنَّ ٱلْمُنَـٰفِقِينَ فِى ٱلدَّرْكِ ٱلأسْفَلِ مِنَ ٱلنَّارِ وَلَن تَجِدَ لَهُمْ نَصِيرًا [النساء: 145]، وقال عز وجل: يأَيُّهَا ٱلنَّبِىُّ جَـٰهِدِ ٱلْكُفَّارَ وَٱلْمُنَـٰفِقِينَ وَٱغْلُظْ عَلَيْهِمْ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ ٱلْمَصِيرُ [التحريم: 9].
ولننظر إلى لطف الله بعباده وعفوه عنهم وسعة رحمته، فلو ارتكب العبد من المعاصي والآثام أَقْبحها وأَشْنَعها أو جمع بينها ثم تاب فإن الله يتوب عليه ويغفر له إنه هو الغفور الرحيم، ولنستمع إلى هذه الآيات من سورة النساء التي جاءت بعد الآيات السابق ذكرها والتي فيها معظم صفات المنافقين، فالواجب عليهم التوبة مع صلاح العمل والاعتصام بالله وبكتابه وسنة نبيه محمد ، قال تعالى: إِنَّ ٱلْمُنَـٰفِقِينَ فِى ٱلدَّرْكِ ٱلأسْفَلِ مِنَ ٱلنَّارِ وَلَن تَجِدَ لَهُمْ نَصِيرًا إِلاَّ ٱلَّذِينَ تَابُواْ وَأَصْلَحُواْ وَٱعْتَصَمُواْ بِٱللَّهِ وَأَخْلَصُواْ دِينَهُمْ للَّهِ فَأُوْلَـئِكَ مَعَ ٱلْمُؤْمِنِينَ وَسَوْفَ يُؤْتِ ٱللَّهُ ٱلْمُؤْمِنِينَ أَجْرًا عَظِيمًا مَّا يَفْعَلُ ٱللَّهُ بِعَذَابِكُمْ إِن شَكَرْتُمْ وَءامَنْتُمْ وَكَانَ ٱللَّهُ شَـٰكِرًا عَلِيمًا [النساء: 145-147].
الخطبة الثانية
الحمد لله حمدًا كثيرًا طيبًا مباركًا فيه كما ينبغي لجلال وجهه وعظيم سلطانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا ونبينا وحبيبنا محمدًا عبد الله ورسوله، اللهمَّ صلِّ وسلِّم وبارك على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وصحبه.
أما بعد: فلقد كان أصحاب رسول الله من المؤمنين الصادقين يخافون على أنفسهم من النفاق، فكيف لا نخاف نحن على أنفسنا في هذا العصر الذي كثرت فيه الفتن وكثر فيه النفاق وأهله؟! وكيف نأمن على أنفسنا ون+يها ولم يأمن أمير المؤمنين الخليفة الراشد عمر بن الخطاب رضي الله عنه وهو أحد المبشرين بالجنة وهو الذي ضرب الأمثلة الرائعة في تاريخ الإسلام بعدله واستقامته؟! فلقد سأل رضي الله عنه حُذَيْفَةَ بْنَ الْيَمَانِ رضي الله عنه كَاتِمَ سِرِّ رسولِ اللهِ واسْتَحْلَفَهُ بالله بقوله: أستحلفك بالله، أما عَدَّنِي عندك رسول الله من المنافقين؟ فقال له: لا، ولا أخبر أحدًا غيرك، أي: أنه لا يخبر غيره من الصحابة هل هو مؤمن أو منافق؛ لأن ذلك سِرٌّ عنده أخبره به الرسول عن أسماء المنافقين لِيَعْلَمَ بعد ذلك أن ما عداهم مؤمنون.
وكان منْ حِرْصِ عمر رضي الله عنه أنه لا يصلي على جنازةِ مَنْ جَهِلَ حَالَهُ حتى يصليَ عليها حذيفةُ بْنُ اليمان رضي الله عنه لأنه كان يعلم أعيان المنافقين، وذلك بعد موت رسول الله ، وهذا حرص منه رضي الله عنه على امتثال أمر الله، وقد نزلت هذه الآية تصديقًا له وتدعيمًا لِمَوْقِفِهِ وقَوْلِهِ رضي الله عنه، قال الله تعالى: وَلاَ تُصَلّ عَلَىٰ أَحَدٍ مّنْهُم مَّاتَ أَبَدًا وَلاَ تَقُمْ عَلَىٰ قَبْرِهِ إِنَّهُمْ كَفَرُواْ بِٱللَّهِ وَرَسُولِهِ وَمَاتُواْ وَهُمْ فَـٰسِقُونَ [التوبة: 84]، فعن ابن عباس رضي الله عنه قال: سمعت عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول: لما توفي عبد الله بن أبيّ دُعِيَ رسولُ الله للصلاة عليه فقام إليه، فلما وقف عليه يريد الصلاة عليه تحَوَّلْتُ حتى قُمْتُ في صدره فقلتُ: يا رسولَ الله أَعَلَى عَدُوِّ اللهِ ـ عبد الله بن أبيّ ـ القائلِ يوم كذا: كذا وكذا؟ أُعَدِّدُ أيَّامَهُ، قال: ورسول الله يَتَبَسَّمُ حتى إذا أَكْثَرْتُ عليه قال: ((أَخِّرْ عَنِّي يا عُمَرُ، إني خُيِّرْتُ فَاخْتَرْتُ، قد قيل لي: ٱسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لاَ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِن تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَن يَغْفِرَ ٱللَّهُ لَهُمْ ذٰلِكَ بِأَنَّهُمْ كَفَرُواْ بِٱللَّهِ وَرَسُولِهِ وَٱللَّهُ لاَ يَهْدِي ٱلْقَوْمَ ٱلْفَـٰسِقِينَ [التوبة: 80]))، قال: ((لو أعلم أني زدتُ على السبعين غُفِرَ له لَزِدْتُ))، قال: ثم صلى عليه ومشى معه وقام على قبره حتى فرغ منه، قال: فعجبتُ مِنْ جُرْأَتِي على رسول الله ، والله ورسوله أعلم. قال: فَوَاللهِ ما كان إلا يسيرًا حتى نَزَلَتْ هاتان الآيتان: وَلا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَدًا وَلا تَقُمْ عَلَى قَبْرِهِ إِنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَمَاتُوا وَهُمْ فَاسِقُونَ وَلا تُعْجِبْكَ أَمْوَالُهُمْ وَأَوْلادُهُمْ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُعَذِّبَهُمْ بِهَا فِي الدُّنْيَا وَتَزْهَقَ أَنفُسُهُمْ وَهُمْ كَافِرُونَ [التوبة: 84، 85]، فما صلى رسول الله بعده على منافق ولا قام على قبره حتى قبضه الله عز وجل.
قال البخاري في صحيحه: قال ابْنُ أَبِي مُلَيْكَةَ: أدركتُ ثلاثين من أصحاب النبي كلهم يخاف النفاق على نفسه. ويُذْكَرُ عن الحسن أنه قال: ما خافه إلا مؤمن ولا أَمِنَهُ إلا منافق.
هكذا كان الصحابة رضي الله عنهم، يخافون على أنفسهم من النفاق الأصغر أو ما يسمى بالعملي، وليس النفاق الأكبر؛ لأن الأصغر وسيلة النفاق الأكبر، فالنفاق الأصغر أو ما يسمى بالنفاق العملي خمسة أنواع كما وردت في الحديثين السابقين وملخصها: ((إذا حدث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا ائتمن خان، وإذا خاصم فجر، وإذا عاهد غدر)). أما النفاق الأكبر وهو ما يسمى بالنفاق الاعتقادي فهو ستة أنواع: 1- تكذيب الرسول . 2- تكذيب بعض ما جاء به الرسول . 3 - بُغْضُ الرسول الله . 4- بُغْضُ بَعْضِ ما جاء به الرسول الله . 5- الْمَسَرَّةُ بانخفاض دين الرسول . 6- الكراهية لانتصار دين الرسول .
والأنواع الستة صاحبها من أهل الدرك الأسفل من النار لأنه وإن كان يصلي ويصوم ويعمل بالعبادات الظاهرة أمام المسلمين للتَّسَتُّرِ ولكنه في حقيقته يُظْهِرُ خِلافَ ما يُبْطِنُ ويعمل ضد الإسلام والمسلمين في الخفاء.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله...
| |
|