molay مدير مراقب
البلد : المغرب الجنس : عدد المساهمات : 11945 تاريخ التسجيل : 17/12/2009 الموقع : STARMUST2
بطاقة الشخصية الدرجة: (1365/1365)
| موضوع: من صفات المنافقين - عبد الله العلوي الشريفي / فاس الأحد 22 يوليو - 8:25:15 | |
|
من صفات المنافقين
عبد الله العلوي الشريفي / فاس
الخطبة الأولى أما بعد: فيا إخوة الإيمان، قد سبقَ الحديثُ عن المنافقين وخطرِهِمْ، وبَليَّةِ الإسلامِ بهم، ومحنةِ المسلمين معهم، وانخداعِ البعضِ بهم لخفائِهِم، ووعدتُ في هذه الخطبةِ بالحديث عن سِماتِهم وصِفاتِهم التي تُميطُ اللِّثَامَ عن وجوههمُ الكالحة البغيضة، مسترشداً ومستهدياً بالكتاب والسنة. فقد ذكر الله عز وجل من صفات المنافقين شيئاً كثيراً، وكذلك عدَّدَ رسولُ اللهِ بعضَ صفاتِهم، لكي نحذر الوقوعَ فيها، ولنعلم أيضاً المنافقين بصفاتهم، سواء كانت مجتمعة كلّها أو معظمها، ولنحذِّر غيرنا من الوقوع فيها. فهي سببٌ للانحرافِ عن منهجِ اللهِ، والبعدِ عنِ الإسلامِ وتعاليمِهِ من حيث يشعر مرتكبها أو لا يشعر. فمن أبرز صفاتهم، بغض الرسول ، وازدراؤُهُ، وتَنقُّصُهُ، فالذين عاشوا معه كانوا يؤذونهُ بأفعالهم وأقوالهم .. وأخلافُهُمُ اليوْمَ يُؤَلفُونَ الكتبَ، ويحرِّرون المقالاتِ في جرائدِهمْ، ويعقدون الندواتِ والمحاضراتِ سعياً في تشويه حياة النبي ودعوتهِ. ومن صفاتهم، بغضهم لشرائع الإسلام، فتجدهم يتذمـرون من الفرائـض والأحكام الدينية، ويقيمون الحملاتِ لمحادَّةِ هذه الأحكام والتلاعب بها باسم الإصلاح والمرونة، ويستخرجون الفتاوى الملفقة المصطنعة تحقيقاً لأمانيهـم، أو تقـرباً إلى سادتهم وأولياء نعمتهم. ومن صفاتهم، أنهم يأخذون من الدين ما سهـل عليهم، أو ما فيه مصلحتهم، ولا يفعلون ذلك لوجه الله بل رياءً للمؤمنين، وإذا أدَّوا شيئاً من العبادات فإنما يستكرهون أنفسهم عليه، ويؤدونه بتكاسل وتثاقل... قـال تعالى: وَإِذَا قَامُواْ إِلَى ٱلصَّلَوٰةِ قَامُواْ كُسَالَىٰ يُرَاءونَ ٱلنَّاسَ وَلاَ يَذْكُرُونَ ٱللَّهَ إِلاَّ قَلِيلاً [النساء:142]. ومن صفاتهم، أنهم يسعون للإفساد في الأرضِ بتيسير سبل الفساد التي تحطم الأخلاقَ وتقضي على الفضائلِ الإنسانيةِ.. قال تعالى: وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لاَ تُفْسِدُواْ فِى ٱلارْضِ قَالُواْ إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ أَلا إِنَّهُمْ هُمُ ٱلْمُفْسِدُونَ وَلَـٰكِن لاَّ يَشْعُرُونَ [البقرة:11، 12]. نعم فهم إذا قيل لهم لا تفسدوا في الأرض، برَّروا سلوكَهُمُ المنافق المفسد بأنه من الأعمال الإصلاحيةِ، وجعلوا الباطلَ حقاً، والحقَّ باطلاً دونَما حياءٍ... يفتتحون الكازينوهات وعلبَ الليل، ويقولون: نشجعُ الفنَّ... ويُحْيُونَ الشعوذةَ والدَّجلَ، ويقولون: نحيي التراث والثقافة... ويسمون الأشرطة التي تدعو إلى الإسلام وتمسك الناس بدينهم أشرطة التطرُّف، والأشرطة التي تدعو إلى المجون والرذيلةِ وإفسادِ عقـولِ وقلـوبِ الشبابِ أشرطةَ الفنِّ الرفيع. ومن صفاتهم، أنهم متكاتفون مع بعضهم، ويعين بعضهم بعضاً على الشر، يأمرون بالمنكر وينهـون عن المعروف، قال تعالى: ٱلْمُنَـٰفِقُونَ وَٱلْمُنَـٰفِقَاتُ بَعْضُهُمْ مّن بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِٱلْمُنكَرِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ ٱلْمَعْرُوفِ وَيَقْبِضُونَ أَيْدِيَهُمْ نَسُواْ ٱللَّهَ فَنَسِيَهُمْ إِنَّ ٱلْمُنَـٰفِقِينَ هُمُ الْفَـٰسِقُونَ [التوبة:67]. فهم يشجعون ويحرضون على الزنا، والقمار، والعُريِ... وإذا رأوا إنساناً سائراً في طريق الخير سفَّهوه واحتقروه، بل يستغلون كلَّ فرصة للطعن في المتمسكين بتعاليم الإسلام وتشويههم والتحريض عليهم. ومن صفاتهم، أنهم يتحاكمـون إلى الطواغيت الذين يحققون لهم رغباتهم في ظلم الآخرين، ولا يتحاكمون إلى ما أنزل الله وإلى رسوله ، قال تعالى: وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْاْ إِلَىٰ مَا أَنزَلَ ٱللَّهُ وَإِلَى ٱلرَّسُولِ رَأَيْتَ ٱلْمُنَـٰفِقِينَ يَصُدُّونَ عَنكَ صُدُوداً [النساء:61]. فمن أعرض عمداً عن حكم الله ورسوله كان منافقاً. ومن صفاتهم، أنهم يوالون الكفـار، ويخدمونهم، ويتجسسون لهم ضدَّ المؤمنين، ويعينوهم على المسلمين، قال تعالى: تَرَىٰ كَثِيراً مّنْهُمْ يَتَوَلَّوْنَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لَبِئْسَ مَا قَدَّمَتْ لَهُمْ أَنفُسُهُمْ أَن سَخِطَ ٱللَّهُ عَلَيْهِمْ وَفِى ٱلْعَذَابِ هُمْ خَـٰلِدُونَ [المائدة:80]. فولاؤهم للكافرين وإن عاشوا بين ظهراني المسلمين، وقلوبهم مع أعداء الدين وإن كانوا بألسنتهم وأجسامهم في المسلمين، يخشون الدوائر فيسارعون للولاء والمودة للكافرين ويسيئون الظن بأمتهم، فيرتمون في أحضان أعدائهم، ويزعمون إبقاءَ أيادٍ عند الكافرين تحسُّباً لظفرهم بالمسلمين فَتَرَى ٱلَّذِينَ فِى قُلُوبِهِم مَّرَضٌ يُسَـٰرِعُونَ فِيهِمْ يَقُولُونَ نَخْشَىٰ أَن تُصِيبَنَا دَائِرَةٌ فَعَسَى ٱللَّهُ أَن يَأْتِىَ بِٱلْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مّنْ عِندِهِ فَيُصْبِحُواْ عَلَىٰ مَا أَسَرُّواْ فِى أَنفُسِهِمْ نَـٰدِمِين [المائدة:52]. ومن صفاتهـم، أن ظواهرَهُمْ قد تعجب الناظرين، وأن أقوالَهُم ترضي السامعينَ.. قال تعالى: وَإِذَا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسَـٰمُهُمْ وَإِن يَقُولُواْ تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُّسَنَّدَةٌ [المنافقون:4]. فهم يتصنعون الظواهر التي تخدع الأنظار حتى تظن فيهم خيراً. كما ترى أحدَهُمْ ـ عند حديثه ـ تسبق يمينُه كلامَه، لعلمه بشكِّ المؤمنين في كلامه وارتيابهم منه. قال تعالى: ٱتَّخَذُواْ أَيْمَـٰنَهُمْ جُنَّةً فَصَدُّواْ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ إِنَّهُمْ سَاء مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ [المنافقون:2]. ومن صفاتهم أن لهم أكثرَ من وجهٍ، لهم وجهٌ يستعلنون به، وآخـرُ يتوارون به ولا يظهرونهُ. ترى أحدَهُم يسعى إليكَ مُبدياً تودُّدَهُ ومحبَّتهُ، مُظْهِراً لك أتمَّ استعداده ليكون أخاك الذي لم تلدهُ أمك، ويمدحك بما فيك وما ليس فيك. وإذا تواريت أو غبت عنه، كادَ لك بلا تورُّعٍ، وقرضَ لحمك بلا حياءٍ، واستطال على عرضكَ بغير حقٍّ، وطعنك من الخلف طعناتِ غدرٍ. ومن صفاتهم التي قد يتلبَّسُ بها بعض المؤمنين ما ورد في الحديث الصحيح عن النَّبِيِّ قَالَ: ((أَرْبَعٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ كَانَ مُنَافِقًا خَالِصًا، وَمَنْ كَانَتْ فِيهِ خَصْلَةٌ مِنْهُنَّ كَانَتْ فِيهِ خَصْلَةٌ مِنْ النِّفَاقِ حَتَّى يَدَعَهَا: إِذَا اؤْتُمِنَ خَانَ، وَإِذَا حَدَّثَ كَذَبَ، وَإِذَا عَاهَدَ غَدَرَ، وَإِذَا خَاصَمَ فَجَـرَ)) وفي رواية لمسلم: ((وَإِنْ صَـامَ وَصَلَّى وَزَعَمَ أَنَّهُ مُسْلِمٌ)). فمتى اجتمعت تلك الخصال الأربع في شخص مَا، ذكراً كان أو أنثى كان منافقاً خالصاً، ومن كانت فيه خصلةٌ من هذه الخصالِ كانت فيه خصلةٌ من النفاق حتى يتركَها ويبتعدَ عنها، ويرجعَ إلى إيمانه النقي الصافي الخالصِ من علاماتِ النفاق. وسياسة التجويع عند المنافقين منهج وطريقة ابتدعوها، وهم يقصدون منها إضعاف انتماء المؤمنين لدينهم، وإبعادهم عن هدي نبيهم، وغاب عنهم أنَّ خزائنَ السماواتِ والأرضِ بيد الله، وذلك من قلة فقههم كما حكـى الله عنهم: هُمُ ٱلَّذِينَ يَقُولُونَ لاَ تُنفِقُواْ عَلَىٰ مَنْ عِندَ رَسُولِ ٱللَّهِ حَتَّىٰ يَنفَضُّواْ وَلِلَّهِ خَزَائِنُ ٱلسَّمَـٰوٰتِ وَٱلأَرْضِ وَلَـٰكِنَّ ٱلْمُنَـٰفِقِينَ لاَ يَفْقَهُونَ [المنافقون:7]. ومن مراتب النفاق الكبرى، أن يجلس جالسهم مجلساً يَسمع فيه آياتُ اللهِ يُكفر بها ويُستهزأُ بها فيسكتُ ويتغاضى، ملتمساً لنفسه أعذاراً ومسوغاتٍ من التسامح واللباقة والدهاء والكياسة وسعة الأفق وحرية الرأي، وما درى أن هذه هي الهزيمةُ تدب في أوصاله، وتنحر في فؤاده، وما فرّق بين حرية الفكر وجريمة الكفروَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِى ٱلْكِتَـٰبِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ ءايَـٰتِ ٱللَّهِ يُكَفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلاَ تَقْعُدُواْ مَعَهُمْ حَتَّىٰ يَخُوضُواْ فِى حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذاً مّثْلُهُمْ إِنَّ ٱللَّهَ جَامِعُ ٱلْمُنَـٰفِقِينَ وَٱلْكَـٰفِرِينَ فِى جَهَنَّمَ جَمِيعاً [النساء:140]. إخوة الإسلام، هذه بعض صفات القوم، وتلك بعض ملامحهم وأماراتهم، ومن رام المزيد فكتابُ الله حافل بذكر صفاتهم وفضائحهم، وسنة المصطفى وسيرتُه زاخرةٌ بكثير من مواقفهم وعدوانهم وحيلهم. بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم. أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم لي ولكم ولجميع المسلمين من كل ذنب فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية الحمد لله الذي أسعد بجواره من أطاعه واتقاه، وقضى بالذل والهوان على من خالف أمره وعصاه، أحمده سبحانه وأشكره، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا محمداً عبده ورسـوله، وحبيبه وخليله، صلى الله وسلم عليه وعلى آله وأصحابه والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين. أما بعد: فيا إخوة الإيمان، لقد خاف النفاقَ على أنفسهم خيارُ هذه الأمة وصفوتُها من أصحاب رسول الله ، ومن بعدهم من أئمة التابعين، وغيرهم من أئمة الإسلام وأهل الدين والصلاح، حتى قال الإمـام الحسن البصري رحمه الله: "ما خاف النفاق على نفسه إلا مؤمن، ولا أمنه على نفسه إلا منـافق". وسأل الخليفة الراشد عمر بن الخطاب حذيفةَ بنَ اليمان صاحبُ سرِّ رسولِ الله وقال له: "ناشدتك الله: هل عدَّني لك رسول الله في المنافقين فقال: لا، ولا أ+ي أحدا بعدك". وروى البخاريُ في صحيحه: "قَالَ ابْنُ أَبِي مُلَيْكَةَ: أَدْرَكْتُ ثَلَاثِينَ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ كُلُّهُمْ يَخَافُ النِّفَاقَ عَلَى نَفْسِهِ". فإذا كان هؤلاء المتقون الأبرار، والصفوة الأخيار من هذه الأمة يخشون النفاق على أنفسهم، فإننا أولى بأن نحذر منه، وأن نخشاه على أنفسنا. أيها الإخوة، ولفظاعة هذا الجرم وشدة أثره على أهل الدين والدنيا، فقد لعن الله أصحابه وذمَّهم، وبالعذاب المقيم توعَّدهم، وفي الدرك الأسفل من النار حشرَهم وَعَدَ الله الْمُنَـٰفِقِينَ وَٱلْمُنَـٰفِقَاتِ وَٱلْكُفَّارَ نَارَ جَهَنَّمَ خَـٰلِدِينَ فِيهَا هِىَ حَسْبُهُمْ وَلَعَنَهُمُ ٱللَّهُ وَلَهُمْ عَذَابٌ مُّقِيمٌ [التوبة:68]. وقال تعالى: إِنَّ ٱلْمُنَـٰفِقِينَ فِى ٱلدَّرْكِ ٱلاْسْفَلِ مِنَ ٱلنَّارِ وَلَن تَجِدَ لَهُمْ نَصِيراً [النساء:145]. ولكن الله البر الرحيم ذا الفضل العظيم شرع الباب مفتوحاً لمن رجع وأناب مهما كانت شناعة الفعل، ومهما كـان كبر الذنب إذا أصلح عمله، واعتصم بربه، وأخلص لله دينه إِلاَّ ٱلَّذِينَ تَابُواْ وَأَصْلَحُواْ وَٱعْتَصَمُواْ بِٱللَّهِ وَأَخْلَصُواْ دِينَهُمْ للَّهِ فَأُوْلَـئِكَ مَعَ ٱلْمُؤْمِنِينَ وَسَوْفَ يُؤْتِ ٱللَّهُ ٱلْمُؤْمِنِينَ أَجْراً عَظِيماً [النساء:146]. هذا وصلوا وسلموا على محمد سيد الأولين والآخرين، وأفضل الخلق أجمعين، اللهم صل وسلم عليه وعلى آله الطيبين الطاهرين، وارض اللهم عن الخلفـاء الراشدين، وعن الصحابة أجمعين، والتابعين لهم بإحسـان إلى يـوم الديـن.
| |
|