molay مدير مراقب
البلد : المغرب الجنس : عدد المساهمات : 11945 تاريخ التسجيل : 17/12/2009 الموقع : STARMUST2
بطاقة الشخصية الدرجة: (1365/1365)
| موضوع: التوحيد - زياد بن محمد الصغير الأحد 6 نوفمبر - 3:55:05 | |
|
التوحيد
زياد بن محمد الصغير
الخطبة الأولى
أما بعد: الحمد لله على نعمة الإسلام وكفى بها نعمة، القائل في كتابه الكريم: هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمْ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ [الجمعة:2].
إن دعوة الرسل عليهم السلام تختلف عن أي دعوة أخرى من دعوات البشر المنبتّة عن هداية الله، ولذلك كان شيئًا عاديًا تمامًا أن تكون آثارها وثمارها تختلف عن غيرها من الدعوات، فإذا كان من ثمار الدعوات الأخرى عدم التقيد بالحق والخير والمعروف واعتبار الجمال مقدمًا على الأخلاق فإنه شيء عادي أن يكون من ثمرات دعوة الرسل الالتزام بالحق والخير والمعروف واعتبار الجمال في الأخلاق الكريمة العالية.
ولذلك فإن الفطرة عندها نوع بصيرة تستطيع بها أن تميز ثمرات الرسول الحق من ثمرات مدّعي النبوة الكاذب، وأن ترى في كل آثار كل ما يدل على صدق الأول وادعاء الثاني، يقول تعالى في إشارة إلى ذلك: وَالْبَلَدُ الطَّيِّبُ يَخْرُجُ نَبَاتُهُ بِإِذْنِ رَبِّهِ وَالَّذِي خَبُثَ لا يَخْرُجُ إِلاَّ نَكِدًا [الأعراف:58].
اليوم ـ إن شاء الله تعالى ـ سوف نستعرض أهم ثمرة من ثمرات دعوة الإسلام ورسول الإسلام ، والتي فيها شهادة كاملة على أنها منبثقة من شجرة النبوة الطيبة العطرة المتميزة، هذه الثمرة هي ثمرة التوحيد الخالص.
ولنستعرض أولاً حال الأمم والشعوب التي أعرضت عن هداية الله وحرمت التوحيد الخالص، حتى نعلم أن ما نحن فيه من نعمة الإسلام والتوحيد هو أجل نعمة أنعم الله بها علينا، فالحمد لله على نعمة الإسلام وكفى بها نعمة، ولنبدأ بالهند.
في الهند اليوم مئات الملايين من البقر، هذه الأبقار يعتبرها الهنود مقدّسة، وبالتالي فهم لا يستفيدون منها بتاتًا ويحرمون ذبحها، وأكثر من هذا فإن الشعب الهنديّ كلّه مسخّر لخدمتها وتعيش على حسابه، فكم يحتاج هذا العدد من الأبقار إلى مراع وطعام؟! وكم تعطل طاقات على حساب هذا المعنى؟!
وزيادة على ذلك فإن لهذا البقر سلطانًا على كل شيء، تقف البقرة فتتوقف وراءها السيارات ولا يزعجها أحد حتى تمضي هي فيمضي غيرها، وتبول في أي مكان، وتعتدي على مال أي إنسان، ولا أحد يجرؤ على أن يعترض سبيلها بشيء، ومناطق عديدة في الهند يعاني سكانها من المجاعة وسوء التغذية، ترى لو استفاد الشعب الهندي من البقر ألا تنحلّ شيء من أزمته؟! إن هذه الصورة من صور الشرك جعلت البشر مسخّرًا لخدمة البقر!
وفي مصر اليوم أهرامات ضخمة جدًا، أحجارها ضخمة جدًا، نقلت من أمكنة بعيدة جدًا، نقلها آلاف أو مئات الآلاف من أبناء الشعب المصري، وتعبت في بناء هذه الأهرامات آلاف الأدمغة وآلاف الأيدي، من أجل ماذا؟! من أجل أن يصنعوا قبرًا لفرعون الذي كانوا يعبدونه كإله! فكم أنفق من جهد وكم أنفق من أموال بسبب هذه الصورة من صور الشرك؟! شعب من البشر مسخر كله لخدمة فرد من البشر.
وفي العالم اليوم عشرات الملايين من الطائفة الإسماعيلية، هذه الطائفة الإسماعيلية التي تعبد رجلاً كإله، وتقدم له كل عام خمس أموالها، تجعله في كفة ميزان، وتجعل الذهب في كفة أخرى حتى يتساويا، وتقدمه له كهدية سنوية، عشرات الملايين من البشر يستغلّهم فرد باسم الألوهية، ليجهدوا ويقدموا، أما هو فيأخذ ويكنز وينفق بلا حساب على أشياء كثيرة، وقد يكون المرشح لهذا المنصب داعرًا فاسقًا ماجنًا، ينال هذا كله ويصرف في كل سبيل داعر. ذلك أثر من آثار الشرك بالله، أن يستغل فرد من البشر شعبًا كاملاً من البشر باسم ألوهية الإنسان وعبودية الإنسان للإنسان.
وفي العالم اليوم شعوب وثنية، وقديمًا كانت الوثنية منتشرة في العالم كله لم تخل منها أمة من الأمم: الرومان واليونان والهند والصين واليابان والعرب. فماذا تعني هذه الوثنية؟ قبل أن نقول: "ماذا تعني؟" نضرب أمثلة عن نماذج منها:
فعند العرب: روى البخاري عن أبي رجاء العطاردي قال: كنا نعبد الحجر، فإذا وجدنا حجرًا هو خير منه ألقيناه وأخذنا الآخر، وإذا لم نجد حجرًا جمعنا حثوة من تراب ثم جئنا بالشاة فحلبنا عليه ثم طفنا به. وقال الكلبي: "كان الرجل إذا سافر فنزل منزلاً أخذ أربعة أحجار فنظر إلى أحسنها فاتخذه ربًا، وجعل ثلاثًا أثافي لقدره، وإذا ارتحل تركه". وقد كان لكل قبيلة من العرب صنم، ولكل ناحية أو مدينة صنم خاص، وكان في فضاء الكعبة وحدها ثلاثمائة وستون صنمًا للعبادة.
أما عند الهنود فيقول أبو الحسن الندوي عن حال الوثنية فيها: "لقد أصبح عدد الآلهة في هذا القرن 330 مليونًا، وقد أصبح كل شيء رائع وكل شيء جذاب وكل مرفق من مرافق الحياة إلهًا يعبد، وهكذا جاوزت الأصنام والتماثيل والآلهة آلات الحرب وآلات الكتابة وآلات التناسل وحيوانات أعظمها البقرة، والأجرام الفلكية وغير ذلك".
والفرس كانوا يعبدون ملوكهم ونيرانهم، واليابانيون يعتبرون ملكهم ابن الشمس المعبودة، واليونانيون يعبدون إله المطر فلانا، وإلهة الحب فلانة، وإله الحرب فلانًا، وهكذا.
فماذا تعني هذه الوثنيات كلها؟ تعني أن الإنسان اعتبر نفسه أقل من الحجر وأقل من الشمس وأقل من الحيوانات وأقل من مظاهر الطبيعة كلها، بل جعلها في مقام السيد، وجعل نفسه في مقام العبد الذليل، وجعلها تتحكم به بواسطة وبغير واسطة.
وقال النصارى: إن المسيح ابن الله، وأعطوه حكم الأب، تعالى الله عما يقول الظالمون علوًا كبيرًا، فأصبح المسيح عندهم إلهًا. كما اعتبر الهنود بوذا من قبل إلهًا، وهؤلاء وهؤلاء صنعوا التماثيل لهذا وهذا وعبدوها، فأصبحت ديانة وثنية شركية من ناحيتين: من ناحية عبادة الأصنام، ومن ناحية عبادة الإنسان، ونتج عن هذا أن اعتبر النصارى خليفة المسيح الممثل بالبابا له حكم المسيح، فأصبح التحليل والتحريم والتضليل والتحريف الذي عليه طابع الديانة المقدسة الصادر من قبل البابا هو كل شيء، فكانت مآسي وفضائع.
وألحد الناس قديمًا وألحدوا في هذا العصر، فماذا يعني الإلحاد؟ يعني الإلحاد أن الإنسان عبد الكون كله، بدلاً من أن يعبد أجزاء منه، وخلع على الكون كله صفات الألوهية، فالكون يخلق ويرزق، ويعطي ويمنع، ويحيي ويميت، ويتصرف ويعمل ويرتب ويبدع ويكوّن، واعتبروا أنفسهم أعظم ما في هذا الكون، فعبدوا أنفسهم؛ اعتبروا الإنسان مصدر التشريع ومصدر الحاكمية ومصدر الأمر والنهي، وهو حُرٌّ أن يفعل وأن يترك، وتمثلت الشعوب بأفراد تصرّفوا كآلهة، فحدث على يدهم من المآسي ما لم يحدث على يد غيرهم، حتى إنه قتل في زمان ستالين وحده تسعة عشر مليونًا من أبناء الشعوب التي كانت خاضعة للاتحاد السوفيتي السابق.
فلم يكن الإلحاد إذًا إلا صورة جديدة من صور الشرك، انتقل به الإنسان من الجزئية إلى الكلية، ومن الشرك الواضح إلى الشرك المقنّع. هذه باختصار الوثنية والشرك اللّذين يستشريان في عالم اليوم والأمس.
ومحمد وحده بوحي من الله، من يوم بعثه إلى قيام الساعة، والذي وضع الإنسان في محله الصحيح، فعلمه أن الكون كله قمره وشمسه ونجومه وأرضه وحيواناته من بقر ونمر وأسد وعجل ونباتاته كلها، وكل شيء فيه خلق للإنسان، فالإنسان سيده والإنسان مكرم ومفضل عليه، هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعًا [البقرة:29]، وقال تعالى: أَلَمْ تَرَوْا أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ [لقمان:20]. ومن حق الإنسان أن يستفيد من هذا الكون، فكل الكون مسخر للإنسان، والإنسان أكرم ما فيه، وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ [الإسراء:70]. وإن الله خالق الكون والإنسان، وهو وحده الإله المتّصف بكل كمال، المنزه عن كل نقص، المستحق وحده للعبادة، والإنسان عبده وحده، وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ [الذاريات:56].
فالناس كلهم عباد الله، رسولهم ونبيهم، ملكهم وخادمهم، كبيرهم وصغيرهم، ولا يجوز أن يعطوا عبوديتهم لأحد سواه، قال الله تعالى: وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلاَّ نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ أَنَا فَاعْبُدُونِ [الأنبياء:25]، وقال تعالى: مَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُؤْتِيَهُ اللَّهُ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ ثُمَّ يَقُولَ لِلنَّاسِ كُونُوا عِبَادًا لِي مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلَكِنْ كُونُوا رَبَّانِيِّينَ بِمَا كُنْتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتَابَ وَبِمَا كُنتُمْ تَدْرُسُونَ [آل عمران:79]، وقال: قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحًا وَلا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا [الكهف:110].
لا إله إلا الله، لا حجر ولا قمر ولا بشر ولا كون ولا مجلس نيابي يحلل ويحرم كما يشاء، ولا شعب ولا حاكم ولا محكوم ولا البشرية كلها.
كل الكون للإنسان، والإنسان لله، مقام الإنسان السيادة على المخلوقات، لأنها مسخرة له، والعبودية لله وحده، بنقلة واحدة نقل محمد البشر من أحط الدركات إلى أعلى الدرجات، وبذلك وجد المسلم، وهذه أول ثمرة من ثمار محمد ، وهي أول ثمرة من ثمار كل نبي، ولكن الناس انحرفوا.
وبهذه النظرة إلى الكون والإنسان فتح المسلم أقفال الكون بالتجربة والمشاهدة، يدفعه في ذلك عقيدة أن الكون كله للإنسان، وعليه أن يستفيد منه.
ولئن وصلت الحضارة الغربية اليوم إلى القمة وتسخير الكون فذلك بسبب أنها أخذت هذا المعنى عن الحضارة الإسلامية، ولولا ذاك لما كان في أوربا حضارة ولا علم، وأين يكون ومحاكم التفتيش وسيف الكنيسة مسلطة على رأس كل من يفكر؟! قتلت حوالي 133 ألفًا من العلماء، و33 ألفًا منهم أحرقوا وهم أحياء.
يقول بريفولت في كتابه بناء الإنسانية: "ما من ناحية من نواحي تقدم أوربا إلا وللحضارة الإسلامية فيها فضل كبير وآثار حاسمة لها تأثير كبير"، ويقول في موضع آخر: "لم تكن العلوم الطبيعية التي يرجع فيها الفضل إلى العرب هي التي أعادت أوربا إلى الحياة، ولكن الحضارة الإسلامية قد أثرت في حياة أوربا تأثيرات كبيرة ومتنوعة منذ أرسلت أشعتها الأولى إلى أوربا". ولكن للأسف فإن أوربا أخذت جزءًا فقط من هدي محمد في هذا الموضوع، ولو أخذته كله لأفلحت واهتدت.
إن التوحيد هذه الثمرة من ثمار محمد التي لا يصلح الإنسان إلا بها، ولا يأخذ محله الصحيح إلا إذا اعتقدها، لا يمكن أن تكون على هذا الكمال والتمام في دعوة محمد لولا أنه رسول حقًا، أراد الله به أن ترجع الإنسانية عن الانحراف إلى الاستقامة.
فالحمد لله على نعمة الإسلام وتوفيق الإيمان، الحمد لله على نعمة الإسلام وكفى بها من نعمة.
اللهم ردنا إلى دينك ردًا جميلاً، ردًا غير مخز ولا فاضح يا رب العالمين...
الخطبة الثانية
لم ترد.
| |
|