molay مدير مراقب
البلد : المغرب الجنس : عدد المساهمات : 11945 تاريخ التسجيل : 17/12/2009 الموقع : STARMUST2
بطاقة الشخصية الدرجة: (1365/1365)
| موضوع: أثر الإيمان (2) - زياد بن محمد الصغير الأحد 6 نوفمبر - 4:00:06 | |
|
أثر الإيمان (2)
زياد بن محمد الصغير
الخطبة الأولى
فلا زلنا نتحدث عن السر العجيب الذي يحول الأمم وينقلهم من حال إلى حال، فمرد ذلك هو الإيمان الذي نقل الأمم السابقة والأمم الإسلامية من الجاهلية إلى الإسلام.
وقد قص النبي على الصحابة قصة رجلين مؤمنين، ضربهما مثلاً لما يجب أن يكون عليه المؤمنون من العفاف والزهد والإيثار.
فقال : ((اشترى رجل من رجل عقارًا له، فوجد الرجل الذي اشترى العقار في عقاره جرة فيها ذهب، فقال للذي اشترى العقار منه: خذ ذهبك عني، إنما اشتريت منك الأرض ولم ابتع منك الذهب.
فقال الآخر: إنما بعتك الأرض وما فيها.
قال : فتحاكما إلى رجل، فقال الذي تحاكما إليه: ألكما ولد؟
فقال أحدهما: لي غلام.
وقال الآخر: لي جارية.
قال ـ الحاكم ـ: أنكحوا الغلام الجارية، وأنفقوا على أنفسكما منه، وتصدقا)) رواه مسلم.
فهكذا ينتصر الإيمان على الأنانية، ويُحوِّل العبد الضعيف إلى قوة هائلة, لأنه يستند إلى ركن ركين, الله تعالى.
مما حُكى عن المسيح عليه السلام أنه كان يقول في قناعة:
"لباسي الصوف، وطعامي الشعير، وسراجي القمر، ودابتي رجلاي، ووسادتي ذراعي... أبيت وليس لي شيء، وأصبح وليس لي شيء، وليس على وجه الأرض أغنى مني".
وصاحب المبدأ والرسالة إذا تمكنت هذه القناعة من نفسه لم يعد يبالي أو يخاف، إنه يتغنى بما تغنى به الإمام الشافعي:
أنا إن عشت لست أعدم قوتـًا وإذا مت لست أعدم قبــرًا
همتي همة الملوك ونفســي نفس حُرِّ ترى المذلة كفـرًا
وإذا ما قنعت بالقوت عمـري فلماذا أخاف زيــدًا وعمرًا
والمؤمن القوي هو الذي ينتصر على نفسه أولاً، فيفطمها عما يكره الله وعما حرم الله عز وجل، ولا يدع نفسه وهواه يتحكمان فيه ويذلانه يمينًا وشمالاً وشرقًا وغربًا، وعلينا أن نعلم أنه ليس هناك عمل سيء نفلت من عقابه في الدنيا والآخرة.
ففي الدنيا عقوبات الذنوب كثيرة، ولو لم يكن هناك غيرها لكفت، وفي الآخرة لن نفلت من العقاب، ولن نقدر على الإنكار، فهناك شهود علينا: ألسنتا, أيدينا, أرجلنا, أبصارنا, أسماعنا, كل جوارحنا يدعوها الرقيب الحسيب القادر المقتدر يوم القيامة أن تتقدم لتتكلم، فتشهد علينا بكل ما اجترحنا. يقول تعالى: يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ [النور:24].
حتى هذا الذي اقترفناه ثم نسيناه، فإن جوارحنا لا تنساه ولا تخطئه, أَحْصَـٰهُ ٱللَّهُ وَنَسُوهُ [المجادلة:6].
ولكن التوبة كفيلة إذا كانت صادقة، بأن تضع عنا شهادة هؤلاء الشهود العدول، يقول :
((إذا تاب العبد من ذنوبه، أنسى الله عز وجل حفظته ذنوبه، وأنسى ذلك جوارحه، ومعالمه من الأرض، حتى يلقى الله يوم القيامة وليس عليه شاهد من الله بذنب)).
وليس ذلك فحسب، بل إن القرآن الكريم ليغمرنا بالبشرى حين يقول عن التوابين: فَأُوْلَـئِكَ يُبَدّلُ ٱللَّهُ سَيّئَاتِهِمْ حَسَنَـٰتٍ [الفرقان:70].
الخطبة الثانية
أما بعد:
فيحدثنا الرسول عن حب الله لتوبة التائبين حديثًا يجعل الأفئدة تطير هيامًا بالتوبة وشوقًا إليها.
يقول : ((إن الله يبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار، ويبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل، حتى تطلع الشمس من مغربها)).
ويقول : ((قال الله تعالى: يا ابن آدم, إنك ما دعوتني ورجوتني غفرت لك على ما كان منك ولا أبالي. يا ابن آدم, لو بلغت ذنوبك عنان السماء ثم استغفرتني غفرت لك. يا ابن آدم, لو أتيتني بقراب الأرض خطايا ثم لقيتني لا تشرك بي شيئًا, لأتيتك بقرابها مغفرة)).
إذاً, ينبغي أن نسارع بالعودة، والتوبة إلى الله عز وجل قبل فوات الأوان، والله تعالى يفرح بتوبة عبده المؤمن.
وإذا تقرب العبد إلى الله شبرًا تقرب إليه تعالى ذراعًا، وإذا أتاه يمشي أتاه سبحانه وتعالى هرولةً.
ولو عدنا إلى الله تعالى فسنجده سبحانه توابًا رحيمًا.
وفي مشهد رائع يصور لنا الرسول قرب الله تعالى من عباده في الثلث الأخير من الليل، حيث الناس نيام، إلا جماعة من عباده، تجافت جنوبهم عن المضاجع، وخروا لربهم سجدًا وبكيًا. هنالك يغمرهم الرحمن بنوره، وينادي: ((أنا الملك, أن الملك, من يدعوني فأستجيب له,من يسألني فأعطيه,من يستغفرني فأغفر له)).
هذا ربنا يبحث عنا، يريد سماع أصواتنا الخاشعة الضارعة.
من يسأل يعط َ, ومن يُرد يأخذ.
فلنغتنم جميعًا هذه الفرصة، ولنعد إلى الله عودًا سريعًا كريمًا قبل أن نذل بالمعاصي في الدنيا ونعاقب عليها في الآخرة، وإذا عدنا إلى الله فسنجده سبحانه توابًا رحيمًا.
كان النبي يومًا بين أصحابه حين رأى امرأة تلقم ثديها شفتي رضيع، وهي تضمه في حنان إلى صدرها، فقال لأصحابه: ((أترون هذه طارحة ولدها في النار؟)) قالوا: لا والله يا رسول الله.
فقال عليه الصلاة والسلام: ((فالله تعالى أرحم بعباده من هذه بولدها)).
| |
|