molay مدير مراقب
البلد : المغرب الجنس : عدد المساهمات : 11945 تاريخ التسجيل : 17/12/2009 الموقع : STARMUST2
بطاقة الشخصية الدرجة: (1365/1365)
| موضوع: عيد الفطر 1418هـ - إسماعيل الخطيب الثلاثاء 25 أكتوبر - 11:27:16 | |
|
عيد الفطر 1418هـ
إسماعيل الخطيب
الخطبة الأولى
أما بعد:
فيا عباد الله، ها أنتم ودعتم شهر القرآن والصيام والقيام، ودعتم شهراً هو أفضل شهور العام. شهر من صامه إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه، شهر تضاعف فيه الحسنات وتعظم فيه السيئات، شهر ترِقّ فيه قلوب المؤمنين الصادقين فتجود أيديهم بالإحسان، شهر يكثر فيه أهل الإيمان من الذكر والتسبيح وتلاوة القرآن، حتى إذا أكملوا عدة الصيام، كبروا الله تعالى على ما هدى إلى هذه الطاعة، وشكروه على فضله وإحسانه، وحق له أن يشكر، الله أكبر.
عباد الله، خرج نبينا عليه الصلاة والسلام إلى المصلى في أضحى أو في فطر، فوعظ الناس بعد الصلاة وأمرهم بالصدقة، فقال: ((أيها الناس تصدقوا، ثم مر على النساء فقال: يا معشر النساء تصدّقن))[1]. فقد اغتنم عليه الصلاة والسلام هذا الجمع المبارك الذي يشهده العدد الكبير من الرجال والنساء، فدعاهم إلى الإكثار من الصدقة، هو عليه الصلاة والسلام الأسوة للناس في هذا الأمر، فقد كان أعظم الناس صدقة، لا يسأله أحد شيئاً عنده إلا أعطاه، وكان إذا عرض له محتاج آثره على نفسه، تارة بطعامه، وتارة بلباسه، وكان عطاؤه عطاء من لا يخاف الفقر، وكان سروره وفرحه بما يعطيه أعظم من سرور الآخذ بما أخذه.
وكان يتنوع في أصناف العطاء، فتارة بالهبة، وتارة بالهدية، وتارة بالصدقة، وتارة بإعطاء أكثر من ثمن الشيء ويكافئ على الهدية بأكثر منها، وكيف لا يكون كذلك وهو سيد البشر - الله أكبر.
عباد الله، جاءت الآيات البينات والأحاديث الصحيحة ببيان فضل الصدقة وثوابها، قال ربنا سبحانه: أَلَمْ يَعْلَمُواْ أَنَّ ٱللَّهَ هُوَ يَقْبَلُ ٱلتَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَأْخُذُ ٱلصَّدَقَـٰتِ وَأَنَّ ٱللَّهَ هُوَ ٱلتَّوَّابُ ٱلرَّحِيمُ [التوبة:104]. فهذا تشريف عظيم لهذه الطاعة ولمن فعلها، فالله تعالى هو الآخذ للصدقات، والصدقات، في الحقيقة، لا يأخذها الفقراء إنما يأخذها الله تعالى الذي يقبل التوبة الصحيحة ويقبل الصدقات الخالصة له. وفي الآية تهييج إلى التوبة والصدقة اللتين كل منهما يحط الذنوب ويمحقها.
وقال نبينا عليه الصلاة والسلام: ((من تصدق بعدل تمرة من +ب طيب، ولا يصعد إلى الله إلا الطيب، فإن الله يتقبلها بيمينه ثم يربيها لصاحبها كما يربي أحدكم فلوّه - الفلوّ ولد الفرس - حتى تكون مثل الجبل))[2]. وتلك كناية عن القبول والجزاء عليها من خزائن جوده التي لا تحصر - الله أكبر.
عباد الله: في الصحيح أن رسول الله قال:وقد وعى المسلمون هذا التوجيه النبوي فسارع المهاجرون والأنصار اقتداء برسول الله إلى وقف أموالهم صدقة مؤبدة. ((إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له))[3]. وقد وعى المسلمون فسارع المهاجرون والأنصار اقتداء برسول الله إلى وقف صدقة مؤبدة. واقتدى بهم من جاء بعدهم، وتنافس الناس في ذلك لما رأوه من نتائج باهرة في تحقيق التضامن الاجتماعي والقضاء على الحاجة والمسكنة، وقد استطاع نظام الوقف أن يسد حاجات المعوزين ويحقق غايات اجتماعية كريمة.
فالوقف لم يكن محصوراً على المساجد فقط بل نهض برسالة ضخمة في رعاية المؤسسات الخيرية والاجتماعية، وإننا لنجد في تاريخ الوقف شاهداً واضحاً على مدى ما وصل إليه المسلمون من حضارة ومدنية وتكافل اجتماعي لا نظير له في الدنيا، فقد قرأنا عن أوقاف خصصت لتزويج الفقراء، وأخرى للقرض الحسن، وأخرى للعميان والزمنى، وأخرى لرفع ما يؤذي الناس في الطرقات، وأخرى لفكاك الأسرى. أما الرعاية الصحية فقد حازت النصيب الأوفى من أوقاف المسلمين حيث أسست المستشفيات لمداواة المرضى، وخصصت أوقاف لرعاية المقعدين وللعناية بالمجانين. كما حاز التعليم حظه الوفير من أوقاف المسلمين، بل إن التعليم لم يزدهر في العالم الإسلامي إلا بموارد الأوقاف التي كانت تصرف على دور القرآن ودور الحديث ومدارس الفقه وتؤمّن لأساتذتها وطلبتها أسباب العيش والتفرغ لخدمة العلم، كل ذلك قام به المؤمنون رجاء ثواب الله وفضله الذي لا يحصر - الله أكبر.
عباد الله، لقد نادى الإسلام بفضيلة الرحمة والتي هي رقة في الطبع تثمر الرفق والرأفة وتحرك عاطفة الإنسان بالخير والبر، وكان الوقف مظهر من مظاهرالرحمة في المجتمعات الإسلامية جاوز خيره عالم الإنسان إلى أجناس الحيوان. فكانت هناك أوقاف لرعاية الحيوان بتقديم الغذاء والعلاج خاصة للطيور التي تصاب أرجلها ب+ور، وبذلك طبق المسلمون التوجيه النبوي: قال : ((اتقوا الله في هذه البهائم المعجمة فاركبوها صالحة وكلوها صالحة))[4] و((من لا يرحم لا يُرحم)) [5].
اللهم ارحمنا يا رحيم، ووفقنا لكل خير يا كريم، أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
[1] صحيح ، أخرجه البخاري : كتاب الحيض – باب ترك الحائض الصوم ، حديث (304) ، ومسلم : كتاب صلاة العيدين – باب وحدثنا محمد بن عبد الله بن نمير ... حديث (885).
[2] صحيح ، أخرجه البخاري : كتاب الزكاة – باب الصدقة من +ب طيب ، حديث (1410) ، ومسلم : كتاب ال+اة – باب قبول الصدقة ... حديث (1014).
[3] صحيح ، أخرجه مسلم : كتاب الوصية – باب : ما يلحق الإنسان ... حديث (1631).
[4] صحيح ، أخرجه أبو داود : كتاب الجهاد – باب : ما يؤمر به من القيام ... حديث (2548) ، وابن خزيمة (2545) ، وأخرجه أحمد (4/180) بنحوه ، وكذا ابن حبان (545) ، قال الهيثمي : رجال أحمد رجال الصحيح ، المجمع (3/96). وصححه الألباني. السلسلة الصحيحة (23).
[5] صحيح ، أخرجه البخاري ، كتاب: الأدب – رحمة الولد ... حديث (5597) ، ومسلم : كتاب الفضائل – باب رحمته صلى الله عليه وسلم ... حديث (2318).
الخطبة الثانية
الله أكبر الله أكبر الله أكبر الله أكبر الله أكبر الله أكبر الله أكبر.
الله أكبر لا إله إلا الله، الله أكبر ولله الحمد، الحمد لله معيد الجمع والأعياد، المتفضل على عباده بمواسم الخير، نشهد أنه الله لا إله إلا هو وحده لا شريك له، ونشهد أن سيدنا محمداً عبده ورسوله، فضله على سائر العباد، تدوم وتتكرر - الله أكبر.
عباد الله، خاطب الله المؤمنين حاثاً على الصدقة وإنفاق المال على الفقراء والمحتاجين والتوسعة عليهم فقال سبحانه: مَّن ذَا ٱلَّذِى يُقْرِضُ ٱللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافًا كَثِيرَةً وَٱللَّهُ يَقْبِضُ وَيَبْسُطُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ [البقرة:245]. فهو تعالى كنّى عن الفقير بنفسه العلية المنزهة عن الحاجات ترغيباً في الصدقة، وإقراض الله تعالى مثل لتقديم العمل الصالح الذي يستحق به فاعله الثواب في الدار الآخرة، وقد لبى المسلمون نداء ربهم، فأخذ القوي بيد الضعيف، وأفاض الغني على الفقير، وأسس المسلمون نظامهم الاجتماعي على أساس التكافل الذي يمسح الجراح ويشد البناء، ويقضي على الصراع، والمسلمون اليوم بحاجة إلى التذكير بهذا الأمر ليعملوا على الاقتداء بالسلف الصالح بتأسيس أوقاف تؤمن العلاج والدواء للفقراء والمحتاجين، فالفقير بل المتوسط الحال، ليس في مقدوره أن ينفق على عملية جراحية تقدر بالملايين، لذلك كان على الأغنياء من كل بلد أن يتعاونوا فيما بينهم في هذا الأمر، ولنعلم أن الإنفاق في هذا القبيل أفضل من العمرة وحج التطوع، ذلك أن العمل الذي يتعدى نفعه للغير هو أفضل وأنفع وأ+ى وأطهر - الله أكبر.
عباد الله، إذا كان شهر رمضان قد انقضى فإن زمن العمل لا ينقضي إلا بالموت، فاتقوا الله ربكم وحافظوا على صلواتكم وأدوا +اتكم واجتنبوا ما حرمه الله عليكم، اتقوا الله واشكروه على أن هداكم للإسلام، وبلغكم شهر رمضان وأعانكم على صيامه وقيامه، وبلغكم ختامه.
وقد طلب منكم مقابلة هذه النعمة بما تستحقه فقال: وَلِتُكْمِلُواْ ٱلْعِدَّةَ وَلِتُكَبّرُواْ ٱللَّهَ عَلَىٰ مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ [البقرة:185]. وها أنتم خرجتم إلى مصلاكم تكبرون على ما هداكم إليه من دين قويم وشرع حكيم، فأبشروا بالخير العميم والثواب الجزيل والخير الذي لا يحصر - الله أكبر.
| |
|