molay مدير مراقب
البلد : المغرب الجنس : عدد المساهمات : 11945 تاريخ التسجيل : 17/12/2009 الموقع : STARMUST2
بطاقة الشخصية الدرجة: (1365/1365)
| موضوع: عيد الفطر 1419هـ - إسماعيل الخطيب الثلاثاء 25 أكتوبر - 11:22:12 | |
|
عيد الفطر 1419هـ
إسماعيل الخطيب
الخطبة الأولى
أما بعد:
فيا عباد الله: يقول الله عز وجل: يَـٰبَنِى ءادَمَ خُذُواْ زِينَتَكُمْ عِندَ كُلّ مَسْجِدٍ وكُلُواْ وَٱشْرَبُواْ وَلاَ تُسْرِفُواْ إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ ٱلْمُسْرِفِينَ قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ ٱللَّهِ ٱلَّتِى أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالْطَّيِّبَـٰتِ مِنَ ٱلرّزْقِ قُلْ هِى لِلَّذِينَ ءامَنُواْ فِى ٱلْحَيَوٰةِ ٱلدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ ٱلْقِيَـٰمَةِ كَذَلِكَ نُفَصِلُ ٱلآيَـٰتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ [الأعراف:31، 32].
معاشر المسلمين، ها أنتم أكملتم صيام شهركم، ورفعتم أصواتكم بالتكبير تمجيدا لربكم، وفرحا بالثواب العظيم، الذي بشر به النبي الكريم من صام رمضان وقامه، فقال عليه الصلاة والسلام: ((الصيام والقرآن يشفعان للعبد يوم القيامة يقول الصيام: أي رب، منعته الطعام والشهوات بالنهار، فشفعني فيه، ويقول القرآن: منعته النوم بالليل فشفعني فيه، قال: فيشفعان))[1] الله أكبر.
وها أنتم معاشر المسلمين عملتم بأمر ربكم الذي دعاكم إلى أخذ زينتكم من اللباس اللائق عند الصلاة، لا سيما صلاة الجمعة والجماعة وفي العيدين، فقد علمتم أن إطلاق الأمر في الآية يدل على وجوب الزينة للعبادة، ليكون المؤمن عند عبادة الله تعالى مع عبادة المؤمنين في أجمل حالة، إنه مظهر حضاري جميل يعطي الدليل على أن الإسلام دين حضارة ومدنية ورقي، وحضارة الإسلام صدرت عن أساس هو الركيزة الأولى لها وهو الوحي المتمثل بكتاب الله وسنة رسوله.
وتذوق الجمال من الحضارة التي جاء بها الإسلام، فها هو القرآن يوجه النظر إلى الجمال في خلق الله، قال عز وجل: وَٱلاْنْعَـٰمَ خَلَقَهَا لَكُمْ فِيهَا دِفْء وَمَنَـٰفِعُ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ وَلَكُمْ فِيهَا جَمَالٌ حِينَ تُرِيحُونَ وَحِينَ تَسْرَحُونَ [النحل:5، 6]، ويقول سبحانه: إِنَّا جَعَلْنَا مَا عَلَى ٱلأرْضِ زِينَةً لَّهَا لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُم أَحْسَنُ عَمَلاً [الكهف:7]، وقد وجهنا القرآن إلى النظر في هذا الكون للتملي بجمال السماء ونجومها، والأرض ونباتها، والبحار وأمواجها، والطير وتسبيحها، لنعلم عظمة خالقها - الله أكبر.
عباد الله، الله جميل يحب الجمال، كما جاء في الحديث[2]، طيب يحب الطيب، نظيف يحب النظافة. ولذلك شدد الإسلام على أمر النظافة، فحث على تنظيف الجسد وتنظيف اللباس، وتنظيف الأواني، وتنظيف الطرقات، والحضارات الإسلامية، وهي التي تمتاز في كونها تخضع لتعاليم الإسلام وتوجيهات الوحي لم تدع جانبا من جوانب الحياة إلا وصممت له، وقد اعترف الباحثون من الغربيين أنه بينما كانت سائر بلدان أوربا تتمرغ شوارعها في الأوحال والأوساخ كانت مدن البلاد الإسلامية نظيفة منظمة، شوارعها معبدة ومضاءة.
وما ذلك من المسلمين إلا تطبيق عملي لأوامر النبي الكريم الذي دعاهم إلى تعبيد الطرقات وتنظيفها وأرشدهم إلى ما يتعلق بهندستها واتساعها: عن أبي هريرة قال: ((قضى النبي إذا تشاجروا في الطريق الميتاء سبعة أذرع))[3]، فأقل مساحة لعرض الطريق الميتاء، هي سبعة أذرع وذلك لتتسع للمارة، ولذلك وجدنا أن عمر بن الخطاب لما أذن ببناء البصرة والكوفة خطوا الشوارع على عرض عشرين ذراعا.
ولقد نبه نبينا عليه الصلاة والسلام إلى حق الطريق الذي يجب أن يراعى، عن أبي برزة قال: قلت: يا نبي الله علمني شيئا أنتفع به، قال: ((اعزل الأذى عن طريق المسلمين))[4]، وقال عليه الصلاة والسلام: ((الإيمان بضع وستون أو سبعون شعبة أدناها إماطة الأذى عن الطريق وأرفعها قول لا إله إلا الله))[5]. وقال عليه الصلاة والسلام: ((لقد رأيت رجلا يتقلب في الجنة في شجرة قطعها من ظهر الطريق كانت تؤذي المسلمين))[6] الله أكبر.
إذا علمنا هذا تبين لنا مستوى الحضارة والمدنية الذي كانت عليه شوارع المدن الإسلامية، وكان علينا أن نعلم أن من حق الطريق أن تكون منفعته عامة للناس، فلا يحتكره محتكر ولو للصلاة: عن سالم عن أبيه أن النبي نهى أن يصلى على قارعة الطريق، فإذا كان رسول الهدى قد نهى عن الصلاة في الطريق، ووقت أداء الصلاة قصير، وذلك حتى لا تضيق الطريق على الناس ولو لفترة قصيرة، فما بالك بتحويل الطريق إلى أسواق تتسبب في تضييقها وتلويثها مما يعتبر أذية كبيرة للناس الذين من حقهم أن يمشوا في طريق واسعة ونظيفة.
إن المسلمين اليوم بحاجة إلى وعي حضاري ينتشلهم من مظاهر الابتعاد عن هذه الحضارة العظيمة التي جاء بها الإسلام.
اللهم أصلحنا وأصلح أعمالنا وتقبل منا إنك سميع مجيب.
[1] أخرجه أحمد (2/174) واللفظ له، والحاكم (1/554) من حديث عبد الله بن عمرو رضي الله عنه قال الحاكم: "هذا حديث صحيح على شرط مسلم"، وقال المنذري في الترغيب (2/10): "رواه أحمد والطبراني في الكبير، ورجاله محتج به في الصحيح". وقال الهيثمي في المجمع (3/181): "رواه أحمد والطبراني في الكبير، ورجاله رجال الصحيح" . وقال في (10/381): "رواه أحمد، وإسناده حسن على ضعف في ابن لهيعة، وقد وثق". وحسنه الألباني في تمام المنة (ص394).
[2] أخرجه مسلم في: الإيمان، باب: تحريم الكبر وبيانه (91) من حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه.
[3] أخرجه البخاري في: المظالم والغضب، باب: إذا اختلفوا في الطريق الميتاء (2473) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، بنحوه.
[4] أخرجه مسلم في: البر والصلة، باب: فضل إزالة الأذى عن الطريق (2618).
[5] أخرجه البخاري في: الإيمان، باب: أمور الإيمان (19) ومسلم في: الإيمان، باب: بيان عدد شعب الإيمان وأفضلها وأدناها (35) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، بنحوه.
[6] أخرجه مسلم في: البر والصلة، باب: فضل إزالة الأذى عن الطريق (1914) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
الخطبة الثانية
الله أكبر الله أكبر الله أكبر الله أكبر الله أكبر الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله، الله أكبر ولله الحمد، الحمد لله معيد الجمع والأعياد، الحمد لله جامع الناس ليوم لا ريب فيه إن الله لا يخلف الميعاد، الحمد لله لا شريك له ولا ند ولا مضاد. وأشهد أنه لا إله إلا هو وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا محمدا عبده ورسوله فضله على جميع العباد، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم التناد.
أما بعد:
فلقد قامت حضارة الإسلام على الإيمان، والحضارة إذا لم يشدها الإيمان والعلم والفضيلة، دمرها الكفر والجهل والرذيلة، ولقد ضل أقوام فهموا أن الحضارة هي احتساء الخمر ولعب القمار والانخراط في المجون والرذيلة، وأن العري والاختلاط والتكلم بلغة أجنبية، وخلع ثوب الحشمة والفضيلة ورداء الأدب والعفة، تقدم وحضارة، بئس ما فهموا.
إن الحضارة هي الأدب الرفيع والفكر النقي والقلب التقي. والأخلاق والأمانة والعزة والكرامة.
إن الأمة المتحضرة هي التي تبني اقتصادها على التعاون والصدق والأمانة.
إن الأمة المتحضرة هي التي تأخذ بيد الضعيف، وتنصر المظلوم وتحارب كل مظاهر استغلال الإنسان لأخيه الإنسان.
وحضارة الإسلام حضارة عالمية في رسالتها، إنسانية في نزعتها، خلقية في اتجاهاتها، واقعية في مبادئها، وهي بذلك الحضارة الباقية إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، الله أكبر.
عباد الله، يقول الله عز وجل: وَهُوَ ٱلَّذِى يُنَزّلُ ٱلْغَيْثَ مِن بَعْدِ مَا قَنَطُواْ وَيَنشُرُ رَحْمَتَهُ [الشورى:28].
وها قد استجاب الله دعاءكم بعد ما خرجتم ضارعين تسألونه الغيث والرحمة، فنزلت أمطار الخير التي عمت البلاد، وبعثت في النفوس الفرحة والأمل. فحق علينا أن نقابل هذا الفضل العميم، بالشكر للعلي الكريم، وإذا كنا نعلم أن منع أداء الزكاة سبب من أسباب انحباس المطر، فإن علينا أن نذكر أنفسنا بوجوب أداء ال+اة فهي حق الفقراء والمساكين، وهي قرينة الصلاة في كتاب الله تعالى، من جحد وجوبها كفر ومن منعها بخلا وتهاونا نسب إلى الفسق والضلال، ومن أداها معتقدا وجوبها راجيا ثوابها. فليفرح بالخير الكثير والبركة من الله تعالى في ماله ونفسه وأهله، الله أكبر.
عباد الله، ألا وصلوا وسلموا على نبيكم كما أمركم الله تعالى فقال: إِنَّ ٱللَّهَ وَمَلَـٰئِكَـتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى ٱلنَّبِىّ يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ صَلُّواْ عَلَيْهِ وَسَلّمُواْ تَسْلِيماً [الأحزاب:56]، وقد قال : ((من صلى علي صلاة واحدة صلى الله عليه بها عشرا)).
اللهم صل وسلم وبارك على عبدك ورسولك نبينا محمد صاحب اللواء المعقود والحوض المورود والمقام المحمود، وارض اللهم عن خلفائه الأربعة أبي بكر وعمر وعثمان وعلي وعن سائر الصحابة والتابعين، وعنا معهم بمنك وفضلك وجودك وكرمك يا أرحم الراحمين.
| |
|