الموت والحساب (5)
الشيخ عاطف شمس
بسم الله الرحمن الرحيم
- بعد المقدمة:
يوم الحساب يأتى الوزن بعد الحساب، المحاسبة لتقدير الأعمال والوزن لإظهار المقادير ليكون الجزاء بحبها (بقدرها) . ويحرص الإنسان على أن يثقل موازينه ويستكثر من الحسنات ويخفف من السيئات قال تعالى (ونضع الموازين القسط ليوم القيامة فلا تظلم نفس شيئا وإن كان مثقال حبة من خردل أتينا بها وكفى بنا حاسبين) الأنبياء 47. (فإذا نفخ فى الصور فلا أنساب بينهم يومئذ ولا يتساءلون فمن ثقلت موازينه فأولئك هم المفلحون ومن خفت موازينه فأولئك الذين خسروا أنفسهم فى جهنم خالدون - تلفح وجوههم النار وهم فيها كالحون) المؤمنون.
فماذا يوزن:
1- الأعمال تجسم وتوزن فتوضع فى الميزان، الدليل (كلمتان حبيبتان إلى الرحمن خفيفتان على اللسان ثقيلتان فى الميزان سبحان الله وبحمده سبحان الله العظيم) متفق عليه.
2- الصحائف التى فيها الأعمال، والدليل حديث البطاقة (بالمعنى) يستخلص الله عز وجل رجلا من المسلمين على رؤوس الخلائق فينشر له تسعة وتسعون سجلا كل سجل مد البصر سيئات ثم يقول أتنكر من هذا شيئا أظلمك كتبتى فيقول لا يا رب فيقول رب العزة لك عندنا حسنة واحدة لا ظلم اليوم فتخرج له بطاقة فيها أشهد أن لا اله إلا الله وأشهد أن محمدا رسول الله - فيقول ما هذه البطاقة مع السجلات فتوضع حسناته فى كفة وسيئاته تسعة وتسعون سجلا فى كفة أخرى فتثقل البطاقة.
العامل نفسه يوزن والدليل عبد الله بن مسعود رضى الله عنه صعد شجرة يجتنى الكباث (السواك) فجعل الناس يعجبون من دقة ساقيه ويضحكون فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم (والذى نفسى بيده هما فى الميزان أثقل من جبل أحد) وقال (إنه ليأتى الرجل العظيم السمين يوم القيامة لا يزن عند الله جناح بعوضة). قال تعالى (فلا نقيم لهم يوم القيامة وزنا).
الخلاصة، العبد هو وحسناته وصحيفته فى كفة وسيئاته وصحيفته فى الكفة الأخرى.
هنا يدخل أهل النار النار آخر فرصة لهم فيساقون إلى النار يخاطبهم خزنة جهنم (إن لدينا أنكالا وجحيما وطعاما ذا غصة وعذاب أليما).
وقال تعالى (كلما ألقى فيها فوج سألهم خزنتها ألم يأتكم نذير ....).
وقال تعالى (أفمن يلقى فى النار خير أمن يأتى آمنا يوم القيامة) فصلت 40.
وقال تعالى (كلما دخلت أمة لعنت أختها....) الأعراف 38.
وقال تعالى (وسيق الذين كفروا إلى جهنم....).
لاحظ ألقى – سيق، المعنى الملائكة تحملهم وتلقى بهم فى النار أو يساقون كما تساق البهائم إلى النار.
هنا يتذكرون أن الشيطان هو الذى أغواهم فينظرون حولهم فيجدونه معهم فيتوجهون إليه قائلين أنت الذى أغويتنا سهلت علينا المعصية. يقف الشيطان على منبر من نار ليخطب خطبة بليغة يقول فيها (إن الله وعدكم وعد الحق ووعدتكم فأخلفتكم وما كان لى عليكم من سلطان إلا أن دعوتكم فاستجبتم لى فلا تلومونى ولوموا أنفسكم ما أنا بمصرخكم وما انتم بمصرخى - إنى كفرت بما أشركتمون من قبل إن الظالمين لهم عذاب أليم) إبراهيم. وهنا يتبقى المؤمنون والمنافقون (إن المنافقين يخادعون الله وهو خادعهم) النساء 142.
يأمر الله الجميع بالسجود فيسجد كل من كان يسجد فى الدنيا أما المنافق فيحاول فلا يستطيع (يوم يدعون إلى السجود فلا يستطيعون). ثم يأمر الله عز وجل فتحدث ظلمه عظيمة وينصب الصراط على متن جهنم أحد من السيف - وله كلاليب وخطاطيف حديد وشوك مثل شوك السعدان - يأمر الله كل الباقين بالمرور - والذى ينجو يدخل الجنة مباشرة - يسود الصمت المكان - ويبدأ المرور لا أحد يتكلم إلا الرسل يقولون يا رب سلم سلم. يمر الأتقياء والأولياء على الصراط يضئ الله لهم الطريق يعطى الله كل إنسان نورا على قدر عمله ويعطى المنافق نورا لكن المنافق عندما يبدأ المشى على الصراط يطفئ نوره فيقع فى النار على وجهه منكوسا مقلوبا.
المؤمنون منهم من يمر بسرعة البرق ومنهم من يمر بسرعة الريح ومنهم من يجرى مثل أجاويد الخيل ومنهم من يجرى الجرى العادى- كل على قدر عمله.
يقول رب العزة (يوم ترى المؤمنين والمؤمنات يسعى نورهم بين أيديهم وبأيمانهم بشراكم اليوم جنات تجرى من تحتها الأنهار خالدين فيها ذلك هو الفوز العظيم).
(يوم يقول المنافقون والمنافقات للذين ءامنوا انظرونا نقتبس من نوركم قيل ارجعوا وراءكم فالتمسوا نورا فضرب بينهم بسور له باب باطنه فيه الرحمة وظاهره من قبله العذاب - ينادونهم ألم نكن معكم قالوا بلى ولكنكم فتنتم أنفسكم وتربصتم وإرتبتم وغرتكم الأمانى حتى جاء أمر الله وغركم بالله الغرور - فاليوم لا يؤخذ منكم فدية ولا من الذين كفروا مأواكم النار هى مولاكم وبئس المصير) الحديد 12-15.
يقولون للمؤمنين أعطونا من النور الذى معكم ألم نكن نصلى معكم كما تصلون - ونحج كما تحجون - نتصدق كما تتصدقون- قيل أرجعوا وراءكم فالتمسوا نورا - نحن كنا نصلى ونصوم إخلاصا لله عز وجل أما أنتم فكنتم تعبدون نفاقا وبعيدا عنا تقولون لأهل الكفر نحن معكم.
فتنه أخرى على الصراط تتمثل الأمانة والرحم على جانبى الصراط كل مسلم خان أمانة تشهد الأمانة عليه أنه لم يؤد الأمانة فيأخذه خطاف يوقعه فى النار ثم يقوم يسير على الصراط، الضوء الذى أعطاه الله له ضعيف لا يكاد يرى مكان قدمه أين يضعها. ومنهم من يسحب سحبا - ومنهم من يعبر الصراط على بطنه- فتنة عظيمة هول عظيم من أهوال القيامة. قال تعالى (وإن منكم إلا واردها كان على ربك حتما مقضيا ثم ننجى الذين اتقوا ونذر الظالمين فيها جثيا ) مريم71-72
الله عز وجل يقول (إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها) النساء 58.
قال الله تعالى (إنا عرضنا الأمانة على السموات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها وأشفقن منها وحملها الإنسان ....) الأحزاب.
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم (آية المنافق ثلاث إذا حدث كذب - وإذا وعد أخلف - وإذا أؤتمن خان) متفق عليه. وفى رواية (وإن صام وصلى وزعم أنه مسلم) نفاق أصغر. وقال صلى الله عليه وسلم (أدى الأمانة إلى من ائتمنك ولا تخن من خانك). وهذا يشمل كل الأمانات (حقوق الله- الصلوات- ال+اة- الكفارات- النذر- الصيام- الودائع).
الكتبة يكتبون كل ما يلفظ به - ودائع ينكرها. الخطاطيف بالمرصاد على الصراط إن لم يتوبوا. الشهادة فى سبيل الله تكفر كل شىء إلا الأمانة.
- الرحم / قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن الله خلق الخلق حتى إذا فرغ منهم قامت الرحم فقالت هذا مقام العائذ من القطيعة، قال نعم أما ترضين أن أصل من وصلك وأقطع من قطعك قالت بلى قال فذاك لكى.
ثم قال رسول الله اقرءوا إن شئتم (فهل عسيتم إن توليتم أن تفسدوا فى الأرض وتقطعوا أرحامكم أولئك الذين لعنهم الله فأصمهم وأعمى أبصارهم أفلا يتدبرون القرآن أم على قلوب أقفالها) محمد 22.
قالت الرحم يا رب أستجير بك - ألتجئ إليك. قال صلى الله عليه وسلم (لا يدخل الجنة قاطع رحم) متفق عليه.
الخطبة الثانية
الأمانات .. جمع أمانة وهى كل ما يؤتمن الإنسان عليه من حقوق الله والعباد سواء قوليه أو فعليه أو حتى اعتقاديه.
-الأعمال التى تثقل الموازين:
حسن الخلق- تسبيح- تكبير- لسان ذاكر وقلب شاكر.
وإياك ومحقرات الذنوب - الصغائر- لأنها تجتمع على العبد فتهلكه.