الموت والحساب 2
الشيخ عاطف شمس
بسم الله الرحمن الرحيم
-بعد المقدمة:
بعد أن أعطانا الله عز وجل صورة واضحة للموت وعلمنا أن الموت حق لأنك تراه فإذا صدقت بالقرآن عندما يتحدث عن الموت لزم عليك أن تصدق القرآن عندما يتحدث عن البعث والحشر . لماذا نقول ذلك؟ لأن الإنسان عدو ما يجهل والغيب يفيد الإنسان لذا كان الإيمان بالغيب من ألزم لوازم الإيمان.
قلنا إن الميت فى قبره إذا كان صالحا يقول رب أقم الساعة وإذا كان فاسقا يقول رب لا تقم الساعة لأنه ينتظره الهلاك والبوار قال تعالى (ولنذيقنهم من العذاب الأدنى دون العذاب الأكبر).
قال بن عمر (من سره أن ينظر إلى يوم القيامة كأنه رأى عين فليقرأ – إذا الشمس كورت - إذا السماء انفطرت – إذا السماء انشقت).
الشمس التى تساوى آلاف الآلاف ضعف الأرض تكور وتلف ويذهب نورها – الكواكب العظيمة المنتشرة فى السماء تنتشر وتتطاير وتتساقط – ينتهى مجال الجاذبية وينفطر نسيج الطاقة فى السماء فتبتعد الكواكب فى السماء فتصبح مثل الحجارة المبعثرة (فإذا النجوم طمست) وإذا البحار فجرت – براكين تحت البحار والمحيطات يوم القيامة يفجر المولى تلك البراكين فتخرج الحمم البركانية فترتفع درجة حرارة المحيطات فيبدأ الماء بالتبخر ويتحول إلى غمام فى سماء الكرة الأرضية وتنخفض البحار والمحيطات وتصبح يابسة وأرض مستوية – ويتساقط المطر الغزير فليلقى العصعوص (عجب الذنب) فينبت الإنسان فى قبره كما ينبت البقل – وسبحان الله وجدوا إن عجب الذنب الذى قال فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم (يبلى الإنسان إلا عجب الذنب). اكتشفوا انه يحتوى على جميع الجينات اللازمة لتكوين الإنسان من جديد جميع الجينات الوراثية الخاصة بالإنسان.
وهنا يقول رب العزة (وإذا القبور بعثرت) يخرج الإنسان – بل الناس كل الناس يخرجون من الأجداث يقول رب العزة (يوم تشقق الأرض عنهم سراعا ذلك حشر علينا يسير) ق44.
(ونفخ فى الصور فصعق من فى السماوات ومن فى الأرض إلا من شاء الله ثم نفخ فيه أخرى فإذا هم قيام ينظرون) الزمر 68.
يسبقها نفخة الفزع ثم نفخة الصعق أو الموت للأحياء من أهل السماوات والأرض – إلا من شاء الله ثم نفخة القيام قال بن تيميه ثلاث نفخات لا اثنتين. (يا أيها الناس اتقوا ربكم إن زلزلة الساعة شئ عظيم يوم ترونها تذهل كل مرضعة عما أرضعت وتضع كل ذات حمل حملها وترى الناس سكارى وما هم بسكارى ولكن عذاب الله شديد) الحج1-2.
(يحشر الناس على أرض بيضاء نقية كقرصة النفس ليس فيه علم لأحد) متفق عليه. بياض غير ناصع – مثل قرص الخبز ويحشرون حفاة عراة غرلا – تفكر فى ذلك جيدا. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (يحشر الناس يوم القيامة ثلاثة أصناف صنف مشاة - صنف ركبان – صنف على وجوههم) صحيح الألبانى.
قال تعالى (يوم نحشر المتقين إلى الرحمن وفدا) مريم. الوفد تحيط به الموتوسيكلات ويوسع له الطريق وسيتقبله مندوب من الرئاسة ولله المثل الاعلى هكذا المتقون يحشرون على دواب عليها سرج من ذهب – هل جزاء الإحسان إلا الإحسان. قال تعالى (إن كل من فى السماوات والأرض إلا أتى الرحمن عبدا لقد أحصاهم وعدهم عدا وكلهم أتيه يوم القيامة فردا) مريم 93 :95.
المتحابون فى الله يجتمعون ويركبون وسيرون معا - أهل الوضوء يدعون يوم القيامة غرا محجلين من أثار السجود (من استطاع منكم أن يطيل غرته فليفعل ) البخارى. الفقراء والمساكين يقال أين هم فيقومون فيقال لهم ماذا عملتم؟ فيقولون ربنا ابتلينا وصبرنا ووليت الأموال والسلطان غيرنا- فيقول الله صدقتهم - فيدخلون الجنة قبل الناس وتبقى شدة الحساب على ذوى الأموال والسلطان – قالوا فأين المؤمنون يومئذ قال توضع لهم كراسى من نور ويظللهم الغمام ويكون ذلك اليوم أقصر على المؤمن من ساعة من نهار.
قال تعالى (ونسوق المجرمين إلى جهنم وردا) مريم85-86. العاصى يتقطع عنقه من العطش - فى الدنيا يتكبر مع أن البصاق فى فمه – العرق تحت إبطه – البول فى مثانته - النجاسة فى أمعائه – المتكبرون يحشرون فى ذل وهوان تدوسهم الأقدام والأرجل – كان منتفخا فى الدنيا مغرورا – والجزاء من جنس العمل – يدوسه الناس يوم الحشر
من تواضع لله رفعه الله ومن أذل عباد الله أذله الله لعباده الكفار يحشرون على وجوههم (ومن أعرض عن ذكرى فإن له معيشة ضنكا ونحشره يوم القيامة أعمى - قال رب لم حشرتنى أعمى وقد كنت بصيرا - قال كذلك أتتك آياتنا فنسيتها وكذلك اليوم تنسى) طه 124 :126.
يسير على وجهه عقابا على عدم سجودهم لله فى الدنيا يسحب على وجهه يوم القيامة إظهارا لهوانه بحيث يصير وجهه مهان على الأرض.
المتسولون الذين يسألون الناس وعندهم ما يغنيهم أو احترفوا هذه المهنة يأتون يوم القيامة كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (ما يزال الرجل يسأل الناس حتى يأتى يوم القيامة وليس فى وجهه مزعه لحم) البخارى.
من سرق شيئا فى الدنيا من داره – دار الجيران – أو من الناس أو من الدولة –يجئ يوم القيامة يحمل ما سرقه فى الدنيا، تخيل من سرق أموالا طائلة – تصفح ويحملها على ظهره.
- شارب الخمر يحشر وكأسه فى عنقه.
- آكلوا الربا (الذين يأكلون الربا لا يقومون إلا كما يقوم الذى يتخبطه الشيطان من المس) البقرة 275.
- الحيوانات تحشر، رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم ( شاتين تقترنان فنطحت إحداهما الأخرى فأسقطتها وجنينها فضحك النبى صلى الله عليه وسلم فقالوا ما يضحكك يا رسول الله فقال والذى نفسى بيده ليقادن لها يوم القيامة)صحيح الألبانى.
- تقتص الشاه الجماء أو الجلحاء من الشاه القرناء فى الآخرة ثم يقال لهم (الحيوانات والطيور والحشرات) يقال لهم كونوا ترابا هنا يصيح الكافر يا ليتنى كنت ترابا.
- آكل مال اليتيم (إن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلما إنما يأكلون فى بطونهم نارا وسيصلون سعيرا).
(ثم تدنو الشمس بعد ذلك حتى تكون منهم مقدار ميل) مسلم. فيكون الناس على قدر أعمالهم منهم من يصل العرق إلى كعبيه ومنهم من يكون عرقه عند ركبته ومنهم من يكون العرق إلى حلقومه – ومنهم من يلجمه العرق إلجاما) مسلم.
لا ينتهى الأمر لا بل يأمر الله عز وجل بإحضار جهنم إلى أرض المحشر لها سبعون ألف زمام مع كل زمام سبعون ألف ملك يجرونها مثل الفرن الضخم – للتقريب إلى الأذهان (إذا رأتهم من مكان بعيد سمعوا لها تغيظا وزفيرا) الدخان 12.
تعرف المجرمين – الكافرين- وتريدهم لتحرقهم.
الأنبياء حتى الأنبياء الكل يقول يارب سلم سلم ، ساعتها (يوم يفر المرء من أخيه وأمه وأبيه وصاحبته وبنيه لكل امرئ منهم يومئذ شأن يغنيه) عبس. وتنزل الملائكة تحيط بأهل الأرض ملائكة كثيرون لا يعلم عددهم إلا الله.
يطول الموقف على الكافرين والمتكبرين والطغاة والزناة وشاربى الخمر ويهون الموقف على المؤمنين الفقراء – المساكين المتقين يجلسون على كراسى من نور يظللهم الغمام والبعض منهم مشاه على أرجلهم يمحصون فى الموقف.
الخطبة الثانية
يقول أحد الشعراء:
ولو أنا إذا متنا تركنا لكان الموت غاية كل حى
ولكنا إذا متنا بعثنـا ويسأل ربنا عن كل شـئ
لو رجعت بيتك يوما ووجدت ورقة مطلوب فى قضية رقم - جنح مركز طنطا – لا تنام – هل ستأخذ براءة أم أن القاضى سيحكم عليك بالسجن. هذا الموقف لا يمكن مقارنته أبدا بيوم الحساب.
فى الخطبة السابقة تحدثنا عمن ينجو من عذاب القبر اليوم نتحدث عمن ينجو من هول الحشر:
1-إمام عادل.
2- شاب نشأ فى طاعة الله.
3-رجل قلبه معلق بالمساجد
4-رجلان تحابا فى الله إجتمعا عليه وتفرقا عليه.
5-رجل دعته امرأة ذات جمال للزنا فقال إنى أخاف الله.
6-رجل ذكر الله خاليا ففاضت عيناه.
7-رجل تصدق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه.
-وهنا بشرى للنساء:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فى حديث رواه المنذرى فى الترغيب رواه أنس ورواه أبو هريرة وإسناده صحيح قال صلى الله عليه وسلم (إذا أطاعت المرأة زوجها وحفظت فرجها - وصامت شهرها - وصلت خمسها - قيل لها أدخلى الجنة من أى الأبواب شئت).
احمد ابن حنبل كان إذا ذكر الموت أمامه خنقته العبرة وكان كثيرا ما يقول اللهم سلم سلم.
الفضيل بن عياض قرأ يوما سورة الحاقة حتى إذا وصل إلى قوله تعالى (خذوه فغلوه) سقط مغشيا عليه. امرأة متعبدة تعلقت بأستار الكعبة تقول كم من شهوة ذهبت لذتها وبقيت تبعاتها. يا رب أما لك عقوبة إلا النار وظلت معلقة بأستار الكعبة تبكى وتدعو فأبكت من حولها.
عوتب الحسن البصرى فى شدة حزنه وبكائه فقال ما يدرينى لعل الله اطلع على فقال اذهب فلا غفرت لك وكان يقول المؤمن يصبح حزينا ويمسى حزينا ولا يسعه سوى ذلك لأنه بين مخافتين بين ذنب مضى لا يدرى ما الله صانع فيه وبين اجل قد بقى لا يدرى ما يصيب فيه من المهالك.
صام يوما شديد الحر فلما أراد أن يفطر أعطوه كوبا من الماء فلما قربه من فمه بكى فقالوا ما يبكيك قال ذكرت أمنيه أهل النار وقولهم (أفيضوا علينا من الماء أو مما رزقكم الله) وذكرت ما أجيبوا (إن الله حرمهما على الكافرين ) قالوا يا رسول الله (قد شبت قال شيبتنى هود وأخواتها) إسناده حسن. وكان صلى الله عليه وسلم يصلى أحيانا وفى صدره أزيز كأزيز الرحى من البكاء.