molay مدير مراقب
البلد : المغرب الجنس : عدد المساهمات : 11945 تاريخ التسجيل : 17/12/2009 الموقع : STARMUST2
بطاقة الشخصية الدرجة: (1365/1365)
| موضوع: القلق: أسبابه وعلاجه - عبد الله بن علي الطريِّف /عنيزة الإثنين 30 يوليو - 5:26:40 | |
|
القلق: أسبابه وعلاجه
عبد الله بن علي الطريِّف /عنيزة
الخطبة الأولى لقد اعتنت الحضارة المعاصرة بالإنسان، فعملت على خدمته وتطويع المادة له، فصنعت من الآلات ما يطير به في السماء، وما يسبح به في الماء، وما يجري به على الأرض براحة جسدية واطمئنان، وهيأت له السكن في أجمل القصور وأحسن الدور، وقدمت له ألذ الطعام وأحسن الأثاث واللباس، ومع ذلك من تحقق له هذا فقط لم يشعر بالراحة الحقيقية التي ينشدها؛ ذلك أن الإنسان ليس إنسانا بعظمه ولحمه وشحمه، ولا بسمعه ونطقه وبصره، إنما الإنسان إنسانٌ بشيء في داخله يسمى الروح، نعم الروح، الروح التي لا يعلم حقيقة كنهها إلا الله جل في علاه القائل: وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلا قَلِيلاً [الإسراء: 85]. نعم، الروح من أمر ربي؛ ولذلك لم تفهم هذه الحضارة من الإنسان إلا الهيكل العام، فعملت على خدمته وتطويع المادة له، فأصيب حينذاك بقلق وحالات نفسية وأمراض عديدة. يـــا خـادم الجسم كـــم تشقــى بخدمته أتطلب الربح مما فيه خسران؟! أقبل على الروح واستكمل فضائلها فأنت بالروح لا بالجسم إنسان إن وجود القلق عند بعض الناس وإصابة بعضهم بأمراض نفسية لم تكن عند أسلافهم سببه ضعف الإيمان بالله أو انعدامه. نعم أيها الإخوة، إذا خوى القلب من الإيمان وضعف، أو لم يكن فيه إيمان يفسر له الظواهر الكونية والقضايا التي يعيشها التفسير الشرعي؛ فإنه سيعيش في قلق واضطراب. ومن أهم مصادر القلق أربعة مصادر: الخوف على الحياة، والخوف على الرزق، والخوف من حصول المكروه للإنسان، أو فوات شيء محبوب. أحبتي، إن الإيمان قد طمأننا على هذه الأشياء، طمأننا على الحياة وأخبرنا بأن الحياة ليست بيد أحد في الأرض، وإنما هي بيد الله، قال سبحانه: اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الأُخْرَى إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ [الزمر: 42]، فلو اجتمع كل أهل الأرض على أن يقدموا أجلك ثانية واحدة ما أذن الله بها ما استطاعوا إلى ذلك سبيلا، إذا لا تجعل الموت هاجسا مخيفا يعطل حياتك المعيشية وسفرك وترحالك ودخولك وخروجك، وعليك توقي أسباب الهلاك، قال الله تعالى: وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ، وقال: وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا [النساء: 29]. أما أن كان تفكيرك في الموت للعظة والتقرب إلى الله فهذا أمر مطلوب. المصدر الثاني من مصادر القلق: الخوف على الرزق وهو مكفولٌ مقسوم، قال الله تعالى: أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَتَ رَبِّكَ نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا سُخْرِيًّا وَرَحْمَتُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ [الزخرف: 32]، ويقول: وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الأَرْضِ إِلا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا كُلٌّ فِي كِتَابٍ مُبِينٍ [هود: 6]. أممٌ هائلة في الأرض رزقهم على الله، أفيضيق رزق الله بك أنت؟! بعض الناس يغتم ويهتم ويضيق صدره إذا أحس بخطر على مصدر رزقه، فهل الرزق في هذا فقط؟! لا، فقد قال الله تعالى: وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ [الذاريات: 22]، وثق صلتك بمن في السماء يأتك رزق الله من حيث لا تحتسب، واطمئن فعنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ الله قَالَ: ((أَيُّهَا النَّاسُ، إِنَّ الْغِنَى لَيْسَ عِنْدَ كَثْرَةِ الْعَرَضِ، وَلِكِنَّ الْغِنَى غِنَى النَّفْسِ، وَإِنَّ الله عَزَّ وَجَلّ مؤتي عَبْدَهُ مَا كَتَبَ لَهُ مِنَ الزِّرْقِ، فَأَجْمِلُوا فِي الطَّلَبِ؛ خُذُوا مَا حَلَّ، وَدَعُوا مَا حُرِّمَ))، ويقول النبي : ((لا تستبطئوا الرزق، فإنه لم يكن عبد ليموت حتى يبلغ آخرَ رزقٍ هو له، فأجملوا في الطلب، أخذ الحلال وترك الحرام)) رواه ابن حبان في صحيحه والحاكم وقال: "صحيح على شرطهما" وصححهما الألباني. وكما قال القائل: واللَّـــــــهِ واللَّـــــــه أَيْــــــمَــــــانٌ مُــــــكَـــــــرَّرَةٌ ثَـــلاَثَـــةٌ عَـــنْ يَمِيْنٍ بَعْدَ ثَـــانِيْـــهَـــا لَـــوْ أَنَّ فـــي صَخْـــرَةٍ صَمَّـــا مُلَمْلَمَــة في البَحْرِ رَاسِيَةٌ مِلْسٌ نَواحِيْهَا رِزْقًــــا لِعَبْدٍ بَرَاهَــــــا اللَّــــــهُ لاَنْفَلَقَـــتْ حَـــتَّى تُؤَدِّي إِلَيْـــهِ كُلَّ مَا فيْهَا أَوْ كَانَ فَوْقَ طِبَاقِ السَّبْعِ مَسْلَكُهَا لَسَهَّلَ اللَّه فـي المَرْقَى مَرَاقِيْهَا حَتَّى يَنـــــالَ الّـــذِيْ في اللوْحِ خُطَّ لَهُ فَإِنْ أَتَتْهُ وإِلاَّ سَـــوْفَ يــأْتِيْـــهَـــا وعَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ يَقُولُ: ((لَوْ أَنَّكُمْ تَتَوَكَّلُونَ عَلَى اللهِ حَقَّ تَوَكُّلِهِ لَرَزَقَكُمْ كَمَا يَرْزُقُ الطَّيْرَ تَغْدُو خِمَاصًا وَتَرُوحُ بِطَانًا)) حديث صحيح أخرجه الترمذي وابن حبان والحاكم وأحمد. إذا ما علينا إلا فعل السبب والسعي، والباقي بيد الله سبحانه. أيها الإخوة، أما المصدر الثالث من مصادر حصول القلق: فهو الخوف من حصول المكروه من مرض أو حادث لا قدر الله، أو موت قريب أو غيره، لكن إذا علمت أن هذا المكروه أو المصيبة بقدر الله، وأنك إذا رضيت عوضك الله خيرا منها في الدنيا، وكتب لك الأجر الجزيل في الآخرة، وإذا علمت أن الله يبتليك ليرفع منزلتك ويكفر من خطيئتك، إذا استشعرت هذه المعاني الكبار زال عنك القلق ورضيت بقضاء الله، قال الله تعالى: وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ [الأنبياء: 35]؛ ولهذا يقول عمر بن الخطاب : ما ابتليت بمصيبة إلا كان لله بها علي أربع نعم، قالوا: وكيف؟! قال: أولا أنها لم تكن في ديني، ثانيا أنها لم تكن بأعظم منها، ثالثا أن الله ألهمني الصبر عليها، رابعا أن الله وعدني بالثواب عليها يوم القيامة. صدقت يا أبا عبد الله، بهذا الشعور -أيها الإخوة- تتحول المحن إلى نعم ومنح، قال الله تعالى: وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ [البقرة: 155-157]. فإذا قلت ذلك عند المصيبة، وقلت: الحمد لله اللهم اجبرني في مصيبتي وأخلف لي خيرا منها، أخلف الله عليك خيرا منها وجبر مصيبتك في الدنيا والآخرة. أيها الإخوة، وآخر مصادر حصول القلق: الخوف من فوات شيء محبوب من وظيفة، أو زواج أو صفقة تجارية رابحة أو غيرها، فيحصل عند بعض الناس القلق والاكتئاب، ولو قال: قدر الله وما شاء فعل، لعل ذلك خير لي أن صرفه الله عني لأحس بسعادة وراحة. وما سبق من مصادر القلق سببه ضعف الإيمان، أو ارتكاب المعاصي، والمعاصي تولد القلق، ذلك أن العاصي يهرب من الواقع إلى المعصية من أجل أن يسعد، فيعاقبه الله بنقيض قصده وفعله. نسأل الله سبحانه وتعالى أن يشرح صدورنا بطاعته، وأن يزينا بزينة الإيمان، وأن يجعلنا من الشاكرين عند النعماء، الصابرين على البلاء، هو ولي ذلك والقادر عليه، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
الخطبة الثانية أما بعد: أيها الإخوة، فمن أنجع العلاج للقلق الصلاة، فالصلاة علاج لجميع الأمراض النفسية، فإذا شعرت بضيق توضأ وصل ركعتين وسيزول عنك ما تجده بإذن الله، فقد كان نبينا وقدوتنا إذا ح+ه أمر وأغمه شيء دخل في الصلاة، وكان يقول: ((أرحنا بها يا بلال)). وينبغي أن تصلي وأنت حاضر القلب، مستشعرا لعظمة من تناجيه وتناديه، قال سبحانه: أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الأَرْضِ أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ قَلِيلاً مَا تَذَكَّرُونَ [النمل: 62]. وتفكر وتدبر في تلك الآيات العظيمة التي تقرؤها، قال الله تعالى: لَوْ أَنْزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُتَصَدِّعًا مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَتِلْكَ الأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ [الحشر: 21]. أجل، إن الصلاة -أيها الإخوة- أسلوب عملي لعلاج أمراض القلب من النفاق، وعلاج أمراض النفس من القلق والاضطراب. العلاج الثاني: قراءة القرءان، فقد جاء في القرآن الكريم دلالة صريحة أن فيه شفاء لما في الصدور، قال جل وعلا: يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ [يونس: 57]، ويقول جل في علاه: وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ وَلا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلا خَسَارًا[الإسراء: 82]، ويقول سبحانه: قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدًى وَشِفَاءٌ [فصلت: 44]. أحبتي، اعلموا أن كثرة ذكر الله تحيط بالقلب من جميع جوانبه، وتحول بينه وبين جميع أسباب الفساد والضلال؛ لأننا بذكر الله ندرك معية الله وحفظه، وهو القائل: فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي وَلا تَكْفُرُونِ [البقرة: 152]، وعن أَبي الدرداءِ قَالَ: قَالَ رسُولُ الله : ((ألا أُنَبِّئُكُمْ بِخَيْرِ أعْمالِكُمْ، وأزْكَاهَا عِنْدَ مَلِيكِكُمْ، وأرْفَعِهَا في دَرَجَاتِكُمْ، وَخَيرٍ لَكُمْ مِنْ إنْفَاقِ الذَّهَبِ والفِضَّةِ، وَخَيْرٍ لَكُمْ مِنْ أن تَلْقَوا عَدُوَّكُمْ فَتَضْرِبُوا أعْنَاقَهُمْ وَيَضْرِبُوا أعْنَاقَكُمْ؟)) قَالَوا: بَلَى، قَالَ: ((ذِكر الله تَعَالَى)) رواه الترمذي وقَالَ الحاكم: "إسناده صحيح". ومن أساليب علاج القلق: كثرة الدعاء، قال الله: وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ، وعَنْ أَبِي سَعِيدٍ أَنَّ النَّبِيَّ قَالَ: ((مَا مِنْ مُسْلِمٍ يَدْعُو بِدَعْوَةٍ لَيْسَ فِيهَا إِثْمٌ وَلا قَطِيعَةُ رَحِمٍ إِلا أَعْطَاهُ اللَّهُ بِهَا إِحْدَى ثَلاثٍ: إِمَّا أَنْ تُعَجَّلَ لَهُ دَعْوَتُهُ، وَإِمَّا أَنْ يَدَّخِرَهَا لَهُ فِي الآخِرَةِ، وَإِمَّا أَنْ يَصْرِفَ عَنْهُ مِنْ السُّوءِ مِثْلَهَا))، قَالُوا: إِذًا نُكْثِرُ؟ قَالَ: ((اللَّهُ أَكْثَرُ)) رواه أحمد والبزار والحاكم وقال الألباني: "حسن صحيح". وعلى المسلم أن يكثر من الدعاء ويستمر فيه وإن لم يرَ إجابة ظاهرة سريعة، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ أَنَّهُ قَالَ: ((لا يَزَالُ يُسْتَجَابُ لِلْعَبْدِ مَا لَمْ يَدْعُ بِإِثْمٍ أَوْ قَطِيعَةِ رَحِمٍ مَا لَمْ يَسْتَعْجِلْ))، قِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَا الاسْتِعْجَالُ؟ قَالَ: ((يَقُولُ: قَدْ دَعَوْتُ وَقَدْ دَعَوْتُ فَلَمْ أَرَ يَسْتَجِيبُ لِي! فَيَسْتَحْسِرُ عِنْدَ ذَلِكَ وَيَدَعُ الدُّعَاءَ)) رواه مسلم، وأن ننزل حاجتنا بالله وحده، فعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ : ((مَنْ نَزَلَتْ بِهِ فَاقَةٌ فَأَنْزَلَهَا بِالنَّاسِ لَمْ تُسَدَّ فَاقَتُهُ، وَمَنْ نَزَلَتْ بِهِ فَاقَةٌ فَأَنْزَلَهَا بِاللَّهِ فَيُوشِكُ اللَّهُ لَهُ بِرِزْقٍ عَاجِلٍ أَوْ آجِلٍ)) رواه أحمد وأبو داود والترمذي وصححه الألباني. وصلوا على نبيكم...
| |
|