molay مدير مراقب
البلد : المغرب الجنس : عدد المساهمات : 11945 تاريخ التسجيل : 17/12/2009 الموقع : STARMUST2
بطاقة الشخصية الدرجة: (1365/1365)
| موضوع: وباء أنفلونزا الخنازير: وقفات وتوجيهات - عبد الله بن علي الطريِّف /عنيزة الإثنين 30 يوليو - 5:30:36 | |
|
وباء أنفلونزا الخنازير: وقفات وتوجيهات
عبد الله بن علي الطريِّف /عنيزة
الخطبة الأولى أما بعد: أيها الإخوة، اتقوا الله تعالى فإن التقوى وصيةُ اللهِ تعالى للأولين والآخرين، قال سبحانه: وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ وَإِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَكَانَ اللَّهُ غَنِيًّا حَمِيدًا [النساء: 131]. أيها الأحبة، منذ شهور والعالم يتحدث عن ظهور وباء أنفلونزا الخنازير وانتشاره في الأرض وتنقله بين الدول والشعوب، حتى أطلقت عليه منظمة الصحة العالمية وباءً، ورفعت درجة خطورته إلى أعلى درجة، وبما أن الوباء صار عالميا ونحن جزء من هذا العالم نتأثر بما يكون فيه من محن ومنح عليه لا بد لكل مسلم أن يكون موقفه مما يحدث مُنْطَلِقًا من ثوابته الشرعية، ومهتديا بهدي رسوله ، بعيدا عن التهويل أو التهوين، أجعلها عبر هذه الوقفات: أول هذه الوقفات وأعظمها: أن نعلم أن الأمر كله لله جل وعلا، إن شاء ابتلانا وإن شاء عافانا، فالخلق خلقه والأمر أمره، قُلْ لَنْ يُصِيبَنَا إِلا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا هُوَ مَوْلانَا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ [التوبة: 51]، ويقول سبحانه: مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الأَرْضِ وَلا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ لِكَيْلا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ وَاللَّهُ لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ [الحديد: 22، 23]. وهذا شامل لعموم المصائب التي تصيب الخلق من خير وشر، فكلها قد كتبت في اللوح المحفوظ، صغيرُها وكبيرُها، وأخبر الله عباده بذلك لأجل أن تتقرّر هذه القاعدة عندهم، ويبنوا عليها ما أصابهم من الخير والشر، فلا يأسوا ويحزنوا على ما فاتهم مما طمحت له أنفسهم وتشوفوا إليه؛ لعلمهم أن ذلك مكتوب في اللوح المحفوظ، لا بد من نفوذه ووقوعه، فلا سبيل إلى دفعه، ولا يفرحوا بما آتاهم الله فرح بطر وأشر؛ لعلمهم أنهم ما أدركوه بحولهم وقوتهم، وإنما أدركوه بفضل الله ومَنِّهِ، فيشتغلوا بشكر من أولى النعم ودفع النقم، وأن نعلم أن ما أصابنا لم يكن ليخطئنا وما أخطأنا لم يكن ليصيبنا. الثانية: عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ خَرَجَ إِلَى الشَّامِ حَتَّى إِذَا كَانَ بِسَرْغَ لَقِيَهُ أَهْلُ الأَجْنَادِ أَبُو عُبَيْدَةَ بْنُ الْجَرَّاحِ وَأَصْحَابُهُ رضي الله عنهم، فَأَخْبَرُوهُ أَنَّ الْوَبَاءَ قَدْ وَقَعَ بِالشَّامِ، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ : فَقَالَ عُمَرُ : ادْعُ لِي الْمُهَاجِرِينَ الأَوَّلِينَ، فَدَعَوْتُهُمْ فَاسْتَشَارَهُمْ، وَأَخْبَرَهُمْ أَنَّ الْوَبَاءَ قَدْ وَقَعَ بِالشَّامِ فَاخْتَلَفُوا، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: قَدْ خَرَجْتَ لأَمْرٍ وَلا نَرَى أَنْ تَرْجِعَ عَنْهُ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: مَعَكَ بَقِيَّةُ النَّاسِ وَأَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ وَلا نَرَى أَنْ تُقْدِمَهُمْ عَلَى هَذَا الْوَبَاءِ، فَقَالَ: ارْتَفِعُوا عَنِّي، ثُمَّ قَالَ: ادْعُ لِي الأَنْصَارِ، فَدَعَوْتُهُمْ لَهُ فَاسْتَشَارَهُمْ، فَسَلَكُوا سَبِيلَ الْمُهَاجِرِينَ وَاخْتَلَفُوا كَاخْتِلافِهِمْ، فَقَالَ: ارْتَفِعُوا عَنِّي، ثُمَّ قَالَ: ادْعُ لِي مَنْ كَانَ هَا هُنَا مِنْ مَشْيَخَةِ قُرَيْشٍ مِنْ مُهَاجِرَةِ الْفَتْحِ، فَدَعَوْتُهُمْ فَلَمْ يَخْتَلِفْ عَلَيْهِ رَجُلانِ، فَقَالُوا: نَرَى أَنْ تَرْجِعَ بِالنَّاسِ وَلا تُقْدِمَهُمْ عَلَى هَذَا الْوَبَاءِ، فَنَادَى عُمَرُ فِي النَّاسِ: إِنِّي مُصْبِحٌ عَلَى ظَهْرٍ فَأَصْبِحُوا عَلَيْهِ، فَقَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ بْنُ الْجَرَّاحِ: أَفِرَارًا مِنْ قَدَرِ اللَّهِ؟! فَقَالَ عُمَرُ: لَوْ غَيْرُكَ قَالَهَا يَا أَبَا عُبَيْدَةَ! وَكَانَ عُمَرُ يَكْرَهُ خِلافَهُ، نَعَمْ نَفِرُّ مِنْ قَدَرِ اللَّهِ إِلَى قَدَرِ اللَّهِ، أَرَأَيْتَ لَوْ كَانَتْ لَكَ إِبِلٌ فَهَبَطَتْ وَادِيًا لَهُ عُدْوَتَانِ: إِحْدَاهُمَا خَصْبَةٌ وَالأُخْرَى جَدْبَةٌ، أَلَيْسَ إِنْ رَعَيْتَ الْخَصْبَةَ رَعَيْتَهَا بِقَدَرِ اللَّهِ، وَإِنْ رَعَيْتَ الْجَدْبَةَ رَعَيْتَهَا بِقَدَرِ اللَّهِ؟! قَالَ ابن عباس : فَجَاءَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ وَكَانَ مُتَغَيِّبًا فِي بَعْضِ حَاجَتِهِ، فَقَالَ: إِنَّ عِنْدِي مِنْ هَذَا عِلْمًا، سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ يَقُولُ: ((إِذَا سَمِعْتُمْ بِهِ ـ أي: الطاعون ـ بِأَرْضٍ فَلا تَقْدمُوا عَلَيْهِ، وَإِذَا وَقَعَ بِأَرْضٍ وَأَنْتُمْ بِهَا فَلا تَخْرُجُوا فِرَارًا مِنْهُ))، قَالَ: فَحَمِدَ اللَّهَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ ثُمَّ انْصَرَفَ. وفي رواية لمسلم: قَالَ عمر : فَسِرْ إِذًا، قَالَ: فَسَارَ حَتَّى أَتَى الْمَدِينَةَ، فَقَالَ: هَذَا الْمَحِلُّ، أَوْ قَالَ: هَذَا الْمَنْزِلُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ. رواه البخاري ومسلم. وقال رسول الله : ((فِرَّ مِنْ الْمَجْذُومِ كَمَا تَفِرُّ مِنْ الأَسَدِ)) رواه البخاري، وقال : ((لا يُورِدُ مُمْرِضٌ عَلَى مُصِحٍّ)) رواه مسلم عن أبي هريرة. في هذه الأحاديث إثبات العدوى، وأهمية عزل المصابين عن غير المصابين، لكنَّ تأثير العدوى ليس أمرا حتميًّا بحيث تكون علة فاعلة، وأمر النبيّ بالفرار من المجذوم، وأن لا يورد ممرض على مصحّ من باب تجنب الأسباب، فالأسباب لا تؤثّر بنفسها، لكن ينبغي لنا أن نتجنب ما يكون سببًا للبلاء، لقوله تعالى: وَلاَ تُلْقُوا بِأَيْدِيكمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ، ولا ينفع حذر من قدَر. الثالثة: ما ورد من نفي للعدوى كقول رَسُولِ اللَّهِ : ((لا عَدْوَى وَلا طِيَرَةَ)) ـ رواه البخاري عن أبي هريرة ـ ليس نفيًا للوجود لأن العدوى موجودة، ولكنه نفي لتأثيرها فالمؤثر هو الله، لكن العدوى سببٌ معلوم يقع بتقدير الله تعالى. وفي رواية عند مسلم: فقال أعرابي: يا رسول الله، فما بال الإبل تكون في الرمل كأنها الظباء، فيخالطها البعير الأجرب فيجربها؟! فقال رسول الله : ((فمن أعدى الأول؟)) يعني: أن المرض نزل على الأول بدون عدوى، بل نزل من عند الله عز وجل، فكذلك إذا انتقل بالعدوى فقد انتقل بأمر الله، والشيء قد يكون له سبب معلوم وقد لا يكون له سبب معلوم، فجرب الأول سببه ليس معلومًا، إلا أنه بتقدير الله تعالى، وجرب الذي بعده له سبب معلوم، لكن لو شاء الله تعالى لم يجرب. وكره النبي مقابلة المصاب بمرض معد، فعَنْ عَمْرِو بْنِ الشَّرِيدِ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: كَانَ فِي وَفْدِ ثَقِيفٍ رَجُلٌ مَجْذُومٌ، فَأَرْسَلَ إِلَيْهِ النَّبِيُّ : ((إِنَّا قَدْ بَايَعْنَاكَ فَارْجِعْ)) رواه مسلم، وقال : ((فِرَّ مِنْ الْمَجْذُومِ كَمَا تَفِرُّ مِنْ الأَسَدِ)) رواه البخاري. الرابعة: علينا أن نتوكل على الله جل وعلا توكلاً لا يجعلنا نترك الأسباب المادية، بل إن الأخذ بها من تمام التوكل على الله تعالى والثقة به، فمن علم من نفسه المرض فليعتزل الناس ويلزم قوانين الصحة، كما جاء في الحديث: ((لا يوردن ممرض على مصح))، ومن علم بمكانٍ موبوء فلا يتعمد الدخول فيه لقوله: ((إِذَا سَمِعْتُمْ بِهِ بِأَرْضٍ فَلا تَقْدَمُوا عَلَيْهِ))، وليبتعد عمن يحمل المرض إذا علم به كما في الحديث: ((فر من المجذوم فرارك من الأسد)). وما سبق دليل على وجوب الالتزام بقوانين وزارات الصحة من حجر صحي وغيره وكذلك أنظمة المنافذ. الخامسة: أن نهتم بالنظافة العامة، فهي من صلب ديننا، وهي من أفضل الوسائل للوقاية من المرض، فقد قال النبي : ((الطهور شطر الإيمان))، وأن نحرص على النظافة في البيت والطعام، وعلينا عدم البصق في الشوارع، أو رمي المناديل الملوثة في الطرقات، فهذا ليس من الدين، بل من الإيمان إماطة الأذى عن الطريق. كما حث الإسلام على الوضوء وتجديده، والمبالغة في الاستنشاق وهو من أفضل وسائل التطهير والتعقيم، وفي الحديث: ((وبالغ في الاستنشاق إلا أن تكون صائما)), وحث النبي المستيقظ من نومه أن يستنثر ثلاثًا، وأن لا نتنفس في الإناء عند الشرب، وأن نغطي وجوهنا بما نستطيع من مناديل أو ثوب إن لم نجد عند العطاس، وأن نحمد الله عند الفراغ منه، وأن نشمت العاطس وهذا من هدي النبي . وكل هذه الآداب من العبادات التي يؤجر عليها المسلم، وعلينا أن نربي صغارنا عليها. السادسة: ينبغي كذلك في التعامل مع هذا الوباء العالمي أن لا يصاب الإنسان بالهلع والقلق، فأهل الدين والصلاة مطمئنون لقدر الله وحكمته، قال الله تعالى: إِنَّ الإِنسَانَ خُلِقَ هَلُوعًا إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعًا وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعًا إِلاَّ الْمُصَلِّينَ، وأن نكثر من الدعاء بالحفظ من هذا الوباء. ومن أفضل أسباب الحماية بإذن الله أذكار الصباح والمساء، ومنها: ((من قال: بسم الله الذي لا يضر مع اسمه شيء في الأرض ولا في السماء وهو السميع العليم ثلاث مرات لم يصبه شيء)). وعلينا أن نقولها في الصباح وفي المساء، وأن نعلمها أهلنا، فهي أعظم حصن، خصوصا لما خفي شره وانتشر، كذلك قراءة آية الكرسي وقل هو الله أحد والمعوذتين. السابعة: أن نعلم بأن سبب أيّ بلاء ينزل إلى الأرض هو الذنوب والخطايا، قال تعالى: وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ، فالأمراض تنتشر بانتشار الفواحش، والمطر يقل بمنع ال+اة، وفسق المترفين يهلك القرى، وهكذا فكل بلاء ينزل بسبب الذنوب والمعاصي، ولما قيل للنبي : أَنَهْلِكُ وَفِينَا الصَّالِحُونَ؟! قَالَ: ((نَعَمْ إِذَا كَثُرَ الْخَبَثُ)). ولا يرتفع البلاء إلا بالتوبة إلى الله والرجوع إليه والتضرع له جل وعلا، قال تعالى: وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا إِلَى أُمَمٍ مِنْ قَبْلِكَ فَأَخَذْنَاهُمْ بِالْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ فَلَوْلا إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُوا وَلَكِنْ قَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَزَيَّنَ لَهُمْ الشَّيْطَانُ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ. وكل خير في الرجوع إلى الله والاستغفار والتوبة، وقانا الله وإياكم شر الأمراض والأوبئة. أقول قولي هذا...
الخطبة الثانية أما بعد: أيها الإخوة، اتقوا الله حق التقوى، واستمسكوا من الإسلام بالعروة الوثقى. الوقفة الثامنة: أدعوكم لتحقيق التوازن بين الوعي بالمرض وحسن الوقاية منه، وأن لا يتحول هذا الوعي إلى نوع من الرعب والهلع، والذي قد يكون أخطر من المرض نفسه، فلم يصل الأمر ـ ولله الحمد ـ إلى دعوة الجهات الصحية إلى إيقاف السفر أو وضْعِ قيود عليه أو مَنْع التجمّعات المختلفة، وإنما الدعوة إلى اتخاذ الاحتياطات الكاملة، واتخاذ الجوانب الوقائية لمنع انتشار المرض أو تطوره بشكل سلبي وخطير، وأن نتعامل مع الموقف بعيدًا عن الرعب المفرط، وأن نأخذ التوجيهات من مصادرها، وأن نتعامل معها بجدية؛ طاعة لله ورضا بأمره. أيها الإخوة، أمام هذه الأوبئة يتبَيَّن لنا ضعف البشر وقلَّة حيلتهم، فمهما أُوتُوا من تقدم في الطب تجدهم عاجزين عن معرفة طريقة انتشار المرض، وإذا عرفوا الطريقة عجزوا عن إيجاد العلاج لها، ثم في نهاية الأمر يسلمون بالأمر الواقع، ويعلنون أن هذا الأمر أصبح وباءً عامًّا. أسأل الله تعالى أن يحمي بلادنا...
| |
|