molay مدير مراقب
البلد : المغرب الجنس : عدد المساهمات : 11945 تاريخ التسجيل : 17/12/2009 الموقع : STARMUST2
بطاقة الشخصية الدرجة: (1365/1365)
| موضوع: حتى لا ننسى الموت - عبد الله بن صالح المؤدب البدروشي / شنني قابس السبت 28 يوليو - 10:13:31 | |
|
حتى لا ننسى الموت
عبد الله بن صالح المؤدب البدروشي / شنني قابس
الخطبة الأولى أما بعد: أيها الإخوة في الإيمان والعقيدة، الإنسان على امتداد حياته يستقبل ضيوفا، يرغب في بعضهم ولا يرغب في آخرين، يفرح بزيارة بعضهم ويحزن لزيارة آخرين، رغم أن الضيف زيارته محددة ومدة بقائه وإن طالت قصيرة مع عمر الإنسان، فهو ضيف زائر، لكن من الناس من يحسن استقبال الجميع المرغوب فيه وغير المرغوب فيه، ومن الناس من يحسن التعامل مع من يحب ولا يستطيع ذلك مع ما يكره، فمن هؤلاء الضيوف؟ ومن سنختاره منهم لنتحدث عنه في لقائنا اليوم. تعالوا نستعرض بعضهم ثم نتولى الاختيار: الضيف الأول: النعمة، ينعم الله على الإنسان بشتى النعم، يبتليه ويمتحنه أيشكر أم يكفر؟ أينسى أم يذكر؟ يقول الله تبارك وتعالى: وَإِذَا أَنْعَمْنَا عَلَى الإنسان أَعْرَضَ وَنَأَى بِجَانِبِهِ وَإِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ كَانَ يَئُوسًا [الإسراء: 83]. الضيف الآخر: المصيبة يصيب الله بها الإنسان، يبتليه أيصبر أو يضجر؟ أيتذلل للمخلوق أم يحتمي بالخالق؟ وربنا وخالقنا يقول: وَبَشِّرْ الصَّابِرِينَ الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ [البقرة: 155، 156]. الضيف الآخر: الأيام، هذه الدقائق والساعات التي نعيشها ما هي إلا ضيوف تحل علينا ثم تنطلق، وفي الأثر: ما من يوم ينشق فجره إلا وينادي: يا ابن آدم، أنا يوم جديد، وعلى عملك شهيد، فاغتنمني فإني لا أعود، وما أنت يا ابن آدم إلا أيام معدودات، إذا ذهب يوم ذهب بعضك. أربعة وعشرون ساعة، كل ساعة هي خزانة فارغة، املأها ـ أيها الإنسان ـ بما تريد، املأها ذكرا وقرآنا وعملا مثمرا وإحسانا، أو املأها ظلما ومعصية وشرورا، فإذا انقضت الساعة أغلقت إلى قيام الساعة، وعند قيام الساعة يقال لك: أيها الإنسان، اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا [الإسراء: 14]. الضيف الآخر: رمضان الذي بدأ عطر نسائمه يحل علينا، شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنْ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ [البقرة: 185]. هذا الشهر الكريم هو كذلك أيام معدودات، ثم ينطلق، فمن الناس من يفوز فيه بالرضوان وبالعتق من النيران، ومن الناس من يفرط فيه ويخرج منه بالخيبة والخسران. وتطول قائمة الضيوف لنصل إلى الضيف الأخير، ذلك الضيف الذي لا يليه ضيف، والزائر الذي ليس بعده زائر، لنقف عنده قليلا، فمن يكون هذا الضيف؟ ألا إنه الموت، إنه القدر الذي قضاه الله على كافة خلقه، لا فرق في ذلك بين كبير أو صغير، أو بين غني أو فقير، أو بين عظيم أو حقير، كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَمَنْ زُحْزِحَ عَنْ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلاَّ مَتَاعُ الْغُرُورِ [آل عمران: 185]، أَيْنَمَا تَكُونُوا يُدْرِكُّمْ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنتُمْ فِي بُرُوجٍ مُشَيَّدَةٍ [النساء: 78]. الموت باب وكل النـاس داخلـه يا ليت شعري بعد الباب ما الدار؟ الدار جنة الخلـد إن عملت بمـا يرضـي الإله و إن قصّرت فالنار لكننا جميعا نكره الموت بقدر ما نحب الحياة، فلم هذا الكره؟ لماذا نكره الموت مع أن النبي خير بين البقاء في الدنيا وبين الموت فقال: ((بل الرفيق الأعلى))، وعلى دربه سار صحابته، كانوا يرحبون بالموت، ويحسنون استقباله، فهذا بلال بن رباح يأتيه الموت فتبكي زوجته وتقول: وا كرباه! فيقول لها: لا، لا تقولي: وا كرباه، بل قولي: وا طرباه، غدا ألقى الأحبة: محمدا وح+ه. وهذا أبو هريرة يأتيه الموت فيقول: مرحبا بالموت حبيبا، اللهم إني أحب لقاءك فأحبّ لقائي. وهذا الشيخ عبد الله بن المبارك يفتح عينيه عند الموت ويضحك ويقول: لمثل هذا فليعمل العاملون. ترى ما الفرق بيننا وبينهم؟! أبو حازم الأعرج واسمه سلمة بن دينار، شيخ المدينة النبوية، قدم أمير المؤمنين سليمان بن عبد الملك إلى المدينة في طريقه إلى الحج، فبعث إليه ليسمع من حكمته ومواعظه ما يملأ القلوب إيمانا، قال: يا أبا حازم، لماذا نكره الموت؟! قال أبو حازم: لأنكم عمرتم الدنيا وخربتم الآخرة، فتكرهون الخروج من العمار إلى الدمار. هذا الموت ماذا أعددنا له؟ أي عبادة خالصة أديناها؟ أي تعامل حسن قمنا به أم أننا نسير مع الأيام على خطى شهواتنا وملذاتنا؟! نرتضي النوم والراحة، ونحب اللهو والترفيه، وما حسبنا حسابا للطارق، وما قدرنا حق المفاجئ، كأن الموت الذي فاجأ غيرنا لا يأتينا، كأننا كتبنا مع الحياة عهد الخلود. إلى متى هذا التراخي والتمـادي؟! وحـادي الموت بالأرواح حادي فلـو كـنـا جمـادا لاتّعظـنـا ولكـنّـا أشـد مـن الجمـاد تنـادينـا الْمنيـة كـل وقـت ومـا نصغـي إلى قول المنـادي وأنفـاس النفـوس إلى انتقـاص ولكـن الذنـوب إلَى ازديـاد ماذا أعددت يا ابن آدم؟ ليس مهِمّا أن تموت صغيرا أو كبيرا، لكن الأهم كيف تموت؟ تموت طائعا؟ تموت تقيا؟ تموت وربّ الكون عنك راض؟ ثابت بن عامر بن عبد الله بن ال+ير رضي الله عنه سمعه أصحابه يدعو الله في كل صلاة: اللهم أمتني ميتة حسنة، سألوه عن ذلك فقال: الميتة الحسنة أن يتوفاني ربي وأنا ساجد. بعد خمسين عاما ظل ثابت يردّد ذلك الدعاء ويكرر ذلك الرجاء حتى مرض مرضه الأخير، سمع النداء بالمسجد النبوي لصلاة المغرب، فنادى أبناءه فأجلسوه، قال لهم: احملوني إلى المسجد، قالوا: يا أبانا إنك مريض والله جل وعلا يقول: لَيْسَ عَلَى الأَعْمَى حَرَجٌ وَلا عَلَى الأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلا عَلَى الْمَرِيضِ [النور: 61]، قال لهم: أوَأسمع حيّ على الصلاة حيّ على الفلاح ولا أجيب؟! احملوني، فحملوه حتى أجلسوه في الصف، وصلى المغرب مع الجماعة، حتى كانت آخر سجدة سجدها مع الساجدين، رفعوا من سجودهم إلا ثابت بقي ساجدا، حركوه بعد الصلاة فعلموا أن الله قد حقق رجاءه، مات ساجدا. فماذا أعددت ـ يا ابن آدم ـ لتكون من أهل البشرى، لتكون من أهل البهجة؟ إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا في الحياة الدنيا؛ فعلوا الخير، عملوا الصالحات، تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمْ الْمَلائِكَةُ أَلاَّ تَخَافُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ نُزُلاً مِنْ غَفُورٍ رَحِيمٍ [فصلت: 30-32]؛ لأن الموت ليس النهاية، وليس القبر هو المثوى الأخير كما نقرأ في الصحف ونسمع في الإذاعات: شيع فلان إلى مثواه الأخير، ولو كان القبر هو المثوى الأخير لكنا ارتحنا من عناء كبير. بعض الناس يقولون: "اللي مات ارتاح"، وكيف يرتاح والزاد قليل والسفر طويل؟! ولو أنا إذا متنـا تركنـا لكان الموت راحة كل حي ولكنـا إذا متنـا بعثنـا ونسأل بعدها عن كل شي وحال الإنسان مع الموت حال عجيب، فهو لا يدرك أنه ضعيف إلا عند الموت، ولا يدرك أنه ظلم الناس وظلم نفسه إلا عند الموت، ولا يدرك أنه ضيع الأوقات وفرط في صالح الأعمال إلا عند الموت. رب العزة جل جلاله أخبرنا عن حال بعض الناس عند الموت، فقال: حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمْ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ [المؤمنون: 99، 100]، يتمنى نفسا يقول فيه: لا إله إلا الله بصدق وإخلاص، يتمنى لحظة يكلم فيها أخاه الذي عاش عمرا لا يكلمه من أجل نخلة أو من أجل جزء من بيت قديم، قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ، يظل الإنسان في غفلته، لاهثا وراء الحياة الدنيا، مطيعا لهواه، سائرا وراء شهواته، يخطط المسكين لعام قادم ولأعوام، يضرب أخماسا في أسداس، ولا يدري كم بقي له من نفس أو من ساعات، فما أجهل الإنسان، إنه كان ظلوما جهولا، وحتى يزول الجهل وحتى يقدر الإنسان العواقب وحتى يكون الإنسان مستعدا لتلك اللحظة الحاسمة ظل القرآن يذكرنا بالمآل ويذكرنا بالنهاية؛ حتى لا نغتر، ولكي لا ننسى، ومن أجل أن نخشى الله فلا نظلم ولا نتجبر ولا نطغى، ظل القرآن يردد على مسامعنا: وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ [البقرة: 281]. نفعني الله وإياكم بأسرار كتابه، ووفقنا للعمل بما فيه والتأدب بآدابه، وأجارني وإياكم من خزيه وأليم عقابه، وحشرنا في زمرة نبيه الكريم صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه. أقول قولي هذا، وأستغفر الله العظيم الكريم لي ولكم ولوالدي ووالديكم من كل ذنب، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
الخطبة الثانية لم ترد.
| |
|