molay مدير مراقب
البلد : المغرب الجنس : عدد المساهمات : 11945 تاريخ التسجيل : 17/12/2009 الموقع : STARMUST2
بطاقة الشخصية الدرجة: (1365/1365)
| موضوع: الحياء ذلك الخلق العظيم - عبد الله بن صالح المؤدب البدروشي / شنني قابس السبت 28 يوليو - 10:13:16 | |
|
الحياء ذلك الخلق العظيم
عبد الله بن صالح المؤدب البدروشي / شنني قابس
الخطبة الأولى أما بعد: إخوة الإيمان والعقيدة، نلتقي اليوم بإذن الله تبارك وتعالى مع خلق عظيم، مع خلق عظمه الله فاتخذه صفة من صفاته، وجعله حبيبنا خلقا من أخلاقه، وفتحه الرسول بابا لدخول آله وأصحابه وصالح المؤمنين من أمته. هذا الخلق العظيم هو خلق الحياء، وإذا حضر الحياء حضرت الفضيلة والأخلاق الحميدة، وإذا غاب الحياء حلّت الفحشاء والبغضاء والشحناء، وصدق رسول الله حيث يقول: ((ما كان الفحش في شيء إلا شانه، ولا كان الحياء في شيء إلا زانه)). هذا الخلق العظيم هو صفة من صفات ربنا جل وعلا، يقول حبيبنا : ((إن الله حيي يحب الحياء، ستير يحب الستر))، ويقول أيضا: ((إن ربكم حيي كريم، يستحي أن يبسط العبد يديه إليه فيردهما صفرا)). هذا الخلق العظيم هو كذلك خلق الملائكة، يقول النبي : ((أطت السماء ـ أي: ثقلت ـ وحقّ لها أن تئطّ، ما فيها موضع ثلاثة أصابع إلا وملك ساجد أو ملك راكع أو ملك قائم لله عز وجل، حتى إذا قامت القيامة يقولون: سبحانك ما عبدناك حقّ عبادتك))؛ يستحيون من الله وهم ما عاشوا منذ خلقوا إلا في عبادة، فماذا يقول الإنسان؟! ماذا يقول ابن آدم وقد حملته الدنيا وألهته مشاغلها؟! هذا الخلق العظيم هو خلق النبي ، أخبرنا الصحابي أبو سعيد الخدري رضي الله تعالى عنه في حقّ حبيبنا قال: كان رسول الله أشد حياء من العذراء في خدرها، وكان إذا كره شيئا عرف ذلك في وجهه. هذا الخلق العظيم هو خلق الأنبياء جميعا صلوات الله وسلامه عليهم، يقول شفيع هذه الأمة : ((إنّ مما أدرك الناس من كلام النبوة الأولى: إذا لم تستح فاصنع ما شئت))، فكل نبي دعا للتحلّي بالحياء. هذا الخلق العظيم هو خلق الإسلام العظيم، يقول حبيبنا : ((إن لكل دين خلقا، وإن خلق الإسلام الحياء)). فإذا كان هذا هو الحياء صفة لخالقنا وخلُقا لملائكته وأنبيائه وخاتم رسله، إذا كان هذا الحياء انبنى عليه الدين، فأين موقعنا من الحياء؟ هل نراه في عبادتنا؟ هل نراه في أخلاقنا؟ هل نراه في تعاملنا؟ هل نراه في بيوتنا؟ هل نراه في شوارعنا؟ هل نراه في أسواقنا؟ تعالوا نفتح معا صفحة الحياء لنقرأ في أعلاها في ناصيتها أعظم الحياء الحياء من الله، وكأني أنظر إلى مجلس رسول الله بالمسجد النبوي وهو يوجه ويعظ أصحابه، ومن خلالهم يعلّم الأمة جمعاء، يقول الحبيب : ((استحيوا من الله حق الحياء)), قال الصحابة: إنا لنستحيي من الله يا رسول الله والحمد لله، قال: ((ليس ذلك، ولكن الاستحياء من الله حق الحياء أن تحفظ الرأس وما وعى، والبطن وما حوى، وتذكر الموت والبلى، ومن أراد الآخرة ترك زينة الدنيا، وآثر الآخرة على الأولى، فمن فعل ذلك فقد استحيا من الله حق الحياء)). لما خلق الله جدنا آدم عليه السلام وخلق له زوجه وأسكنه فراديس جنته وأمره وزوجه أن لا يقربا تلك الشجرة خنس إليهما الشيطان، وأنساهما نداء الرحمان، فَقُلْنَا يَا آدَمُ إِنَّ هَذَا عَدُوٌّ لَكَ وَلِزَوْجِكَ فَلا يُخْرِجَنَّكُمَا مِنَ الْجَنَّةِ فَتَشْقَى إِنَّ لَكَ أَلاَّ تَجُوعَ فِيهَا وَلا تَعْرَى وَأَنَّكَ لا تَظْمَأُ فِيهَا وَلا تَضْحَى فَوَسْوَسَ إِلَيْهِ الشَّيْطَانُ قَالَ يَا آدَمُ هَلْ أَدُلُّكَ عَلَى شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لا يَبْلَى فَأَكَلا مِنْهَا فَبَدَتْ لَهُمَا سَوْآتُهُمَا وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ وَعَصَى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى، وتجلى الخالق فهرب آدم، ظلّ يجري ويهرول يتخفّى تحت أشجار الجنة، ناداه ربّ العزّة تبارك وتعالى: إلى أين يا آدم؟ أفرارا مني؟! قال آدم: لا يا ربي بل حياء منك. فأعظم الحياء هو الحياء من الله جل في علاه، فكيف الحياء من الله يا رسول الله؟ قال: ((أن تحفظ الرأس وما وعى))، أن تكون مؤمنا، أن لا تفكر إلا في خير، وأن لا تنظر إلا إلى حلال، وأن لا تتكلم إلا بطاعة، وأن لا تسمع إلا ما فيه أجر وثواب، أن تجعل نصب عينك وسمعك قول الخالق جل وعلا: إِنَّ ٱلسَّمْعَ وَٱلْبَصَرَ وَٱلْفُؤَادَ كُلُّ أُولٰئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً. أما إذا ضاع الحياء من الفكر رأيت عجبا، رأيت ناسا يلبسون ما يشتهون، ويتكلمون ما يشاؤون، ويسمعون ما يستلذون. إذا ضاع الحياء من الفكر رأيت أفلاما يندى لها الجبين، سمعت أغاني لا هم لها إلا الفحش والفواحش، قرأت أقلاما تتباهى بالمنكر وتتأفف من المعروف، كَانُوا لا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ. فالحياء من الله أوّله أن تحفظ الرأس وما وعى، نعم يا رسول الله، ثم ماذا؟ قال: ((وأن تحفظ البطن وما حوى))، أن تملأ قلبك بحبّ الله وحب رسول الله وحب المؤمنين وحب الخير وحب كل خصلة حميدة وكل خلق فاضل، أن تطيب مأكلك ومشربك، أن تأكل حلالا وتشرب حلالا، يقول حبر هذه الأمة عبد الله بن عباس رضي الله تعالى عنه: تليت عند رسول الله قول الله جل وعلا: يَا أَيُّهَا النّاسُ كُلُوا مِمَّا فِي الأَرْضِ حَلاَلاً طَيِّبًا فقام سعد بن أبي وقاص فقال: يا رسول الله، ادع الله أن يجعلني مستجاب الدعوة، فقال له النبي : ((يا سعد، أطب مطعمك تكن مستجاب الدعوة، والذي نفس محمد بيده إن العبد ليقذف اللقمة الحرام في جوفه ما يتقبل منه عمل أربعين يوما، وأيما عبد نبت لحمه من السحت والربا فالنار أولى به)). ((أن تحفظ البطن وما حوى))؛ بأن تظفر بذات الدين، بالزوجة الصالحة التي تملأ حياتك خيرا وصلاحا، كانت أمهاتنا الصالحات من أسلافنا الطيبين إذا خرج زوجها للعمل تقول له: اتق الله فينا ولا تطعمنا إلا حلالا؛ فإننا نصبر على الجوع ولكننا لا نصبر على نار جهنم، فَالصِّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللَّهُ. كنّ يصُنَّ العرض، ويحملن الحياء حتى بعد الموت، الزهراء فاطمة بنت رسول الله ورضي الله عنها لما مرضت مرض الموت الذي توفيت فيه دخلت عليها أسماء بنت عميس رضي الله عنها، وأسماء بنت عميس هي الصحابية المهاجرة إلى الحبشة مع زوجها الأوّل ابن عم رسول الله جعفر بن أبي طالب الذي مات عنها شهيدا في غزوة مؤتة، فتزوجت أسماء من أبي بكر الصديق، فأنجبت له محمدا، ومات عندها الصديق، فكانت وصيته أن تغسله أسماء، فغسلته، ثم تزوجت الإمام علي بن أبي طالب، فولدت له يحيى، وماتت عنده في أواخر خلافة سيّدنا عثمان رضي الله تعالى عنهم أجمعين. جاءت أسماء بنت عميس وكانت في ذلك الوقت زوجة للصديق، جاءت تزور الزهراء، فقالت لها: يا أسماء، والله إني لأستحي أن أخرج غدا ـ أي: إذا مت ـ على الرجال وجسمي بارز من خلال هذا النعش، وكانت النعوش آنذاك عبارة عن خشبة مصفّحة يوضع عليها الميت ثم يطرح على الجثة ثوب, ولكنه كان يصف حجم الجسم، فقالت لها أسماء: أوَلا أصنع لك شيئًا رأيتُه في الحبشة؟ فصنعت لها النعش المغطّى من جوانبه ـ مثل الذي عندنا الآن ـ ودعت بجرائد رطبة فحنتها ثم طرحت على النعش ثوبًا فضفاضا واسعا، فكان لا يصف، فلما رأته فاطمة قالت: سترك الله كما سترتني يا أسماء. نساءٌ مُسْلِمَاتٌ مُؤْمِنَاتٌ قَانِتَاتٌ تَائِبَات عَابِدَات، جمعهن الحياء فالتقين على طاعة الله. ((الاستحياء من الله حق الحياء أن تحفظ الرأس وما وعى، والبطن وما حوى))، ثم ماذا يا رسول الله؟ قال: ((وتذكر الموت والبلى، ومن أراد الآخرة ترك زينة الدنيا وآثر الآخرة على الأولى، فمن فعل ذلك فقد استحيا من الله حق الحياء)). والله يا عباد الله، لو تذكر الإنسان الموت وفجاءة الموت وجعل هذا المصير بين عينيه وعلم أنه سيوضع في تلك الحفرة وفي ذلك اللحد الضيق يمدّد وحيدًا فريدًا لا حول له ولا قوة لاستحيا من الله حق الحياء، فإذا استحيا المؤمن من الله استحيا من الناس، واستحيا منه الناس، فسعد في دنياه وأخراه. اللهم ارزقنا الحياء وطيب الأخلاق، واجمعنا على المحبة والتآلف والوفاق، واجعلنا من عبادك الطائعين. أقول قولي هذا، وأستغفر الله العظيم الكريم لي ولكم فاستغفروه، إنه هو الغفور الرحيم، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
الخطبة الثانية لم ترد.
| |
|