molay مدير مراقب
البلد : المغرب الجنس : عدد المساهمات : 11945 تاريخ التسجيل : 17/12/2009 الموقع : STARMUST2
بطاقة الشخصية الدرجة: (1365/1365)
| موضوع: في فريضة الز كاة - عبد الله بن صالح القصير / الرياض الخميس 26 يوليو - 6:05:34 | |
|
في فريضة الز كاة
عبد الله بن صالح القصير / الرياض
الخطبة الأولى أما بعد:
فيا أيها الناس: اتقوا الله في سائر أوقاتكم، وأدوا زكاة أموالكم طيبة بها نفوسكم، وتنافسوا في كثرة صدقاتكم؛ فإن ال+اة برهان الإيمان، وهي من الإسلام من الأركان، حتى روي عن النبي أنه قال: ((من لم ي+ فلا صلاة له)).
أيها المسلمون: كم للحكيم العليم من الحكم العظيمة في تشريع ال+اة، فقد شرعها تعالى لما يترتب على إعطائها وبذلها من المصالح العظيمة والعواقب الحميدة، والآثار المباركة على المتصدقين والآخذين، إذا كانوا لله تعالى مخلصين، ولنبيهم متبعين، فإن بذل المال لله مع حبه آية الإيمان، وعلامة التصديق بأحكام ووعد الملك الديان، والطمع في ثقل الموازين بالحسنات، وسبب للفوز بالثواب العظيم والأجر الكريم من الغني الرؤوف الرحيم: الذين ينفقون أموالهم بالليل والنهار سراً وعلانية فلهم أجرهم عند ربهم ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون [سورة البقرة:274].
والزكاة تنقي باذلها من الآثام، وتطهره من البخل والشح وغيرهما من أخلاق اللئام، وتجعله من الأخيار الكرام، المؤهلين لمجاورة ذي الجلال والإكرام في الجنة دار السلام، فإن الله تعالى قضى أن لا يجاوره فيها بخيل، وكم في بذل ال+اة من وقاية المرء من عقوبات الذنوب، وصرف عظيم المصائب والكروب، قال تعالى: خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وت+يهم بها وصل عليهم إن صلواتك سكن لهم [سورة التوبة:103].
وفي إخراج ال+اة تطهير المال من موجبات تلفه وآفات زواله، وذلك من أسباب حلول البركة فيه، وسرعة كثرته ونمائه، ففي الصحيح عن النبي قال: ((ما نقصت صدقة من مال)). وفي غيره ((بل تزده))، وقال تعالى: وما أنفقتم من شيء فهو يخلفه وهو خير الرازقين [سورة سبأ:39]؛ يعني يأتي ببدله وخير منه.
وفي الصحيح عن النبي قال: ((قال الله تعالى: أنفق يا بن آدم ينفق عليك)). وهو سبحانه الغني الذي لا ينفذ ما عنده، الكريم الذي لا يمن بفضله، الشكور الذي يضاعف ثواب النفقة في الدنيا والآخرة. وروي عن النبي قال: ((من أدى +اة ماله فقد ذهب عنه شره)). وروي عنه قال: ((حصنوا أموالكم بال+اة، وداووا مرضاكم بالصدقة)).
أيها المسلمون: وكم في إخراج ال+اة من ت+ية الفقراء والمساكين بصيانة وجوههم من ذل السؤال، وإعفائهم وحفظ كرامتهم في جميع الأحوال، وإعانتهم على طاعة الكبير المتعال، مع نشر المودة والمحبة والوئام بين المسلمين، وإغائة الملهوفين، وإسعاف المنكوبين والمنقطعين، ونشر الإسلام بين العالمين، وكف عدوان أعداء الدين من المشركين والغضوب عليهم والضالين.
فكم في إخراجها من الخير العظيم العائد على المتصدِق والمتصدَق عليه، والأجر الكبير عند الله تعالى يوم القدوم عليه، وكم لها من الآثار المباركة في عموم مجتمعات المسلمين والتسبب في دفع عدوان المعتدين، وهداية الجم الغفير من الخلق لهذا الدين، فما أعظمها من فريضة! وما أجلها من شعيرة! وما أعظم ما يترتب على منعها من عظيم البليات وشديد العقوبات في الحياة وبعد الممات! فقد روى الطبراني عن عمر عن النبي قال: ((ما خالطت ال+اة مالا قط إلا أفسدته)) وروي عنه قال: ((ما تلف مال في بر ولا بحر إلا بحبس ال+اة)).
وروي أنه لعن مانع ال+اة؛ ويكفيه ذماً أنه متشبه بالمشركين الذين توعدهم الله بقوله: وويل للمشركين الذين لا يؤتون ال+اة وهم بالآخرة هم كافرون [سورة فصلت:6-7]. ومتشبه بالمنافقين المذمومين في قول الله المبين: ولا ينفقون إلا وهم كارهون [سورة التوبة:54]، والمتوعدين بقوله سبحانه: ويقبضون أيديهم نسوا الله فنسيهم إن المنافقين هم الفاسقون وعد الله المنافقين والمنافقات والكفار نار جهنم خالدين فيها هي حسبهم ولعنهم الله ولهم عذاب مقيم [سورة التوبة:67-68].
أيها المسلمون: المال الذي لا ي+ى شؤم على صاحبه، يشقيه في الدنيا ،ويعذب به في الأخرى، ففي الصحيح عن النبي قال: ((من آتاه الله مالا فلم يؤد +اته مثل له يوم القيامة شجاعاً أقرع يأخذ بِلَهْزَمَتيْهِ – يعني شدقية – ثم يقول: أنا مالك)) ثم تلا قول الله تعالى: ولا يحسبن الذين يبخلون بما ءاتاهم الله من فضله هو خيراً لهم بل هو شر لهم سيطوقون ما بخلوا به يوم القيامة [سورة آل عمران:180].
وفي الصحيح عن النبي قال: ((ما من صاحب ذهب ولا فضة لا يؤدي منها حقها إلا كان يوم القيامة صُفّحت له صفائح من نار، فأحمي عليها في نار جهنم، فيكوي بها جنبه وجبهته وظهره؛ كلما بردت أعيدت عليه في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة))، وفي حديث آخر: ((ما من صاحب إبل ولا بقر ولا غنم لا يؤدي زكاتها إلا بأخفافها وأظلالها؛ كلما نفدت أخرى عادت عليه أولاها حتى يقضى بين الناس)). فاتقوا الله عباد الله، وأدوا زكاة أموالكم طيبة بها نفوسكم، تفوزوا بخيرها وبركتها وثوابها في الدنيا والآخرة، ويكفيكم قول الله تعالى: والذين هم لل+اة فاعلون إلى قوله: أولئك هم الوارثون الذين يرثون الفردوس هم فيها خالدون [سورة المؤمنون:4-11]. واحذروا شؤم منع ال+اة؛ فإنه عار وشر في الدنيا، وعذاب ونار في الآخرة.
أيها المؤمنون! إن الله تعالى أعطاكم الكثير من المال، وطلب منكم شيئاً يسيراً منه، رحمة بكم، وإحساناً إليكم، فلا تبخلوا؛ فإنه ومن يبخل فإنما يبخل عن نفسه والله الغني وأنتم الققراء وإن تتولوا يستبدل قوماً غيركم ثم لا يكونوا أمثالكم [سورة محمد:38].
( فآمنوا بالله ورسوله، وأنفقوا مما جعلكم مستخلفين فيه، فالذين آمنوا منكم وأنفقوا له أجر كبير )، أنفقوا على من أمركم الله بالإنفاق عليه من مال الله الذي آتاكم، فإنه عارية عندكم، استخلفكم الله فيه لينظر كيف تعملون. فاتقوا الشحّ فإن الشح أهلك من كان قبلكم، واتقوا الله ما استطعتم، واسمعوا وأطيعوا وأنفقوا خيراً لأنفسكم، ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون: إن تقرضوا الله قرضاً حسناً يضاعفه لكم ويغفر لكم والله شكور حليم [سورة التغابن:17].
أيها المؤمنون:إن الله تعالى يسر لكم أمر هذه الفريضة من عدة وجوه:-
أحدها: أن الله تعالى لم يوجبها إلا في الأموال النامية كبهيمة الأنعام السائمة، وعروض التجارة، والأثمان، والخارج من الأرض.
ثانيا: أن من شروطها المُلك، فالمال الذي لا مالك له لا +اة فيه، كأموال الوقوف، وجمعيات البر، ونحو ذلك، والتركات قبل أن تقسم على أصحابها.
ثالثا: لابد فيه غالباً من مضي الحول، فأي مال لم يمض عليه الحول فلا يجب فيه ال+اة إلا الخارج من الأرض، فحوله وقت نضجه وحصاده، وربح التجارة فحوله حول أصله، وهكذا نتاج غالباً.
فأنفقوا وثقوا بالخَلَف الجزيل من الله، واتقوا الله الشح فإنه أهلك من كان قبلكم، وهو من تزيين الشيطان لكم: يا أيها الذين ءامنوا أنفقوا من طيبات ما +بتم ومما أخرجنا من الأرض ولا تيمموا الخبيث منه تنفقون ولستم بآخذيه إلا أن تغمضوا فيه واعلموا أن الله غني حميد الشيطان يعدكم الفقر ويأمركم بالفحشاء والله يعدكم مغفرة منه وفضلاً والله واسع عليم يؤتي الحكمة من يشاء ومن يؤت الحكمة فقد أوتي خيراً كثيراً وما يذكر إلا أولوا الألباب [سورة البقرة:267-269].
نفعني الله وإياكم بهدي كتابه، وجعلنا من أئمة أوليائه وخاصة أحبابه.
أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين والمسلمات من كل ذنب فاستغفروه. إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية الحمد لله على جزيل نعماه، وجليل عطاياه، أحمده سبحانه وأساله التوفيق لما يحبه ويرضاه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، فلا إله غيره ولا رب سواه، وأشهد أن سيدنا ونبينا وإمامنا محمداً عبده ورسوله ومصطفاه. صلى الله وسلم عليه وعلى آله وأصحابه خلفائه في أمته في بيان دينه وهداه.
أما بعد:
فيا أيها الناس: اتقوا الله، وتوبوا إليه، وأحسنوا إلى عباده ابتغاء وجهه تكونوا من أحب الخلق إليه، وتفوزوا بالرحمة والفلاح يوم القدوم عليه.
أيها المسلمون: إذا أراد الله بعبده خيراً جعل قضاء حوائج العباد على يديه، لما في الصحيح عن النبي قال: ((من كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته، ومن فرج عن مسلم كربة فرج الله عنه بها كربة من كرب يوم القيامة، ومن ستر مسلماً ستره الله في الدنيا والآخرة)) متفق عليه. ومن حديث أبي هريرة عند مسلم رحمه الله عنه قال: ((والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه)).
وروي عن النبي قال: ((من مشى في حاجة أخيه المسلم كتب الله له بكل خطوة سبعين حسنة، ومحا عنه سبعين سيئة، إلى أن يرجع من حيث فارق، فإن قضيت حاجته على يديه خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه، وإن هلك فيما بين ذلك دخل الجنة بغير حساب)).
فكم في عباد الله من رجال موفقين مباركين، ولا يدخلون في شيء إلا أصلحوه، ولا خير إلا ثمَّروه، ولا عمل إلا أتقنوه وأصلحوه، وإن سعوا في حاجة قضوها، أولئك هم الميسرون لما خلقوا له؛ فتيسر على أيديهم الأمور، ويفوزون من الله بعظيم الأجور.
قال ابن حجر الهيتمي رحمه الله في كتاب الأربعين: فعلم عظيم فضل قضاء حوائج المسلمين، ونفعهم بما تيسر من علم أو مال أو جاه أو إشارة أو دلالة إلى خير أو إيمانه بنفسه أو سفارته ووساطته أو شفاعته بظهر الغيب، ومما يعلمك بعظيم الفضل في هذا وما بعده أن الخلق عيال الله، وتنفيس الكرب إحسان إليهم؛ ففي الأثر: ((الخلق عيال الله؛ وأحبهم إلى الله أرفقهم بعياله)). وليس شيء أسهل من كشف الكروب ودفع الخطوب إذا ألمت على المؤمن الذي لا يرى نفسه إلا وقفاً على إخوانه يعينهم فيما استطاع، ويصبرهم على ما كان، ويؤمن خائفهم، ويساعد ضعيفهم، ويحملهم ثقلهم، ويجدوه عنده المعدوم، ولا يضجر منهم ولا يسأمهم، ولا يملهم .. الخ.
ربنا آتنا في الدنيا حسنة، وفي الأخرة حسنة، وقنا عذاب النار.
عباد الله! إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكرون [سورة النحل:90].
فاذكروا الله العظيم الجليل يذكركم، واشكروه على نعمه يزدكم، ولذكر الله أكبر، والله يعلم ما تصنعون.
| |
|