molay مدير مراقب
البلد : المغرب الجنس : عدد المساهمات : 11945 تاريخ التسجيل : 17/12/2009 الموقع : STARMUST2
بطاقة الشخصية الدرجة: (1365/1365)
| موضوع: روضة الصائمين - عبد الله بن راضي المعيدي / حائل الأربعاء 25 يوليو - 6:20:23 | |
|
روضة الصائمين
عبد الله بن راضي المعيدي / حائل
الخطبة الأولى أما بعد: نعم إنه روضة الصائمين وسلوة الطائفين ودليل السالكين ولذة قلوب المتقين، إنه كلام رب العالمين المنزّل على سيد المرسلين بلسان عربي مبين هدى للمتقين ونورا للمؤمنين، ((أهل القرآن هم أهل الله وخاصته)). والقرآن في رمضان له مذاق خاص؛ فهو روضة الصائمين وحداء القائمين ولهج القانتين العابدين. القرآن أعظم أنيس ونديم وخير جليس، هو حلاوة وجمال وعِزّ وكمال. القرآن محض سعادة الإنسان ومديم الخير والبركة والإحسان، كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُوْلُوا الأَلْبَابِ [ص:29]. يا صائمون، هل ترومون روضة فيها أطايب النعم ونفائس المنن، وفيها ما لذ وطاب، أغنى عن الأخلة والأحباب، إنها روضة القرآن، غاية السعادة ومنتهى اللذة والسرور. كرم عظيم جليل، تذرف منه العيون، وتصدع القلوب، وتقشعر الجلود، ق وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ [ق:1]، لَوْ أَنْزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُتَصَدِّعًا مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ [فصلت:21]. وإذا كانت هذه حال الصخور الصماء تخشع وتتصدع لو أنزل عليها القرآن فقل لي بربك يا محب: ما هي حال قلوبنا مع كتاب ربنا؟! كم مرة قرأنا القرآن في رمضان؟! وكم سمعنا فيه من حكم ومواعظ وعبر؟! ألم نقرأ صيحة عاد وصاعقة ثمود وخسف قوم لوط؟! ألم نقرأ الحاقة والزلزلة والقارعة وإذا الشمس كورت؟! فيا سبحان الله! ما هذا الران الذي على القلوب؟! أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافًا كَثِيرًا [النساء:82]. أفَقُدَّت قلوبنا بعد ذلك من حجر، أم خلقت من صخر صلد؟! ألا فليت شعري، أين القلب الذي يخشع والعين التي تدمع؟! فللَّه كم صار بعضها للغفلة مرتعا وللأنس والقربة خرابا بلقعا، وحينئذ لا الشباب منا ينتهي عن الصبوة ولا الكبير فينا يلتحق بالصفوة، بل قد فرطنا في كتاب ربنا في الخلوة والجلوة، وصار بيننا وبينه كما بين الصفا والمروة، فلا حول ولا قوة إلا بالله. أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا إِنَّ الَّذِينَ ارْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ الْهُدَى الشَّيْطَانُ سَوَّلَ لَهُمْ وَأَمْلَى لَهُمْ [محمد:24، 25]. يا صائمون، القرآن عِزُّكم وشرفكم، فاقرؤوه حق قراءته تغنموا وتسعدوا وتفوزوا بالثواب الكبير والنعيم المقيم، لَقَدْ أَنزَلْنَا إِلَيْكُمْ كِتَابًا فِيهِ ذِكْرُكُمْ أَفَلا تَعْقِلُونَ [الأنبياء:10]. ولما تركت الأمة العمل بالقرآن أصابها الذل والهوان. أخي الحبيب، قراءة القرآن مطلوبة ومرغوبة في كل وقت وحين، ففيها عظيم الأجر وكبير الفضل وجزيل النوال، وفي رمضان يعظم تأكدها ويزداد نفعها وخيرها وبركتها، فخليق بالصائمين أن يجعلوا جُلَّ وقتهم مع كتاب ربهم، وفي الحديث: ((من قرأ حرفا من كتاب الله فله حسنة، والحسنة بعشرة أمثالها، لا أقول: آلم حرف، ولكن ألف حرف، ولام حرف، وميم حرف)). عباد الله، هذه بعض آداب قراءة القرآن: أولاً: الإخلاص، فيجب على قارئ القرآن أن يخلص في قراءته ويبتغي بذلك وجه الله، وفي الصحيح: ((إن أول من يقضى يوم القيامة ـ وذكر منهم ـ رجل تعلم العلم وعلمه وقرأ القرآن، فأتي به فعرَّفه نعمة فعرفها، قال: فما عملت فيها؟ قال: تعلمت العلم وعلمته وقرأت فيك القرآن، قال: كذبت، ولكنك تعلمت ليقال: عالم وقرأت القرآن ليقال: هو قارئ فقد قيل، ثم أمر به فسحب على وجهه حتى ألقي في النار)). ثانيًا: ينبغي لقارئ القرآن أن يتنظف ويتطهر ويستاك. ثالثًا: أن يبدأ القارئ قراءته بالاستعاذة بالله من الشيطان الرجيم؛ وذلك لأنه طهارة للفم من اللغو والرفث، فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنْ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ [النحل:98]. أما إذا كان القارئ سيقرأ سورة من بدايتها فليقل بعد الاستعاذة: بسم الله الرحمن الرحيم. رابعًا: أن يحسن القارئ صوته بقراءة القرآن، فعن البراء بن عا+ أن رسول الله قال: ((زينوا القرآن بأصواتكم؛ فإن الصوت الحسن يزيد القرآن حسنا)) رواه الحاكم وصححه الألباني. خامسًا: التخشع أثناء القراءة، فلا ينبغي للقارئ أن يقرأ كتاب ربه وهو على حال لا تدلّ على خشوعه أو تأثره، أو كأنه يقرأ صحيفة أو مجلة، بل على المسلم أن يقرأ القرآن ويستحضر أن القرآن يخاطبه وأنه المقصود بالخطاب، ويقرأ بتلاوة مجودة، ففي صحيح البخاري ومسلم عن عبد الله بن مسعود أن رجلا قال له: إني أقرأ المفصل في ركعة واحدة، فقال عبد الله: هَذًّا كَهَذِّ الشعر، إن أقوامًا يقرؤون القرآن لا يجاوز تراقيهم، ولكن إذا وقع في القلب فرسخ فيه نفع. وذكر شعبة رحمه الله أن أبا جمرة قال لابن عباس: إني رجل سريع القراءة، وربما قرأت القرآن في ليلة مرة أو مرتين، فقال ابن عباس: لأن أقرأ سورة واحدة أعجب إلي من أن أفعل ذلك الذي تفعل، فإن كنت فاعلا ولا بد فاقرأ قراءة تسمع أذنيك ويعيها قلبك. وقال النبي : ((لا يفقه من قرأ القرآن أقل من ثلاث)). وذكر ابن رجب رحمه الله أن هذا النهي في غير الأوقات الفاضلة كرمضان، ولا يعني هذا أن يكون هَمُّ المؤمن في قراءة القرآن تكثير الختمات، بل ينبغي للمسلم الموفق أن لا يجفو فيمضي عليه الشهر ولم يختم كتاب الله، وأن لا يغلو فيتعدّى هدي النبي . فاحرص ـ يا عبد الله ـ على تدبر القرآن، فإن الغاية من إنزال القرآن هو تدبره والعمل به، قال الحسن البصري رحمه الله: "نزل القرآن ليعمل به، فاتخذوا تلاوته عملا". ثم إياك إياك والحذر الحذر من هجران القرآن والإعراض عن قراءته وتدبره والعمل به، يقول ابن القيم: "هجران القرآن أنواع، أحدها: هجر سماعه والإيمان به والإصغاء إليه، والثاني: هجر العمل به والوقوف عند حلاله وحرامه وإن قرأه وآمن به، والثالث: هجر تحكيمه والتحاكم إليه في أصول الدين وفروعه واعتقاد أنه لا يفيد اليقين وأن أدلته لفظية لا تحصل العلم، والرابع: هجر تدبره وتفهمه ومعرفة ما أراد المتكلم به منا، والخامس: هجر الاستشفاء والتداوي به في جميع أمراض القلوب وأدوائها، فلا يطلب الشفاء والتداوي به، وكل هذا داخل في قوله تعالى: وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُورًا [الفرقان:30]، وإن كان بعض الهجر أهون من بعض". وصلى الله على نبينا محمد...
الخطبة الثانية لم ترد.
| |
|