molay مدير مراقب
البلد : المغرب الجنس : عدد المساهمات : 11945 تاريخ التسجيل : 17/12/2009 الموقع : STARMUST2
بطاقة الشخصية الدرجة: (1365/1365)
| موضوع: النهاية - عبد الله بن راضي المعيدي / حائل الأربعاء 25 يوليو - 6:17:36 | |
|
النهاية
عبد الله بن راضي المعيدي / حائل
الخطبة الأولى أما بعد: فيا أيها الناس، أوصيكم ونفسي بتقوى الله عز وجل، فتقوى الله بإذن الله كفاية كلِّ هم وزادك من كلِّ غم، ومن اتقى الله جعل الله له من كل همٍ فرجًا ومن كل ضيقٍ مخرجًا، وإن سعادة المؤمن ورِفعته تبدو في تقواه لربه، فليتق الله امرؤٌ حيثما كان، وليُتْبِع السيئةَ الحسنة، وليُخالِق الناس بخُلُق حسن، ذلك ذكرى للذاكرين والعاقبة للمتقين. أيها الناس، في الحياة ومواقفها عبر لمن اعتبر، وفي تقلُّب الناس وتبدُّل أحوالهم ذكرى لمن تذكر، يسير الناس كل الناس في هذه الدنيا فرحين جذلين، يتسابقون في دنياهم ويلهثون وراء أمانيهم كل بحسبه؛ الصغير والكبير، الرجال والنساء، ترمقهم من حولك يَجْرُون ويلهثون، كلٌ يسعى لشأنه، والمعظم منهم قد غَرِقَ في غيه ولهوه وشهوته وأمانيه، لكن ـ يا رعاك الله ـ أعطني قلبك وافتح لي سويداء فؤادك، ودعني وإياك نتأمل في هذا المشهد العظيم وذلك المنظر الرهيب، أما سمعت عنه؟! أما تخيلته يوما ما؟! إنه مشهدُ جدير بنا جميعًا أن نتذكَّره وأن نتأمل فيه، بل جدير بنا أن لا يفارقنا. بينما أنت بين أهلك وأطفالك تغمرك السعادة ويغشاك السرور، تمازج هذا وتلاطف ذاك، بهيَّ الطلعة، فصيح اللسان، قائم الأركان، إذ بقدميك تعجزان عن حملك، لتسقط شاحبَ الوجه شاخصَ البصر، قد أُعجم لسانك، وعُطِّلت أركانك، والأهل حولك قد تحلقوا، وبأبصارهم إليك نظروا، وبِكَ صرخوا، ينادونك فهل تُجيب؟! بماذا تحس؟ بماذا تشعر؟ وأنت تنظر إليهم بعينيين ذابلتين، تريد الحديث فما تستطيع، ترفع يديك لتضمهم إليك فما تَقْدِر، أُمُّك قد غصت بدموعها، وأبناؤك قد ارتموا على صدرك الحنون، وزوجتك قد غشَاها الذُّهُول. فليت شعري، أي حال هي حالك؟! ووالله ـ يا عبد الله ـ ما حالي وحالُك إلا كما قال أنس بن مالك : (ألا أُحدِّثكم بيومين وليلتين لم تسمع الخلائق بمثلهن، أول يوم يجيئك البشير من الله إما برضاه وأما بسخطه، واليوم الثاني يوم تعرض فيه على ربك آخِذًا كتابك إما بيمينك وإما بشمالك، وأول ليلةٍ تدخل فيها القبر، والليلة الثانية صبيحتها يوم القيامة). نعم يا عباد الله، ليلتان اثنتان يجعلهما كل مسلم في مخيلته، ليلة في بيتك مع أهلك وأبنائك فرحا سعيدًا مسرورًا، تضاحك أولادك ويضاحكونك، والليلة التي تليها مباشرة أتاه ملك الموت فنقله بأمر ربه من الدُور إلى القُبور، ومن السَّعة إلى الضيق، ومن الفُرُش الوثيرة والقصورِ المثيرة إلى ظلمة مخيفةٍ ووحشةٍ رهيبة وسفر بعيد وهول مطلعٍ شديد، وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذَلِكَ مَا كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ وَنُفِخَ فِي الصُّورِ ذَلِكَ يَوْمُ الْوَعِيدِ وَجَاءَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَعَهَا سَائِقٌ وَشَهِيدٌ لَقَدْ كُنْتَ فِي غَفْلَةٍ مِنْ هَذَا فَكَشَفْنَا عَنْكَ غِطَاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ [ق: 19-22]. يا عبد الله، إنها حقيقة الموت وما بعد الموت، الموت الذي سيذوقه كل واحدٍ منا، فقيرًا كان أو غنيًا، صحيحًا كان أو سقيمًا، كبيرًا كان أو صغيرًا، رئيسًا أو مرؤوسا، ولن ينجو من الموت أحد ولو فرّ إلى مكان بعيد أو برج عالٍ أو وادٍ سحيق، قال تعالى: أَيْنَمَا تَكُونُوا يُدْرِكُّمْ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنتُمْ فِي بُرُوجٍ مُشَيَّدَةٍ [النساء: 78]. الموت ـ يا عبد الله ـ على وضوح شأنه وظهور آثاره سرٌ من الأسرار التي حيّرت الألباب وأذهلت العقول، الموت حقيقة ما أقربها، وما أسرع مجيئها، فما أقرب الموت منّا، كلّ يوم يدنو منا ونحن ندنو منه، فما الأعمار في الحقيقة إلا أزهار تنفتح ثم تذبل، أو كمصباح ينير ثم ينطفئ، وليبحث أرباب المطامع وطلاب الدنيا؛ ليبحثوا فوق رمال تلك القبور المبعثرة، وبين أحجارها المتهدّمة المتساقطة، ليعلموا أن طرق الشهوات والملذات المحرمة وإن كانت تلوح لناظريها بالأزهار فإن نهايتها تلك القبور المظلمة والحفر الموحشة، فطوبى لمن أتاه بريد الموت بالإشخاص قبل أن يفتح ناظريه على هؤلاء الأشخاص. الموت بـاب وكل النـاس داخله يا ليت شعري بعد الموت ما الدار الدار جنـة الخلد إن عملت بمـا يرضي الإله وإن قصـرت فالنار أول ليلة في القبر ـ يا عبد الله ـ شكا منها العلماء، وبكى من هولها الأولياء، وصنفت فيها المصنفات. حين حضرت محمد بن سيرين العالم العابد حين حضرته الوفاة بكى، فقيل: ما يبكيك؟ فقال: "أبكي لتفريطي وقلة عملي للجنة العالية وما يُنجِّيني من النار الحامية". يا عباد الله، عند الموتِ وشدته والقبرِ وظلمته وفي القيامة وأهوالها يكون الناس فريقين: فريق يُثبَّتُ عند المصائب ويُؤَمَّن من المخاوف ويُبشَّر بالجنة، وآخر يكابد غاية الخزي والإذلال والشقاء والهوان. عند الموت ـ يا عباد الله ـ تكون حال الإنسان إحدى حالتين: إما أن يكون من أهل الخير والصلاح، فهذا ميتته ميتة طيبة ويُبشَّر بالعفو والغفران وربٍ راضٍ غير غضبان، قال تعالى: إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمْ الْمَلائِكَةُ أَلاَّ تَخَافُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ [فصلت: 30]، وأما إن كان العبد من أهل الكفر والضلال والفجور والفساد فهذا يُبشَّر بالويل والعذاب: وَلَوْ تَرَى إِذْ الظَّالِمُونَ فِي غَمَرَاتِ الْمَوْتِ وَالْمَلائِكَةُ بَاسِطُوا أَيْدِيهِمْ أَخْرِجُوا أَنفُسَكُمْ الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ بِمَا كُنتُمْ تَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ وَكُنتُمْ عَنْ آيَاتِهِ تَسْتَكْبِرُونَ [الأنعام: 93]. وإن مصير المرء بعد موته ـ يا عباد الله ـ وإن كان قد استأثر الله بعلمه والكلام عنه من الرجم بالغيب؛ ولكن لمَّا كانت خاتمة المرء من القرائن لمصير الآخرة فقد جاء التأكيد عليها والتحذير من الغفلة عنها، قال رسول الله كما في البخاري: ((إنما الأعمال بالخواتيم)). وإن حسن الخاتمة ـ يا عبد الله ـ أن يتوفّاك الله على الإسلام، وأن يوفِق الله العبد للتوبة من الذنوب والمعاصي والإقبال على الطاعات قبل حلول الأجل وتغيُّر الحال، وإن آخر ساعةٍ في حياة الإنسان هي الملخّص لما كانت عليه حياته كلها، فمن كان مقيمًا على طاعة الله عز وجل بدا ذلك عليه في آخر حياته ذكرًا وتسبيحًا وتهليلاً وعبادة وشهادة. فهلموا ننظر كيف كانت ساعة الاحتضار عند قوم عاشوا على طاعة الله، وماتوا على ذكر الله، يأملون في فضل الله ويرجون رحمة الله، مع ما كانوا عليه من الخير والصلاح. وإن من أعظم علامات حسن الخاتمة ما يُبشَّر به العبد عند موته من رضا الله تعالى واستحقاق كرامته تفضلاً منه تعالى كما قال تعالى: إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمْ الْمَلائِكَةُ أَلاَّ تَخَافُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ [فصلت: 30]. ومن علامات حسن الخاتمة أيضًا الموت على عمل صالح، وقد ذكر أهل السير أن أبا مريم الغسَّاني رحمه الله كان صائما يومًا من الأيام فنزل به الموت واشتد به الكرب، فقال له من حوله: لو جرعت جرعة من ماء، فقال بيده: لا، فلما دخل المغرب قال: أذّن؟ قالوا: نعم، ففطّروه وجعلوا في فمه قطرة ماءٍ ثم مات بعدها. ولما احتُضِر عمر بن عبد العزيز قال لمن حوله: اخرُجوا عني فلا يبقى أحد، فخرجوا فقعدوا على الباب فسمعوه يقول: مرحبًا بهذه الوجوه، ليست بوجوه إنس ولا جان، ثم قال: تِلْكَ الدَّارُ الآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الأَرْضِ وَلا فَسَادًا وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ [القصص: 83]، ثم قُبض رحمه الله. ولما حضرت آدم بن إياس الوفاة خَتَم ما تبقى عليه من سور القرآن وهو مسجّى، فلما انتهى قال: اللهم ارفق بي في هذا المصرع، اللهم كنت أُؤمِّلك لهذا اليوم وأَرجوك، ثم قال: لا إله إلا الله، وقضى. وهذا أبو الحسن النسّاج لما حضره الموت غُشي عليه عند صلاة المغرب، ثم أفاق ودعا بماء فتوضأ للصلاة ثم صلّى ثم تمّدد وغمض عينيه وتشهد ومات. وذكر بعض الفضلاء أن امرأة عجوزًا كانت من أهل الصلاة والطاعة، وفي يوم وهي في مُصلاها ساجدة أرادت أن ترفع من سجودها فلم تستطع، صاحت بابنها، أجلسها كهيئة السجود، حملها إلى المستشفى، ولكن لا فائدة، فقد تجمدت أعضاؤها على هذه الحال، قالت: يا بني، خذني إلى مصلاي أتعبد وأصلي إلى أن يفعل الله ما يشاء، ولم تزل في صلاةٍ وهي على هيئة السجود لا تقوى على الحِراك، فقبض الله روحها وهي ساجدة، غسّلوها وهي ساجدة، كفّنوها وهي ساجدة، أُدخلت إلى قبرها وهي ساجدة، وتُبعث يوم القيامة بإذن الله وهي ساجدة. وإن من أعظم علامات حسن الخاتمة الموت في سبيل الله، أن يموت العبد وقد قدّم نفسه وأَرْخص روحه وباع مُهجته لله تعالى، مجاهدًا أعداء الدين، ومدافعًا عن عباد الله المؤمنين. ذكر الذهبي في السير عن خارجة بن زيد بن ثابت عن أبيه قال: بعثتي النبي يوم أُحد أطلب سعد بن الربيع فقال لي: ((أنّى رأيتَه فأقرئه مني السلام وقل له: يقول لك رسول الله : كيف تجدك؟)) فطفت بين القتلى فأصبته وهو في آخر رَمَقٍ وبه سبعون ضربة، فأخبرته، فقال: على رسول الله السلام وعليك، قل له: إني أجد ريح الجنة، وقل لقومي الأنصار: لا عُذر لكم عند الله إن خلص إلى رسول الله وفيكم عينٌ تطرف، قال: وفاضت نفسه رضي الله عنه وأرضاه. بارك الله لي ولكم في الوحيين، ونفعني وإياكم بما فيها من الهدى والنور، قد قلت ما قلت، فإن كان صوابًا فمن الله، وإن كان خطأ فمن نفسي والشيطان، وأستغفر الله فاستغفروه، إن الله غفور رحيم.
الخطبة الثانية الحمد لله على إحسانه، والشكر له على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيمًا لشأنه، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه، صلى الله عليه وعلى آله و صحبه وسلم تسليمًا. أما بعد: فيا أيها المؤمنون، إنّ فئةً من الناس لا يُحبون أو لا يُحبّذون الحديث عن الموت وساعة الاحتضار؛ لأن ذلك على حدّ زعمهم يؤلمهم ويُشعرهم باليأس، ويقطع حبل أمَلِهم ويؤرق حياتهم، فهم يُريدون العيش دون سماع ما ينغِّصُ حياتهم ويفزع خواطرهم، وأغلب هؤلاء ممن قصروا في حق ربهم وخانوا أنفسهم، وإنّ الحديث عن الموت كما أنه شرع ودين فهو سجيّه العقلاء والراشدين. أيها المسلمون، إنّ آخر ساعةٍ في حياة الإنسان كما قلنا هي الملخص لما كانت عليه حياته كلها، وهي ترجمة لما كان يفعله المرء أثناء عمره من الخير والشر، والقلب أثناء نزول الموت بالمرء لا يظهر منه إلا ما كان بداخله وما استهواه صاحبه، فانظر ـ يا رعاك الله ـ ما في قلبك وما تحب في الدنيا؛ فهو خارجٌ منه أثناء النهاية شاء ذلك صاحبه أم أبى. ولكي يدرك العبد المؤمن حسن الخاتمة فيجب له أن يلزم طاعة الله وتقواه، والحذر من ارتكاب المحرمات ومعاقرة المنكرات فقد يموت عليها. وليحذر كل الحذر من الخاتمة السيئة، وهي أن يتوفّاه الله على غير الإسلام، أو أن تكون وفاةُ الإنسان وهو مُعرضٌ عن ربّه جلّ وعلا مقيم على ما يسخطه مضيع لما أوجبه، أو أن يتوفاه الله وهو مُعاقر لمنكر، ولا ريب أن تلك نهاية سيئة، طالما خافها المتقون وعباد الله المؤمنون. فهذا مالك بن دينار رحمه الله: كان يقوم طوال ليلته قابضًا على لحيته ويقول: "يا رب، قد علمْت ساكن الجنة وعلمْت ساكن النار، ففي أي الدارين منزل مالك؟"، ويبكي بعضهم عند الموت، فسُئل عن ذلك فقال: "إني سمعت الله يقول: وَبَدَا لَهُمْ مِنْ اللَّهِ مَا لَمْ يَكُونُوا يَحْتَسِبُونَ [الزمر: 47]، فأنا أنتظر ما ترون، ووالله ما أدري ما يبدو لي". وإن من أسباب سوء الخاتمة ـ يا عباد الله ـ أن يُصّر العبد على المعاصي ويألفها؛ فإن الإنسان إذا ألِف شيئًا مدة حياته وأحبه فعلِق قلبه به فالغالب أنه يموت عليه إن لم يتب من ذلك. في إحدى الطرق كان هناك ثلاثة من الشباب يستقلون سيارتهم بسرعة كالبرق، والموسيقى تصدح بصوت مرتفع، وهم فرحون بذلك، كحال كثير من شبابنا إلا من رحم الله، كان من أبعد ما يفكرون فيه أن يفارقوا هذه الدنيا، كانت الآمال تطير بهم وهم يتابعون تلك المزامير الشيطانية، وفجأة حدث ما لم يكن بالحسبان، انقلبت السيارة عدةَ مرات، وصلت سيارة الإسعاف، حملت المصابين، أحدهم كان مصابًا إصابات بليغة، جلس صديقاه بجانبه، كان يتنفس بصعوبة والدم قد غطى جسده حتى غير ملامحه، حينئذ علم الضابط أنه يلفظ أنفاسه الأخيرة، عرف اسمه من صاحبيه قال له: يا فلان قل: لا إله إلا الله، يا فلان قل: لا إله إلا الله، فيقول: هو في سقر، فيقول: يا فلان قل: لا إله إلا الله، فيقول: هو في سقر، ثم سقط رأسه ولفظ أنفاسه ولا حول ولا قوة إلا بالله. وكم سمعنا وسمعتم من القصص في هذا كثيرًا، وقد ذكر ابن القيم في كتابه القيم الداء والدواء شيئًا من ذلك فليراجع فإنه مفيد. عباد الله، ليحذر العبد كل الحذر من معصية الله أن تخونه عند موته، يقول ابن كثير رحمه الله: "إن الذنوب والمعاصي والشهوات تخذل صاحبها عند الموت". ويقول ابن القيم نقلاً عن الإشبيلي رحمه الله: "وسوء الخاتمة لا تكون لمن استقام ظاهره وصلُُح باطنه؛ إنما تكون لمن له فساد في العقيدة أو إصرار على الكبيرة أو إقدام على العظائم، فربما غلب ذلك عليه حتى ينزل عليه الموت قبل التوبة، فيأخذه قبل إصلاح الطوية، ويصطدم قبل الإنابة والعياذ بالله". فالوصية المبذولة للنفس ولكَ ـ أيها الأخ المبارك ـ الاستعداد للموت واستشعار قربه، فإنه أقرب غائب يُنتظر، وما يدري الإنسان لعلّه لم يبق من عمره إلا اليسير، وهو مقبلٌ على دنياه، ومعرضٌ عن آخرته. يقول عبد الرحمن بن مهدي رحمه الله: "لو قيل لحماد بن سلمة: إنك تموت غدًا ما قدر أن يزيد في العمل شيئًا"؛ لأن أوقاته بالتعبد معمورة وعن الشر يداه مقصورة. والاستعداد للموت ليس بالأماني الباطلة والألفاظ المعسولة، بل هو بهجر المنكرات والإنابة إلى رب الأرض والسموات وإزالة الشحناء والبغضاء والعداوة من القلوب وبر الوالدين وصلة الأرحام؛ ولكن ـ يا عباد الله ـ متى يستعدُّ للموت من تظلّله سحائب الهون ويسير في أودية الغفلة؟! متى يستعدُّ للموت من لا يبالي بأمر الله في حلالٍ أو حرام؟! متى يستعدُّ للموت من هجر القرآن ولا يعرف صلاة الفجر مع الجماعة؟! متى يستعدُّ للموت من أكل أموال الناس بالباطل وأكل الربا وارتكب الزنا؟! كيف يكون مستعدًا للموت من لوّث لسانه بالغيبة والنميمة وامتلأ قلبه بالحقد والحسد وضيّع أوقات عمره في تتبع عورات المسلمين والوقوع في أعراضهم؟! فيا أيها المذنب ـ وكلنا كذلك ـ عُد إلى ربك وجدّد التوبة قبل فوات الأوان ولات ساعة مندم. اللهم صل على محمد وعلى أزواجه وذريته كما صليت على آل إبراهيم، وبارك على محمد وعلى أزواجه وذريته كما باركت على آل إبراهيم إنك حميد مجيد...
| |
|