molay مدير مراقب
البلد : المغرب الجنس : عدد المساهمات : 11945 تاريخ التسجيل : 17/12/2009 الموقع : STARMUST2
بطاقة الشخصية الدرجة: (1365/1365)
| موضوع: من قصص التائبين - عبد الله بن راضي المعيدي / حائل الأربعاء 25 يوليو - 6:13:34 | |
|
من قصص التائبين
عبد الله بن راضي المعيدي / حائل
الخطبة الأولى أما بعد: فاتقوا الله أيها المسلمون، وأطيعوا الله ورسوله إن كنتم مؤمنين. عباد الله، إنني لن أتحدث اليوم عن البطولات، ولا عن التضحيات، ولا عن العلم، ولا عن الأدب، ولا عن الزهد، إنني سوف أتحدث عن جانب آخر، طائفة المذنبين والعصاة، وكلنا كذلك، سوف أقف وإياكم لنتحدث عن قوم أحبهم الله، إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ [البقرة: 222]، فالتائب حبيب الله، التائبون سالت دموعهم خوفًا من الله، وتحركت قلوبهم شوقا وخشية من الله، فدعونا ـ يا عباد الله ـ نسمع شيئا من قصصهم. أشرقت شمس الرسالة على مدينة رسول الله قبل أربعة عشر قرنًا من الزمان، ويجلس الرسول في المسجد وأصحابه حوله، يجلس كالقمر وسط النجوم في ظلام الليل؛ يُعلّمهم، ويُؤدبهم، وي+يهم، واكتمل المجلس بكبار الصحابة وسادات الأنصار وبالأولياء والعلماء، وإذا بامرأة متحجبة تدخل باب المسجد، فسكت عليه الصلاة والسلام، وسكت أصحابه، وأقبلت رُويدًا تمشي وجلاً وخشية، رمت بكل مقاييس البشر وموازينهم، تناست العار والفضيحة، لم تخش الناس أو عيون الناس وماذا يقول الناس، أقبلت تطلب الموت! نعم تطلب الموت، فالموت يهون إن كان معه المغفرة والصفح، يهون إن كان بعده الرضا والقبول، حتى وصلت إليه عليه الصلاة والسلام، ثم وقفت أمامه، وأخبرته أنها زنت، وقالت: يا رسول الله، أصبت حدًا فطهرني. ماذا فعل الرسول ؟ هل استشهد عليها الصحابة؟ هل قال لهم: اشهدوا عليها؟ هل فرح بذلك لأنها سلّمت نفسها؟ لا، احمرّ وجهه حتى كاد يقطر دمًا، ثم حوّل وجهه إلى الميمنة، وسكت كأنه لم يسمع شيئًا. وهنا ملحوظة، وهي أن المسلم لا يفرح بزلة أخيه، ولا يتجسس عليه، بل يستره وينصحه، ولهذا فالنبي يمنع التجسس والتصنت والاطلاع على عورات المؤمنين، فهو الذي يقول منذرًا ومحذّرًا طوائف معلومة: ((يا معشر من آمن بلسانه ولم يدخل الإيمان قلبه، لا تغتابوا المسلمين، ولا تتبعوا عوراتهم، فإنه من تتبع عورة أخيه المسلم تتبع الله عورته، ومن تتبع الله عورته يفضحه ولو في جوف بيته)). حاول الرسول أن ترجع المرأة عن كلامها، ولكنها امرأة مجيدة، امرأة بارّة، امرأة رسخ الإيمان في قلبها وفي جسمها، حتى جرى في كل ذرة من ذرات هذا الجسد، فقالت واسمع ماذا قالت، قالت: أراك يا رسول الله تريد أن تردني كما رددت ماعز بن مالك، فوالله إني حبلى من الزنا، فقال: ((اذهبي حتى تضعيه)). ويمر الشهر تلو الشهر، والآلام تلد الآلام، حملت طفلها تسعة أشهر، ثم وضعته، وفي أول يوم أتت به وقد لفَّته في خرقة، وقالت: يا رسول الله، طهرني من الزنا، ها أنا ذا وضعته، فطهرني يا رسول الله، فنظر إلى طفلها وقلبه يتفطر عليه ألمًا وحزنًا؛ لأنه بعث رحمةً للعالمين، رحمةً للعصاة، رحمةً للطيور، رحمةً للحيوان، قال بعض أهل العلم: بل هو رحمة حتى للكافر، قال الله: وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ [الأنبياء: 107]. من يُرضع الطفل إذا رُجمت؟ من يقوم بشؤونه إذا أقام عليها الحد؟ فقال: ((ارجعي وأرضعيه، فإذا فَطَمْتيه فعودي إليّ))، فذهبت إلى بيت أهلها، فأرضعت طفلها، وما يزداد الإيمان في قلبها إلا رسوًّا كرسوِّ الجبال، وتدور السنة تعقبها سنة، وتأتي به في يده كسرة خبزٍ يأكلها: يا رسول الله، قد فطمته فطهرني، عجبًا لها ولحالها! أي إيمانٍ هذا الذي تحمله؟! ما هذا الإصرار والعزم؟! ثلاث سنين تزيد أو تنقص والأيام تتعاقب والشهور تتوالى وفي كل لحظة لها مع الألم قصة وفي عالم المواجع رواية، ثم أتت بالطفل بعد أن فطمته وفي يده +رة خبز، وذهبت إلى الرسول عليه الصلاة والسلام قالت: طهرني يا رسول الله، فأخذ طفلها وكأنه سلَّ قلبها من بين جنبيها، لكنه أمْر الله، العدالة السماوية، الحق الذي تستقيم به الحياة، دستور الدولة المؤمنة الذي يجعل الناس سواسية حتى في باب العقوبة والسيف والحبس. قال عليه الصلاة والسلام: ((من يكفل هذا وهو رفيقي في الجنة كهاتين؟)). ويؤمر بها فتُدفن إلى صدرها ثم ترجم، فيطيش دمٌ من رأسها على خالد بن الوليد، فسبّها على مسمع من النبي ، فقال عليه الصلاة والسلام: ((مهلاً يا خالد؛ والله لقد تابت توبة لو تابها صاحب مَكْس لقبلت منه))، وفي رواية أن النبي أمر بها فَرُجمت، ثم صلّى عليها، فقال له عمر : تُصلّي عليها ـ يا نبي الله ـ وقد زنت؟! فقال النبي : ((لقد تابت توبة لو قُسّمت بين سبعين من أهل المدينة لوسِعَتْهُم، وهل وجدتَ توبة أفضل من أن جادت بنفسها لله تعالى؟!)). إنه الخوف من الله، إنها الخشية لم تزل بتلك المؤمنة حين وقعت في حبائل الشيطان واستجابت له في لحظة ضعف، نعم أذنبت، ولكنها قامت من ذنبها بقلبٍ يملؤه الإيمان ونفسٍ لسعتها حرارة المعصية، نعم أذنبت ولكن قام في قلبها مقام التعظيم لمن عصت، قال الحسن: "إن الرجل ليذنب الذنب فما ينساه، وما يزال متخوفًا منه حتى يدخل الجنة". الخشية الحقة هي التي تربي القلب حتى لا يفرق بين معصية وأخرى، فلا ينظر إلى صِغر المعصية، ولكن ينظر إلى عظمة من عصى. راوَد رجل امرأة في ظلمة الليل فقال: لا يرانا من أحد إلا هذا الكوكب، فقالت: وأين مكوكبها؟! فوجل وأقلع. وهنا فائدة نستفيدها من هذه القصة وهي أن العصاة في مجتمعنا نحن ـ أيها المؤمنون ـ ليسوا كما يتصورهم البعض أنهم انسلخوا من الدين، أو أنهم خَلَعوا لا إله إلا الله، أو أنهم لا يُؤمّل فيهم صلاح، هذا ليس بصحيح، فعندهم خيرٌ كثير، وإني أعلم أناسًا يجلسون في المقاهي والمنتديات وقد يسهرون الليالي ومع ذلك لو سمع أحدهم سبًّا للدين أو استهزاء بالرسول عليه الصلاة والسلام كان على استعداد أن يُقاتل ذلك المستهزئ، وربما قدم دمه ونفسه دفاعًا عن الدين وعن عِرض محمد عليه الصلاة والسلام. فقصدي أن نستثير هذا الأصل في نفوس الناس، وأن نُنمّي هذه الفطرة في قلوبهم، حتى يزدادوا من الخير، ويتركوا ما هم عليه من المعصية. أقول ما تسمعون، وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم ولجميع المسلمين، فاستغفروه وتوبوا إليه، إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية أيها الأحبة في الله، وما زال الحديث شيقا حول قصص التائبين. يقول أحد الشباب وهو يحدث عن نفسه: لما كان عمري أربع عشرة سنة ذهب أبي إلى أمريكا للدراسة، فذهبتُ معه وأهملني أبي هناك بين المراقص والأسواق وأنا في تلك السن المبكرة، فلما أتم أبي دراسته سنتين عدنا إلى الرياض، فطلبت أن يعيدني إلى أمريكا لأُكمل الدراسة فرفض، فدرست وتعمدت أن أرسب عدة مرات، فلما رأى أبي ذلك أرسلني إلى أمريكا لأُكمل دراستي، فمكثت فيها تسع سنوات لم تبق معصية على وجه الأرض إلا فعلتها هناك، ثم عدت إلى الرياض وبدأت أدرس في الجامعة وأنا لا أزال على المعاصي الكبيرة والصغيرة، لكن بدا ضيق شديد يكتم عليَّ أنفاسي يضيق علي حياتي، مللت من كل شيء، كل شيء جربته؛ لكن الملل يلازمني! قال هذا الكلام كله وهو يدافع عبراته ويبكي، فسألته: هل تصلي؟ قال: لا، قلت: أول علاج لهذا الهمّ هو أن تصلح علاقتك بالذي قلبُك بين يديه يقلّبه كما يشاء، فحافظ على الصلاة في المسجد، وموعدي معك بعد سبعة أيام، ومضت الأيام، وبعد أسبوع جاءني بغير الوجه الذي فارقته عليه، وأوّل ما رآني عانقني وقال: جزاك الله خيرا، والله ـ يا شيخ ـ إنني في سعادة ما ذقتها منذ تسع سنوات، فسألته عن الضيق والملل والاكتئاب فإذا هو قد زال عنه كله، وصدق الله إذ قال: فَمَنْ يُرِدْ اللَّهُ أَنْ يَهدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلإِسْلامِ وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ كَذَلِكَ يَجْعَلُ اللَّهُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ [الأنعام: 125]. وقبل يومين نشرت إحدى الجرائد مقابلة مع أحد أكبر مروِّجي المخدرات في هذه البلاد، والذي تاب إلى الله. يقول هذا التائب في قصته وهو يبلغ من العمر الأربعين، يقول: إنه كان يُروّج ويستخدم المخدرات على مدى ثمانية وعشرين عامًا، وقبض عليه عدة مرات ثم يخرج من السجن. يقول عن حاله قبل توبته: كنت إذا دخلت المنزل لا أُسلّم على أحد، بل أبادر بضرب كل من أمامي بالعقال، وكان أولادي وزوجتي يختبئون تحت الأسِرّة، وأضاف أنه عندما عاد إلى رشده كان لا يعرف كيف يتوضأ؛ لكنه استعان بابنته ذات التسع سنوات فأرشدته إلى الوضوء ثم صلى ركعتين، فيقول: والله لم أجد ألذ ولا أطعم من هاتين الركعتين على مدى 28 عامًا. وعن أسباب توبته يقول: طلب مني أحد الأشخاص في ذات ليلة مخدرات، وقمت بإيصالها إلى منزله، وعندما طرقت الباب فتحت أمه وسألتني: ماذا تريد؟ قلت: أُريد فلانًا، فقالت: غير موجود، بعد أن نهرتني، وقد عرفت أنني رجل مخدرات، وعدتُ مرة أخرى فأخبرته بما حدث، فقال: هل أغضبتك؟ قلت: نعم، فقام بضرب أمّه أمامي، وقمتُ بإبعاد أمه ومنعه من ضربها، وهذا الموقف كان من أسباب توبتي ورجوعي إلى الله. فليتَّق الله أولئك الذين يروِّجون هذه السموم بين شبابنا، وليتب إلى الله من وقع في حبائلها وظن أن السعادة فيها. قال تعالى: وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمْ الْعَذَابُ ثُمَّ لا تُنْصَرُونَ وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمْ العَذَابُ بَغْتَةً وَأَنْتُمْ لا تَشْعُرُونَ أَنْ تَقُولَ نَفْسٌ يَا حَسْرَتَا عَلَى مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ وَإِنْ كُنْتُ لَمِنْ السَّاخِرِينَ أَوْ تَقُولَ لَوْ أَنَّ اللَّهَ هَدَانِي لَكُنْتُ مِنْ الْمُتَّقِينَ أَوْ تَقُولَ حِينَ تَرَى الْعَذَابَ لَوْ أَنَّ لِي كَرَّةً فَأَكُونَ مِنْ الْمُحْسِنِينَ بَلَى قَدْ جَاءَتْكَ آيَاتِي فَكَذَّبْتَ بِهَا وَاسْتَكْبَرْتَ وَكُنْتَ مِنْ الْكَافِرِينَ [الزمر: 54–59]. فالتوبةَ التوبةَ عباد الله، فإن الله عزّ وجل يبسط يده بالليل ليتوب مسيءُ النهارِ، ويبسطُ يده بالنهارِ ليتوب مسيءُ الليل، حتى تطلع الشمس من مغربها. قال كثير من السلف: فإذا طلعت الشمس من مغربها طُبع على القلوب بما فيها، وترفع الحفَظةُ الأعمال، وتُؤمرُ الملائكة أن لا يكتبوا عملاً. اللهم صل على محمد...
| |
|