molay مدير مراقب
البلد : المغرب الجنس : عدد المساهمات : 11945 تاريخ التسجيل : 17/12/2009 الموقع : STARMUST2
بطاقة الشخصية الدرجة: (1365/1365)
| موضوع: القرآن روضة الصالحين - عبد الله بن راضي المعيدي / حائل الأربعاء 25 يوليو - 6:05:07 | |
|
القرآن روضة الصالحين
عبد الله بن راضي المعيدي / حائل
الخطبة الأولى فأوصيكم ـ أيها الناس ـ ونفسي بتقوى الله سبحانه، فتقوى الله بإذن الله كفايةُ كلِّ هم، وزادك من كلِّ غم، ومن اتقى الله جعل له من كل همٍ فرجًا ومن كل ضِيق مخرجًا. أيها الناس، إن المتطلّع في واقع كثير من الناس وَسْط أجواء المتغيرات المتكاثرة والرُّكام الهائلِ من المصائب والبلايا والنوازل والرزايا لَيَلحظ بوضوحٍ أن كثيرًا من النفوس المسلمة توّاقة إلى تحصيل ما يُثبِّت قلوبها، وإلى النهل مما تُطفئ به ظَمأَها وتَسقي به زرعها وتجلو به صدَأَها، وإن ذلك كله موجود في كتاب ربها. أيها المسلمون، شهر رمضان المبارك هو شهر القرآن، القرآن الذي لا تنطفئ مصابيحه، والسراج الذي لا يخبو توقُده، والمنهاج الذي لا يَضِل ناهجه، والعزُّ الذي لا يُهزم أنصاره. القرآن ـ عباد الله ـ هو في الحقيقة بمثابة الروح للجسد والنور للهداية، فمن لم يقرأ القرآن ولم يعمل به فما هو بحيّ وإن تكلّم أو عمل أو غدا أو راح، بل هو ميت الأحياء، ومن لم يعمل به ضل وما اهتدى وإن طار في السماء أو غاص في الماء، أَوَ مَن كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَـٰهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِى ٱلنَّاسِ كَمَن مَّثَلُهُ فِي ٱلظُّلُمَـٰتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مّنْهَا [الأنعام: 122]. نعم يا عباد الله، القرآن روضة الصائمين، وسلوة الطائعين، ودليل السالكين، ولذة قلوب المتقين، إنه كلام رب العالمين، المنزّل على سيد المرسلين، بلسان عربيٍ مبين، هدى للمتقين، ونورًا للمؤمنين، ((أهل القرآن هم أهل الله وخاصته)). والقرآن في رمضان له مذاق خاص، فهو روضة الصائمين، وحداء القائمين، ولَهَج القانتين العابدين، القرآن أعظم نديم وأنيس، وخير جليس، هو حلاوةٌ وجمال، وعزٌ وكمال، القرآن محضُ سعادة الإنسان، ومديم الخير والبركة والإحسان، فيه الأجر العظيم والخير الكبير، وفي الحديث: ((من قرأ حرفًا من كتاب الله فله حسنة، والحسنة بعشر أمثالها، لا أقول: الم حرف، ولكن ألفٌ حرفٌ، ولامٌ حرفٌ، وميمٌ حرف)). عباد الله، وللقرآن آدابٌ عند قراءته، فمن ذلك: أولاً: الإخلاص، فيجب على قارئ القرآن أن يُخلص في قراءته ويبتغي بذلك وجه الله، وفي الصحيح: ((إن أولَ من يُقضى عليه يوم القيامة ثلاثة))، وذكر منهم: ((ورجل تعلّم العلم وعلّمه وقرأ القرآن فأُتي به فعرَّفه نعمه فعرفها، قال: فما عملت فيها؟ قال: تعلّمتُ العلم وعلّمْتُه وقرأْتُ فيك القرآن، قال: كذبت، ولكنك تعلمتَ ليقال: عالم، وقرأت القرآن ليقال: قارئ، فقد قيل، ثم أُمِر به فسُحِب على وجهه حتى أُلقِيَ في النار)). ثانيًا: ينبغي لقارئ القرآن أن يتنظف ويتطهر ويستاك. ثالثًا: أن يبدأ القارئ قراءته بالاستعاذة بالله من الشيطان الرجيم، وذلك لأنها طهارة للفم من اللغو والرفث، فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنْ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ [النحل: 98]، أما إذا كان القارئ سيقرأ سورة من بدايتها فليقل بعد الاستعاذة: بسم الله الرحمن الرحيم. رابعًا: أن يُحسِّن القارئ صوته بقراءة القرآن. خامسًا: التخشع أثناء القراءة والتدبر لما يقرأ الإنسان، فلا ينبغي للقارئ أن يقرأ كتاب ربه وهو على حال لا تدل على خشوعه أو تأثره، أو كأنه يقرأ صحيفة أو مجلة، كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُوْلُوا الأَلْبَابِ [ص: 29]، وقال تعالى: لَوْ أَنْزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُتَصَدِّعًا مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ[الحشر: 21]. وإذا كانت هذه حال الصخور الصماء؛ تخشع وتتصدع لو أُنزل عليها القرآن، فقل لي بربك يا محبُّ: ما حال قلوبنا مع كتاب ربنا؟! كم مرة قرأنا القرآن في رمضان؟! وكم سمعنا فيه من حِكَم ومواعظ وعبر؟! ألم نقرأ صيحة عاد وصاعقة ثمود وخسف قوم لوط؟! ألم نقرأ الحاقة والزلزلة والقارعة وإذا الشمس كورت؟! فيا سبحان الله! ما هذا الرَّانُ الذي على القلوب؟! أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافًا كَثِيرًا [النساء: 82]. أفقُّدَّتْ قلوبنا بعد ذلك من حَجَر؟! ألا فليت شعري أين القلب الذي يخشع والعين التي تدمع؟! فلله كم صار بعضُها للغفلة مرتعا وللأنس والقربة خرابًا بلقعا! وحينئذٍ لا الشباب منا ينتهي عن الصبوة، ولا الكبير فينا يلتحق بالصفوة، بل قد فرطنا في كتاب ربنا في الخلوة والجَلْوَة، فلا حول ولا قوة إلا بالله. يا صائمون، القرآن عزُّكم وشرفكم، فاقرؤوه حق قراءته؛ تغنموا وتسعدوا وتفوزوا بالثواب الكبير والنعيم المقيم، لَقَدْ أَنزَلْنَا إِلَيْكُمْ كِتَابًا فِيهِ ذِكْرُكُمْ أَفَلا تَعْقِلُونَ [الأنبياء: 10]، ولما تركت الأمة العمل بالقرآن أصابها الذل والهوان. فعلى المسلم أن يقرأ القرآن ويستحضر أن القرآن يخاطبه، وأنه المقصود بالخطاب، ويقرأ بتلاوة مجوَّدة، ففي صحيح البخاري ومسلم وبوّب له بعض شُرَّاح صحيح مسلم: "باب: ترتيل القراءة واجتناب الهذيان" عن عبد الله بن مسعود أنّ رجلاً قال له: إني أقرأُ المُفصَّل في ركعة واحدة، فقال عبد الله: (هذًّا كهَذِّ الشِّعْر؟! إنَّ أقوامًا يقرؤُون القرآن لا يُجاوز تَراقِيهم، ولكن إذا وقع في القلب فرَسَخَ فيه نفع)، وذكر شعبة رحمه الله أن أبا جمرة قال لابن عباس: إني رجلٌ سريع القراءة، وربما قرأت القرآن في ليلة مرة أو مرتين، فقال ابن عباس: (لأَن أقرأ سورة واحدة أحبُّ إليَّ من أن أفعل ذلك الذي تفعل، فإن كنت فاعلاً ولا بد فاقرأ قراءةً تُسمِعهَا أُذنيك ويعيها قلبك)، قال النبي : ((لا يفقهُ مَن قرأ القرآن في أقلَّ من ثلاث)). وذكر ابن رجب رحمه الله أنّ هذا النهيّ في غير الأوقاتِ الفاضلةِ كرمضان. وهنا أمرٌ لا بد من التنبيه عليه، ألا وهو أن لاّ يكون همُّ المؤمن في قراءة القرآن تكثير الختمات، بل ينبغي للمسلم الموفق أن لا يجفو فيمضي عليه الشهر ولم يختم كتاب الله، وأن لاّ يغلو فيتعدى هدي النبي . فاحرص ـ يا عبد الله ـ على تدبُّر القرآن، فإن الغاية من إنزال القرآن هو تدبره والعمل به، قال الحسن البصري رحمه الله: "نزل القرآن ليُعمل به، فاتخذوا تلاوته عملا".
الخطبة الثانية أيها المسلمون، لقد شرَّفكم الله تبارك تعالى بهذا الكتاب المبارك، فتدبروا آياته، وتفكّرُوا في بيِّناته، وقِفُوا عند عِظاته، وإياكم والهذَّ والبذّ، فعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أن رجلاً قال له: إني لأقرأُ المفصَّل في ركعة، فقال ابن مسعود: (هذًّا كهذّ الشِّعْر؟! إن قومًا يقرؤون القرآن لا يُجاوز تراقيهم، ولكن إذا وقع في القلب فرسخ فيه نفع) أخرجه مسلم، وقال : (لا تهذُّوا القرآن هذَّ الشِّعْر، ولا تَنثُروه نثر الدّقْل، قِفُوا عند عجائبه، وحرِّكوا به القلوب، ولا يكن همُّ أحدكم آخر السورة). أيها المسلمون، لقد كان السلف الكرام عليهم من الله الرضوان يكثرون من ختم القرآن، فإذا جاء رمضان ازدادوا من ذلك لشرف الزمان، وكان جبريل عليه السلام يلقى رسول الله في كل ليلة من رمضان، فيدارسه القرآن. متفق عليه. وفي آخر عام من حياة سيد الأنام عارضه جبريل القرآن مرتين على التمام. ولما نزل بعبد الله بن إدريس رحمه الله تعالى الموت بكت ابنته، فقال لها: "لا تبكي يا بنيه، فقد ختمت القرآن في هذا البيت أربعة آلاف ختمة"، فما أروعه من جيل، وما أرشده من سبيل. أمة الإسلام، هذا كتاب الله يُتلى بين أظهركم ويُسمع، لو أنزل على جبل لرأيته خاشعًا يتصدّع، فهل سرنا على منهاجه المطهَّر؟! هل طبقناه في كل ورودٍ وصدر؟! هل حكَّمْناه فيما بَطَنَ من أُمورنا وما ظهر؟! إن كل شأنٍ كبيرٍ أو صغيرٍ وكل إحداث أو تغيير يتناقض مع الكتاب والسنة فهو وبال على صاحبه وحسرة على جالبه وشرٌّ على طالبه، إياك إياك يا عبد الله ـ أن تكون ممن يقرأُ القرآن والقرآن يلعنه. بعض الناس تجده يقرأ: لَعْنَةَ اللَّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ [آل عمران: 61] وهو يكذب، وبعضهم يقرأ: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنْ الرِّبَا [البقرة: 278] وهو يأكل الربا. ثم إياك إياك وهجران القرآن والإعراض عن قراءته وتدبره والعمل به، يقول ابن القيم: "هجران القرآن أنواع: أحدها: هجر سماعه والإيمان به والإصغاء إليه، والثاني: هجرُ العمل به والوقوف عند حلاله وحرامه وإن قرأه وآمن به، والثالث: هجر تحكِيمهِ والتحاكم إليه في أُصول الدين وفروعه واعتقاد أنه لا يفيد اليقين وأن أدلته لفظية لا تحصِّل العلم، والرابع: هجر تدبره وتفهُّمه ومعرفة ما أراد المتكلم به منا، والخامس: هجر الاستشفاء والتداوي به في جميع أمراض القلب وأدوائها، فيطلب شفاء دائه من غيره ويهجر التداوي به، وكل هذا داخل في قوله: وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُورًا [الفرقان: 30]، وإن كان بعض الهجر أهون من بعض". وهنا أمر أودُّ أن أُنبه عليه وأحثّ النفس وإياكم به؛ ((عمرةٌ في رمضان تعدل حجة))، أجرٌ عظيمٌ وموسمٌ فضيل، وثوابٌ جزيلٌ وربٌ كريم، أبواب الخير مُشْرعة، والبقية عليك ـ يا عبد الله ـ لإكمال المشوار، ((عمرةٌ في رمضان تعدل حجة)). وفضيلة هذه العمرة في جميع أيام الشهر، وليست قاصرة على العمرة في العشر الأواخر. وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه...
| |
|