molay مدير مراقب
البلد : المغرب الجنس : عدد المساهمات : 11945 تاريخ التسجيل : 17/12/2009 الموقع : STARMUST2
بطاقة الشخصية الدرجة: (1365/1365)
| موضوع: ترويع الآمنين - عبد الكريم بن صنيتان العمري / المدينة المنورة الأربعاء 18 يوليو - 4:44:07 | |
|
ترويع الآمنين
عبد الكريم بن صنيتان العمري / المدينة المنورة
الخطبة الأولى حرصت الشريعة الإسلامية على حفظ النفس وصيانتها وحمايتها من الاعتداء عليها، وحتى ترويعها، وتجنيبها كل الأضرار التي تفتك بها، ووضعت كافة الوسائل المؤدية إلى المحافظة عليها. فحرّم المصطفى تخويف المسلم وترويعه، ونهى عن إدخال الرعب عليه بأي وسيلة، فقد كان الصحابة رضي الله عنهم يسيرون مرة مع النبي في سفر، فاستراحوا ونام رجل منهم، فقام بعضهم إلى حبل معه فأخذه، وأمَرَّهُ على جسد أخيه النائم ففزع، فقال : ((لا يحل لمسلم أن يروع مسلمًا)) رواه أبو داود. وروى ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله : ((من أخاف مؤمنًا كان حقًا على الله أن لا يؤمّنه من أفزاع يوم القيامة)) رواه الطبراني. ونَهى عن الإشارة بالسلاح وقال: ((من أشار إلى أخيه بحديدة فإن الملائكة تلعنه، حتى وإن كان أخاه لأبيه وأمه)) رواه مسلم. فهذا تحذير من الإشارة بأي آلة مؤذية قد تؤدي الإشارة بِها إلى القتل، كالسكين والآلات الأخرى الحادة، حتى لو كانت الإشارة مجرّد مزاح، وفي هذا تأكيد على حرمة المسلم، والنهي الشديد عن ترويعه وتخويفه والتعرض له بما قد يؤذيه. وقد بيَّن السبب في ذلك النهي، وهو أن إشارته تلك ومزاحه على أخيه بتلك الآلة قد يتحوّل إلى أمر حقيقي، فيحدث القتل أو الجرح وهو لا يقصده، قال : ((لا يشر أحدكم إلى أخيه بالسلاح، فإنه لا يدري لعل الشيطان ينزع في يده، فيقع في حفرة من حفر النار)) متفق عليه. قال الإمام القرطبي رحمه الله: "لعنُ النبيِّ للمشير بالسلاح دليل على تحريم ذلك مطلقًا، جادًّا كان أو هازلاً، ولا يخفى وجه لعن من تعمّد ذلك؛ لأنه يريد قتل المسلم أو جرحه، وكلاهما كبيرة، وأما إن كان هازلاً فلأنه ترويع مسلم، ولا يحل ترويعه، ولأنه ذريعة وطريق إلى الجرح والقتل المحرمين". وقال الإمام النووي رحمه الله: "في الحديث تأكيد على حرمة المسلم، والنهي الشديد عن ترويعه وتخويفه والتعرض له بما قد يؤذيه. وقوله : ((وإن كان أخاه لأبيه وأمه)) مبالغة في إيضاح عموم النهي في كل أحد، سواء من يتهم فيه ومن لا يتهم، وسواء كان هذا هزلاً ولعبًا أم لا؛ لأن ترويع المسلم حرام بكل حال، ولأنه قد يسبقه السلاح" انتهى. وفي سنن النسائي من حديث أبي بكرة أن رسول الله قال: ((إذا أشار المسلم على أخيه المسلم بالسلاح فهما على جرف جهنم، فإذا قتله خرَّا جميعًا فيها)). كما أمر بأخذ الحيطة والحذر والحرص على البعد عن الأسباب المؤدية إلى إيذاء المسلمين وإلحاق الضرر بهم، فعن أبي موسى أنه قال: ((إذا مر أحدكم في مجلس أو سوق وبيده نبل فليأخذ بنصالها، ثم ليأخذ بنصالها، ثم ليأخذ بنصالها؛ أن يصيب أحدًا من المسلمين منها بشيء)) رواه البخاري ومسلم. وهذا تأكيد منه على الاحتياط في هذا الأمر، والحفاظ على نفس المؤمن، والابتعاد عن إيذائه بأي شيء. وفي حديث جابر قال: نَهى رسول الله أن يُتعاطى السيف مسلولاً. رواه الترمذي. وورد أنَّ رسول الله أتى على قوم يتعاطون سيفًا مسلولاً فقال: ((لعن الله من فعل هذا، أوَليس قد نهيت عن هذا؟!)) ثم قال: ((إذا سَلَّ أحدكم سيفه فنظر إليه فأراد أن يناوله أخاه فليغمده، ثم يناوله إياه)) رواه أحمد. وهذا كله من باب الاحتياط، حتى لا يؤدّي ذلك إلى إصابة أحد بعضوٍ من أعضائه وجرحه وإلحاق الضرر به. لذلك ينبغي على المسلم أن يأخذ بهذه التوجيهات النبوية، ويستنير بِها، ويطبقها في تعامله مع إخوانه، وليتفقد كل آلة تؤدي عند الخطأ في استعمالها إلى إلحاق الضرر بالآخرين، وليحرص عند استخدامها أن لا يكون ذلك في جموع غفيرة، كما قد يحدث ذلك في مناسبات الأعياد والأفراح ونحوها، فكم من مخالفة لذلك التوجيه النبوي الذي أكد على الاحتياط فيه، كم أدت مخالفته إلى الندم والحسرة، وبالأخص حينما يترتب على ذلك إزهاق نفس بريئة أو إعاقة سويّ، أو التسبب في فقد عضو من أعضائه. وليحذر الجميع من الإفراط في المزاح بتلك الآلات، فإن الإكثار من المزاح وتجاوز الحدود المسموح بها يوقع الإنسان في مخالفة، ويرمي به إلى ارتكاب جناية يندم بعدها على إفراطه في مزاحه، فإن كثيرًا من المزاح يورث العداوة والبغضاء، ويؤدي إلى قطع العلاقات الأخوية والصلات الوثيقة بين المتواصلين. وكم من علاقة وطيدة ورابطة وثيقة جمعت بين متآلفين، وقربت بين متباعدين، أدى المزاح إلى فصمها وفرق بين أفرادها. فالعاقل من يكون متأنيًا في أفعاله وأقواله، نائيًا عما يؤدي إلى ابتعاد إخوانه وأصدقائه. أَكرم جَلِيسك لا تمَازح بالأَذَى إنَّ المزاح ترى به الأضغانُ كم من مزاح جذَّ حبل قرينـه فتجذمت من أجله الأقرانُ
الخطبة الثانية لم ترد.
| |
|