molay مدير مراقب
البلد : المغرب الجنس : عدد المساهمات : 11945 تاريخ التسجيل : 17/12/2009 الموقع : STARMUST2
بطاقة الشخصية الدرجة: (1365/1365)
| موضوع: النفقة على الزوجة - عبد الكريم بن صنيتان العمري / المدينة المنورة الأحد 22 يوليو - 4:13:25 | |
|
النفقة على الزوجة
عبد الكريم بن صنيتان العمري / المدينة المنورة
الخطبة الأولى من الواجبات اللازمة للزوجة على زوجها والحقوق التي ألزم بها النفقة عليها مقابل ما تقوم به من الطاعة والولاء له. والنفقة من أسباب القوامة التي جعلها الله تعالى في يد الزوج في قوله جل شأنه: الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ [النساء:34] أي: أن الزوج متى عجز عن النفقة عليها لم يكن قوَّامًا عليها. ويجب على الزوج أن يوفر لزوجته ما تحتاجه من النفقة والسكنى والمأكل والملبس والمشرب، ولا يتأخر في شيء من ذلك، بل يؤديه إليها كاملاً، دون مِنَّة أو أذى، أو يظهر لها أن كل ما يوفره لها مما تحتاجه تفضُّل منه وإحسان وبر ومعروف وإكرام، وهذا خلاف ما أوجبه الله تعالى عليه، حيث قال جل شأنه: وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ لا تُكَلَّفُ نَفْسٌ إِلاَّ وُسْعَهَا لا تُضَارَّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا وَلا مَوْلُودٌ لَهُ بِوَلَدِهِ وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ فَإِنْ أَرَادَا فِصَالاً عَنْ تَرَاضٍ مِنْهُمَا وَتَشَاوُرٍ فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا وَإِنْ أَرَدْتُمْ أَنْ تَسْتَرْضِعُوا أَوْلادَكُمْ فَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِذَا سَلَّمْتُمْ مَا آتَيْتُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ [البقرة:233]. فالنفقة واجبة عليه، وملزم بها في حدود إمكاناته المادية وقدرته المالية، وهو حين يسعى ويعمل ويكد ويتعب ليوفر لزوجته وأولاده ما يحتاجونه من متطلبات هذه الحياة فإنه يؤجر على أعماله هذه، وتكون قربة له عند الله يثيبه عليها، وينال أجره حسنات تُدخر له. فعن أبي هريرة أن رسول الله قال: ((دينار أنفقتَه في سبيل الله، ودينار أنفقتَه في رقبة، ودينار تصدَّقتَ به على مسكين، ودينار أنفقتَه على أهلك، أعظمها أجرًا الذي أنفقتَه على أهلك)) رواه مسلم، بل إن الزوج يحصل له الثواب حين يُطعم زوجته، فقد قال : ((وإنك لن تنفق نفقة تبتغي بها وجه الله إلا أجرت عليها، حتى ما تجعل في فيّ امرأتك)) متفق عليه. فالزوج حين يقدم النية الحسنة بتوفيره النفقة لأهله حتى يعفهم ويسترهم يكتب له ثواب ذلك وأجره على حسن قصده، قال : ((إذا أنفق الرجل على أهله نفقة وهو يحتسبها كانت له صدقة)) متفق عليه، وقال : ((ما أطعمتَ نفسك فهو لك صدقة، وما أطعمتَ ولدك فهو لك صدقة، وما أطعمتَ زوجتك فهو لك صدقة، وما أطعمتَ خادمك فهو لك صدقة)) رواه أحمد. إن الزوج حين يقصر في نفقة زوجته وأولاده فإن للزوجة الحقَّ في الأخذ من ماله دون علمه، لكن في حدود الوسط دون إسراف ولا تقتير، فقد روت عائشة رضي الله عنها أن هندًا قالت: يا رسول الله، إن أبا سفيان رجل شحيح، وليس يعطيني ما يكفيني وولدي إلا ما أخذت منه وهو لا يعلم، فقال : ((خذي ما يكفيك وولدك بالمعروف)) متفق عليه. وهذا يدل على جواز أخذها من مال زوجها، لكن بحدود ضيقة، وهي أن تقتصر على ما تمس الحاجة إليه من ضرورات الحياة، لا أن تجعل ذلك عادة مستمرة لها في الأخذ من ماله دون سببٍ ملجئ لها إلى التصرف بحقوقه دون علم منه. وفي المقابل أيضًا فإن الزوجة حين تقصّر في أداء حقوق الزوج عليها، فلا تلبي رغباته أو تخرج من منزله دون إذنه بلا عذر، فإذا أهملت زوجها ولم تنهض بالواجبات التي ألزمت بها تجاهه فإن من حق الزوج أن يمتنع عن الإنفاق عليها، ويسقط ما لها من حق في ذلك حتى تعود إلى رشدها وتعمل على طاعة زوجها، قال تعالى: الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللَّهُ وَاللاَّتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلاً إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا [النساء:34]. قال الإمام الشافعي رحمه الله: "إذا كان الله سبحانه وتعالى قد أذن للزوج في هجرها في المضجع لخوف نشوزها كان مباحًا له ترك الإنفاق عليها". وسئل الإمام الشعبي رحمه الله عن امرأة خرجت من بيتها عاصية لزوجها، ألها نفقة؟ قال: "لا، وإن مكثت عشرين سنة". فالنفقة إنما تجب للزوجة بتسليمها نفسها لزوجها وتمكينها منه، وتفريغها نفسها لمصالحه، فإنها بامتناعها عن ذلك تكون عاصية، قد فوتت على نفسها ما وجب لها من النفقة، فلم تستحق شيئًا منها. إن نفقة الزوج على امرأته وأولاده إنما تكون على قدر ما وهبه الله تعالى من المال وما كَتَبَ له من الخير والفضل، فلا يُطَالَبُ بتوفير ما لا يتحمل، ولا يلزم بما لا يطيق، فمن النساء من تحاول إرغام زوجها لتوفير المستحيل في نظره، بحيث تكثر طلباتها اليومية، وتشترط أوصافًا معينة لأشياء تطلب منه إحضارها، وهو عاجز عن ذلك، وإن استجاب لها مرة فقد يعجز مرَّات، وربما اقترض وتَحَمَّلَ الديون حتى يوفر لها ما تطلبه، غير أن المرأة العاقلة هي التي تراعي أحوال زوجها وتقدر ظروفه، فترضى باليسير وتقنع بالقليل. أما تلك الزوجة التي تصر على إحضار ما يصعب عليه لقِصَرِ نظرها وعدم تقديرها للعواقب فإنها تتعب زوجها، وتكدر عليه صفو عيشه، فهي ترمي ببصرها إلى النظر في أحوال الأثرياء وما يوفرونه لزوجاتهم، مما هو مناسب لأحوالهم؛ إذ من أسهل الأمور عليهم تأمين متطلبات المنزل من ضرورات وكماليات، لما يتمتعون به من الغنى والسعة، وهذه التي تدعو زوجها غير القادر إلى أن يأتي بمثل ما يأتي به أولئك تجلب الهمَّ والنكَدَ لزوجها بتطلعها إلى من هم أعلى من مستواها، وقد جاء عنه أنه قال: ((انظروا إلى من هو أسفل منكم، ولا تنظروا إلى من هو فوقكم، فإنه أجدر ألا تزدروا نعمة الله عليكم)) رواه مسلم، وقال : ((إذا نظر أحدكم إلى من فُضِّلَ عليه في المال والجسم فلينظر إلى من دونه في المال والجسم)) متفق عليه. كما أن من نُبل الزوجة وحسن نظرها محافظتها على مال زوجها وعدم المسارعة إلى تبديده هنا وهناك في أشياء لا تجد لها في نهاية المطاف فائدة ولا نفعًا، فتسعى وراء المناظر الزائفة والمظاهر البراقة الكاذبة، مفاخرة لزميلاتها، ومباهاة أمام صديقاتها، فليس ذلك من حسن التدبير، ولا من شكر الجميل. كما أن الزوج الذي يبادر إلى وضع أمواله وصرفها فيما لا تمس الحاجة إليه وما لا منفعة فيه لم يدرك حقيقة هذا المال، وأنه وسيلة للعيش، يوفّر به قوت يومه وليلته، دون أن يكون مسرفًا أو مبذرًا، فقد يحتاج في يوم من الأيام، فيجد أن أمواله قد نَفَدَت لسوء تصرفه وعدم إدراكه لعواقب الأمور. فالمسلم معتدل في مصروفاته، وسط في توفير متطلبات حياته، مبتعدٌ عن التضييق على أسرته والتقتير عليها، كما أنه في الوقت نفسه لا يقع فيما نهاه الله تعالى عنه من الإسراف، وقد بين جَلَّ وعز أن من صفات عباد الرحمن التوسط في الإنفاق في قوله تعالى: وَالَّذِينَ إِذَا أَنفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا[الفرقان:67].
الخطبة الثانية لم ترد.
| |
|