molay مدير مراقب
البلد : المغرب الجنس : عدد المساهمات : 11945 تاريخ التسجيل : 17/12/2009 الموقع : STARMUST2
بطاقة الشخصية الدرجة: (1365/1365)
| موضوع: الطلاق - عبد الكريم بن صنيتان العمري / المدينة المنورة الأحد 22 يوليو - 4:21:02 | |
|
الطلاق
عبد الكريم بن صنيتان العمري / المدينة المنورة
الخطبة الأولى حرصت الشريعة الإسلامية على غرس أواصر المودة بين الزوجين، وأكدت على تقوية الروابط بينهما، واحترام كل واحد منهما لمشاعر الآخرِ وأحاسيسه، وضرورة الترابط والانسجامِ، والبُعد عن التفرق والانقسام. ولأن الحياة الزوجية في الغالب لا تخلو من المكدرات والمنغصات ووقوع الجفاء والخلافات وحصول التصدع والأزمات، فإن الإسلام قد وضع خطوات أولية للقضاء على الخلاف بين الزوجين وحسم النزاع بينهما، حيث أمر الزوج بوعظ زوجته وتذكيرها بما ألزمها الله من حسن العشرة وجميل المعاملة، ثم هجرها في فراشهما، ثم ضربها ضربًا تأديبيًا خفيفًا غير مُضرّ بها. وعلى الزوج وغيره من الأقارب وذوي المعروف أن يستفرغوا جهدهم في سبيل رأب الصدع وإزالة الخلاف وإعادة العلاقة الحميمة والرابطة الحميدة بين الزوجين، فإن تعذر ذلك كله وانسدت كافة الطرق الموصلة إلى الوفاق والوئام، ولم يمكن التوفيق بين عمودي الأسرة، فقد شُرِع الطلاق ليكون هو الحل عند استفحال الخلاف واستعصاء الأمر واستحالة المصالحة. إنَّ اللجوء إلى الطلاق ينبغي أن يكون آخر مخرج؛ إذ لا ينبغي للزوج التسرع في إلقائه على الزوجة أو الهروع إليه لأدنى سبب، بل هو الحل المتبقي لحسم النزاع، ولهذا نجد أن الإسلام بحرصه على المحافظة على كيان الأسرة الزوجية وحثه على تماسكها جعل الطلاق آخر الحلولِ لفصم هذه العلاقة؛ ذلك أن النكاح شُرِع لمقاصد نبيلة وحكم جليلة وأهداف سامية، فإذا تعذر تحقيق تلك المقاصد، وظهر أن تَفْوِيتَها أمر متحقق كان الطلاقُ السبيلَ الوحيد أمام الزوج؛ لأن بقاء النكاح والخلاف محتدم بين الزوجين ربما أدى إلى حصول أضرار جسيمة ومفاسد عظيمة تلحق بالرجل والمرأة، وينتج عن ذلك سوء العشرة والخصومة الدائمة، فاقتضى ذلك شرع ما يزيل العلاقة بينهما وهو الطلاق. إن الطلاق في ديننا الحنيف ليس مشروعًا ولا جائزًا على إطلاقه، بل جُعِلت له ضوابط، ورسُمِت له قواعد، ووضُعِت له حدود وموانع. كما أن الإسلام توعد المرأة بأشد الوعيد حين تعرضُ على زوجها وتطلب منه فراقها بالطلاق دون أسباب ملجئة إلى ذلك، يقول : ((أيما امرأة سألت زوجها طلاقها من غير ما بأس فحرام عليها رائحة الجنة)) رواه أبو داود والترمذي. كما حرم على الزوجةِ أن تطلب من زوجها طلاق ضرتها لتستأثر به دونها، فقال : ((ولا تسأل المرأة طلاق أختها لتكفأ ما في إنائها)) رواه البخاري ومسلم. والزوج حين يعزم على الطلاق بعد فشل كل محاولات الإصلاح فإن الشرع رسم له الطريق الصحيح لإيقاعه، فقد كانوا يطلقون زوجاتهم دونما حصر أو عدد حتى حدَّده الإسلام: الطَّلاقُ مَرَّتَانِ فَإمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ [البقرة:229] إلى أن قال جل في علاه: فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يَتَرَاجَعَا إِنْ ظَنَّا أَنْ يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ يُبَيِّنُهَا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ[البقرة:230]. فحدده الشرع بثلاث تطليقات، وحذر من إيقاعها كُلها دفعة واحدة، بل في كل مرة طلقة، يتدرج الزوج في إيقاعها، وفي ذلك فوائد عظيمة، فإن الزوج حين يطلق امرأته ثلاثًا مرة واحدة يقطع كل أملٍ ويسد كل مخرج للرجعة، فإنه ربما كان منفعلاً أو مغضبًا أو عاجزًا عن التحكم بألفاظه لشدة انفعالاته؛ لذلك فإن الأسلم أن تكون طلقة واحدة، ثم بعد أن يهدأ باله ويطمئن حاله يرى خطأه وسوء تصرفه، فيستغفر ربه ويراجع زوجته، يا أيها النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمْ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ وَاتَّقُوا اللَّهَ رَبَّكُمْ [الطلاق:1]. فأنكر على من طلق امرأته ثلاث تطليقات جميعًا، وقال: ((أيُلعب بكتابِ الله وأنا بين أظهركم؟!)) رواه النسائي. ومن فضل الله تعالى ودعوة الإسلام إلى ترابط الزوجين والتأكيد على تقاربهما أن نهى الزوج عن إخراج الزوجة المطلقة الرجعية من منزلها، بل تبقى فيه مدة عدتها، وفي ذلك فتحٌ لآمال الرجوع والعودة وبذل المساعي واستثارة العواطف والتذكير بمشاعر الأخوة والمودة والرحمة، ولعل الزوج يرجع عن طلاقه حين يحس بألم الهجر ووحشةِ الوحدةِ، لا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَلا يَخْرُجْنَ إِلاَّ أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ لا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرًا [الطلاق:1]. وانظر كيف يكون الحال عند مخالفة المنهج الشرعي الحكيم، فإن المطلقة الرجعية حين تخرج من بيتها أو يخرجها زوجها وتذهب إلى بيت أهلها فإن ذلك يكون أدعى إلى زيادة النفور بينهما واتساع الجفوة وتأزم الحال، وقد تتدخل أطراف أخرى مُغرضة تنحاز إلى أحد الزوجين، وتشحن كل واحدٍ منهما ضد الآخر، وتضمحل آمال الإصلاح والرجعة. كما أن السنة بينت أن الطلاق حين يوقعه الزوج يكون طلقة واحدة رجعية في طهر لم يطأها فيه، قال تعالى: يا أيها النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمْ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ وَاتَّقُوا اللَّهَ رَبَّكُمْ [الطلاق:1]، قال ابن مسعود : (أن يطلقها في طهر لم يجامعها فيه)، وورد مثله عن ابن عباس رضي الله عنهما، وعن عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله عنهما أنه طلق امرأته وهي حائض على عهد رسول الله ، فسأل عمر بن الخطاب رسول الله ، فقال: ((مره فليراجعها، ثم ليمسكها حتى تطهر، ثم تحيض ثم تطهر، ثم إن شاء أمسك بعد، وإن شاء طلق قبل أن يمس، فتلك العدة التي أمر اللهُ أن تطلق لها النساء)) متفق عليه. فطلاقه لها في دورتها الشهرية إضرار بها، ثم إنه ربما وجد في نفسه نفورًا منها حين تكون على تلك الحال، لكن إذا صبر وانتظر حتى تطهر ربما راجع نفسه، وعدل عن رأيه في الطلاق، وواصل العشرة معها. كذلك لو طلقها وهي حامل، فإنه طلاق صحيح، وهو طلاق سُني عند جمهور العلماء، لحديث ابن عمر السابق، فإن في بعض ألفاظه عند الإمام مسلم أنَّه قال: ((مره فليراجعها، ثم ليطلقها طاهرًا أو حاملاً))، وهذا يدل على جواز طلاق الحامل في أي وقت. وإذا كان الإسلام قد وضع هذه الضوابط ورسم المنهج الصحيح للزوج حين يقدم على طلاق زوجته، وحين التأمل في هذا المنهج نجد دعوة واضحة للتريث ودلالة صريحة على سماحة الإسلام ودعوته للم شمل الأسرة والتأكيد على ترابطها، إذ يمر الطلاق بعدة مراحل متوالية ووقفات متأنية في أحوال خاصة، من خلالها قد تتغير الأحوال، ويرى الزوج أن المصلحة في بقائه مع زوجته واستمراره في بناء الأسرة ورعايتها والصبر والتحمل واحتساب ذلك عند الله تعالى.
الخطبة الثانية لم ترد.
| |
|