molay مدير مراقب
البلد : المغرب الجنس : عدد المساهمات : 11945 تاريخ التسجيل : 17/12/2009 الموقع : STARMUST2
بطاقة الشخصية الدرجة: (1365/1365)
| موضوع: وحل المخدرات - عبد الكريم بن صنيتان العمري / المدينة المنورة السبت 21 يوليو - 4:21:39 | |
|
وحل المخدرات
عبد الكريم بن صنيتان العمري / المدينة المنورة
الخطبة الأولى وجَّهت الشريعة الإسلامية أفرادها للمحافظة على عقولهم، وشددت على صيانة العقل وحمايته من كل ما يخل به أو يتسبب في إزالته، كما أكدت على وجوب حفظ الضرورات الأربع الأخرى: الدين والنفس والعرض والمال، وإذا حفظ المرء عقله وحافظ عليه، وصانه عن كل ما يخدشه أو يغيره سهل عليه القيام بما كلف به، وفهم الخطاب الموجه إليه، وقام به على أكمل وجه، فيحفظ دينه، ويحافظ على نفسه، ويستبسل في الدفاع عن عرضه، ويحرص على إنفاق ماله في الوجوه المشروعة. أما إذا أهمل عقله وضَّيعه واستعمله فيما لا ينفعه فإن انحرافه عن جادة الصواب قريب، ووقوعه في مزالق الرذيلة وشيك. إن العبث بالعقل وإفساده جريمة كبرى تعد من أفظع الجرائم. ومن أعظم الوسائل التي تفسد العقل وتغيره تعاطي المسكرات أو المخدرات، فتناولها يغطي العقل ويحجبه عن أداء واجبه الذي خلق من أجله، فلا يعرف ماهيته في هذه الحياة، ولا يدرك وظيفته فيها، فيكون بذلك قد فرَّط في المحافظة على إحدى الضرورات التي أمر بصيانتها والعناية بها وعدم الاعتداء عليها. إن ذلك الفرد الذي اعتدى على عقله وغيره عن صورته الحقيقية التي خُلق عليها يعَدّ واحدًا من أفراد المجتمع ولبنة من لبناته، يمثل مع غيره المجتمع بأسره الذين باستقامتهم يستقيم المجتمع، وبصلاحهم تسعد الأمة، وتكون قوة ضاربة تقف في وجه أعدائها المتربصين بِها من كل جانب. لقد حرص أعداء الأمة الإسلامية شرقًا وغربًا وفي كل مكان على إفساد هذه الأمة، وهدم كيانها، وشل حركتها، والقضاء عليها، وضربها من حيث لا تشعر، وإفساد شباب هذه الأمة، ونخر أجسامهم وعقولهم، وقد ظهرت محاولة إفسادهم لشباب المسلمين بضرب كل ميدان ومرفق، بغزو نشطٍ ومكثف من جميع الاتجاهات، ومن كل النواحي الثقافية والأخلاقية والفكرية. ولعل سلاح المسكرات والمخدرات الذي صدروه إلى كافة المجتمعات الإسلامية، وتفننوا في إرساله بشتى الصور ومختلف المسميات من أكبر الأخطار المحدقة بالأمة التي تواجهها الشعوب الإسلامية، محاولة من أعدائها للقضاء على دينها وأخلاقها ومواردها. إن تعاطي المخدرات يؤثر على الحياة الاجتماعية تأثيرًا سلبيًا، فانشغال المتعاطي بالمخدر يؤدي إلى اضطرابات شديدة في العلاقات الأسرية والروابط الاجتماعية. فكم مزَّقت المخدرات والمسكرات من صِلات وعلاقات، وفرقت من أُخُوَّةٍ وصداقات، وشتَّتت أسرًا وجماعات، وأشعلت أحقادًا وعداوات، قال تعالى: إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمْ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنْ الصَّلاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنتَهُونَ[المائدة:91]. وإن جوًا تنتشر فيه هذه الأدواء والمهلكات لهو جوّ يسوده القلق والتوتر، ويخيم عليه الشقاق والتمزق. إن من يلقي بنفسه في سموم المسكرات يسهل عليه أن يبذل كل غالٍ ونفيس، ويضحي بكل عزيز من أجل الوصول إليها والحصول عليها، حتى ولو كان ذلك من أضيق المسالك وأخطر الطرق، فقد يسرق أو يختلس، بل ويتخلى عن جميع القيم والأخلاق ليحصل على المادة التي يصل بِها إلى ما يريد، ويسير في هذا المسلك الوعر إلى أن تضعف قواه الجسدية والعقلية، فيصبح غير قادر على العمل، فيكون عالة على أسرته ومجتمعه، وقد ينتهي به الحال إلى الإعاقة الكاملة أو التشوه، بعد أن يفقد كل مميزاته الإنسانية من عقل وخلق، ومقوماته الاجتماعية من عمل مثمر أو وظيفة نافعة أو صناعة رابحة، كما يفقد أهله وعشيرته وأصدقاءه، وفي ذلك ضياع للفرد الذي هو كيان الأسرة ولبنة في قيام المجتمع، وإذا فقدت الأسرة كيانها حل بِها التمزق، فيصبح بناء المجتمع هشًا ضعيفًا، لا يستطيع أن يقف أمام العواصف المعادية والتيارات الوافدة، ويصير فريسة سهلة لأي عدو يتربص به الدوائر. أما الأضرار الاقتصادية الناجمة عن تعاطي المخدرات فهي كبيرة جدًا، ذلك أن مدمني المسكرات والمخدرات يشكلون عائقًا كبيرًا في طريق التنمية والتقدم الاقتصادي، ويخلقون عبئًا ثقيلاً على عاتق الأمة بما يهدرون من ثروتها، وما يجلبونه لها من المآسي والنكبات، فلقد أثبتت الدراسات التي قام بِها الباحثون المتخصصون أن تعاطي وإدمان المخدرات يؤثران على إنتاجية الفرد في العمل، وذلك من خلال ما يطرأ على الفرد من تغييرات نتيجة للتعاطي والإدمان، وأن هذا التأثير يشمل كَمَّ الإنتاج وكيفَه. ولما كان إنتاج المجتمع حصيلة مجموع إنتاج الأفراد فإنه يتأثر تأثرًا مباشرًا باعتلال إنتاج الفرد وهبوطه، فضلاً عما ينفق من الأموال والجهود في سبيل مكافحة المسكرات والمخدرات ومنع تهريبها وتداولها وتعاطيها، من حيث تخصيص إدارات مهمتها مكافحة المخدرات والقضاء عليها، وما يتبع ذلك من إنفاق الأموال الطائلة عليها، وتكليف الكثير من الكفاءات للعمل بها، وكان يمكن أن توجه تلك الأموال، وأن تصرف تلك الجهود إلى أعمال نافعة ومهام أخرى تسهم في توفير كثير من الخدمات الأخرى للمجتمع. ولو نظرنا إلى انتشار الجرائم وتفشيها في المجتمعات لوجدنا أن تعاطي المسكرات والمخدرات يشكل أحد الأسباب الرئيسة في ظهورها، ذلك أن المدمن عادة ما يكون فاشلاً في مجتمعه، عاجزًا عن القيام بأي عمل ينفعه، كما أنه يصبح خاليًا من الشعور بالمسؤولية، لفقده ما يؤهله لذلك من دين أو عقل، نتيجة تعاطيه لتلك السموم، ومن كان هذا شأنه فإنه سيقدم على طلب المال وتحصيله من أي مصدر، وبأي وسيلة حتى لو استدعى ذلك منه ارتكاب الجرائم بشتى صورها. كذلك فإن تَهريب المسكرات والمخدرات وترويجها وتعاطيها يؤدي إلى تحريك النزعات العدوانية والإجرامية لدى كل من يتعامل معها، فالمهرب لا يتورع عن ارتكاب أبشع الجرائم في الحصول على منفذ لإيصال ما لديه من سموم إلى المكان المقصود، كما أن المروج لا يتوقف عن ابتكار أسوأ الطرق والوسائل للوصول إلى فريسته، ولعل تأثيره على الأطفال وحديثي السن كبير جدًا؛ لما يقدمه لهم من إغراءات، ولعدم وعيهم الكافي عن أضرار المخدرات، وعدم معرفتهم بالشخصية التي ينتحلها ذلك المروج، ليوقعهم في وحل التعاطي والإدمان، مما قد يضطر أولئك ـ بعد تناولها والإدمان عليها ـ إلى ارتكاب جرائم السرقات والسطو للحصول على المال الذي يمكّنهم من شرائها والاستمرار في تعاطيها، وفي ذلك زعزعة لأمن واستقرار المجتمع، إضافة إلى إخلال المتعاطي بالأمن العام عند وجوده في الأماكن العامة، كما أن قيادته للسيارة تحت تأثير المخدر يشكل خطرًا عليه وعلى الآخرين، كما أن مهربي المخدرات لا يتورعون عن التعاون مع أي جهة حتى لو كانت من الأعداء، في سبيل تحقيق أهدافهم ومآربهم، وتحصيل مكاسبهم غير المشروعة. إن غرس الإيمان بالله تعالى واليوم الآخر وبكتاب الله تعالى وبسنة رسوله في نفوس الناس أساسُ الصلاح والوقاية من كل فسادٍ وخطرٍ يهدد المجتمع بأسره، فيجب على كل فردٍ مسلم ـ أيًا كان عمله وعلمه، وفي أي مكان وجد نفسه ـ أن يغرس ذلك الإيمان في نفوس الأفراد والأسر والمجتمعات، لتخليص الشعوب الإسلامية من اقتراف المنكرات كلها، وقيامها بطاعة الله تعالى، على أن الاستقامة على شرع الله ومنهجه القويم، وتعميق روح الإيمان في النفوس، والاستجابة لأوامر الله تعالى واجتناب نواهيه، والمسارعة إلى تلبية نداء الباري جل وعلا، والتأدب بالآداب الإسلامية الفاضلة، والتحلي بالأخلاق الحسنة، والسير على منهج السلف الصالح، والاتصاف بصفات أهل الإيمان: كل ذلك يحفظ المرء المسلم، ويجنبه الوقوع في أوحال المسكرات والمخدرات، ويحميه من سلوك طريقها، ويمنعه من الاستجابة لدعوات أصحابها، فيكفل له السعادة في الدنيا والآخرة، ويفوز بموعود الله تعالى الذي وعد به عباده المؤمنين المستقيمين: إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمْ الْمَلائِكَةُ أَلاَّ تَخَافُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ [فصلت:30، 31].
الخطبة الثانية لم ترد.
| |
|