molay مدير مراقب
البلد : المغرب الجنس : عدد المساهمات : 11945 تاريخ التسجيل : 17/12/2009 الموقع : STARMUST2
بطاقة الشخصية الدرجة: (1365/1365)
| موضوع: أهمية الصلاة - عبد العزيز بن عبد الله آل الشيخ / الرياض الإثنين 26 ديسمبر - 6:48:50 | |
|
أهمية الصلاة
عبد العزيز بن عبد الله آل الشيخ / الرياض
الخطبة الأولى
أمّا بعد: فيا أيّها النّاس، اتقوا الله تعالى حقَّ التقوى.
عبادَ الله، إنّ للصّلاة في الإسلام شأنًا عظيمًا، فهي الرّكن الثاني من أركانِ الإسلام، وهي مفتاح دارِ الجنّة، وهي العنوان الصّادق على التزام عقدِ الإيمان.
أيّها المسلمون، لقد عظّم الله شأنَ الصلاة، وأكثر ذكرَها في كتابه العزيز، مادحًا للمحافظين عليها، ذامًّا للمتخلّفين عنها والتّاركين لها، مبيِّنًا أنّ هذه الصلاة عبادة تعبّد الله بها من قَبلنا من أنبيائه ورسله، قال تعالى عن الخليل عليه السلام في دعائه: رَبّ ٱجْعَلْنِى مُقِيمَ ٱلصَّلوٰةِ وَمِن ذُرّيَتِى [إبراهيم:40]، وقال في دعائه لأهل بيت الله الحرام: رَبَّنَا لِيُقِيمُواْ ٱلصَّلوٰةَ [إبراهيم:37]، وأثنى على نبيّه إسماعيل بقوله: وَكَانَ يَأْمُرُ أَهْلَهُ بِٱلصَّـلَوٰةِ وَٱلزَّكَـوٰةِ وَكَانَ عِندَ رَبّهِ مَرْضِيًّا [مريم:55]، ويوحي لموسى عليه السلام: وَأَقِمِ ٱلصَّلَوٰةَ لِذِكْرِى [طه:14]، وينطق عيسى بن مريم في المهد قائلاً: وَأَوْصَانِى بِٱلصَّلَوٰةِ وَٱلزَّكَوٰةِ مَا دُمْتُ حَيًّا [مريم:31]، ويبيِّن ثناءَه على أنبيائه: وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِمْ فِعْلَ ٱلْخَيْرٰتِ وَإِقَامَ ٱلصَّلوٰة وَإِيتَاء ٱلزَّكَـوٰةِ وَكَانُواْ لَنَا عَـٰبِدِينَ [الأنبياء:73]، ويأمر بها نبيَّه : فَصَلّ لِرَبّكَ وَٱنْحَرْ [التكاثر:2]، وَأَقِمِ ٱلصَّلَوٰةَ إِنَّ ٱلصَّلَوٰةَ تَنْهَىٰ عَنِ ٱلْفَحْشَاء وَٱلْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ ٱللَّهِ أَكْبَرُ [العنكبوت:45]، ويقول لنساء نبيِّه: وَأَقِمْنَ ٱلصَّلَوٰةَ وَءاتِينَ ٱلزَّكَـوٰةَ وَأَطِعْنَ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ [الأحزاب:33]، ويجعل الله الصلاةَ صفةً للمؤمنين بالغيب المنتفعين بهدي القرآن: ذٰلِكَ ٱلْكِتَابُ لاَ رَيْبَ فِيهِ هُدًى لّلْمُتَّقِينَ ٱلَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِٱلْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ ٱلصَّلوٰةَ وَمِمَّا رَزَقْنَـٰهُمْ يُنفِقُونَ [البقرة:2، 3]، ولمّا ذكر المؤمنين الذين نالوا الفلاحَ والسعادة ذكر صفاتِهم فابتدأها بالصّلاة واختتمها بالصّلاة: قَدْ أَفْلَحَ ٱلْمُؤْمِنُونَ ٱلَّذِينَ هُمْ فِى صَلاَتِهِمْ خَـٰشِعُونَ [المؤمنون:1، 2]، إلى قوله: وَٱلَّذِينَ هُمْ عَلَىٰ صَلَوٰتِهِمْ يُحَـٰفِظُونَ أُوْلَـئِكَ هُمُ ٱلْوٰرِثُونَ ٱلَّذِينَ يَرِثُونَ ٱلْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيهَا خَـٰلِدُونَ [المؤمنون:9-11]، ولما ذكر حالَ الإنسان وأنّه جزوع هلوع، لا يصبر على ضرّاء، ولا يشكر في الرّخاء، استثنى من ذلك المصلّين فقال: إِلاَّ ٱلْمُصَلّينَ ٱلَّذِينَ هُمْ عَلَىٰ صَلاَتِهِمْ دَائِمُونَ [المعارج:22، 23]، إلى قوله: وَالَّذِينَ هُمْ عَلَىٰ صَلاَتِهِمْ يُحَافِظُونَ أُوْلَـئِكَ فِى جَنَّـٰتٍ مُّكْرَمُونَ [المعارج:34، 35]، ويأمر بالمحافظةِ عليها في أوقاتِها: حَـٰفِظُواْ عَلَى ٱلصَّلَوٰتِ وٱلصَّلَوٰةِ ٱلْوُسْطَىٰ وَقُومُواْ لِلَّهِ قَـٰنِتِينَ [البقرة:238]، ويجعل المحافظةَ عليها عامّة في حال خوفِ الإنسان وأمنِه: فَإنْ خِفْتُمْ فَرِجَالاً أَوْ رُكْبَانًا فَإِذَا أَمِنتُمْ فَٱذْكُرُواْ ٱللَّهَ كَمَا عَلَّمَكُم مَّا لَمْ تَكُونُواْ تَعْلَمُونَ [البقرة:239].
أيّها المسلمون، إنّ هذه الصلواتِ الخمس هي الرّكن الثاني من أركان الإسلام، وهي كما سبق عنوان التزام عقد الإيمان، فالمحافِظ عليها دليل على إيمانه، والتّارك لها دليل على كفره وضلاله.
أيّها المسلمون، إنّ هذه الصلاةَ فيها إقامة ذكر الله واستفراغ القلب واللسان والجوارح لعبودية الله جلّ وعلا. هذه الصلوات الخمسُ لا يحافظ عليها إلا مؤمن بها مصدّقٌ بذلك. هذه الصلوات الخمس سببٌ ل+اة القلوب وصلاح الأحوال، إِنَّ ٱلصَّلَوٰةَ تَنْهَىٰ عَنِ ٱلْفَحْشَاء وَٱلْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ ٱللَّهِ أَكْبَرُ [العنكبوت:45]. هذه الصّلوات عون للعبدِ على كلّ ما أهمّه من أمور دينه ودنياه، وَٱسْتَعِينُواْ بِٱلصَّبْرِ وَٱلصَّلَوٰةِ [البقرة:45]. وهذه الصلاةُ شاقّة على غير المؤمنين، وشاقّة على المنافقين ومن ليس مصدِّقًا بها، وسهلة على أهل الإيمان، وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلاَّ عَلَى ٱلْخَـٰشِعِينَ ٱلَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُم مُّلَـٰقُوا رَبّهِمْ وَأَنَّهُمْ إِلَيْهِ رٰجِعُونَ [البقرة:45، 46]، فالموقنون بلقاءِ الله يحبّون هذه الصلاة، ويرغبون في هذه الصّلاة، ويرتاحون لهذه الصّلاة، فهذه الصّلاة أسعدُ لحظاتِهم، أسعدُ لحظاتِهم تلك اللّحظاتُ التي يقِف فيها العبد يناجي ربَّه ويسأله من فضلِه وكرمِه.
أيّها المسلم، إنّ لهذه الصلاة فضلاً عظيمًا وخيرًا كثيرًا، يقول مبيِّنًا فضلَ هذه الصّلوات: ((الصلوات الخمسُ والجمعة إلى الجمعة ورمضان إلى رمضان مكفِّرات لما بينهنّ إذا اجتُنبت الكبائر))[1]، وبيّن أنّ هذه الصلاةَ تحطّ خطايا العبدِ وتطهّره، يقول : ((مثَل هؤلاء الصلواتِ الخمس كمثل نهرٍ جار ببابِ أحدكم، يغتسل منه كلَّ يوم خمسَ مرات، هل يبقى من درنه شيء؟)) قالوا: لا يبقى من درَنه شيء، قال: ((فكذلك الصلواتُ الخمس، يمحو الله بهنّ الذّنوب والخطايا))[2].
أخي المسلم، إنّ اهتمامَك بالصلاة وعنايتَك بها دليل على إيمانك، دليلٌ على خوفك من الله، دليل لرجائك ما عند الله. إنّ عنايتك بالصلاة دليل على الإيمانِ ودليلٌ على الخير ودليلٌ على الصّلاح.
فاستقِم عليها أخي المسلم، وحافِظ عليها والزَمها، ورَبِّ أبناءك وبناتِك على هذه الصلوات، على العناية بها والاهتمام بشأنِها وتعظيمِها ليكونوا من المؤمنين حقًّا.
أيّها المسلمون، إنّ بعضَ المسلمين ـ هدانا الله وإيّاهم ـ سهُل عليهم أمر الصّلاة، فاستخَفّوا بها، ولم يبالوا بها، وضعُف تعظيمها في قلوبهم، فمِنهم من قد يؤدّيها وقتًا ويتركها أوقاتًا، ومنهم ـ والعياذ بالله ـ من لا يصلّي لله صلاةً في يومه وليلته، يعيش في نِعَم الله، ويتقلّب في نِعم الله، وما سجَد لله سجدةً عياذًا بالله من زيغ القلب.
أيّها المسلم، إنّ استخفافَك بالصّلاة وعدمَ مبالاتِك بها دليل على استخفافِك بالإسلام وعدم رغبتِك في الإسلام، فحظّك من الإسلام على قدر حظِّك من الصلاة، فإن كنتَ ممّن يحافظ عليها دلّ على إسلامك، وإن كنتَ مضيًِّعًا لها دلّ على عدمِ إسلامك والعياذ بالله.
فيا أخي المسلم، حافِظ على هذه الفرائض، وادعُ لها من تحت يدِك، وادع لها أصدقاءَك وجلساءَك، وحبّبهم إليها، وحبّبها أهلَهم، ادعُهم إليها، ورغّبهم فيها، حبِّب إليهم الصّلاة، ورغّبهم فيها، وادعُهم إليها، فإنّ ذا واجبُ المسلم على المسلم؛ لأنّ من حافظ عليها نجا مِن الكفرِ برحمةِ أرحم الرّاحمين، ومن استخفّ بها يُخشَى عليه أن يلقَى الله على غير الإسلام.
أيّها المسلمون، إنّ الله ذمّ المنافقين بقوله: إِنَّ ٱلْمُنَـٰفِقِينَ يُخَـٰدِعُونَ ٱللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ وَإِذَا قَامُواْ إِلَى ٱلصَّلَوٰةِ قَامُواْ كُسَالَىٰ يُرَاءونَ ٱلنَّاسَ وَلاَ يَذْكُرُونَ ٱللَّهَ إِلاَّ قَلِيلاً [النساء:142]، فانظر كيفَ ذمّهم، يُخَـٰدِعُونَ ٱللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ وَإِذَا قَامُواْ إِلَى ٱلصَّلَوٰةِ قَامُواْ كُسَالَىٰ، لا رغبةَ لهم فيها، ولا محبّة لهم لها، ولا طمعَ لهم فيها، قَامُواْ كُسَالَىٰ يُرَاءونَ ٱلنَّاسَ بصلاتهم، لم يصلّوا صلاةً خالصة لله، وإنّما هي رياء وسُمعة، ليحقِنوا دماءَهم، ويعصِموا دماءهم وأموالهم، وأيضًا يقومون لها بقلوبٍ فارغة من كلّ خير، وَلاَ يَذْكُرُونَ ٱللَّهَ إِلاَّ قَلِيلاً، يصلّون بأبدانِهم، وقد كفروا بها بقلوبِهم، وكذّبوا بها بقلوبِهم، فلم ينفعْهم ذلك.
أيّها المسلمون، في كتابِ الله ذمٌّ لمن ترك الصّلاة ووعيدٌ شديد عليه، يقول الله جلّ وعلا مبيّنًا حالَ أهل النّار إذا دخلوها، إذا سئلوا: ما سلكَكم في سقر؟ أجابوا: لَمْ نَكُ مِنَ ٱلْمُصَلّينَ وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ ٱلْمِسْكِينَ وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ ٱلُخَائِضِينَ وَكُنَّا نُكَذّبُ بِيَوْمِ ٱلدّينِ حَتَّىٰ أَتَـٰنَا ٱلْيَقِينُ فَمَا تَنفَعُهُمْ شَفَـٰعَةُ ٱلشَّـٰفِعِينَ [المدثر:43-48]، إذًا فترك الصّلاة سبب لصَلي النّار والعياذ بالله. ويذمّ الله خلَفَ سوءٍ تركوا الصّلاة وأضاعوها: فَخَلَفَ مِن بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُواْ ٱلصَّلَـوٰةَ وَٱتَّبَعُواْ ٱلشَّهَوٰتِ فَسَوْفَ يَلْقُونَ غَيًّا [مريم:59]، وادٍ في جهنّم لو سيِّرت فيه جبال الدّنيا لذابت من شدّة حرّه، هكذا قال بعض السلف. وتوعّد بالوَيل السّاهين عنها: فَوَيْلٌ لّلْمُصَلّينَ ٱلَّذِينَ هُمْ عَن صَلَـٰتِهِمْ سَاهُونَ [الماعون:4، 5]. ويومَ القيامة إذا أراد تاركُ الصّلاة السّجود لم يستطِع، يَوْمَ يُكْشَفُ عَن سَاقٍ وَيُدْعَوْنَ إِلَى ٱلسُّجُودِ خَـٰشِعَةً أَبْصَـٰرُهُمْ تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ وَقَدْ كَانُواْ يُدْعَوْنَ إِلَى ٱلسُّجُودِ، أي: في الدنيا وَهُمْ سَـٰلِمُونَ [القلم:42، 43]. ويقول ربّنا جلّ وعلا: فَإِن تَابُواْ وَأَقَامُواْ ٱلصَّلَوٰةَ وَءاتَوُاْ ٱلزَّكَوٰةَ فَإِخْوَانُكُمْ فِي ٱلدّينِ [التوبة:11]، فدلّ على أنّ عدمَ إقام الصلاة تنتفي [معه] أخوّة الإسلام، فَإِن تَابُواْ وَأَقَامُواْ ٱلصَّلَوٰةَ وَءاتَوُاْ ٱلزَّكَوٰةَ فَخَلُّواْ سَبِيلَهُمْ [التوبة:5]، إذًا إن لم يقيموها فإنّه لا يُخلَّى سبيلهم، وفي الحديثِ عنه : ((العهدُ الذي بينَنا وبينَهم الصّلاة، فمن تركها فقد كفَر))[3]، وأخبر أنّ من ترَك الصلاةَ فقد برِئت منه ذمّة الله[4].
فيا معشرَ المسلمين، اهتمّوا بهذه الفريضَة، ولتكن عنايتُكم بها عظيمة، وأحبّوا هذه الصّلاة، وارغَبوا فيها، وأحضِروا قلوبَكم عند أدائها، فإنّ الله أوجبها على المسلمين عامّة، ذكورهم وإناثِهم، أحرارِهم وعبيدهم، جميعًا مطالبون بالصلاة.
إنّ فرائضَ الإسلام مِن الزكاة والصّوم والحجّ لها شأن أقلّ من الصّلاة، فإنّ الزكاة تجب في الحولِ مرّة، والصّوم في العام مرّة، والحجّ في العمر مرّة، والصّيام قد يعدل بإطعام، والحج قد يسقط عن العاجِز، ولا زكاةَ إلا في مالٍ +ويّ بالغًا النّصاب، أمّا الصلاة فلها خاصّية أخرى، تجِب على المريض كما تجب على الصّحيح، وتجب على المسافر كما تجب على المقيم، وتجِب على الخائِف كما تجِب على الآمن، فما دام العقل حاضرًا فهو مطالب بأداء الصّلاة، ولو قَدِّر عجزُه عن الطّهارة أو عجزه عن استقبال القبلة أو عجزه عن إزالة النّجاسة كلّ هذه ليست أعذارًا لترك الصلاة.
الصّلاة عبادةٌ تعبُد الله بها، وتترجِم بها عمّا في قلبك من الإيمان. إنّها عبادة في اليوم والليلة خمسَ مرّات لعظيم شأنها وأهمّيتها، افترضها الله على نبيّه لما عُرج به ليلةَ الإسراء، وخاطبَه بها مُشافهة، فافترضها خمسين، وما زال موسى يقول لمحمّد: اسأل ربَّك التخفيفَ، فإنّي عالجتُ بني إسرائيلَ على أقلّ من ذلك فعجزوا، حتّى جعلها الله خمسًا، فهي خمس في العدَد وخمسون في الميزان[5].
أيّها المسلم، حافِظ على هذه الصّلوات، وعظِّم شأنَها، قال عبد الله بن عباس رضي الله عنهما: لمّا طعِن عمر رضي الله عنه تحامَلتُ أنا وأناس من الأنصار حتّى أوصلناه دارَه، فلمّا دخل بيتَه غشِي عليه رضي الله عنه، فأغمِي عليه، فلمّا أفاق بعدَ طلوع الشّمس قال: هل صلّى الناس؟ قلنا: نعم، قال: (لا حظَّ في الإسلام لمن ترَك الصّلاة)[6]. ويقول عبد الله بن عمرو بن العاص: إنّ النبيّ قال: ((من حفِظها وحافظ عليها كانت له نورًا ونجاة يوم القيامة، ومن لم يحافِظ عليها لم تكن له نورًا ولا نجاة يومَ القيامة، وحشِر مع فرعونَ وهامان وقارون وأبيّ بن خلف))[7] أئمّةِ الكفر والضّلال، قال العلماء: مَن اشتغل عنها برئاسته وزعامتِه حشِر مع فرعون، ومن اشتغَل عنها بوزارتِه حشِر مع هامان، ومن اشتغل عنها بجاهِه وماله حشِر مع قارون، ومن اشتغل عنها بالتّجارة حشِر مع أبيّ بن خلف، أئمّة الكفر والضّلال.
فإيّاك ـ أخي المسلم ـ أن يشغلَك عنها مال أو وَلد، أو يشغلَك عنها مناصبُ أو جاه، حافِظ عليها، وتقرّب إلى الله بأدائها، فللمؤدِّين لها راحةٌ في نفوسهم و+اةٌ في قلوبهم وأخلاقِهم، ويرجَى لهم أن يوفَّقوا لعملٍ صالح، ومن ضيَّع الصّلاة فهو لما سواها أضيَع، ومن حافظ عليها فإنّه يرجَى أن يحافِظ على غيرِها.
فاهتمّوا بصلاتكم، وعظّموها رحِمكم الله، وربّوا الأولادَ من بنينَ وبنات وأهل البيت جميعًا على هذه الصّلاة، على العنايةِ بها والاهتمام بشأنِها، العناية بوضوئها، والعناية بأدائها، وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِٱلصَّلوٰةِ وَٱصْطَبِرْ عَلَيْهَا لاَ نَسْأَلُكَ رِزْقًا نَّحْنُ نَرْزُقُكَ وَٱلْعَـٰقِبَةُ لِلتَّقْوَىٰ [طه:132].
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإيّاكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول قولي هذا، وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم ولسائر المسلمين من كلّ ذنب، فاستغفروه وتوبوا إليه، إنّه هو الغفور الرحيم.
[1] أخرجه مسلم في الطهارة (233) عن أبي هريرة رضي الله عنه.
[2] أخرجه البخاري في مواقيت الصلاة (528)، ومسلم في الطهارة (233) عن أبي هريرة رضي الله عنه.
[3] أخرجه أحمد (5/355)، والترمذي في الإيمان (2621)، والنسائي في الصلاة (463)، وابن ماجه في إقامة الصلاة (1079) من حديث بريدة رضي الله عنه، وقال الترمذي: "هذا حديث حسن صحيح غريب"، وصححه ابن حبان (1404)، والحاكم (1/6، 7)، ووافقه الذهبي، وهو في صحيح الجامع (4143).
[4] أخرجه ابن ماجه في الفتن (4034) عن أبي الدرداء رضي الله عنه، قال الهيثمي في المجمع (4/217): "رواه الطبراني وفيه شهر بن حوشب وحديثه حسن وبقية رجاله ثقات"، وقال البوصيري في مصباح الزجاجة (4/190): "هذا إسناد حسن، شهر مختلف فيه"، وله شواهد كثيرة منها عن أم أيمن ومعاذ بن جبل وابن عباس وعبادة رضي الله عنهم، ولذا حسنه الألباني في صحيح سنن ابن ماجه (3259).
[5] قصة فرض الصلاة أخرجها البخاري في المناقب (3887)، ومسلم في الإيمان (164) من حديث مالك بن صعصعة رضي الله عنه بنحوه.
[6] أخرجه المروزي في تعظيم قدر الصلاة (924) بهذا السياق، وأخرجه أيضا مالك في الموطأ (1/39)، ومن طريقه البيهقي في السنن (1/357)، وعبد الرزاق (3/125)، وابن أبي شيبة في المصنف (7/438، 439) وفي الإيمان (ص34)، والطبراني في الأوسط (8/130)، وقال الهيثمي في المجمع (1/295): "رجاله رجال الصحيح"، وقال الألباني: "صحيح الإسناد على شرط الشيخين".
[7] أخرجه أحمد (2/ 169)، والدارمي في الرقاق، باب: في المحافظة على الصلاة (2721)، والطبراني في الأوسط (1788) من حديث عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما، وصححه ابن حبان (1467)، قال المنذري في الترغيب (820): "رواه أحمد بإسناد جيد"، وقال الهيثمي في المجمع (1/ 292): "رواه أحمد والطبراني في الكبير والأوسط، ورجال أحمد ثقات"، وأورده الألباني في ضعيف الترغيب (312).
الخطبة الثانية
الحمد لله حمدًا كثيرًا طيّبًا مباركًا فيه كما يحبّ ربّنا ويرضى، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أنّ محمّدًا عبده ورسوله، صلّى الله عليه وعلى آله وصحبه، وسلّم تسليمًا كثيرًا إلى يوم الدين.
أمّا بعد: فيا أيّها الناس، اتقوا الله تعالى حقَّ التقوى.
أيّها المسلم، إيّاك أن تجالس تاركَ الصلاة، فتاركُ الصلاة لا خيرَ فيه، وتارك الصلاة مرتكبٌ ذنبًا عظيمًا وجُرمًا كبيرًا، فإنّ ترك الصلاة من أعظمِ المعاصي وأكبرِ الكبائر، إنّ تركَ الصلاة أعظمُ عند الله من السّرقة وقتل النّفوس ونهبِ الأموال، إنّها عظيمة عند الله، فإيّاك ومجالسةَ تارك الصلاة إلاّ أن ترجوَ نصيحتَه وتوجيهه، فإن أبى فإيّاك أن تصاحبَه، وإيّاك أن تجالسَه، وإيّاك أن تأنَس به، فإنّه عدوّ لله، معلنٌ عصيانَ الله، معلِن عدمَ انقياده لشرع الله، معلِن لمفارقتِه للإسلام، فإيّاك ومصاحبَة تاركِ الصلاة، وإيّاك ومعاملةَ تارك الصلاة، فتاركُ الصّلاة قد خان أمانتَه وعصى ربَّه وارتكبَ من الجُرم ما ارتكب، فإيّاك أن تطمئنّ إليه أو تستأنِس به أو تأنَس بالجلوس معه وهو مضيّع لأعظمِ فرائض الإسلام، قد ضيّع ذلك الركنَ العظيم، واستخفّ بذلك الركنِ العظيم، [وذلك] دليلٌ على استخفافِه بإسلامِه وعدمِ رغبتِه في دينِه، فكن على حذَر من تاركِ الصّلاة، أن لا يوسوسَ عليك ويستدرجَك فتضيِّع الصلاةَ كما ضيّعها، وتستخفَّ بها كما استخفّ بها، فإنّك تجلس معه، فيسمع الأذانَ ولا يحرّك ساكنًا، وربّما أشغلك عن الفريضةِ بترّهات الأشياء، فكن على حذَر من هذا المجرِم، خذ حِذرك منه ومِن مجالسته ومِن الأنس به، فإنّه قد عصى الله ورسولَه، وأعلن حربًا على الله ورسوله، فلا خيرَ في مصاحبَة تارِك الصلاة، ولا خيرَ في العيشةِ مع تاركِ الصّلاة، فإنّ المسلمين لو سلكوا هذا المسلكَ وأعلنوا مقاطعتَهم لتارك الصّلاة وأبغضوا تاركَ الصلاة وهجَروا تاركَ الصلاة، فربّما يرتدِع من يرتدِع، ويرجِع إلى الهدى مَن يرجع.
نسأل الله أن يعينَنا على ذلك، وأن يجعلنا من المقيمين للصّلاة المحافظين عليها الملازمين لها إلى أن نلقى الله جلّ جلاله.
واعلموا ـ رحمكم الله ـ أنَّ أحسنَ الحديثِ كتاب الله، وخير الهدي هدي محمّد ، وشرّ الأمور محدثاتها، وكلّ بدعةٍ ضلالة، وعليكم بجماعة المسلمين، فإنّ يد الله على الجماعة، ومن شذّ شذّ في النّار.
وصلّوا ـ رحمكم الله ـ على محمّد امتثالاً لأمرِ ربّكم فقال عزّ مِن قائل: إِنَّ ٱللَّهَ وَمَلَـٰئِكَـتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى ٱلنَّبِىّ يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ صَلُّواْ عَلَيْهِ وَسَلّمُواْ تَسْلِيمًا [الأحزاب:56].
اللهمَّ صلِّ وسلِّم وبارك على عبدِك ورسولك محمّد، وارضَ اللهمَّ عن خلفائِه الرّاشدين...
| |
|