molay مدير مراقب
البلد : المغرب الجنس : عدد المساهمات : 11945 تاريخ التسجيل : 17/12/2009 الموقع : STARMUST2
بطاقة الشخصية الدرجة: (1365/1365)
| موضوع: أهمية التوحيد والتحذير من الشرك - عبد العزيز بن عبد الله آل الشيخ / الرياض الإثنين 26 ديسمبر - 6:45:29 | |
|
أهمية التوحيد والتحذير من الشرك
عبد العزيز بن عبد الله آل الشيخ / الرياض
الخطبة الأولى
أمّا بعد: فيا أيّها الناس، اتقوا الله تعالى حقَّ التقوى.
عباد الله، يقول الله جل جلاله: يَـٰأَيُّهَا ٱلنَّاسُ ٱعْبُدُواْ رَبَّكُمُ ٱلَّذِىْ خَلَقَكُمْ وَٱلَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ [البقرة:21].
أيّها المسلمون، يأمر الله جميعَ عباده بقوله لهم: يَـٰأَيُّهَا ٱلنَّاسُ ٱعْبُدُواْ رَبَّكُمُ، يأمرهم بعبادته، بتوحيده وطاعته، بإخلاصِ الدّين له، بأن تكونَ كلّ عباداتهم لربّهم خالصةً، لا يشركون مع الله غيرَه في أيّ نوع من أنواع العبادة، فإنّ العبادةَ هي أعظمُ واجبٍ على العباد، عبادة الله بتوحيده جلّ وعلا وصرفِ كلّ أنواع العبادة له وأن لا يشرَك معه غيرُه في أيّ نوع من أنواع العبادة.
فالتّوحيد أعظمُ الواجبات، أعظمُ واجبٍ على العبد توحيدُه لله وإخلاصه الدينَ له، فإنّ الله إنّما خلق الخلق لهذا، وَمَا خَلَقْتُ ٱلْجِنَّ وَٱلإِنسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ مَا أُرِيدُ مِنْهُم مّن رّزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَن يُطْعِمُونِ [الذاريات:56، 57]، فما خلق الله الثقلين جنَّهم وإنسَهم إلاّ لأجل غاية واحدة هي عبادتُهم له جلّ وعلا بإخلاصِ الدين له وإفراده بجميع أفعالِهم من دعاء ورجاءٍ وذبح ونذر وغير ذلك من أنواع العبادة، فتتألّه قلوبُهم ربَّ العالمين محبَّةً وخوفًا ورجاءً، ولأجل هذا التوحيد أنزل الله كتبه، الر كِتَابٌ أُحْكِمَتْ ءايَـٰتُهُ ثُمَّ فُصّلَتْ مِن لَّدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ ٱللَّهَ [هود:1، 2]، تَنزِيلُ ٱلْكِتَـٰبِ مِنَ ٱللَّهِ ٱلْعَزِيزِ ٱلْحَكِيمِ إِنَّا أَنزَلْنَا إِلَيْكَ ٱلْكِتَـٰبَ بِٱلْحَقّ فَٱعْبُدِ ٱللَّهَ مُخْلِصًا لَّهُ ٱلدّينِ [الزمر:1، 2]، ولأجله أرسل جميعَ الرسل ليدعوا العبادَ إلى توحيد الله ويعرّفوهم هذا الواجبَ العظيم الذي لأجله خُلِقوا، وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِى كُلّ أُمَّةٍ رَّسُولاً أَنِ ٱعْبُدُواْ ٱللَّهَ وَٱجْتَنِبُواْ ٱلْطَّـٰغُوتَ [النحل:36]، فالرّسل بُعِثوا للدعوة إلى هذا الأصل العظيم، فما أمّة من الناس إلا بُعث لهم رسول ليقيم حجَّةَ الله عليهم بدعوتِهم إلى توحيده جلّ وعلا.
وأخبر تعالى أنّ دعوة الرّسل جميعًا اتّفقت على هذا الواجبِ العظيم، فبه افتتَح الرّسل جميعُهم دعوتَهم أممَهم، قال تعالى: وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ إِلاَّ نُوحِى إِلَيْهِ أَنَّهُ لا إِلَـٰهَ إِلاَّ أَنَاْ فَٱعْبُدُونِ [الأنبياء:25].
هذا التوحيدُ من حقّقه التحقيقَ الكامل فإنّه بفضلٍ من الله ورحمته يدخل الجنّةَ بغير حِساب، في حديث عتبان: ((فإنّ الله حرّم على النّار من قال: لا إله إلا الله يبتغي بذلك وجهَ الله))[1]. ويُخرج من النّار في قلبه مثقالُ ذرّة من هذا التوحيد، في الحديث: ((يقول الله: أخرِجوا من النّار من في قلبه مثقالُ ذرّة من إيمان))[2].
هذا التوحيدُ أساسٌ لقبول كلِّ الأعمال، فالأعمال كلُّها متوقِّفٌ قبولها واعتبارها على تحقيق هذا الأصل العظيم عبادةِ الله وحدَه لا شريك له، قال تعالى: وَقَدِمْنَا إِلَىٰ مَا عَمِلُواْ مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاء مَّنثُورًا [الفرقان:23]، فكلّ أعمالِ المشركين العابدين غيرَ الله هي يومَ القيامة هباء منثور، لا اعتبارَ لها ولا ميزانَ لها.
وبيّن تعالى لرسوله هذا الأمرَ العظيم فقال: وَلَقَدْ أُوْحِىَ إِلَيْكَ وَإِلَى ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ ٱلْخَـٰسِرِينَ [الزمر:65]، وقال عن أنبيائه لمّا عدّهم: وَلَوْ أَشْرَكُواْ لَحَبِطَ عَنْهُمْ مَّا كَانُواْ يَعْمَلُونَ [الأنعام:88].
أيّها المسلمون، هذا التوحيد أصلُ الأصول الذي خلِقنا لأجلِه، أن نعلمَ أنّ العبادة حقّ لربّنا جلّ وعلا، فنفرده بكلّ عباداتنا محبَّةً له وذلاًّ وخوفًا منه وطمعًا فيما عنده من الثواب، نعلم حقًّا أنّ ربَّنا خالقُنا وخالق السموات والأرض والمتصرّف في كلّ الكون، حياتُنا بيدِه، موتُنا بيدِه، رزقنا بيده، مالك النّفع والضرّ، السميع البصير، العالم بكلّ شيء، فهو المستحقّ أن نقصدَه بالعبادة، هو المستحقّ إذا لجأنا أن نلتجئ إليه جلّ وعلا، فندعوه وحدَه لأنّه قريبٌ مجيب، الذي يقول لنا: وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنّي فَإِنّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ ٱلدَّاعِ إِذَا دَعَانِ [البقرة:186]، والذي يقول لنا: أَمَّن يُجِيبُ ٱلْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ ٱلسُّوء [النمل:62]، والذي يقول لنا: ٱدْعُونِى أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ ٱلَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِى سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دٰخِرِينَ [غافر:60].
إذًا فأولئك الذين يدعون غيرَ الله ويؤمّلون في غير الله ويعلّقون آمالهم بغير الله إنّهم على غايةٍ من الضلال والبعد عن الهدى، لماذا؟ لأنّ هذا الدعاءَ يُصرَف لأموات وغائبين، [لا يعلَمون حالَ داعِيهم ولا يسمعونه]، ولو سمِعوا ما استجابوا، قال تعالى: وَٱلَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِهِ مَا يَمْلِكُونَ مِن قِطْمِيرٍ إِن تَدْعُوهُمْ لاَ يَسْمَعُواْ دُعَاءكُمْ [فاطر:13، 14]، ما بين أمواتٍ وغائبين، ما بين جنٍّ وملائكةٍ وغيرهم، إِن تَدْعُوهُمْ لاَ يَسْمَعُواْ دُعَاءكُمْ وَلَوْ سَمِعُواْ مَا ٱسْتَجَابُواْ لَكُمْ [فاطر:14]، فعسى أن يخلِّصوا أنفسَهم فضلاً أن ينفَعوا غيرَهم، وثالثًا: وَيَوْمَ ٱلْقِيَـٰمَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِـكُمْ [فاطر:14]، ويتبرّؤون منكم ومن عبادتِكم ومن دعائِكم لهم، إذًا أنتم في غايةٍ من الضلال.
أيّها المسلم، إنّ المشركَ قد ارتكب ظلمًا عظيمًا وجُرمًا كبيرًا، عبَد غيرَ الله، وتألّه غيرَ الله، وأمَّل في غير الله، وتعلّق قلبُه بغير الله، تعلّق بمن ادّعى به الولاية أو الصلاح أو غيرَ ذلك، وكلّ أولئك لا ينفعون داعيَهم ولا يسمعون دعاءَه، وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّن يَدْعُو مِن دُونِ ٱللَّهِ مَن لاَّ يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلَىٰ يَوْمِ ٱلْقِيَـٰمَةِ وَهُمْ عَن دُعَائِهِمْ غَـٰفِلُونَ وَإِذَا حُشِرَ ٱلنَّاسُ كَانُواْ لَهُمْ أَعْدَاء وَكَانُواْ بِعِبَادَتِهِمْ كَـٰفِرِينَ [الأحقاف:5، 6]. فإذا كان حالُه كذلك؛ لا يستجيب لي إلى يوم القيامة، وهو غافلٌ عنّي مشغول بحاله، ويومَ القيامة يوم الاحتياج يتبرّأُ منّي ومن عبادتي، فلماذا أعبدُ هذا المخلوق؟! ولماذا أعلّق أملي بهذا المخلوق، وأنسى وأنصرِف عن الحيّ القيوم الذي لا تأخذه سنةٌ ولا نوم؟! يَسْأَلُهُ مَن فِى ٱلسَّمَـٰوٰتِ وَٱلأَرْضِ كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِى شَأْنٍ [الرحمن:29].
أيّها المسلم، إنّ محمّدًا خاتم أنبياءِ الله ورسله ابتدأ دعوتَه لقومه بدعوتِهم إلى توحيد الله، إلى إخلاص الدّين لله، إلى البراءة من كلّ معبودٍ يعبدونه من دون الله، إلى أن يتركوا ما كان يعبده أسلافُهم من الأشجارِ والأحجار. دعاهم إلى أن يقولوا كلمَة الإخلاص: "لا إله إلا الله"، دعاهم إلى هذه الكلمة، أن ينطقَ بها ألسنتُهم ويعملوا بمقتضاها، ولمّا فهِموا أنّ هذه الكلمةَ تلزمهم إفرادَ الله بالعبادة وترك ما كانوا عليه من شركهم بالله قالوا: أَجَعَلَ ٱلآلِهَةَ إِلَـٰهًا وٰحِدًا إِنَّ هَـٰذَا لَشَىْء عُجَابٌ [ص:5]، فلم ينطقوا بها تكبُّرًا عنها وكراهيةً أن يقولوا قولاً يناقض ما هم عليه من الباطل والضّلال، قال تعالى عنهم: إِنَّهُمْ كَانُواْ إِذَا قِيلَ لَهُمْ لاَ إِلَـٰهَ إِلاَّ ٱللَّهُ يَسْتَكْبِرُونَ وَيَقُولُونَ أَءنَّا لَتَارِكُو ءالِهَتِنَا لِشَاعِرٍ مَّجْنُونٍ [الصافات:35، 36]، قال الله: بَلْ جَاء بِٱلْحَقّ وَصَدَّقَ ٱلْمُرْسَلِينَ [الصافات:37].
إنّ محمّدًا مكث أكثرَ من عشرِ سنين، مهمّتُه تأسيسُ هذه العقيدةِ وتثبيتها في النفوس، والجدالُ عنها والنّضال عنها، ودحض شبَه المبطِلين وردّ أباطيلهم بما أنزل الله عليه من كتابه العزيز المبيّن لفسادِ تصوّر المشركين وضلالهم. بيّن الله جلّ وعلا لهم في كتابه العزيز أنّ الأنبياءَ والملائكة وكلّ الأولياء برآء من كلّ من عبَدهم من دون الله، برآء من كلّ من جعلهم أندادًا لله، برآء من كلّ من قصدَهم دون الله، فهذا عيسى ابن مريم يقول الله له يومَ القيامة: يٰعِيسَى ٱبْنَ مَرْيَمَ أَءنتَ قُلتَ لِلنَّاسِ ٱتَّخِذُونِى وَأُمّىَ إِلَـٰهَيْنِ مِن دُونِ ٱللَّهِ [المائدة:116]، يقول الله له وهو أعلم، لكن ليقيمَ الحجّة على أولئك الضالين: قَالَ سُبْحَـٰنَكَ مَا يَكُونُ لِى أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِى بِحَقّ [المائدة:116]، أجل، إنّه لا حقَّ له في ذلك، إِن كُنتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ تَعْلَمُ مَا فِى نَفْسِى وَلاَ أَعْلَمُ مَا فِى نَفْسِكَ إِنَّكَ أَنتَ عَلَّـٰمُ ٱلْغُيُوبِ مَا قُلْتُ لَهُمْ إِلاَّ مَا أَمَرْتَنِى بِهِ أَنِ ٱعْبُدُواْ ٱللَّهَ رَبّى وَرَبَّكُمْ [المائدة:116، 117]، فعيسَى قال لقومه: اعبدوا الله ربّي وربَّكم، ما قال لهم: اعبدوني، ولا اتخذوني إلهًا، ولا اجعلوني واسطةً بينكم وبينَ الله، بل قال لهم: اعبدوا الله ربّي وربَّكم.
وملائكةُ الرحمن يسألهم الله يومَ القيامة ليردَّ على أولئك المتعلِّقين بهم، يقول الله لملائكة: أَهَـؤُلاَء إِيَّاكُمْ كَانُواْ يَعْبُدُونَ [سبأ:40]، ماذا يقولون؟ سُبْحَـٰنَكَ أَنتَ وَلِيُّنَا مِن دُونِهِمْ بَلْ كَانُواْ يَعْبُدُونَ ٱلْجِنَّ أَكْـثَرُهُم بِهِم مُّؤْمِنُونَ [سبأ:41]، فلا علمَ لنا بعبادتِهم، ولا أمَرنَاهم بذلك، ولا ارتضَينا منهم ذلك.
هكذا أنبياءُ الله وملائكته وكلُّ من عُبِد من دون الله، إِذْ تَبَرَّأَ ٱلَّذِينَ ٱتُّبِعُواْ مِنَ ٱلَّذِينَ ٱتَّبَعُواْ وَرَأَوُاْ ٱلْعَذَابَ وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ ٱلأسْبَابُ وَقَالَ ٱلَّذِينَ ٱتَّبَعُواْ لَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً فَنَتَبَرَّأَ مِنْهُمْ كَمَا تَبَرَّءواْ مِنَّا كَذٰلِكَ يُرِيهِمُ ٱللَّهُ أَعْمَـٰلَهُمْ حَسَرٰتٍ عَلَيْهِمْ وَمَا هُم بِخَـٰرِجِينَ مِنَ ٱلنَّارِ [البقرة:166، 167].
إذًا أيّها الإخوة، فتوحيدُ الله فرضٌ على كلّ مسلم ومسلمة، أن يعتقدَ أنّ الله وحدَه المعبود، وأنّ الله وحدَه المقصود، وأنّ الله الذي يدعَى ويرجَى لا يرجَى ويدعى غيرُه، وأنّ كلّ أنواع العبادة يجب أن تكونَ لله خالصة، وأنّ أولئك الداعين للأمواتِ والصالحين عندَ القبور والطائفين بها والذّابحين لها والنّاذرين لها والمعلّقين بها آمالَهم هم في ضلالٍ مبين وكفرٍ وشرك بالله ومفارقةٍ لدين الإسلام؛ لأنّ دين الإسلام مبنيّ على أن يكونَ الله وحدَه المعبود دون سواه، فهذا التوحيدُ أعظم حقٍّ لله علينا، يقول لمعاذ: ((أتدري ما حقّ الله على العباد، وما حقّ العباد على الله؟)) قال معاذ: قلت: الله ورسوله أعلم، قال: ((حقّ الله على العباد أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئًا، وحقّ العباد على الله أن لا يعذّبَ من لا يشرك به شيئًا))[3].
أيّها المسلم، الموحّدون لله لهم الأمانُ يومَ القيامة، ولهم الاهتداء التامّ في الدنيا والآخرة، ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ وَلَمْ يَلْبِسُواْ إِيمَـٰنَهُمْ بِظُلْمٍ أُوْلَـئِكَ لَهُمُ ٱلأمْنُ وَهُمْ مُّهْتَدُونَ [الأنعام:82].
الموحّدون مهما تكن حالهم فمآلهم برحمةِ الله إلى دخولِ الجنّة، إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاء [النساء:48]، أمّا عُبّاد غير الله فالنّار مقرُّهم، لا يشفَع فيهم شافع، ولا ينفعهم أيّ عمل، قال تعالى: إِنَّهُ مَن يُشْرِكْ بِٱللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ ٱللَّهُ عَلَيهِ ٱلْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ ٱلنَّارُ وَمَا لِلظَّـٰلِمِينَ مِنْ أَنصَارٍ [المائدة:72]، فما تنفعهم شفاعة الشّافعين.
المشركون بالله يدّعون أنّ أولئك المعبودين وسائطُ بينهم وبين الله، يرفعون إلى الله حاجاتِهم، ويشفعون لهم عندَ الله، وهذا من أعظم الضّلال، فقد بيّن الله فسادَ ذلك، وبيّن أنّ شركَهم هكذا، قال جلّ وعلا عنهم: إِنَّا أَنزَلْنَا إِلَيْكَ ٱلْكِتَـٰبَ بِٱلْحَقّ فَٱعْبُدِ ٱللَّهَ مُخْلِصًا لَّهُ ٱلدّينِ أَلاَ لِلَّهِ ٱلدّينُ ٱلْخَالِصُ وَٱلَّذِينَ ٱتَّخَذُواْ مِن دُونِهِ أَوْلِيَاء مَا نَعْبُدُهُمْ إِلاَّ لِيُقَرّبُونَا إِلَى ٱللَّهِ زُلْفَى [الزمر:2، 3]، هكذا يقولون، ولمّا كانت دعوًى باطلة ودعوًى كاذبة فاسدة، لأنّ الوسائط بيننا وبين الله هم رسلُ الله فيما يبلّغونا عن الله، ورسول الله واسطةٌ بيننا وبين الله في شرعه ودينِه، أمّا العبادة فهي حقّ لله، ولا وساطة بيننا وبين ربّنا في توحيده وإخلاص الدّين له.
محمّد أكمل الخلق وأفضلُهم ينادي عمَّه العبّاس: ((يا عبّاس، لا أغني عنك من الله شيئًا. يا فاطمة بنت محمد، لا أغني عنك من الله شيئًا. يا صفيّة عمّة رسول الله، لا أغني عنك من الله شيئًا))[4]، إن لم توحّدوه وتخلصوا الدّين له.
وهو دعا إلى هذا التوحيد، وحمى حِمى التوحيد، وأغلق كلّ وسيلة تفضي إلى الشّرك، فيقول في آخر حياتِه: ((لعن الله اليهودَ والنصارى؛ اتخذوا قبورَ أنبيائهم مساجد))، قال الصّحابة: يحذِّر ما صنعوا[5]، ولولا ذلك لأبرِزَ قبره[6]، ويقول: ((لا تطروني كما أطرت النّصارى ابنَ مريم، إنّما أنا عبد، فقولوا: عبد الله ورسوله))[7]، وقال: ((صلّوا عليّ، فإنّ تسليمكم يبلغني أين كنتم))[8].
فهو لا يرضى أن يُشرَك مع الله في عبادتِه، إذ العبادة كلّها لله حقّ، يأمره الله أن يقولَ: قُلْ إِنّى لاَ أَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَلاَ رَشَدًا قُلْ إِنّى لَن يُجِيرَنِى مِنَ ٱللَّهِ أَحَدٌ وَلَنْ أَجِدَ مِن دُونِهِ مُلْتَحَدًا [الجن:21، 22]، قُل لا أَمْلِكُ لِنَفْسِى نَفْعًا وَلاَ ضَرّا إِلاَّ مَا شَاء ٱللَّهُ وَلَوْ كُنتُ أَعْلَمُ ٱلْغَيْبَ لاسْتَكْثَرْتُ مِنَ ٱلْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِىَ ٱلسُّوء [الأعراف:188]، ويقول الله مبكِّتًا المشركين: وَٱلَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ لاَ يَخْلُقُونَ شَيْئًا وَهُمْ يُخْلَقُونَ أَمْوٰتٌ غَيْرُ أَحْيَاء وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ [النحل:20، 21]، هكذا حَال المعبودين من دون الله.
فكن ـ أيّها المسلم ـ متمسِّكًا بهذه العقيدةِ السليمة، مخلِصًا لله العبادة، عابدًا الله وحدَه، مخلصًا له دعاءَك وذبحَك ونذرك ورجاءَك وحبَّك وخوفك، وكن على يقينٍ بأنّك عبدٌ لله، خُلقتَ لتبعدَ الله وتتقرّب إليه بصالح الأعمال، وأنّ هذه العبادة لا يستحقّها أيّ مخلوق كائنًا من كان، لا ملَكٌ مقرَّب ولا نبيّ مرسل، فضلاً عن أيّ إنسان كائنًا من كان، فالله ما خلقك إلا لتوجِّه قلبَك إليه، إلاّ ليكونَ هو إلهك ومعبودك ومرجوَّك، ليس لك غيره تعالى وتقدّس. فإذا أخلصتَ له توحيدَك وعبدتَه وحدَه لا شريك له فأنتَ بفضل الله ورحمتِه على سبيلِ خير وهدًى، ويُرجَى لك برحمةِ أرحم الراحمين دخولُ الجنة مع الأعمال الصالحة التي جعلها الله سببًا لذلك. واحذَر الشركَ بالله، واحذَر عبادةَ غير الله، واحذر أن تأتيَ قبرًا أو تطوفَ به أو تدعوَ أهله أو تعتقدَ أنّهم ينفعون أو يشفعون، أو أنّهم يسمعون دعاءَ من دعاهم، أو أنّهم يكشفون الضرَّ عن أيّ مضطرٍّ أو ينفعون أو يجلبون خيرًا أو يدفعون ضررًا، اعتقِد أنّ ذلك باطلٌ وكذب، وأنّ الكلَّ بيدِ الله، فهو مالك النّفع والضرّ، وهو المدعوّ والمرجوّ وحدَه دون ما سواه.
ثبّتني الله وإيّاكم على قولِه الثابتِ في الحياة الدنيا وفي الآخرة.
أقول قولي هذا، وأستغفِر الله العظيم الجليل لي ولكم ولسائر المسلمين من كلّ ذنب، فاستغفروه وتوبوا إليه، إنّه هو الغفور الرحيم.
[1] أخرجه البخاري في الصلاة (425)، ومسلم في المساجد (33).
[2] أخرجه البخاري في الإيمان (22)، ومسلم في الإيمان (184) عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه نحوه.
[3] أخرجه البخاري في الجهاد (2856)، ومسلم في الإيمان (30) عن معاذ رضي الله عنه.
[4] أخرجه البخاري في الوصايا (2753)، ومسلم في الإيمان (206) عن أبي هريرة رضي الله عنه نحوه.
[5] أخرجه البخاري في الصلاة (436)، ومسلم في المساجد (531) عن عائشة وابن عباس رضي الله عنهما.
[6] هذا الجزء هو من كلام عائشة رضي الله عنها، أخرجه البخاري في الجنائز (1390)، ومسلم في المساجد (529).
[7] أخرجه البخاري في أحاديث الأنبياء (3445) عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه.
[8] أخرجه أحمد (2/367)، وأبو داود في كتاب المناسك، باب: زيارة القبور (2042) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه بلفظ: ((فإن صلاتكم تبلغني))، وصححه النووي في الأذكار (154)، وابن حجر في الفتح (6/488)، والألباني في أحكام الجنائز (ص213) وتحذير الساجد (ص140).
الخطبة الثانية
الحمد لله حمدًا كثيرًا طيّبًا مباركًا فيه كما يحبّ ربّنا ويرضى، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أنّ محمّدًا عبده ورسوله، صلّى الله عليه وعلى آله وصحبه، وسلّم تسليمًا كثيرًا إلى يوم الدين.
أمّا بعد: فيا أيّها النّاس، اتقوا الله تعالى حقّ التقوى.
أيّها الموحِّد لله، أيّها المسلم الذي أسلم قلبُك لله وعبدتَ الله وحدَه ورجوتَه وحدَه وخصّصته بكلّ أنواع الطاعةِ والعبادة، اسمَع ما وعدك به ربّك على لسان نبيّه ، يقول : ((من شهِد أن لا إله إلا الله وأنّ محمّدًا عبد الله ورسوله وأنّ عيسى عبد الله ورسوله وكلمتُه ألقاها إلى مريم وروحٌ منه وأنّ الجنّة حقّ والنّار حق أدخله الله الجنةَ على ما كان من عمل))[1]، وفي الحديث: ((مَن كان آخر كلامه من الدنيا لا إله إلا الله دخلَ الجنة))[2].
فكن ـ أيّها المسلم ـ حريصًا على تحقيق توحيدك، حريصًا على البُعد عن الشّرك مهما كانَ حالك، ولا تغترّ بما ابتُلي به كثيرٌ من العالِم الإسلامي بهذه الخرافات والضّلالات والتعلّق بضرائحِ الأموات واعتقادِ أنّ أهلَها يسمعون وينفعون وأنّهم يشفعون لمَن دعاهم وأنّ لهم تصرّفًا في الكون وأنّ لهم وأنّ لهم، كلّها من الخرافاتِ والأباطيل التي زيّنها الشّيطان لهم وحسّنها لهم، وحتى ظنّوا أنّها حقّ وهي باطل، يقول الله جلّ وعلا: قُلِ ٱدْعُواْ ٱلَّذِينَ زَعَمْتُمْ مّن دُونِ ٱللَّهِ لاَ يَمْلِكُونَ مِثُقَالَ ذَرَّةٍ فِى ٱلسَّمَـٰوٰتِ وَلاَ فِى ٱلأرْضِ وَمَا لَهُمْ فِيهِمَا مِن شِرْكٍ وَمَا لَهُ مِنْهُمْ مّن ظَهِيرٍ وَلاَ تَنفَعُ ٱلشَّفَـٰعَةُ عِندَهُ إِلاَّ لِمَنْ أَذِنَ لَهُ [سبأ:22، 23]، قل: ادعوا الذين زعمتم من دون الله، فهم لا يملِكون مثقال ذرّة في السموات ولا في الأرض، فمَن ليس مالكًا وليس شريكًا ولا عَونًا لماذا يُدعَى؟! ولماذا يُرجَى؟! ولماذا يقصَد؟! ولماذا ننسَى الحيّ القيومَ السميع القريبَ الذي لا تأخذه سِنة ولا نوم؟! لماذا ننسى مَن إذا قال للشيء: كن فيكون؟! ولماذا نأتي لتلك الخرافات وإلى أولئك الأموات؟! ماذا وراء ذلك؟! ماذا عندهم؟! وماذا وراءهم؟! لكن دعاةَ الضلال والخرافة يدعون إلى هذا الباطل، ويحسّنون هذا الباطل، ويزيّنون لهم هذا الباطل، حتّى أوقعوهم في الشّرك بالله، فليكن المسلمُ على حذَرٍ من ذلك، ليلقى اللهَ على التوحيدِ الخالص، فإن لقيهُ مخلِصًا له توحيدَه فيُرجَى له برحمةِ أرحمِ الراحمين الخيرُ الكثير.
جاء في الحديثِ أنّ في يوم القيامة يؤتَى برجلٍ، فيمدّ له تسعةٌ وتسعون سِجِلاًّ، كلّ سجلّ مدَّ البصر، فيقال: أتنكِر شيئًا من هذا؟ فيقول: لا، فيظنّ الرّجل أنّه هلك، فيقال: لا ظلمَ اليوم، فيخرج بطاقة فيها: "أشهد أن لا إله إلا الله وأنّ محمدًا رسول الله"، فتوضَع البطاقة في كفّة، والسجلاّت في كفّة، قال: فطاشَت السجلاّت وثقُلت البطاقة[3]، كلّ هذا بفضلِ التّوحيد وعظيمِ شأنِه.
جعلني الله وإيّاكم ممّن أخلصَ لله توحيدَه، ولقيَ الله على هذا الأصلِ العظيم، غيرَ مبدِّلٍ ولا مغيِّر، إنّه على كلّ شيء قدير.
واعلموا ـ رحمكم الله ـ أنَّ أحسنَ الحديثِ كتاب الله، وخير الهدي هدي محمّد ، وشرّ الأمور محدثاتها، وكلّ بدعةٍ ضلالة، وعليكم بجماعة المسلمين، فإنّ يد الله على الجماعة، ومن شذّ شذّ في النّار.
وصلّوا ـ رحِمكم الله ـ على محمّد كما أمرَكم بذلك ربّكم، قال تعالى: إِنَّ ٱللَّهَ وَمَلَـٰئِكَـتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى ٱلنَّبِىّ يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ صَلُّواْ عَلَيْهِ وَسَلّمُواْ تَسْلِيمًا [الأحزاب:56].
اللهمَّ صلِّ وسلِّم وبارك على عبدِك ورسولك محمّد، وارضَ اللهمَّ عن خلفائِه الرّاشدين...
[1] أخرجه البخاري في أحاديث الأنبياء (3435)، ومسلم في الإيمان (28) عن عبادة بن الصامت رضي الله عنه.
[2] أخرجه أحمد (5/233)، وأبو داود في الجنائز (3116)، والبيهقي في الشعب (6/545) عن معاذ بن جبل رضي الله عنه، وليس فيه قوله: ((من الدنيا))، وصححه الحاكم (1299، 1842)، وحسنه النووي في المجموع (5/110)، والألباني في الإرواء (687).
[3] حديث البطاقة أخرجه أحمد (2/213)، والترمذي في الإيمان (2639)، وابن ماجه في الزهد (4300) من حديث عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما بنحوه، وقال الترمذي: "هذا حديث حسن غريب"، وصححه ابن حبان (225)، والحاكم (9، 1937)، وهو مخرج في السلسلة الصحيحة (135).
| |
|