molay مدير مراقب
البلد : المغرب الجنس : عدد المساهمات : 11945 تاريخ التسجيل : 17/12/2009 الموقع : STARMUST2
بطاقة الشخصية الدرجة: (1365/1365)
| موضوع: خطورة اليمين وبعض أحكامها - عبد العزيز بن عبد الله آل الشيخ / الرياض الأربعاء 21 ديسمبر - 11:23:41 | |
|
خطورة اليمين وبعض أحكامها
عبد العزيز بن عبد الله آل الشيخ / الرياض
الخطبة الأولى
أما بعد: فيا أيها الناس، اتقوا الله تعالى حق التقوى.
عباد الله، جعل الله تعالى اليمين وسيلة من وسائل إثبات الحقوق، فيقول : ((لو يعطى الناس بدعواهم لادعى رجال دماء قوم وأموالهم، ولكن البينة على المدعي واليمين على المنكر))[1].
فاليمين وسيلة من وسائل إثبات الحقوق، أو وسيلة لبراءة من ادُّعي عليه، ليتخلص مما أقيم عليه من دعوى، فعندما يُدَّعى عليك وليس مع المدعي بينة، فإن يمين المدَّعى عليه تخلِّصُه من تلك الدعوى في الظاهر، وإن كان كاذبًا فأمره إلى الله، والمدعي إن لم تكن بينته كاملة فإن النبي قضى باليمين والشاهد[2]، فشاهد واحد مع يمين المدعي كفيلة بأن تحقق له حقه إن كان صادقًا ظاهرًا وباطنًا.
أيها المسلمون، المطلوب من المؤمن أن يكون صادقًا في يمينه، فلا يحلف بالله على أمر إلا وهو صادق فيما يقول، ليس كاذبًا، ولذا يقول : ((من حلف بالله فليصْدُق، ومن حُلف له بالله فليرض، ومن لم يرض فليس منا)) [3].
وقد جاء الوعيد الشديد على من حلف وعظَّم الله كاذبًا فاجرًا، يقول الله جل وعلا: إِنَّ ٱلَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ ٱللَّهِ وَأَيْمَـٰنِهِمْ ثَمَنًا قَلِيًلا أُوْلَـئِكَ لاَ خَلَـٰقَ لَهُمْ فِى ٱلآخِرَةِ وَلاَ يُكَلّمُهُمُ ٱللَّهُ وَلاَ يَنظُرُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ ٱلْقِيَـٰمَةِ وَلاَ يُزَكّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ [آل عمران: 77].
فتدبر ـ أخي ـ هذا الوعيد الشديد لأولئك الذين جعلوا اليمين بالله وسيلة لأكل أموال الناس ظلمًا وعدوانًا، فحلفوا بالله على الفجور والكذب، أُولَـئِكَ مَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ إِلاَّ ٱلنَّارَ [البقرة: 174]، ويعاقبهم الله فـ لاَ يُكَلّمُهُمُ ٱللَّهُ وَلاَ يَنظُرُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ ٱلْقِيَـٰمَةِ وَلاَ يُزَكّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ.
كل هذا الوعيد لأجل يمين كذبوه لأخذ شيء من الدنيا، وهي قليلة ولو كان المال كثيرًا، لكن آثامه وأوزاره، قال عبد الله بن مسعود: قال رسول الله : ((من حلف يمين كذب ليقتطع بها مال امرئ مسلم هو فيها فاجر لقي الله وهو عليه غضبان)) ثم قرأ قول الله: إِنَّ ٱلَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ ٱللَّهِ وَأَيْمَـٰنِهِمْ ثَمَنًا قَلِيًلا أُوْلَـئِكَ لاَ خَلَـٰقَ لَهُمْ فِى ٱلآخِرَةِ وَلاَ يُكَلّمُهُمُ ٱللَّهُ وَلاَ يَنظُرُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ ٱلْقِيَـٰمَةِ وَلاَ يُزَكّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ[آل عمران: 77][4]، دخل أشعث بن قيس فقال: ما حدثكم أبو عبد الرحمن؟ وأخبروه فقال: صدق أبو عبد الرحمن، كان بيني وبين رجل خصومة في أرض، فقال النبي : ((شاهداك أو يمينه))، قلت: إذًا يحلف ولا يبالي، فقال : ((من حلف على يمين صبرٍ يقتطع بها مال امرئ مسلم هو فيها فاجر لقي الله وهو عليه غضبان)) [5].
فيا أخي المسلم:
عندما تتوجه اليمين إليك فاذكر مقامَك بين يدي الله، اذكر مقامك بين يدي الله، وفكر في هذه اليمين التي سوف تحلفها، هل أنت صادق فيها؟ هل حلفك مبني على صدقٍ ويقين وطمأنينةٍ؟ أم حلفك مبني على كذب وفجور ومحبة للتغلب على الخصم دون مبالاة بخوف الله وعقوبته؟
أيها المسلم، إن هذه اليمين الفاجرة ماحقة لمالك ولعمرك ولعملك، وكم تُعجل لأولئك العقوبة في الدنيا قبل يوم القيامة.
فانظر ـ يا أخي ـ في هذه اليمين، إياك أن تتساهل بشأنها، تعظِّم الله وتقول: "والله العظيم كذا وكذا"، والله يعلم منك كذبك وزورَك وباطلك، فاتق الله، فالدنيا مهما تكن ليست هي مانعة للآخرة، فلا تبع دينك بمصلحة دنيا أنت مفارقها ولا بد.
أيها المسلم، إن نبينا حذرنا من الحلف في بيعنا وشرائنا، فقال في الثلاثة الذين لا يكلمهم الله، ولا ينظر إليهم يوم القيامة، ولا ي+يهم، ذكر الرجل ((جعل الله بضاعته، لا يبيع إلا يمينه، ولا يشتري إلا بيمينه))[6]، فهو دائم الحلف، كثير الحلف، لا يبالي حلف على حق أم على باطل، ما دام اليمين ستروج سلعته، وتنفق بضاعته، فهو لا يبالي ولو كان كاذبًا في يمينه، لا يبالي بذلك ولا يهتم من ذلك، ولا يقيم لها وزنًا، المهم أن تروج البضاعة، المهم أن يظفر بالقضية، المهم أن يكون غالبًا لخصمه، هذه غايته، وأما عقوبة الله في الدنيا والآخرة فإنها من وراء ظهره، لا يبالي بها، بل يستخف بها، ولا يهتم بها، وذاك عنوان نقص الإيمان والعياذ بالله.
فكن يا أخي حذرًا من ذلك ((من اقتطع مال امرئ بيمينه فقد أوجب الله له النار، وحرَّم عليه الجنة)) [7].
فاحذر ـ يا أخي المسلم ـ من هذه الأيمان الفاجرة، احذر منها غاية الحذر، وكن بعيدًا عنها.
كان بعض السلف إذا توجهت اليمين عليهم خافوا منها مع أنها حق، ولكن ورعهم يدعوهم إلى الإقلال منها، وعدم الإكثار منها؛ لأنهم يخافون أن يكون إكثارهم سببًا للكذب.
فيا أخي المسلم، اتق الله في يمينك، اتق الله في هذه اليمين، فلا تحلف إلا وأنت صادق، لا تحلف إلا وأنت على يقين جازم بصحة وحقيقة ما تريد أن تحلف عليه، هذا هو الواجب عليك، لكونك مؤمنًا تخاف الله وترجوه.
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول قولي هذا، وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم، ولسائر المسلمين من كل ذنب، فاستغفروه وتوبوا إليه إنه هو الغفور الرحيم.
[1] أخرجه البيهقي في السنن (10/ 252) بهذا اللفظ من حديث ابن عباس رضي الله عنهما، وحسنه النووي في الأربعين الحديث الثالث والثلاثون، والحافظ ابن حجر في الفتح (5/ 283)، وأصله في البخاري كتاب التفسير، باب قول الله: إن الذين يشترون بعهد الله وأيمانهم (4552)، ومسلم في: الأقضية، باب: اليمين على المدعى عليه (1711).
[2] أخرجه مسلم في الأقضية، باب: القضاء باليمين والشاهد (1712) من حديث ابن عباس رضي الله عنهما.
[3] أخرجه ابن ماجه في الكفارات، باب: من حلف له بالله فليرض (2101) من حديث ابن عمر رضي الله عنهما بلفظ: ((فليس من الله)). قال البوصيري: "رجال إسناده ثقات"، وحسنه الحافظ في الفتح (11/536)، والألباني في صحيح الترغيب (2951).
[4] أخرجه البخاري في الشهادات، باب: قول الله إن الذين يشترون بعهد الله وأيمانهم (2677)، ومسلم في الإيمان (138) بنحوه.
[5] أخرجه البخاري في التفسير، باب: قول الله: إن الذين يشترون بعهد الله (4550)، ومسلم في الإيمان، باب: وعيد من اقتطع حق مسلم بيمين فاجرة (138).
[6] أخرجه الطبراني في الكبير (6/246) من حديث سلمان رضي الله عنه، قال المنذري في الترغيب (2/574): "ورواته محتج بهم في الصحيح". وقال الهيثمي في المجمع (4/78): "ورجاله رجال الصحيح"، وصححه الألباني في صحيح الترغيب برقم (1788).
[7] أخرجه مسلم في الإيمان، باب: وعيد من اقتطع حق مسلم بيمين فاجرة بالنار (137) من حديث أبي أمامة رضي الله عنه بنحوه.
الخطبة الثانية
الحمد لله حمدًا كثيرًا طيبًا مباركًا فيه، كما يحب ربنا ويرضى، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه، وسلم تسليمًا كثيرًا إلى يوم الدين.
أما بعد: فيا أيها الناس، اتقوا الله تعالى حق التقوى.
عباد الله، من أخلاق المؤمن إقلاله من الحلف؛ لأن الحلف تعظيمٌ لله، وإذا أكثر من الحلف خف في قلبه تعظيم الله، والله جل وعلا قد نهى نبيه عن طاعة كثير الحلف فقال: وَلاَ تُطِعْ كُلَّ حَلاَّفٍ مَّهِينٍ [القلم: 10] كثير الحلف، قال الله جل وعلا: وَلاَ تَجْعَلُواْ ٱللَّهَ عُرْضَةً لأَيْمَـٰنِكُمْ أَن تَبَرُّواْ وَتَتَّقُواْ وَتُصْلِحُواْ بَيْنَ ٱلنَّاسِ [البقرة: 224]، لا تجعلوا الله عرضة لأيمانكم فتكثروا من الحلف، أَن تَبَرُّواْ لأن البر والتقوى يدعوكم إلى الإقلال من الحلف، ولا تجعلوا اليمين بالله يمنعكم من البر، ويمنعكم من التقوى، ويمنعكم من الإصلاح بين الناس.
لما حلف الصديق أن يقطع عن مسطح ما كان ينفق عليه لأجل ما قال، قال الله له: وَلاَ يَأْتَلِ أُوْلُواْ ٱلْفَضْلِ مِنكُمْ وَٱلسَّعَةِ أَن يُؤْتُواْ أُوْلِى ٱلْقُرْبَىٰ وَٱلْمَسَـٰكِينَ وَٱلْمُهَـٰجِرِينَ فِى سَبِيلِ ٱللَّهِ [النور: 22][1].
وقال الله: لاَ يُؤَاخِذُكُمُ ٱللَّهُ بِٱللَّغْوِ فِى أَيْمَـٰنِكُمْ [المائدة: 89] ولغو اليمين كأن يقول: "لا والله"، و"بلى والله"، بكلام لا يقصد انعقاد الحلف، وَلَـٰكِن يُؤَاخِذُكُم بِمَا عَقَّدتُّمُ ٱلأَيْمَـٰنَ [المائدة: 89]، أي أكدتم الأيمان.
فيا أخي:
أقلل من الحلف قدر الطاقة، فإن كثرة حلفك قد تجرِّئك على الكذب، وقد لا يوثق بيمينك، فيقال: "فلان حلفه كثير، لا ندري صدقه من كذبه لكثرة أيمانه العظيمة".
أيها الإخوة:
وإن هناك يمينًا تجري فيها الكفارة، وهي اليمين التي يحلفها المسلم في أمور مستقبلية فيقول: "والله لا أكلم فلانًا، والله ما أعمل كذا، والله ما أفعل كذا، والله كذا وكذا"، على أمور مستقبلة يحلف أن لا يفعلها، فإذا كان هذا الأمر المستقبل الذي حلفت أن لا تفعله هو معصية لله فإنك تتركه حلفت أو لم تحلف، أو كان هذا العمل مكروهًا أيضًا كذلك، لكن لو حلفت أن لا تفعل أمرًا المصلحة الدينية في فعله فالأولى أن تفعله، ونبينا يقول: ((والله إن شاء الله إني لا أحلف على يمين فأرى غيرها خيرًا منها إلا أتيت الذي هو خير وتحللتها))[2]، يعني أنه يحلف على أمر لا يفعله ويرى المصلحة في فعله، فالسنة أن يكفر عن يمينه.
ويقول لسمرة: ((وإذا حلفت على يمين فرأيت غيرها خيرًا منها، فعجل الذي هو خير، وكفر عن يمينك)) [3].
فالسنة للمسلم إذا حلف على أهله أو حلف على ولده أو على زوجته أو على صاحبه أو حلف لا يفعل خيرًا، ولا يعمل خيرًا، فإنه يكفر عن يمينه.
وكفارة اليمين بينها الله في قوله: لاَ يُؤَاخِذُكُمُ ٱللَّهُ بِٱللَّغْوِ فِى أَيْمَـٰنِكُمْ وَلَـٰكِن يُؤَاخِذُكُم بِمَا عَقَّدتُّمُ ٱلأَيْمَـٰنَ فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَـٰكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَـٰثَةِ أَيَّامٍ [المائدة: 89]، فجعل الله الكفارة قسمين:
قسمًا خيَّره فيه بين أن يطعم عشرة مساكين لكل مسكين كيلو ونصف من الطعام أي خمسة عشر كيلو، أو ي+و عشرة، أو يعتق رقبة، فإن عدم الجميع صام ثلاثة أيام، والمستحب أن تكون متتابعة ليتحلل بذلك عن يمينه.
والله يقول لنا: وَٱحْفَظُواْ أَيْمَـٰنَكُمْ [المائدة: 89]، قال العلماء: حفظ اليمين في أمور ثلاثة: أن يحفظها بأن [لا يحلف]، ويحفظها بأن لا ينقضها إلا لمصلحة، [ويحفظها بأن يكفر عند الحنث]، ويلحق بها الكفارة، فعدم الكفارة ليس حفظًا لليمين.
فعلى المسلم أن يتقي الله في أيمانه، سواء الأيمان الفاجرة فليجتنبها، وليتق الله فيها، وليعظم اليمين بتركها إلا عندما تدعو إليها الحاجة، والأيمان التي يحلف بها في غضبه ولجاجه، بأن لا يفعل أمرًا، فعلُه أولى من تركه، حلف أن يقطع رحمه، فليصل رحمه، وليكفر عن يمينه، حلف أن لا يعمل خيرًا، فليعمله، وليكفر عن يمينه، حتى يكون بذلك منفذًا لأوامر الله.
أسأل الله لي ولكم التوفيق والسداد لما يحبه ويرضاه، إنه على كل شيء قدير.
واعلموا ـ رحمكم الله ـ أن أحسن الحديث كتاب الله...
[1] أخرج القصة كاملة البخاري في: الشهادات، باب: تعديل النساء بعضهن بعضًا (2661)، ومسلم في التوبة، باب: في حديث الإفك، وقبول توبة القاذف (2770) من حديث عائشة رضي الله عنها.
[2] أخرجه البخاري في: الذبائح والصيد، باب: لحم الدجاج (5518)، ومسلم في: الأيمان، باب: ندب من حلف يمينًا فرأى غيرها خيرًا منها (1649) من حديث أبي موسى رضي الله عنه.
[3] أخرجه البخاري في الأيمان (6622)، ومسلم في الأيمان (1652) من حديث عبد الرحمن بن سمرة رضي الله عنه بنحوه.
| |
|