molay مدير مراقب
البلد : المغرب الجنس : عدد المساهمات : 11945 تاريخ التسجيل : 17/12/2009 الموقع : STARMUST2
بطاقة الشخصية الدرجة: (1365/1365)
| موضوع: خطورة السب والتحذير منه - عبد العزيز بن عبد الله آل الشيخ / الرياض الأربعاء 21 ديسمبر - 11:19:37 | |
|
خطورة السب والتحذير منه
عبد العزيز بن عبد الله آل الشيخ / الرياض
الخطبة الأولى
أما بعد: فيا أيها الناس، اتقوا الله تعالى حق التقوى.
عباد الله:
إن من أخلاق المسلمين الكلام الطيب، الكلام الحسن، الكلام النافع الذي يحقق الخير، ويهدف للخير، فلسان المسلم مهذب، لا يتفوه إلا بكلام طيب، ينفع ويفيد، قال الله تعالى آمرًا عباده المؤمنين بذلك فقال: وَقُولُواْ لِلنَّاسِ حُسْنًا [البقرة: 83]، وقال جل جلاله: وَقُل لّعِبَادِى يَقُولُواْ ٱلَّتِى هِىَ أَحْسَنُ إِنَّ ٱلشَّيْطَـٰنَ يَنزَغُ بَيْنَهُمْ إِنَّ ٱلشَّيْطَـٰنَ كَانَ لِلإِنْسَـٰنِ عَدُوّا مُّبِينًا [الإسراء: 53]، وفي الحديث: ((ليس المسلم بالسباب ولا باللعان، ولا بالفاحش ولا بالبذيء))[1].
أما غير المؤمنين فأخلاقهم السباب فيما بينهم، والكلام القبيح فيما بينهم في الدنيا، وهذا خلقهم يوم القيامة، قال الله عنهم: ثُمَّ يَوْمَ ٱلْقِيَـٰمَةِ يَكْفُرُ بَعْضُكُمْ بِبَعْضٍ وَيَلْعَنُ بَعْضُكُمْ بَعْضاً وَمَأْوَاكُمُ ٱلنَّارُ وَمَا لَكُمْ مّن نَّـٰصِرِينَ [العنكبوت: 25]، وقال عن أهل النار أيضًا: حَتَّى إِذَا ٱدَّارَكُواْ فِيهَا جَمِيعًا قَالَتْ أُخْرَاهُمْ لأولَـٰهُمْ رَبَّنَا هَـؤُلاء أَضَلُّونَا فَـئَاتِهِمْ عَذَابًا ضِعْفًا مّنَ ٱلنَّارِ قَالَ لِكُلّ ضِعْفٌ وَلَـٰكِن لاَّ تَعْلَمُونَ [الأعراف: 38]. فهذا ـ يا إخوتي ـ قول أهل النار بعضهم لبعض، هذا السباب والشتام بينهم يوم القيامة قال تعالى: وَلَوْ تَرَىٰ إِذِ ٱلظَّـٰلِمُونَ مَوْقُوفُونَ عِندَ رَبّهِمْ يَرْجِعُ بَعْضُهُمْ إِلَىٰ بَعْضٍ ٱلْقَوْلَ يَقُولُ ٱلَّذِينَ ٱسْتُضْعِفُواْ لِلَّذِينَ ٱسْتَكْبَرُواْ لَوْلاَ أَنتُمْ لَكُنَّا مُؤْمِنِينَ قَالَ ٱلَّذِينَ ٱسْتَكْبَرُواْ لِلَّذِينَ ٱسْتُضْعِفُواْ أَنَحْنُ صَدَدنَـٰكُمْ عَنِ ٱلْهُدَىٰ بَعْدَ إِذْ جَاءكُمْ بَلْ كُنتُمْ مُّجْرِمِينَ وَقَالَ ٱلَّذِينَ ٱسْتُضْعِفُواْ لِلَّذِينَ ٱسْتَكْبَرُواْ بَلْ مَكْرُ ٱلَّيْلِ وَٱلنَّهَارِ إِذْ تَأْمُرُونَنَا أَن نَّكْفُرَ بِٱللَّهِ الآية [سبأ: 31 ـ 33].
أيها المسلمون:
هذه أخلاق أهل النار؛ السباب بينهم، ولعن بعضهم لبعض يوم القيامة، المؤمنون بخلاف ذلك، وَنَزَعْنَا مَا فِى صُدُورِهِم مّنْ غِلّ إِخْوَانًا عَلَىٰ سُرُرٍ مُّتَقَـٰبِلِينَ [الحجر: 47].
أيها المسلمون:
إن السباب خلق ذميم، خلق سيئ، ولكنه متفاوت في الإثم، على حسب من سُبَّ وعيب وشُتم، فأعظم السب وأشده خطرًا وأعظمه جرمًا مسبة رب العالمين تعالى وتقدس عما يقوله الكافرون علوًا كبيرًا، فسب رب العالمين جريمة نكراء، وذنب عظيم، لا يصدر من إنسان في قلبه إيمان؛ إذ المؤمن معظم لله، محب لله، خائف من الله، راج الله، المؤمن يعلم أن الله هو الذي أوجده من العدم ورباه بالنعم، وأنه ما من لحظة من لحظات أنفاسه إلا ولله عليه نعمة، وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَةَ ٱللَّهِ لاَ تُحْصُوهَا [النحل: 18]، وَمَا بِكُم مّن نّعْمَةٍ فَمِنَ ٱللَّهِ [النحل: 53]، يتفكر في حسن خلقه، ويعلم فضل الله عليه، يٰأَيُّهَا ٱلإِنسَـٰنُ مَا غَرَّكَ بِرَبّكَ ٱلْكَرِيمِ ٱلَّذِى خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ فِى أَىّ صُورَةٍ مَّا شَاء رَكَّبَكَ [الانفطار: 6 ـ 8]، وَلَقَدْ خَلَقْنَا ٱلإِنْسَـٰنَ مِن سُلَـٰلَةٍ مّن طِينٍ [المؤمنون: 12].
إن سبَّ ربَّ العالمين لا يليق بالمؤمن أبدًا، بل المؤمن بعيد كل البعد عنه، ولذا أخبر الله في كتابه أن مسبته إنما هي خلق أعدائه من اليهود والنصارى، فبين تعالى عن اليهود وعن سبهم لرب العالمين حيث وصفوه بالفقر، ووصفوا أنفسهم بالغنى، تعالى الله علوًا كبيرًا: لَّقَدْ سَمِعَ ٱللَّهُ قَوْلَ ٱلَّذِينَ قَالُواْ إِنَّ ٱللَّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَاء [آل عمران: 181] وصفوا الله بالفقر، ووصفوا أنفسهم بأنهم الأغنياء، وأين الغني؟ إنما هو من فضل ربنا جل وعلا، تلك مقالة اليهود عليهم لعائن الله المتتابعة إلى يوم القيامة، وصفوا الله وسبوه، وصفوا الله بالبخل وهو القائم بأرزاق عباده: وَمَا مِن دَابَّةٍ فِي ٱلأرْضِ إِلاَّ عَلَى ٱللَّهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا كُلٌّ فِى كِتَابٍ مُّبِينٍ [هود: 6]، وَكَأَيّن مّن دَابَّةٍ لاَّ تَحْمِلُ رِزْقَهَا ٱللَّهُ يَرْزُقُهَا وَإِيَّاكُمْ [العنكبوت: 60]، و((يمين الله ملأى لا يغيضها نفقة، ألم تروا إلى ما أنفق منذ خلق السموات والأرض؟!))[2]، جاء في الحديث القدسي: ((يا عبادي، لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم سألوني فأعطيت كل واحد منكم مسألته ما نقص ذلك من ملكي إلا كما ينقص المخيط إذا أدخل البحر)) [3].
قالوا عن رب العالمين: إنه بخيل، قال الله عنهم: وَقَالَتِ ٱلْيَهُودُ يَدُ ٱللَّهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُواْ بِمَا قَالُواْ بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنفِقُ كَيْفَ يَشَاء [المائدة: 64].
ومن مسبة اليهود والنصارى لرب العالمين زعمهم أن لله ولدًا تعالى الله علوًا كبيرًا، ولقد بين الله فساد ذلك بقوله: مَا ٱتَّخَذَ ٱللَّهُ مِن وَلَدٍ وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَـهٍ [المؤمنون: 91]، وأخبر أن تلك المقالة تكاد السماوات والأرض والجبال أن تتفطر منها، قال جل وعلا في كتابه العزيز مبينًا أن هذه المقالة مقالة سيئة، مقالة قبيحة جدًا: تَكَادُ ٱلسَّمَـٰوٰتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنشَقُّ ٱلأَرْضُ وَتَخِرُّ ٱلْجِبَالُ هَدّاً أَن دَعَوْا لِلرَّحْمَـٰنِ وَلَداً وَمَا يَنبَغِى لِلرَّحْمَـٰنِ أَن يَتَّخِذَ وَلَداً إِن كُلُّ مَن فِى ٱلسَّمَـٰوٰتِ وَٱلأرْضِ إِلاَّ اتِى ٱلرَّحْمَـٰنِ عَبْداً [مريم: 90 ـ 93]، وقال الله عن الجن: وَأَنَّهُ تَعَـٰلَىٰ جَدُّ رَبّنَا مَا ٱتَّخَذَ صَـٰحِبَةً وَلاَ وَلَداً [الجن: 3]، قال الله عنهم: وَقَالَتِ ٱلْيَهُودُ وَٱلنَّصَـٰرَىٰ نَحْنُ أَبْنَاء ٱللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ قُلْ فَلِمَ يُعَذّبُكُم بِذُنُوبِكُم بَلْ أَنتُمْ بَشَرٌ مِمَّنْ خَلَقَ [المائدة: 18]، وقال الله عنهم: وَقَالَتِ ٱلْيَهُودُ عُزَيْرٌ ٱبْنُ ٱللَّهِ وَقَالَتِ ٱلنَّصَـٰرَى ٱلْمَسِيحُ ٱبْنُ ٱللَّهِ ذٰلِكَ قَوْلُهُم بِأَفْوٰهِهِمْ [التوبة: 30].
أيها المسلمون:
ومن مسبة رب العالمين أن يسيء الإنسان الظن برب العالمين في قضائه وقدره، وعطائه ومنعه، فإن المؤمن يعتقد أن الله حكيم عليم، يعطي لحكمة ويمنع لحكمة، فمن أساء الظن بربه واتهم الله في قضائه وقدره فذاك بعيد عن الإيمان، فالمؤمن يحسن الظن بربه، ويظن بالله الظن اللائق بجلاله، بأن قضاءه دائر بين كمال حكمة, وكمال رحمة، وكمال علم، وكمال عدل، فربك حكيم عليم.
ومن مسبة رب العالمين أن ينكر أسماءه الحسنى وصفاته العلى التي وصف بها نفسه في كتابه، أو وصفه بها نبيه محمد ، فإن المؤمن يؤمن بأن لله أسماء وأن له صفات لائقة بجلاله، لا نستطيع تكييفها، لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَىْء وَهُوَ ٱلسَّمِيعُ ٱلْبَصِيرُ [الشورى: 11].
ومن السباب الفاحش مسبة محمد ، فمحمد سيد الأولين والآخرين الذي جعل الله رسالته رحمة رحم بها الخليقة كلها، قال الله جل وعلا: وَمَا أَرْسَلْنَـٰكَ إِلاَّ رَحْمَةً لّلْعَـٰلَمِينَ [الأنبياء: 107]، فهو نور هدى به الخلق إلى الطاعة والهدى، إذًا فمحمد محبته واجبة، قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ ٱللَّهَ فَٱتَّبِعُونِى يُحْبِبْكُمُ ٱللَّهُ [آل عمران: 31]، محبته ونصرته واجبة على المسلم، فَٱلَّذِينَ ءامَنُواْ بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَٱتَّبَعُواْ ٱلنُّورَ ٱلَّذِى أُنزِلَ مَعَهُ أُوْلَـئِكَ هُمُ ٱلْمُفْلِحُونَ [الأعراف: 157].
إذًا، من يسب رسول الله؟ يسبه فاقد الإيمان، يسب رسول الله من خلا قلبه من الإيمان، هو الذي يعيب النبي ويسبه، أو ينتقص سنته، أو يسخر بها ويستهزئ بها ويعيبها، وقد ذم الله قومًا سخروا بسنته واستهزؤوا به، وَلَئِن سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِٱللَّهِ وَءايَـٰتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْتَهْزِءونَ لاَ تَعْتَذِرُواْ قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَـٰنِكُمْ [التوبة: 65 ـ 66]. إذاً فمحمد نبينا، ورسول الله إلينا، نحبه ونواليه، ونتبع سنته ونحكم شريعته، ونتحاكم إليها ونعتقد أنه مَا يَنطِقُ عَنِ ٱلْهَوَىٰ إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْىٌ يُوحَىٰ [النجم: 3، 4]، فلا يعيبه ويسبه من في قلبه مثقال ذرة من إيمان.
ومن السباب الشنيع مسبة دين الإسلام، وعيب دين الإسلام، والانتقاص من دين الإسلام، ووصف دين الإسلام بالأوصاف القبيحة، بأن يوصف هذا الدين بأنه الدين الرجعي، والدين المتخلف، والدين الذي أخر أهله، والدين الذي آذى أهله. إن هذه مقالة ضالة، قال الله عن المنافقين: إِذْ يَقُولُ ٱلْمُنَـٰفِقُونَ وَٱلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ غَرَّ هَـؤُلاء دِينُهُمْ [الأنفال: 49]، لما رأوا جهاد أهل الإسلام وتضحيتهم في سبيل هذا الدين قالوا: غَرَّ هَـؤُلاء دِينُهُمْ. هذا دين الإسلام الذي أكرمنا الله به، وهدانا إليه، نسأله أن يثبتنا عليه، وأن لا يزيغ قلوبنا بعد إذ هدانا.
فلا يعيب الإسلام، ولا ينتقص الإسلام، ولا يسخر بأوامر الإسلام ونواهي الإسلامي من في قلبه إيمان، قال الله تعالى: وَإِن نَّكَثُواْ أَيْمَـٰنَهُم مّن بَعْدِ عَهْدِهِمْ وَطَعَنُواْ فِى دِينِكُمْ فَقَـٰتِلُواْ أَئِمَّةَ ٱلْكُفْرِ إِنَّهُمْ لا أَيْمَـٰنَ لَهُمْ لَعَلَّهُمْ يَنتَهُونَ [التوبة: 12].
مسبة الإسلام لا تصدر من قلب فيه إيمان، الله جل وعلا قال عن اليهود: وَإِذَا نَـٰدَيْتُمْ إِلَى ٱلصَّلَوٰةِ ٱتَّخَذُوهَا هُزُواً وَلَعِباً [المائدة: 58]، أي: اليهود والمنافقون، أوَّلُها: يَـٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ ٱلَّذِينَ ٱتَّخَذُواْ دِينَكُمْ هُزُواً وَلَعِباً مّنَ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْكِتَـٰبَ مِن قَبْلِكُمْ وَٱلْكُفَّارَ أَوْلِيَاء وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ وَإِذَا نَـٰدَيْتُمْ إِلَى ٱلصَّلَوٰةِ ٱتَّخَذُوهَا هُزُواً وَلَعِباً ذٰلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لاَّ يَعْقِلُونَ [المائدة: 57، 58].
فالذي يسخر بالسنة ويعيبها وينتقصها، ويعتقد أنها لا تقبل، وأن العمل بها غير معقول، فإن هذا دليل على ما في قلبه من النفاق، فالسخرية بالإسلام بالصلاة أو بال+اة أو بالصوم أو بالحج أو بأي واجب إسلامي، أو يسخر من تحريم الربا، أو يسخر من تحريم الزنا، أو يسخر من تحريم الخمر أو غير ذلك، من سخر بالإسلام واستنقص الإسلام وعاب الإسلام وعاب أوامره أو نواهيه فذلك دليل على نفاقه.
ومن السباب المنهي عنه مسبة كتب الله، ومسبة رسله وملائكته، قال الله جل وعلا: قُلْ مَن كَانَ عَدُوّا لِّجِبْرِيلَ فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ عَلَىٰ قَلْبِكَ بِإِذْنِ ٱللَّهِ مُصَدّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ وَهُدًى وَبُشْرَىٰ لِلْمُؤْمِنِينَ مَن كَانَ عَدُوّا لّلَّهِ وَمَلـئِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكَـٰلَ فَإِنَّ ٱللَّهَ عَدُوٌّ لِّلْكَـٰفِرِينَ [البقرة: 96، 97].
فالمؤمن يؤمن بملائكة الله على ما أخبر الله، ويؤمن برسل الله الذين أرسلهم الله، ويؤمن بهم وإن كان الاتباع إنما هو لمحمد ، ويؤمن بكتب الله، وأن الكتاب العزيز القرآن جامع لكتب الله الماضية، فيؤمن بها حقًا، ويؤمن بهذا القرآن وبالعمل به، ويكون معظمًا لهذا القرآن، معظمًا له، عالمًا به، معتقدًا أنه كلام الله الذي بلغه جبريل محمدًا ، سمعه من رب العالمين وبلغه جبريل محمدًا ، فهو يؤمن به، ويعظمه، ويرى أنه الكتاب الحق، وأنه كتاب الله الذي لاَّ يَأْتِيهِ ٱلْبَـٰطِلُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَلاَ مِنْ خَلْفِهِ تَنزِيلٌ مّنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ [فصلت: 42]، بعيدًا عن الاستهزاء به، بعيدًا عن السخرية به، بعيدًا عن احتقاره، بعيدًا عن إهانته؛ لأن إهانته أو احتقاره أو الكفر به، كل ذلك دليل على النفاق في القلب، فالمؤمن لا يتخذه هزوًا، ولا يتخذه لعبًا، بل يؤمن به ويعظمه لأنه كلام الله.
فعظموا رب العالمين، وعظموا نبيه وسائر الأنبياء والمرسلين، وعظموا دين الإسلام، وعظموا ملائكة الرحمن، وآمنوا بما أمركم الله بالإيمان به، عن عقيدة جازمة، فذاك الإيمان الصادق.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: ءامَنَ ٱلرَّسُولُ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مِن رَّبّهِ وَٱلْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ ءامَنَ بِٱللَّهِ وَمَلَـئِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لاَ نُفَرّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مّن رُّسُلِهِ وَقَالُواْ سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ ٱلْمَصِيرُ [البقرة: 285].
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب، فاستغفروه وتوبوا إليه، إنه هو الغفور الرحيم.
[1] أخرجه أحمد (1/404، 405)، والترمذي في البر، باب: ما جاء في اللعنة (1977) من حديث ابن مسعود رضي الله عنه، قال الترمذي: "حديث حسن غريب، وقد روي عن عبد الله من غير هذا الوجه". وصححه ابن حبان (1/421 ـ 192)، والحاكم (1/12). وصححه الألباني في الصحيحة (320).
[2] أخرجه البخاري في: تفسير القرآن، باب: قوله تعالى: وكان عرشه على الماء (4316) ومسلم في: ال+اة، باب الحث على النفقة وتبشير المنفق بالخلف (1658) عن أبي هريرة رضي الله عنه بنحوه.
[3] أخرجه مسلم في: البر والصلة، باب: تحريم الظلم (4674) من حديث أبي ذر رضي الله عنه.
الخطبة الثانية
أما بعد: فيا أيها الناس، اتقوا الله تعالى حق التقوى.
عباد الله، من السباب المنهي عنه، سب الريح، فالنبي يقول: ((لا تسبوا الريح، فإذا رأى أحدكم ما يكره فليقل: اللهم إني أسألك خير هذه الريح وخير ما فيها، وأعوذ بك من شرها وشر ما فيها))[1].
ونهانا رسول الله أن نسب الدهر، فإن الدهر خلق من خلق الله، فلا يجوز لنا أن نسب الليالي والأيام، وأن ننسب الحوادث إليها، يقول الله جل وعلا: ((يؤذيني ابن آدم، يسب الدهر، وأنا الدهر، أقلب الليل والنهار)) [2].
فمسبة الليالي، ومسبة الأيام، كل هذه من الحماقات، الليل والنهار مخلوقان، يجري فيهما ما قضى الله وقدره من كمال حكمته ورحمته وعدله، فلا يجوز أن تتفوه بلسانك بما لا خير فيه.
إن المسلم ينبغي أن يحاسب نفسه فيما يقول، وفي الحديث: ((وهل يكبُّ الناس في النار على وجوههم ـ أو قال: على مناخرهم ـ إلا حصائد ألسنتهم)) [3].
نسأل الله لنا ولكم الثبات على الحق، والاستقامة على الهدى، إنه على كل شيء قدير.
واعلموا رحمكم الله أن أحسن الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد ...
[1] أخرجه أحمد (5/123)، والترمذي في: الفتن، باب: ما جاء في النهي عن سب الرياح (2252) من حديث أبيّ بن كعب رضي الله عنه بنحوه. قال الترمذي: "هذا حديث حسن صحيح"، وصححه المقدسي في المختارة (3/ 425).
[2] أخرجه البخاري في: التفسير، باب: قوله تعالى: وما يهلكنا إلا الدهر (4452)، ومسلم في: الألفاظ من الأدب وغيرها، باب: النهي عن سب الدهر (4166) واللفظ له من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
[3] أخرجه أحمد (5/231)، والترمذي في الإيمان، باب: ما جاء في حرمة الصلاة (2616)، وابن ماجه في الفتن، باب: كف اللسان في الفتنة (3973) من حديث معاذ رضي الله عنه. قال الترمذي: "هذا حديث حسن صحيح". وصححه الحاكم (2/447)، والألباني في صحيح الترمذي برقم (2110).
| |
|