molay مدير مراقب
البلد : المغرب الجنس : عدد المساهمات : 11945 تاريخ التسجيل : 17/12/2009 الموقع : STARMUST2
بطاقة الشخصية الدرجة: (1365/1365)
| موضوع: حسن الخلق- عبد السلام بن برجس آل عبد الكريم الأحد 4 ديسمبر - 4:13:39 | |
|
حسن الخلق
عبد السلام بن برجس آل عبد الكريم
الخطبة الأولى
عباد الله، إن النبي عَلَيْهِ الصَّلاَةُ وَالسَّلاَمُ بُعِث للبشرية ليتمم مكارم الأخلاق؛ فمكارم الأخلاق ومحاسن الأخلاق ينبني عليها كل أمْرٍ حَسَنٍ مَحمود؛ فالأخلاقُ تكون بين العبد وبين ربه، وتكون بين العبد وبين سائر الناس.
فحُسْنُ الخلق مع الله عَزَّ وَجَلَّ يكون بتوحيده عَزَّ وَجَلَّ، والإيمانِ به تَبَارَكَ وَتَعَالَى. وحُسن الخلق مع الناس يكون بإصلاح ما بينك وبينهم من أمور: ببذل المعروف إليهم، وكَفِّ الأذى عنهم، والإحسانِ إليهم.
وحسن الخلق -أيها الإخوة- مِن خَصائِصِ دينِ الإسلام؛ لأن الإسلام يجمع فيه بين ذات الأخلاق الحسنة وبين نِيَّةِ التَّقَرُّبِ إلَى الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى بها؛ فالأخلاق في ديننا شأنها عظيم ومنزلنا كبيرة. سئل رسول الله عَلَيْهِ الصَّلاَةُ وَالسَّلاَمُ عن أفضل الإيمان فقال: ((حُسْنُ الْخُلُقِ)). وسئل عن أكثر ما يدخل الناس الجنة فقال: ((تَقْوَى اللَّهِ، وَحُسْنُ الْخُلُقِ)). وأخبر أن أثقل ما يوضع في ميزان العبد يوم القيامة هو حُسن الخلق. وأخبر أن المرء يدرك بِحُسْنِ خُلُقِهِ منزلةَ الصائم القائم.
وقد جعل الإسلام للأخلاق قواعدَ مَنِ التزمها وقام بها فقد وُفِّقَ للظَّفَرِ بالأخلاقِ الحسنة وسَعِدَ بِها؛ ففي وصية النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ لأبي ذَرٍّ ومعاذِ بنِ جَبَلٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا أنَّه قال عَلَيْهِ الصَّلاَةُ وَالسَّلاَمُ: ((اتَّقِ اللهَ حَيْثُمَا كُنْتَ، وَأَتْبِعِ السَّيِّئَةَ الْحَسَنَةَ تَمْحُهَا، وَخَالِقِ النَّاسَ بِخُلُقٍ حَسَنٍ))، فهذه قواعد للأخلاق التي يجب أن يكون عليها المسلم.
فأول ذلك: خلقه مع الله عَزَّ وَجَلَّ بأن يحسنَ باطنَهُ، ويجعلَ قلبَهُ مخلِصًا لله عَزَّ وَجَلَّ؛ فيتقي الله في أي مكان كان، وفي أي موضع كان، إن قلبه قد عَلِم أن الله يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفَى [طه: 7].
ثم إذا وقعت من المسلم هَنَّة أو زَلَّة فعليه أن يتبعها بما يَمْحُوها؛ لأن الله عَزَّ وَجَلَّ واسِعُ المغفرة، وقد جعل من طبيعة البشر الخطأ، وخَيْرُ الخطَّائين التوابون؛ فإذا وقع في سيئة أتبعها بحسنة: إما بالتوبة منها، أو بالأعْمَال الصالحة التي تكفر صغائِرَ الذنوب.
ثم ذكر النبي القاعدة الثالثة: ((وَخَالِقِ النَّاسَ بِخُلُقٍ حَسَنٍ))، ومخالقة الناس بالأخلاق الحسنة تكون: بصدق الوعد معهم، وبعدم الكذب عليهم، وبالإحسان إليهم، وإقالة عَثْرَةِ مَن عَثَر منهم... وغير ذلك مما يجمعه معنى حُسْنِ الْخُلُق.
فالمرء المسلم هو الذي يعامل الناس بما يحب أن يعاملوه به؛ فهذا هو كمال الإيمان؛ ولهذا قال النبي عَلَيْهِ الصَّلاَةُ وَالسَّلاَمُ كما في الترمذي وغيره عن أبي هريرة : ((أَكْمَلُ الْمُؤْمِنِينَ إِيْمَانًا أَحْسَنُهُمْ أَخْلاَقًا)). فحَسَنُ الْخُلُقِ يُعامِلُ الناسَ بما يُحِبُّ أن يعاملوه به؛ فلا يكذبُ بل يصدق، ولا يغش، ولا يخون بل يكون أمينًا... إلى غير ذلك من المعاني الحسنة التي قرَّرها الإسلام وبناها.
أيها المسلمون، لقد كان المسلمون في الصدر الأول والقرون المفضلة على أتَمِّ الأخلاق وأكملها وأحسنها؛ ولذا كان المجتمع مليئًا بالسرور والسعادة: يحنو بعضُهم على بعض، ويُحِبُّ بعضهم بعضًا؛ لأن الإسلام غَرَسَ فيهم الأخلاق الحسنة الكريمة؛ فامتثَلوا لهذه الأوامر من الله عَزَّ وَجَلَّ ومن رسوله عَلَيْهِ الصَّلاَةُ وَالسَّلاَمُ؛ فأصبحوا مثالاً يُضرب في حسن الخلق؛ فكان مجتمعهم مجتمعًا مثاليًّا: يَعلُو فيه كُلُّ أمْرٍ محمودٍ، ويَختفِي عنه كُلُّ أمْرٍ مذمومٍ.
أما لما غيَّر أكثرُ المسلمين فساءت منهم الأخلاق، وتقاعسوا عن القِيام بالآثار التي أرشدتهم إليها الشريعة الإسلامية؛ فإن البغضاء والشحناء وُلِدَت بين كثير منهم، وفَشَتْ فيهم مِنَ الأخلاق التي لا يقبلها الإسلام ولا يرضاها ما لا يعلمُ به إلا الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى.
فيا أيها المسلمون، اتَّقُوا الله عَزَّ وَجَلَّ، وارجِعُوا إلى أخلاقكم التي أمرَكُم بها الإسلام. ومَن كان مِنكم على خُلُقِ الإسلام فليحمدِ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ، وليستكثرْ بالصَّبْرِ على ذلك والاستمرارِ. ومَن عَلِم من نفسه نقصًا فلا يُضَيِّعَنَّ على نفسِهِ ثوابًا عظيمًا جعله الله عَزَّ وَجَلَّ في حُسْنِ الخُلُق؛ فإنَّ حسنَ الخلق عبادةٌ مستمرة إذا قَصَدَ بها المسلمُ وجْهَ الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى؛ فهي تَفْضُلُ يومَ القِيَامة على كثير مِمَّن يَقُومُون الليل ويصومون النهار؛ لأن قيام الليل وصيام النهار عبادةٌ مؤقتة تنتهي، أما حسن الخلق فإنه مستمر في كل لحظة من لَحَظَاتِ حياتِه.
يقول عَلَيْهِ الصَّلاَةُ وَالسَّلاَمُ مُبَيِّنًا منزلةَ مَن هو حَسَنُ الأخلاق: ((إِنَّ أَقْرَبَكُمْ مِنِّي مَجْلِسًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ: أَحَاسِنُكُمْ أَخْلاَقًا، وَإِنَّ أَبْعَدَكُمْ مِنِّي يَوْمَ الْقِيَامَةِ: الثَّرْثَارُونَ، وَالْمُتَشَدِّقُونَ، وَالْمُتَفَيْهِقُونَ))، قالوا: قد عرفنا -يا رسول الله- المتشدقين والثرثارين، فمن هم المتفيهقون؟ قال: ((الْمُتَكَبِّرُونَ)). فكُلُّ مَن ترك الأخلاق الحسنة فإنه بعيد من رسول الله عَلَيْهِ الصَّلاَةُ وَالسَّلاَمُ في هذه الدنيا وفي الآخرة.
الخطبة الثانية
أيها المسلمون، إن قيمة كُلّ مجمتع بثقافةِ أخلاقه؛ فإن كانت أخلاقه عالية كان مجتمعًا راقِيًا، وإن لم يكن كذلك فهو مجتمع غير مرغوب فيه، أو ما يسمى بـ(المجتمع الْمُتَقَلِّب).
ونحن -معشرَ المسلمين- قد جُمِعَت لنا الأخلاق الحسنة، وَوُزِّنَتْ لنا توزينًا دقيقًا في كُلِّ صغير وكبير؛ فلم يُتَوَفَّ رسول الله عَلَيْهِ الصَّلاَةُ وَالسَّلاَمُ إلا وقد دلَّنا على كل خير ونهانا عن كل شر؛ فتركنا صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلاَمُهُ عَلَيْهِ عَلَى الْمَحَجَّةِ الْبَيْضَاءِ، لَيْلُهَا كَنَهَارِهَا، لاَ يَزِيغُ عَنْهَا إِلاَ هَالِكٌ، ومن ذلك: موضوع الأخلاق.
قال الله عَزَّ وَجَلَّ في وَصْفِ نَبِيِّه : وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ [القلم: 4]، وسئلت عائشة رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُا عن خُلُقِه ، قالت: كان خُلُقُهُ القرآنَ؛ وعليه فمن عمل بهذا الكتاب العزيز وبالسنة النبوية فإن أخلاقه حسنة كاملة، وهو أكمل المؤمنين إيمانًا، ومَنِ انتقص مِن أوامر الله شيئًا أو وقع في شيء من معصية الله عَزَّ وَجَلَّ فقد انتقص خُلُقُهُ بِحَسَبِ ما انتقصَ مِن دينِهِ.
أيها المسلمون، لَمَّا أدرك أعداء الإسلام أن كمال المؤمنين فِي حُسْنِ خُلُقِهِم كادوا لهم، ووضعوا لهم الحبائل؛ لِصَدِّهم عن هذه الأخلاق الحسنة؛ فَأَجْلَبَتْ شياطينُ الإنس والجن على أخلاق المسلمين بكل ما أُوتوا من سلاح فتَّاكٍ معنويًّا كان أو محسوسًا. فَبَثَّ أعداءُ الإسلام بين المسلمين ما يغريهم من الشهوات الضالة؛ ليَصْرِفُوهم عن حسْن الخلق الذي ربَّاهم الإسلام عليه، وللأسف وَقَعَ كثيرٌ مِن المسلمين في هذه الحبائل، واصطادهم الشيطان؛ فإنا لِلَّه وإنا إليه راجعون.
فيا أيها المسلمون، اتقوا الله عَزَّ وَجَلَّ في السِّرِّ والعَلَن، وحقِّقوا ما أمركم به الإسلام مِن حسْن الخلق، وإيَّاكم أن تَنْخَدِعُوا بما يَنْصِبُهُ الشيطانُ لكم من حبال؛ لِيَصْرِفَكُم عَنِ الأخلاق الحسنة، أو ينصبُها لكم شياطين الإنس من أعداءِ الإسلام مِنَ الكَفَرة؛ فإن ذلك سُوءٌ مَنْ وقع فيه فقد وقع في سُوءٍ عظيم.
وليتأمل المسلم قولَ أحد السلف رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُم: "مِسكينٌ مَن باع الجنة بِما فيها بِشَهْوَةِ سَاعَة"؛ فالشهوة المحرمة يتلذذ بها الإنسان ظاهرًا للحظات أو سُوَيعاتٍ، ثم تنقضي؛ فتعود حَسْرَةُ الذَّنْبِ وشُؤْمُ الذَّنْبِ عليهِ بظلماتٍ عَظِيمة، وبِقَسوة في قلبِهِ، وبكَسَلٍ وهمٍّ ونَكَدٍ وكآبة؛ جَزَاءً وِفَاقًا [النبأ: 26]؛ لأنه عصى الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى [طه: 124].
نسأل الله عَزَّ وَجَلَّ أن يصلِحَ أخلاقَ المسلمين، وأن يُوَفِّقَنا للاعتصام بكتاب الله عَزَّ وَجَلَّ وبسنة النبي عَلَيْهِ الصَّلاَةُ وَالسَّلاَمُ.
| |
|